تعدد الزوجات في الإسلام.. الحلال الظالم

الإثنين، 11 فبراير 2019 06:14 م
تعدد الزوجات في الإسلام.. الحلال الظالم
محمد الشرقاوي يكتب:

أظهر استطلاع رأي لدار الإفتاء المصرية- صدر اليوم الاثنين- وجود 12 % - ممن شملهم الاستطلاع- دعوا إلى ضرورة تعدد الزوجات لعلاج ارتفاع نسبة العنوسة بين الفتيات، وفقا لما أحله الله. 
 
تعدد الزوجات حلال بالقرآن والسنة وإجماع الفقهاء، غير أن ما يحدث من تبعات بعد ذلك القرار، تدفع به إلى درجة الظلم أو"حلال ظالم". بديهيا يتساءل البعض: وهل هناك حلال ظالم؟، القرآن نفسه حذر من تبعات ذلك القرار. لا سمح الله، وليس الظلم فيما أحله الله، ولكن الظلم ممن أساؤوا تطبيق ما أحله الله، اتخذوا من الدين ما يدعم وجهة نظرهم، ونسوا أطرها السليمة. 
 
بصورة أوضح: كالطلاق، فقد ورد فيما هو منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "إن أبغض الحلال إلى الله الطلاق"، فالطلاق حلال، لكن ما تعانيه الأسر والأبناء يعد ظلما لهم، رغم كون انفصال والديهم حلال، والله لا يرضى بذلك.
 
فداعمو تعدد الزوجات اتخذوا من قول الله تعالي في سورة النساء: "فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ"، مجتزئين الآية الكريمة، فتلاها شرط بقول الله تعالى: "وإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا". وبدأت الآية الكريمة بقول الله تعالى: "وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى".
 
في تفسير ابن كثير: جاء قوله عن: ( فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ) أي : فإن خشيتم من تعداد النساء ألا تعدلوا بينهن ، كما قال تعالى: ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ) [ النساء : 129 ] فمن خاف من ذلك فيقتصر على واحدة ، أو على الجواري السراري ، فإنه لا يجب قسم بينهن ، ولكن يستحب ، فمن فعل فحسن ، ومن لا فلا حرج.
 
بطبيعة النفس البشرية لن تستطيع العدل، وكاذب من يقول غير ذلك، فرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "اللهم هذا فعلي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك"، وهو حديث رواه أحمد والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارمي والحاكم، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل، ثم يقول: اللهم هذا فعلي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك.
 
وعن تفسير الحديث، ورد في التِّرْمِذِيّ: يَعْنِي بِهِ الْحبّ والمودة؛ لِأَن ذَلِك مِمَّا لَا يملكهُ الرجل وَلَا هُوَ فِي قدرته، وَقَالَ ابْن عَبَّاس ـ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا ـ: لَا تَسْتَطِيع أَن تعدل بالشهوة فِيمَا بَينهُنَّ وَلَو حرصت، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: دلّت هَذِه الْآيَة على أَن التَّسْوِيَة بَينهُنَّ فِي الْمحبَّة غير وَاجِبَة، وَقد أخبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن عَائِشَة أحب إِلَيْهِ من غَيرهَا من أَزوَاجه، فَلَا تميلوا كل الْميل بأهوائكم حَتَّى يحملكم ذَلِك على أَن تَجُورُوا فِي الْقسم على الَّتِي لَا تحبون.
 
لحد هنا كويس، ننتقل للآية رقم 129 من سورة النساء، والتي تقول: "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما". بدأها بحرف وأداة توكيد ونفى، فقال ولَن: (حرف/ أداة)، حرف نفي ونصب واستقبال يدخل على المضارع فينصبه، وينفي معناه، ويُحَوِّله من الحاضر إلى المستقبل، وقد يكون نفي الفعل على سبيل التأبيد، أي أنه سبحانه يعلم أنكم لن تعدلوا.
 
في تفسير البغوي للآية الكريمة- ص: 296- قال: قوله تعالى: ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء) أي : لن تقدروا أن تسووا بين النساء في الحب وميل القلب، (ولو حرصتم ) على العدل، (فلا تميلوا) أي: إلى التي تحبونها، (كل الميل) في القسم والنفقة ، أي: لا تتبعوا أهواءكم أفعالكم، (فتذروها كالمعلقة ) أي فتدعوا الأخرى كالمنوطة لا أيما ولا ذات بعل. وقال قتادة: كالمحبوسة، وفي قراءة أبي بن كعب: كأنها مسجونة.
 
روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل". ( وإن تصلحوا وتتقوا ) الجور ، ( فإن الله كان غفورا رحيما).
 
في سورة النساء آيتان، أحدهما اشترطت العدل وتحدثت عن الخوف من تطبيق العدل، وجاءت آية أخرى قالت ولن تعدلوا ولو حرصتم كل الحرص.
انتهى النص القرآني واضحًا ومؤكدًا أنه لا عدل بين الزوجات، واتفقت الأحاديث أنه لا عدل بين النساء في القلب والشهوة والإعالة، واتفق المجتمع: "من منكم يكفي واحدة ليكفى اثنتين"، فمن منكم يستطيع فعل ذلك. 
 
الأمر لا علاقة له بدولة تونس أو غيرها، ولكن كم بيت صار خرابا؟ وكم من طفل أصبح مشردا؟ واكتوى بنيران زوجة أبيه؟ وكم أسرة لم يعد لها وجود؟ وكم من امرأة تزوج عليها زوجها وباتت كالمرأة المركونة و"السايب" بلغة المجتمع. الأمر لا يقتصر على فشل مجتمعي بل يتحول إلى صدمات دينية، في الفكر والعقيدة بسبب قرارات فاشلة للآباء جناها الآبناء وحدهم؟
 
إن الله تعالى حينما أحل تعدد الزوجات وضع له شروطا، أولها أن يتحرى الرجل العدل بين زوجاته، في القسمة بينهن بالعدل والمساواة دون الميل إلى واحدة وتفضيلها بشيءٍ من متاع الدنيا دون الأخرى، فمن انحرف عن منهج العدل بين نسائه أتى الله يوم القيامة وشقه مائل، وبالقياس على المجتمع بطل أول شرط.
 
وثاني الشروط، أن لا يكون هناك شرطٌ في عقد الزواج بين الرجل وزوجته الأولى ينص صراحةً على اشتراطه عدم الزواج من أخرى، فالعقد في الإسلام هو شريعة المتعاقدين، ولا يجوز للرجل الذي اشترطت عليه زوجته أن لا يتزوج عليها بأخرى أن يتزوج غيرها في السر أو العلن، وإلا اعتبر عقد الزواج لاغيًا لفقدان أحد شروطه. بعض الفقهاء قال ببطلان ذلك الشرط لأنه يمنع حلالا أحله الله، لكن أرى أنه بات من الواجب الآن أن يوضع شرط كهذا حفاظا على البيوت والأولاد. 
 
مفتي الديار المصرية السابق، قال في حديث له بما يؤكد ذلك: " إن من أسباب ارتفاع نسب الطلاق في المجتمع، استحداث شئ جديد على حياة الأسرة كأن يحب الرجل غير زوجته أو العكس، وتعدد الزوجات فالزوجة لا توافق على التعدد فتطلب الطلاق لأجل هذا السبب".
 
لا تجبروا النساء على قبول نزواتكم وشهواتكم بشكل مقنن، لا تخبروهم بأن الدين أحل ذلك، بل أخبروهم بأن الله شرط لكم حسن المعيشة وطيب العيش، علموهم أن فيكم سندا وملاذا، لن تقبل امرأة معهما كانت بوجود امرأة أخرى تشارك زوجها فيها، لن تقبل بتلك الفكرة المطلقة، حتى ولو ظهر مثل مدعيات الدين اللاتي ينادين بتعدد الزوجات، والله لن تقبل والله لن تقبل. 
 
وللنساء، كونوا لرجالكم حضنًا يلجأون إليه، وسندا يتكأون عليه في وجه الدنيا الجائرة، وكونوا لهم أمهات غير ظالمين وبناتِ غير عاقين، كون لهم أخوة وأصدقاء، فوالله لو لفعلتم ذلك، ما نظر رجل لغيركم. 
 
لا أُحمل الرجال النصيب الأكبر من الذنب، بل هناك نساء دفعن بأزواجهن لاتخاذ مثل ذلك القرار، حاسبوا أنفسكم جميعا، فلا حاجة للمجتمع بأطفال مشوهيين نفسيا وأسريا. من عدّد فليتق الله ومن ينوي فلينظر نظرة عطف لأبناءه ومن استأمنهم الله به.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق