«التنجيد».. حرفة تاريخية تبكي الانهيار (صور)

الثلاثاء، 19 فبراير 2019 09:00 ص
«التنجيد».. حرفة تاريخية تبكي الانهيار (صور)
مهنة التنجيد - أرشيفية
إبراهيم الديب

 
«يا منجد علّي المرتبة.. عروستنا حلوة مؤدبة.. يا منجد علّي المرتبة.. عروستنا ناعمة غُريِّبة.. يا منجد علّي المرتبة.. واعمل حساب الشقلبة».. كلمات تحمل إيحاءات جنسية باتت من التراث والفلكلور، الذي فقد سطوته على الساحة الشعبية، بعد أن كان المسيطر على كل حفلات «التنجيد» بالحواري والأزقة والدروب، التي كان بمجرد وصول صداها إلى أذنيك تعلم بأن هناك عرس قيد التجهيز، ووصل لمرحلة إعداد «المراتب والمخدات».
 
3

ومرت حفلات التنجيد التي كانت تقام في أفنية المنازل القديمة، وعلى الأسطح، بتغييرات كثيرة، بدأت بجمع من السيدات أهل العروس حول «المنجد» وهو ينفذ مهامه، يحملن الدفوف ويتغنين بتلك الكلمات، وغيرها مما اعتدن عليه وتوارثنه، أشباه «ياواد ياولعة»، و «افرحي يادي الأوضة»، و«يحيا أبوها وشنبه»، حتى نهاية نهار يوم التنجيد، وسط جمع من الجيران والأحبه.

وبعد ظهور «الدي جي»، ونتيجة لتطور الأفكار المجتمعية ظهرت عادات وأفكار جديدة ليوم التنجيد، وأصبح المشهد السائد له هو تجمع الشباب والبنات من أبناء الحي، وأهالي العروسين أمام منزلها، يتراقصون على أنغام المهرجانات الشعبية، مستعرضين مفروشات وأثاث العروس معلقة على حبال ممتده بعرض «الحارة» القاطن بها منزل والدها، ويتسمر الوضع على هذا الحال حتى ينتهى المنجد من «دق وعزق» مراتب ومفروشات الزواج.

1

ولسنوات طويلة تربعت تلك المهنة على عرش الحرف اليدوية، وظلت واحدة من أبرز وأهم معالم رحلة التجهيز للعرس، وكان أصحابها يتنافسون فيما بينهم على صناعة أفضل المفروشات، فأخرجت أجيالا من المهرة فيها، وانتشرت محالهم التجارية في كافة ربوع مصر، وإن كانت المناطق الشعبية صاحبة نصيب الأسد من تلك المحال. 

4

واعتاد أصحاب تلك الحرفة على العيش الكريم، نظرا لما يحققونه من أرباح مالية تدرها عليهم صنعتهم، إلى أن بدأت عاصفة التغير ضرب أركان مملكتهم، بعد ظهور المراتب الجاهزة «الإسفنج»، و «مخدات الفايبر»، ليجمع المنجد «عصاه وقوسه»، ويضعهم على أحد جدران محله شاهدين على عصر قد ولى، ويصبحوا من المقتنيات التاريخية.

5

وقد سبق هذا التغيير دخول ماكينة الكهرباء لفرز القطن بدلا من «القوس» لعالم التنجيد، وظهرت ماكينة الخياطة الكهربائية أيضا، لتمهد الطريق للتغير النهائي في أدواته ووسائله، إذ كان المنجد يعتمد على إبرة، ومجموعة من أعواد الخشب، ومقص كبير الحجم، ومجموعة من الخيوط والقماش والقطن، ويد خفيفة ماهرة، ليصنع منها مجدا في عالم الصنعة.

2

ولرصد ماتبقى من تلك المهنة، أجرى «صوت الأمة» رحلة بين بعض الذين مازالوا يمارسونها، ليقول مهدي محمد، 33 عاما، إنه ورث المهنة أبا عن جد، وإنه يحب الصنعة كثيرا وتعلم فنونها منذ نعومة أظافره لتكون مصدر رزقه الوحيد، موضحا أن العمل في الماضي كان يعتمد على مجموعة من الأعواد الخشبية لتفنيد القطن وتنظيفه قبل البدء فى حشو المنتجات المختلفة به، لافتا إلى أن الأمر تطور كثيرا عن الماضى، ودخلت الماكينة الكهربائية، إلى جانب  الأدوات المختلفة والحديثة للإبر والمقصات والخيوط. 

8

وأضاف «محمد»، أن العمل فى هذه الصنعة فى الماضى كان أفضل بكثير فى كل شىء من الخامات والعمل والمصنعية، وإقبال الناس، خاصة وأن المهنة كانت مرتبطة بالأفراح، مشيرا إلى أنه في الوقت الراهن قل الاقبال على محال التنجيد، واتجه الناس إلى المراتب الجاهزة، والمخدات والمفروشات الفايبر، والتي تتميز بانخفاض تكلفتها عن «التنجيد البلدي»، وهو ماحاول أصحاب تلك المهنة التعامل معه من خلال خفض تكاليف الإنتاج، حتى وصل سعر تنفيذ المرتبة الواحدة 60 جنيها، على الرغم من كونها تستغرق حوالي 3 ساعات عمل.

مهنة التنجيد والأدوات المستخدمة (1)

وكمحاولة لحماية المهنة من الاندثار، لجأ البعض إلى تنفيذ منتجاتها من خلال الفايبر والقطن، وإنتاج المراتب بوجهين لاستخدامها في فصلي الشتاء والصيف، الا أن أسعار الخامات وخاصة القطن الذى وصل سعر الكيلو منه الى 60 جنيها أجبر الجميع على الانصراف عن منتجاته، وأصبحت عوامل الغلاء السبب الرئيسي وراء اختفاء تلك الصناعة، وتهدد عرشها نهائيا.

مهنة التنجيد والأدوات المستخدمة (4)

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق