حادث نيوزيلندا الإرهابي.. ماذا لو كان الفاعل مسلمًا؟

الجمعة، 15 مارس 2019 06:38 م
حادث نيوزيلندا الإرهابي.. ماذا لو كان الفاعل مسلمًا؟
أيمن عبد التواب يكتب:

استيقظ العالم على جريمة - أقل ما توصف به بأنها بشعة- استشهد فيها نحو 49 شخصًا، وأصيب آخرون، في حادث إرهابي، استهدف فيه إرهابيون مسجدين، واطلقوا النار على رواد مسجد النور في منطقة دينز أفينيو بوسط مدينة كرايستشيرش، ومسجدا آخر في ضاحية لينوود المجاورة، بحسب الشرطة النيوزيلندية.
 
منفذ الهجوم الإرهابي استخدم كاميرا مثبتة على رأسه، وسجل جريمته، ووثقها، وحملها على مواقع التواصل الاجتماعي، ما ينفي عنه إصابته بالجنون، أو الخبل، الذي ربما يخرج علينا البعض به؛ مبررًا الجريمة النكراء.
 
الشرطة النيوزيلندية اعتقلت أربعة أشخاص، ثلاثة رجال وسيدة، للاشتباه بصلتهم بإطلاق النار على رواد المسجدين.. إلا أن اتهامات بالتخاذل والتكاسل والوصول المتأخر طالت الشرطة، بحسب مصابين نجوا من الحادث، وكُتب لهم عمر جديد.
 
مساكين هؤلاء الضحايا وأسرهم.. هربوا من الجحيم إلى الجحيم، أو استجاروا بالرمضاء من النار.. تركوا أوطانهم بحثًا عن مزيد من الأمان، أو حياة الرغد، أو العيشة في كنف مدعي الديمقراطية، ومحبي الآخرين والتعايش السلمي معهم، لكنهم فوجئوا بأنهم سقطوا فريسة لثعالب أكثر دموية، وأكثر تطرفًا، وأكثر حقدًا، وأكثر كراهية..
 
حادث نيوزيلندا الإرهابي يؤكد- بما لا يدع مجال للشك- أن الإرهاب لا دين له، وأن الحوادث الإرهابية تحدث في العالم كله، طالما يوجد متطرفون يعتقدون أنهم وحدهم يملكون الحقيقة، وأنهم وحدهم وكلاء الله في الأرض، وأنهم وحدهم يستحقون الحياة وليذهب غيرهم إلى الجحيم!
 
مرتكب حادث نيوزيلندا الإرهابي أكد- من خلال الأسماء التي كتبها على البنادق التي استخدمها في جريمته- أن الإرهاب والتطرف والكراهية للآخر لا دين ولا أرض لهم، طالما وُجِدَ مَنْ يرى أن دينه أفضل من دين الآخر، وجنسه أفضل من جنس الآخر، وعرقه أفضل من عرق الآخر، ولونه أفضل من لون الآخر.. سيظل متطرفو وإرهابيو الشرق يهددون الغرب، وسيظل متطرفو وإرهابيو الغرب يهددون الشرق.. وسيظل الاثنان يهددان البشرية جمعاء بالفناء، أو إغراق العالم في بحور من الدماء.
 
سياسة الكيل بمكيالين، التي ينتهجها الغرب، خاصة في تغطيته الإعلامية لمثل هذه الحوادث، أكدها حادث نيوزيلندا الإرهابي.. ففي حين لا تتورع وسائل الإعلام الغربية بإلصاق تهمة الإرهاب بأي حادث أقل بشاعة ودموية من حادث نيوزيلندا لمجرد أنه وقع في بلاد العرب، أو وقع في إحدى الدول الأوروبية لكن مرتكبه كان عربيًا أو مسلمًا، وتفرد مساحات عريضة لتغطية الحادث، وتستضيف خبراء ومحللين يتحدثون عما يسمونه بالإرهاب الإسلامي، أو الإسلاموفوبيا.. هي نفسها وسائل الإعلام التي تستحي من تغطية مجزرة نيوزيلندا.. بل إن بيانات أمريكية وفرنسية رسمية لم تصف الجريمة- رغم بشاعتها وخستها ودناءتها- بالإرهابية.. بينما كانوا ألصقوا هذه التهمة بشخص مسلم أوروبي «طعن ثلاثة أشخاص»!
 
هنا لا نبرر أي جريمة، ولا نسعى للتخفيف من وصفها، بل نعيد دق جرس الإنذار، ونكرر التأكيد بأن التغطية الإعلامية الناعمة المنحازة للغرب، وتبرير الجرائم التي يرتكبها أبناء جنسهم لا تقل فجاجة، وتحريضًا عن إعلام التنظيمات الإرهابية التي تمارس القتل، وتنشر التطرف والتعصب والحقد والكراهية، وهي تظن أنها تدافع عن الإسلام!
 
نحن في أشد الحاجة الآن إلى تبني وتفعيل خطاب وسطي معتدل، ليس في بلاد العرب فقط، بل في العالم كله.. خطاب حقيقي يحترم الآخر، بكل ما تعنيه حروف كلمة احترام.. كما أننا بحاجة إلى إقرار قوانين حاسمة حازمة في مواجهة مثل هذه الموجات من التعصب، والتطرف والكراهية والحقد تجاه الآخر، حتى لا يسبح العالم في محيطات من الدماء.. وإذا كان الغرب ومنظماته الحقوقية يريدون إلغاء عقوبة الإعدام في مصر والدول التي تقرها، فليخبرنا هؤلاء ماذا لو كان منفذو مجزرة نيوزيلندا قتلوا ذويهم؟ 
 
ربنا يرحم الشهداء الركع السجود، ويلهم ذويهم الصبر والسلوان، ويمن على المصابين بالشفاء العاجل.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق