كوميديا سوداء.. نصف الشعب المصري من ذوي الإعاقة بنص القانون

الأحد، 30 ديسمبر 2018 08:00 ص
كوميديا سوداء.. نصف الشعب المصري من ذوي الإعاقة بنص القانون
هاله زايد
هشام السروجي

 
حقيقة صادمة لا تستدعى السخرية، فأحيانا يكون الواقع أكثر دهشة من سيناريوهات الأفلام الدرامية، بل قد يكون أقرب إلى الكوميديا السوداء
حين تكتشف أن شريحة عريضة من المجتمع المصرى تقترب من الـ50 %، من الممكن تصنيفها ضمن ذوى الاحتياجات الخاصة، منهم 36 % فقط إعاقة نفسية وذهنية بناء على تصريحات رسمية من وزارة الصحة وصندوق مكافحة الإدمان ووزارة التضامن الاجتماعى، بخلاف 11 % إعاقات جسدية بحسب تصريحات الدكتور بهاء مختار، الأمين العام المساعد للمجلس القومى لشئون الإعاقة فى العام الماضى.
 
فى الوقت الذى يأتى فيه اهتمام الدولة ومؤسساتها بذوى الإعاقة، والسعى على دمجهم فى المجتمع، وتوفير استثناءات مادية ومعنوية، تساندهم فى مواجهة متطلبات الحياة اليومية، ما استدعى إنشاء المجلس القومى لشئون الإعاقة، والعمل على وضع تشريعات تضمن لهم حياة كريمة، حتى خرجت الأسبوع الماضى اللائحة التنفيذية لقانون ذوى الإعاقة، إلا أن بنودها أثارت الكثير من التساؤلات، فيما يخص تصنيف ذوى الإعاقة الذين تطبق عليهم اللائحة، خاصة أن التصنيف جاء فضفاضا يسمح لأن يندرج تحت بنوده ما يزيد على نصف الشعب المصرى، وبحسب الإحصائيات الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة، فإن 36 % من الشعب تنطبق عليهم بنود الإعاقة النفسية فقط، بخلاف التصنيفات الجسدية والعضوية الأخرى.
 
25 % من المصريين يعانون من الأعراض والاضطرابات النفسية، بخلاف 800 ألف مصاب بالتوحد، بحسب تصريحات الدكتور غادة والى وزيرة التضامن الاجتماعى فى عام 2017، إضافة لـ10 ملايين مدمن.
 
نتيجة صادمة سبق وتوصل إليها المسح القومى للصحة النفسية، والتى كانت قد استهدفت قياس معدل انتشار الاضطرابات النفسية بمحافظات الجمهورية لعام 2018، فترة تولى الدكتور أحمد عماد منصب وزير الصحة، وجاءت نتائج قياس معدل الاضطرابات النفسية التى كانت قد أجرته وزارة الصحة كشف أن كل 1 من كل 4 أشخاص من المفحوصين لديه اضطراب نفسى، وهى تبدأ من الاكتئاب وتصل إلى الاضطرابات الفصامية، وبينهما ما يزيد على 450 توصيفا مرضيا، كما جاء فى التصنيف الدولى للأمراض النفسية المنشور بمعرفة «منظمة الصحة العالمية».
 
ذكر البند 9 فى المادة الرابعة من اللائحة المخصص للاضطرابات النفسية/ الانفعالية، بأنها الاضطرابات التى تؤدى إلى إحداث تغير غير طبيعى فى سلوكيات الإنسان ونفسيته ووظائفه المعرفية وتصرفاته، إضافة إلى حدوث خلل فى قدرة الشخص للسيطرة على مشاعره، ما يؤدى إلى ظهور أعراض نفسية وسلوكية غريبة، تؤثر سلبا بصفة مستقلة على حياته وعمله ودراسته وعلاقته بالغير فى آخر عامين.
 
2
 
ويصف البند الحالات التى تستوجب أن تكون ضمن اللائحة، بالاضطرابات التى يعانيها الكبار والصغار، وتتضمن «الاكتئاب - والاضطراب الوجدانى ثنائى القطب- وانفصام الشخصية بأنواعه - والخرف بأنواعه، وهى أمراض وصفتها المنظمات العالمية الرسمية بأنها أمرض العصر، وذهبت إحصائيات ودراسات إلى أن عدد المصابين بها فى العالم تجاوز حاجز الـ40 %.
 
فيما يعانى كبار السن من الاضطرابات السلوكية «الخرف أو الشيخوخة»، كما تضم قائمة الأمراض النفسية التى يعانى منها كبار السن «الارتباك، التململ، العصبية، نوبات الغضب، الاكتئاب، فتور الشعور، الخمول (apathy) والهلاوس». 
 
أما عن الشباب والمراهقين فيؤكد إخصائيون نفسيون أن هناك 5 اضطرابات معروفة وشهيرة، تصيب تلك المرحلة العمرية، على رأسها الشعور بالوحدة والعزلة والاغتراب عن مجتمعاتهم المحيطة، مما يصيبهم بمضاعفات الاكتئاب ويعمق من الأزمة ويجعلهم عرضة لأمراض نفسية أكثر خطورة كالتوتر والقلق المرضى.
 
من جانبه، يرى الدكتور إبراهيم مجدى إخصائى الطب النفسى، أن بنود اللائحة «مطاطة» وغاب عن المُشرع التوصيف الدقيق للحالات المرضية التى تستحق أن ينطبق عليها بنود لائحة الإعاقة النفسية، حيث تستوجب أن يكون المريض غير قادر على الكسب، وأن يكون التشخيص من خلال قومسيون طبى يتبع «المجلس القومى لشئون الإعاقة» تفعيلا للرقابة ومنع دخول غير المستحقين ضمن اللائحة، مؤكدا أن تحديد مدة خضوع المريض إلى العلاج بـ«عامين» من شأنها توسيع رقعة الدخول تحت مظلة اللائحة.
 
 
وأوضح أن العلاج النفسى فى مصر يستغرق وقتا أطول يتناسب والإمكانيات الطبية المتاحة، فى الوقت التى لا يستغرق فيه العلاج النفسى فى الخارج كل هذه المدة فى عدد كبير من الحالات، لتوافر أدوات ومعدات وأجهزة تساعد على التشخيص الجيد للحالة، مثل أجهزة القياس العصبى وكميات إفراز بعض الهرمونات المؤثرة والمسببة للمرض النفسى، مشيرا إلى أن بعض الأمراض مثل الاكتئاب ونوبات الفزع والاضطراب ثنائى القطب، يكون بسبب خلل فى كيمياء المخ ومنها سيروتونين، دوبامين، الأدرينالين.
 
وأشار مجدى، إلى أن توعية المجتمع عن المرض النفسى كان يجب أن تسبق التشريع، كاشفا أن شركات التأمين لا تغطى الاضطرابات النفسية ولا تعترف بها كمرض يستحق العلاج، وتساءل كيف تعتبر الدولة المريض النفسى شخصا يستحق المساعدة فى حين أن المجتمع يعتبره وصمة يتبرأ منها.
 
وأضاف مجدى، أن جميع الاضطرابات النفسية ومن ضمنها التى لا تمنع صاحبها من الكسب والعمل، يتلازم معها الاكتئاب الذى اعتبرته اللائحة ضمن المستفيدين من المميزات الاستثنائية لذوى الإعاقة.
 
ونبه مجدى، على أن الإدمان وتعاطى المخدرات تم إدراجهما ضمن قائمة الأمراض النفسية، لما يسببه الإدمان من مشكلات واضطرابات نفسية، تتفق وبنود اللائحة التى تم الإعلان عنها.
 
وفى سياق متصل نجد أن نسبة المدمنين وصلوا إلى 2.5 % والمتعاطين 10 % وهى تتعدى نسبة التعاطى العالمية التى تسجل 5 %، بحسب تصريحات الدكتور «عمرو عثمان» رئيس صندوق مكافحة الإدمان بتاريخ 26 مايو 2016، التى قال فيها «مشكلة الإدمان والتعاطى منتشرة فى مصر بصورة كبيرة، وهو ما دفع الجميع لمضاعفة المجهود لمكافحتها، ولا نخجل من الإعلان عن الأرقام الحقيقية حتى وإن كانت صادمة، وهو ما جعلنا نقوم من خلال الصندوق بالعديد من الأبحاث والدراسات التى توضح لنا المشكلة بشكل صحيح حتى نضع أيدينا على المشكلة وأسبابها وأماكن انتشارها».
 
من جانبه، أكد الدكتور أشرف مرعى، الأمين العام للمجلس القومى لشئون الإعاقة، أن الجزء الفنى فيما يخص توصيف الإعاقات كان يخضع لتقييم ومعايير وضعت بمعرفة لجنة متخصصة من وزارة الصحة برئاسة الدكتورة منى حافظ وفريقها المعاون، مشيرا إلى أن إدراج الإعاقة النفسية ضمن ذوى الاحتياجات الخاصة جاء بناء على تصنيفات وتوصيفات عالمية، وجب على المجلس المطالبة بإدراجها ضمن ذوى الإعاقة.
 
Capture
 
وعن مدى مطابقة البنود المذكورة فى الإعاقة النفسية أو الذهنية للواقع، وإن كانت تسمح لدخول أشخاص لا يستحقون الامتيازات التى تقدمها، قال إن اللائحة بها من المرونة ما يسمح بتغيير البنود وتعديلها، فيما وصفها بخبرة الممارسة.
 
وأشار إلى أن ما ينص على ضرورة خضوع الشخص إلى العلاج النفسى لمدة عامين، كى يتم تصنيفه ضمن المستفيدين، قد يتغير إلى ما دون ذلك أو أكثر، إذا ثبت بالممارسة أن هناك معايير من الضرورى تغييرها، وشدد على أن المجلس قطع شوطا كبيرا فى الخروج باللائحة بهذه الصورة التى تتناسب والمعايير العالمية، لكنها قابلة للتحديث والتطور، وقتما اقتضت الحاجة.
 
وحاولت «صوت الأمة» التواصل مع الدكتورة منى حافظ رئيس لجنة وزارة الصحة فى وضع لائحة الإعاقة، للوقوف على كيفية تطبيق المعايير التى على أسسها يتم تصنيف الإعاقات النفسية والذهنية، لكن تعذر الوصول إليها.
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق