الزراعة طوق الخروج من عنق الزجاجة.. لماذا ينتظر «أبو ستيت» مبادرة رئاسية؟

السبت، 19 يناير 2019 06:00 م
الزراعة طوق الخروج من عنق الزجاجة.. لماذا ينتظر «أبو ستيت» مبادرة رئاسية؟
وزير الزراعة
محمد أبوالنور

 
- تزايد مساحة الأراضي الزراعية.. وتراجع زراعة المحاصيل الاستراتيجية.. ووزراء سابقون: الحل فى «التسعير المريح»
 
ملف الزراعة من الملفات المهمة التى تعول عليها الدولة لتحقيق عدة مكاسب، منها تحقيق الاكتفاء الذاتى من الغذاء، وتقليل فاتورة الاستيراد من الخارج، وفتح المجال أمام المنتجات الزراعية المصرية للتصدير، وهو ما بدأ يحدث تدريجيا، ففى أول يناير الجارى أعلنت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى، ممثلة فى الحجر الزراعى، أنه لأول مرة فى مصر  تقفز صادرات الخضر والفاكهة حاجز الـ 5 ملايين طن، بسبب تطبيق المنظومة الجديدة لتطوير الصادرات الزراعية المصرية، وفقا للاشتراطات الدولية والحدود المعتمدة لمتبقيات المبيدات و«معايير منظمة الكودكس»، لرفع جودة المنتجات الزراعية سواء للاستهلاك المحلى أو التصدير، ورفع الحظر والتوسع فى فتح أسواق جديدة بما حقق طفرة فى مضاعفة الأرقام التصديرية للمنتجات الزراعية. وترافق ذلك مع افتتاح عدد من المشروعات مثل مشروع المليون ونصف المليون فدان، وكذلك مشروع الصوب الزراعية، وهو ما يهدف إلى إعادة مصر إلى الحقبة الزراعية، لكن السؤال الآن: هل يكفى ذلك، أم أننا بحاجة للمزيد؟
 
فى هذا الملف، تحاول «صوت الأمة» الإجابة عن كل التساؤلات المطروحة بشأن ملف الزراعة فى مصر، وكيف تستغل مصر مواردها لتحقيق الاكتفاء الذاتى من الغذاء؟ وأيضا هل تكفى الموارد المائية لتحقيق خطة الدولة؟ فى هذا الملف يتحدث أصحاب القرار، والمنخرطون فى الملف الزراعى، وهدفنا أن نصل إلى رصد حقيقى وواقعى لحال الزراعة فى مصر، ارتباطا بمسألة المياه، وصولا إلى الإجابة عن السؤال القديم المتجدد، وهو متى تحقق مصر هدفها بالاكتفاء الذاتى من الغذاء؟
 
ومتى تتحرك وزارة الزراعة والدكتور عز الدين أبوستيت فى ملف الزراعة؟ خاصة أن كل ما حدث فى هذا الملف حاليا لم يأت من الوزارة وإنما بمبادرة رئاسية من الرئيس عبدالفتاح السيسى.
 
يشكل تراجع مساحة زراعات المحاصيل الاستراتيجية فى مصر خلال السنوات الأخيرة، على الرغم من تزايد مساحة الأراضى الزراعية والمساحة المحصولية عموما، أزمة نتيجة لسياسات زراعية، تم تطبيقها والأخذ بها خلال السنوات الماضية، اتسمت بالخطأ والعشوائية، وهو ما أدى فى النهاية إلى البدء فى الاستيراد.
 
الواقع يقول إن مصر دولة زراعية، وليس منطقيا أن تستورد احتياجاتها الزراعية من الخارج، لكن هذا لم يحدث نتيجة الأخطاء التراكمية، لذلك كان على الزراعة المصرية، أن تعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتى من الزراعة، أو على أقل تقدير توفير حد الأمان منها، وهو ما يزيد على 50 % إن لم يكن يتجاوزه، وكانت مصر بعد ثورة 23 يوليو عام 1952، قد وضعت سياسة زراعية وخططا خمسية وعشرية وخططا طويلة الأمد، لتوفير ما أسمته وقتها بالمحاصيل الغذائية الصناعية أو المحاصيل الاستراتيجية، وهى المحاصيل التى تدخل فى توفير غذاء المصريين، وكذلك التى كانت تقوم عليها الصناعات فى مصر بعد الثورة، وعلى الرغم من أن هناك عاملين مؤثرين فى هذه السياسات الزراعية، وهما حصة وكمية المياه التى تحصل عليها مصر، وكذلك التغير فى المنظومة السكانية بالزيادة، إلا أنه كان على العلماء والخبراء والخطط والسياسات الزراعية أن تحتوى ذلك وتضع حلولا واقعية لهذا التراجع.
 
خريطة المحاصيل الاستراتيجة
 
كانت محاصيل القمح والأرز والقطن وقصب السكر والذرة والفول البلدى، هى أهم الحاصلات التى تتم زراعتها فى الدورة الزراعية، أو ما كان يسمى بالتركيب المحصولى منذ سنوات، وكان يدخل معها مساحات بسيطة من البصل والثوم والعدس ودواّر الشمس وجانب من مساحة الخضراوات، التى لا تذكر، لكن هذه السياسة الزراعية اختفت بعد ذلك خلال الـ 30 عاما الأخيرة، بدخول زراعة المحاصيل التصديرية أو المحاصيل الربحية فى سياسة الزراعة بمساحات كبيرة، خاصة عندما تولى الدكتور يوسف والى ملف الزراعة لأكثر من 22 عاما متصلة، وخلالها تم تثبيت هذه السياسة.
 
وحلت محاصيل زراعية جديدة محل الحاصلات الزراعية الاستراتيجية القديمة، وبدأ المزارعون والشركات فى التوسع فى زراعتها مثل: البطاطس وبنجر السكر والموالح والفراولة والكنتالوب والعنب والمانجو والرمان وغيرها، وللحقيقة فقد كانت بعض هذه المحاصيل، تتم زراعتها بمساحات بسيطة، غير أنها شيئا فشيئا أخذت فى التهام مساحات زراعات القمح والقصب والفول والذرة والأرز، حتى تفاقمت فجوة مساحة وإنتاجية المحاصيل الرئيسية اللازمة لرغيف الخبز وغذاء غالبية المصريين، مثل القمح والأرز والفول والقصب، لحساب الزراعات التصديرية الربحية التعاقدية. 
 
التنمية الزراعية لعام 2030
 
منذ أيام أصدرت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى، تقريرا عن استراتيجية التنمية الزراعية المستدامة حتى عام 2030، واحتوى الجزء الأول منه على تحليل لأداء القطاع الزراعى منذ عام 1980 وحتى 2007، وأكد التقرير أن المساحة المنزرعة زادت من 5.87 مليون فدان عام 1980 إلى 12 مليون فدان عام 2007، وأن الصادرات الزراعة المصرية ظلت لفترات طويلة من الزمن محصورة فى 4 محاصيل رئيسية، وهى القطن والأرز والبصل والموالح، ومنذ منتصف التسعينيات، بدأت مرحلة التحول الجذرى فى هيكل تجارة الصادرات الزراعية، حيث تنوعت محصوليا واتسعت سوقيا، وتضاعفت من حيث القيمة والعائد التصديرى.
 
وما يؤكد ذلك أن جملة قيمة الصادرات الزراعية، بلغت حوالى مليار و230 مليون دولار سنويا خلال الثلاث سنوات الأخيرة من عام 2005 – 2007، وكانت تشكل المحاصيل الـ 4 وقتها حوالى 50 % من الحصيلة التصديرية، والباقى كان حصيلة تصديرية للعديد من الحاصلات الأخرى، مثل الخضر والفاكهة والنباتات الطبية والعطرية، كما اتسعت الدائرة التسويقية للصادرات المصرية، فلم تعد قاصرة على السوق العربية والأوروبية، بل انتشرت لتصل إلى العديد من الأسواق الإفريقية وجنوب شرق آسياو وغيرها من أسواق الاستيراد الرئيسية على النطاق العالمى، حتى بلغت الصادرات فى عام 2018، وفق تقرير حديث لوزارة الزراعة حوالى 5 ملايين و 200 ألف طن من 13 محصولا زراعيا، تجاوزت قيمتها 2 مليار دولار.      

العودة للعلم وليس الفتاوى
 
سألت أحد وزراء الزراعة السابقين، عن كيفية إعادة زراعة مساحات المحاصيل الاستراتيجية مرة أخرى بعد أن تراجعت مساحة زراعتها، فطلب فى البداية عدم ذكر اسمه، وقال: «هناك 4 محاور لابد من تفعيلها، الأول منها هو إعادة التركيب المحصولى والدورة الزراعية مرة أخرى لجدول أعمال الزراعة المصرية بعد أن هجرناها طويلا، والمحور الثانى خاص بتفعيل آليات وقوانين الزراعة التعاقدية، حتى يضمن المزارع والفلاح أنه سيزرع محصولا ويجد من يشتريه أو من يتسلمه منه، أو يضمن توريده بمقابل مادى معقول ومربح، ويحصل خلال الزراعة على التقاوى والمبيدات والأسمدة والخدمة الزراعية، فى مقابل توريد المحصول.
 
أما المحور الثالث فى رأى وزير الزراعة الأسبق، فهو الحديث عن المحاصيل وتقييمها فى الأولوية على أسس علمية، وليس الفتوى فيما لا نعلم، وهو خاص بزراعة القصب على وجه الخصوص، فكل الحديث حاليا عن القصب أنه يأخذ كميات مياه كبيرة، فى حين أن فدان القصب يعطى 4 طن سُكر، بينما يعطى فدان البنجر 2 طن، والقصب تقوم عليه 23 صناعة أخرى والتقاوى الخاصة به محلية مصرية، بينما البنجر يتم استيراد تقاويه،كما تتم زراعة البنجر أكثر من عروة، فيستهلك مياها أكثر من القصب، وشبيه ذلك موضوع الأرز الذى تصفه وزارة الرى بأنه يستهلك مياها أكثر، بينما هو محصول مهم لمحافظات شمال الدلتا، لأن الأرض ملوحتها زائدة، وتحتاج هذا المحصول على وجه الخصوص، علاوة على أن كمية النشا فى الأرز أكثر من القمح بكثير.
 
وفى المحور الرابع لابد أن يحصل المزارع على سعر مُجزٍ لزراعة المحصول، لأنه لا يُعقل أن يزرع الفلاح طوال الموسم دون الحصول على مقابل ما أنفقه على زراعته، ثم هامش ربح يشجعه على تكرار زراعة المحصول، وضمن هذا المحور يدخل ملف زراعة القطن، فلدينا قطن طويل وفائق الطول وممتاز يتلهف العالم على زراعته ومنتجاته، لكننا لانزرعه نتيجة أن مصانع الغزل، تم تصميمها على القطن قصير التيلة، والسؤال هنا، مادام لدينا هذه القطن الممتاز، لماذا لا يتم تحويل وتعديل آلات ومعدات المصانع حتى تتناسب مع هذا القطن الممتاز، الذى تقوم عليه بجانب الغزل والملابس، صناعات الزيوت و «الكُسب» كعلف للحيوانات، وتربية الثروة الحيوانية ودعمها وتطويرها، وقد كانت هناك دراسات زراعية لكل هذه المحاور، التى يمكن عن طريق تفعيلها،  أن نستعيد المحاصيل الاستراتيجة، لكن للأسف حبيسة الأدراج ولا يتم الأخذ بها. 
 
التسعير المُربح للمحصول
 
توجهت بنفس السؤال إلى المهندس محمد رضا إسماعيل، وزير الزراعة الأسبق، عن كيفية استعادة مساحات زراعة المحاصيل الاستراتيجية مرة أخرى بعد أن تراجعت وعزف عنها المزارعون، وكان الجواب- كما قال لـ «صوت الأُمّة»- فى كلمة أو عبارة واحدة، وهى «التسعير المُربح»، بمعنى أن أضع كمسئول سعر شراء أو توريد المحصول بشرط أن يكون سعرا مجزيا ومُربحا لصالح الفلاح والمزارع، حتى يقُبل على زراعة المحصول، ويتحمل مشقة الزراعة، ورعاية المحصول طوال فترة ومدة زراعته فى الأرض، أما باقى العناصر اللازمة للزراعة المطلوبة، فهى تفعيل الدورة الزراعية، وسياسة التركيب المحصولى، فكل هذه لن تفيد فى استعادة زراعة المحاصيل الاستراتيجية مالم يكن هناك سعر مجزٍ للفلاح والمُزارع.
 
رئيس البنك الزراعى يتحدث
 
وإذا كان وزيرا الزراعة السابقان، قد اتفقا تقريبا على أسباب تراجع مساحة زراعات المحاصيل الاستراتيجية، فإن الدكتور محسن البطران، رئيس بنك التنمية والائتمان الزراعى الأسبق، يرى أن اللجنة الأخيرة التى قام بتشكيلها الدكتور عز الدين أبو ستيت، وزير الزراعة واستصلاح الأراضى، وتشمل 4 وزارات، وتضم 7 مسئولين عن الزراعة والاقتصاد الزراعى، تهدف ضمن أهم أهدافها إلى الاهتمام بزراعة وتطوير المحاصيل الاستراتيجية من خلال دعم 11 سلعة زراعية، وهى القمح والذرة والأرز وقصب وبنجر السكر والمحاصيل الزيتية «دوّار الشمس وفول الصويا» والبطاطس والبقوليات مثل «العدس والفول»، وهذه اللجنة التى يرأسها وزير الزراعة مهمتها الأساسية، أن تكون «ترمومتر» وميزان زراعة وإنتاجية هذه المحاصيل للاستهلاك المحلى فى المقام الأول، وتوفير السلعة الزراعية للمواطن المصرى ثم بعد ذلك ما يزيد على الحاجة، يتم تصديره للخارج للحصول على العُملة الصعبة. 

السعر والتسويق
 
الحاج يوسف عبد الراضى، رئيس جمعية منتجى القصب، من جانبه يؤكد أن أهم ما يدفع المزارع والفلاح إلى زراعة المحصول سواء كان قصب السكر أو القطن أو القمح أو أى محصول آخر، هو السعر والربح، فعندما يكون السعر مربحا ومجزيا، يُقبل المزارع والفلاح على الزراعة، وعندما يكون المحصول والزرع لايُعطى أو يُعطى مقابل بسيط يتركه الفلاح ولا يزرعه.
 
والسعر هو ما نسميه -حسب قول الحاج يوسف- «أسعار التوريد»، فيجب أن تكون أسعار التوريد «كويسة» حتى نزرع القصب أو القمح أو القطن أو البصل أى غيره من المحاصيل، لأن الفلاح لا يتاجر فى الخسارة أبدا، ولابد من أن يكون المحصول قابلا للتسويق حتى لايحدث ما حدث لمزارعى القطن هذا الموسم، فبعد أن زرعوا لم يجدوا من يشترى منهم المحصول، وتراجعت أسعاره كثيرا عن الوعود التى سمعوها فى أول موسم الزراعة. 
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق