خالد أبو النجا وعمرو واكد.. على ماذا يراهن هؤلاء؟

الأربعاء، 27 مارس 2019 01:05 م
خالد أبو النجا وعمرو واكد.. على ماذا يراهن هؤلاء؟
أيمن عبد التواب يكتب:

أتعجب من زيارة الفنانين الناشطين الحقوقيين الثوريين خالد أبو النجا، وعمرو واكد، ومعهما نفر من المصريين الهاربين للخارج إلى البيت الأبيض، ومشاركتهم في الفعاليات التي نظمها الكونجرس الأمريكي، وتحدثوا عما وصفوه بانتهاكات حقوق الإنسان في مصر، وخطرها على استقرار المنطقة العربية، فضلًا عن إلصاق كل نقيصة بالنظام الحاكم في مصر، ومطالبتهم الشيطان الأكبر (أمريكا) بالتصدي للنظام المصري!
 
العجب الأكبر هو استمرار رهان البعض على أمريكا في إنصافهم، والوقوف في صفهم، وكأنهم لم يتعلموا الدرس بعد، ولم يؤمنوا بالحكمة القائلة: «فاقد الشيء لا يعطيه»، أو لم يقرأوا المأثور الشعبي: «الحداية ما بترميش كتاكيت»!
 
المتتبع لأمريكا منذ ظهورها كقوة عظمى بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، سوف يتأكد- بما لا يدع مجالًا للشك- أنها- وعلى مدار تاريخها القصير- لم تنصف إلا للطرف القوي، الذي يحقق مصالحها، ويخدم أهدافها الاستعمارية الجديدة، كما تعمل على فرض سيطرتها على البؤر الاستراتيجية فى العالم، سواء بقوة السلاح، أو من خلال بعض  الخونة، والمأجورين، والمتآمرين الذين يبيعون أوطانهم لواشنطن وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا.
 
هؤلاء الجهلاء- «إذا افترضنا فيهم حُسن النية»- فات عليهم أن «المتغطي بأمريكا عريان»، وأن واشنطن لن تنصف مظلومًا، ولن تنحاز إلى ضعيف.. كما أنها تستخدم عملاءها كما تستخدم «ورق التواليت»، وأنها سرعان ما تنقلب على حلفائها إذا ثبت لها أنهم أصبحوا «كارتًا محروقًا»، فتتعاون مع حليف جديد يقبل بشروطها، وسياستها.
 
رأينا ذلك في علاقة واشنطن بالقاهرة منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي من خلال تواصلها مع السادات، وانحيازها الصارخ للاحتلال الإسرائيلي، ثم انحيازها- على استحياء- لمصر بعد الانتصار في حرب أكتوبر 1973، ورعايتها معاهدة السلام.. وبعد السادات، أصبح الرئيس الأسبق حسني مبارك صديقًا وحليفًا استراتيجيًا للولايات المتحدة الأمريكية، قبل انقلابها عليه في أعقاب أحداث 25 يناير2011، ثم رأينا دعمها لتنظيم الإخوان، وحرصها على تثبيتهم في حكم مصر، ثم عداوتها السافرة لثورة 30 يونيو التي أسقطت الإخوان، ووصفها الثورة الشعبية بالانقلاب العسكري، ثم تغاضيها عن المخططات الإرهابية للإخوان الرامية إلى حرق مصر، ثم لم تجد بدًا من الانحياز لنظام 30 يونيو عندما تأكدت من الظهير الشعبي الذي يسانده، ويدعمه، وعلى استعداد أن يضحي بنفسه من أجله.
 
نعم، لقد كان هناك دعم أمريكي مباشر وغير لما يسمى بـ«ثورات الربيع العربي»؛ لإحلال ما يوصف بـ«الإسلام السياسي»- متمثلًا في تنظيم الإخوان- محل الحلفاء التقليديين في مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن، وتكليف قطر وتركيا للقيام بدور أساسي لإنجاح هذا المسعى، من خلال ممارسة كافة الضغوط على النظام المصري، وسعيها- أكثر من مرة- لتجميد المعونة العسكرية.. ولم يتغير موقف واشنطن من القاهرة إلا بعد الزيارة التاريخية للرئيس السيسي إلى روسيا، وتخوف الإدارة الأمريكية من إنشاء تحالف «روسي- مصري» كالذي كان بين مصر والاتحاد السوفيتي.
 
ولم تكد الدنيا تهدأ من الاعتراف الأمريكي «الترامبي» بالقدس المحتلة عاصمة للكيان الصهيوني، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، حتى فاجأنا الرئيس دونالد ترامب بإعلان سيادة الاحتلال الإسرائيلي على الجولان السورية، في تحدٍ سافرٍ لكل المواثيق والقوانين الدولية، في الوقت الذي لا زال فيه بعض المغيبين، أو المخدوعين، أو المأجورين، يعتقدون أن أمريكا تحمل لواء العدل، وأنها مهبط الحرية، وقِبلة السلام، وكعبة الإنصاف.. فهل هناك عاقل يتصور أن أمريكا أو غيرها ستعيد الحقوق إلى أصحابها، وستعمل من أجل أن عشان يعيش العالم في سعادة وسلام؟
 
يا أيها الذين يحجون إلى البيت الأبيض، ويسبحون بحمد الكونجرس، ويهللون لسياسة البلطجي الأمريكي الأعظم.. منذ متى عالجت واشنطن مريضًا؟ منذ متى ساندت الضعيف ليصبح قويًا؟ منذ متى أعادت حقًا اغتصبه قوي من ضعيف؟ منذ متى مدت يد العون لمتعثرٍ يريد النهوض مرة أخرى؟ منذ متى ساعدت فقيرًا ليكون غنيًا؟ منذ متى وقفت إلى جوار جاهل ليأخذ حظه من التعليم؟
 
إذن واهمٌ مَنْ يراهن على الولايات المتحدة، أو على روسيا، أو على أي دولة من الدول التي تصنف «دولة كبرى»، أن يكون لها دورًا إيجابيًا حقيقيًا لإعادة الحقوق أو لإحلال السلام.. فالعقل والمنطق يقولان إن من مصلحة هذه الدول استمرار الحروب في كل أرجاء العالم؛ لضمان بيع سلاحها، وتحقيق أهدافها ومخططاتها بالهيمنة على ثروات العالم..
 
لذا لا تراهنوا على أمريكا لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، والجولان.. ولا تنتظروا منها إنهاء الصراع في اليمن، أو في ليبيا، أو في سوريا، أو في أي مكان.. فالتاريخ يقول إن المحتل لن يترك أرضًا احتلها إلا بالقوة، وبذل الأموال والأرواح في سبيل تحرير الأرض وتطهيرها من المغتصبين.
 
وكما أن ذاكرة التاريخ الذهبية تحتفظ بأسماء الأبطال الأحرار، والوطنيين المخلصين، والمعارضين الشرفاء، فإن مزبلة التاريخ تحتفظ بأسماء العملاء، والخونة، والمأجورين، الذين يستقوون بـ«البلطجي الدولي» على بلادهم، ويدعونه لاحتلال أرضهم، وتخليصهم من أبناء وطنهم.. فساء ما يعملون.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق