احذر بطلان العلاقات التعاقدية.. أهلية التعاقد بعقود التحكيم التجاري الدولي بين اللغط والقانون

الأحد، 17 فبراير 2019 05:00 ص
احذر بطلان العلاقات التعاقدية.. أهلية التعاقد بعقود التحكيم التجاري الدولي بين اللغط والقانون
محكمة- أرشيفية
علاء رضوان

 

كانت الأهلية و لازالت هى المحور الذي تدور حوله بطلان العلاقات التعاقدية، ومنها عقود التحكيم سواء أتت في صورة شرط تحكيمي أو في صورة مشارطة تحكيمية، والمقصود هنا أهلية الأداء أي صلاحية الشخص الطبيعي أو المعنوي لإستعمال الحق، و ليس أهلية الوجوب التي تقتصر على تمتع الشخص بالحق دون أن يكون له القدرة على استعماله بنفسه.

ومن أكثر المسائل التي ارتبطت بالأهلية في نزاعات التحكيم التجاري الدولي مسألة أثر اتفاق التحكيم الذي يبرمه القاصر ومن في حكمه، والأصل أن التصرفات الصادرة من القاصر تكون باطلة بطلاناً مطلقاً إذا كانت ضارة به ضرراً محضاً، وهذه لا تثور مشكلة بشأنها أما المسائل التي تدور بين النفع والضرر أي التصرفات الباطلة بطلاناً نسبياً فقد ثار بشأنها خلاف قانوني. 

1-shutterstock_108327197

فى التقرير التالى «صوت الأمة» رصد مسألة وإشكالية أهلية التعاقد في عقود التحكيم التجاري الدولي التى ثار بينها الخلاف القانونى من حيث تحديد الأهلية، وأثر الحكم بشهر الإفلاس على إتفاق التحكيم، أهلية الدولة لإبرام إتفاق التحكيم- بحسب الخبير القانونى والمحامى محمد أحمد الشهير. 

ذهب رأي فقهي إلى أن إتفاق التحكيم الصادر من قاصر أو من في حكمه يعتبر تصرف دائر بين النفع و الضرر ولا يجوز التمسك ببطلانه إلا ممن شرع البطلان لمصلحته ورتبوا على ذلك أن المحكمة لا يجوز لها الحكم ببطلان إتفاق التحكيم من تلقاء نفسها، وقد إستند أنصار هذا الرأي إلى القواعد العامة في القانون المدني التي لا تجعل تصرف ناقص الأهلية باطلة بطلاناً مطلقاً إلا إذا كانت من قبيل التبرعات، وهو ما يخالف طبيعة إتفاق التحكيم – وفقا لـ«الشهير».

ولكن بالنظر إلى مقومات هذا الاتجاه فإنه يوجد خلط بين أهلية التصرف القانوني بصفة عامة وبين الاهلية الإجرائية التي تنظمها قوانين الإجراءات المدنية، وبالنظر إلى القواعد الإجرائية المدنية فإن تصرف القاصر وعقده لاتفاق تحكيم سيكون أمراً باطلاً ومخالفاً للمصلحة العامة التي تحميها هذه القواعد الإجرائية. 

images

ودليلنا في ذلك – الكلام لـ «الشهير»- هو ما نصت عليه المادة الخامسة من إتفاقية نيويورك بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية من أنه: «لا يجوز رفض الاعتراف وتنفيذ الحكم بناء على طلب الخصم الذى يجتح عليه بالحكم إلا إذا قدم هذا الخصم للسلطة المختصة في البلد المطلوب إليها الاعتراف والتنفيذ الدليل على أن أطراف الاتفاق المنصوص عليه في المادة الثانية كانوا طبقا للقانون الذي ينطبق عليهم عديمي الأهلية أو أن الاتفاق المذكور غير صحيح وفقا للقانون الذى أخضعة له الأطراف أو عند عدم النص على ذلك طبقا لقانون البلد الذى صدر فيه الحكم» وتطبيقاَ لهذا النص فإنه لا يجوز لعديم الأهلية أو القاصر الغير مأذون له بالتجارة أن يباشر عقد التحكيم، ويسري ذات الحكم على من تم شهر إفلاسه.

تحديد الأهلية:

تأخذ غالبية التشريعات بمعيار الجنسية لتحديد أهلية الشخص، فتخضع الحالة المدنية للأشخاص الطبيعيين و أهليتهم لقانون الدولة التي ينتمون إليها بجنسياتهم، و لا يستثنى من ذلك إلا حالة واحدة و هى التصرفات المالية التي تعقد في بلد ما و ترتب آثارها فيها و يكون أحد أطرافها أجنبي ناقص الأهلية لسبب يصعب معرفته، ففي هذه الحالة لا يؤثر نقص الأهلية على عقد التحكيم ما دامت قوانين البلد التي إنعقد فيها تعتبر الطرف الأجنبي كامل الأهلية، أما الأشخاص المعنوية فيتم إعتبار أهليتها بحسب قانون الدولة التي يقع فيها مركزها الرئيسي- هكذا يقول «الشهير».

وإذا كان إتفاق التحكيم مبرم بواسطة وكيل، فيجب أن تكون الوكالة خاصة بالتحكيم، فلا تكفي الوكالة العامة، وذلك وفق المنصوص عليه في معظم التشريعات الوطنية سواء كانت الدولة تتبع النظام القانوني اللاتيني أو النظام القانوني الأنجلوسكسوني، مع الأخذ في الاعتبار أن اشتراط الوكالة الخاصة مقتصر على إبرام اتفاق التحكيم فقط، ولا يشترط توكيل خاص لتمثيل أحد الأطراف أمام هيئة التحكيم. 

الإرادة-وموضوع-النزاع-في-إطار-التحكيم-التجاري-مقال-قانوني-متميز

أثر الحكم بشهر الإفلاس على اتفاق التحكيم:

ومما لا خلاف عليه أن إتفاق التحكيم المبرم أثناء فترة الريبة يكون غير نافذ في حق جماعة الدائنين في حالة علم الطرف الآخر بإختلال أوضاع التاجر المفلس وقت الإتفاق على التحكيم، أما في حالة عقد الإتفاق قبل فترة الريبة فإن فيكون صحيحاً و نافذاً في حق جماعة الدائنين و لا يؤثر حكم الإفلاس على صحة إتفاق التحكيم مع الأخذ في الاعتبار أن افتتاح إجراءات التفليسة يترتب عليه وقف الرجوع الفردي للدائنين، أي أن أحكام التحكيم التي تصدر بشأن مسألة ما قبل أن يقوم أمين التفليسة بحسم طبيعة هذه المسألة و مدى دخولها ضمن التصفية الجماعية تكون أحكاماً صادرة بالمخالفة للنظام العام لإن إفتتاج إجراءات التصفية الجماعية يترتب عليه الحد من ولاية المحكم، لإختصاص قاضي التفليسة وحده بالمنازعات التي تتعلق بها.

أهلية الدولة لإبرام اتفاق التحكيم:

ولا خلاف على صحة إدراج شرط التحكيم في العقود المدنية التي تبرمها الدولة، و لكن الخلاف ثار بشان مدى جواز إشتمال العقود الإدارية على شرط تحكيم، و إن كان الرأي المتناسب مع المتغيرات الدولية هو خضوع العقود الإدارية للقاعدة العامة التي تجيز التحكيم في كل ما يجوز فيه الصلح، وأن هذا لا يخل بولاية القضاء الإداري في الدول التي تأخذ بالنظام القضائي المزدوج، لأن اختصاص المحاكم الإدارية بنظر منازعات العقود الإدارية يعتبر من النظام العام الإجرائي، وهو أمر يمكن تجنبه في حالة إشتراط اللجوء للتحكيم، مع الأخذ في الإعتبار أنه من اللازم أخذ رأي الجهة القضائية المختصة قبل إبرام عقد إداري مشتمل على شرط تحكيمي، والأجدر أن يكون رأيها ملزماً ولا يقتصر على الصفة الإستشارية فقط.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق