فى الاستفتاء.. نجح الشارع وفشل الهواة ومحدثي السياسة

الخميس، 25 أبريل 2019 12:05 ص
فى الاستفتاء.. نجح الشارع وفشل الهواة ومحدثي السياسة
محمد عبد اللطيف

بدون مقدمات ....اننى أرى فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية مسألة مهمة للغاية، فهى تحفيز على تجديد الروح الوطنية وكسر ملل  العزوف عن المشاركة فى قضايا الشأن العام، كما أنها جاءت تأكيدا على أن المواطن، المرجع الأول  والأخير، فى كل ما يتعلق بمستقبل هذا البلد ... فالتعديلات ـ حسب رأئي ـ  ليست كل الاصلاح  المأمول ، وإن  كانت أهم مراحله، باعتبارها نقطة البدء لاحداث زخم سياسي. 
 
يا سادة... أن التطور الديمقراطى فى المجتمعات، لا يتحقق بالتسكع على نواصى الـ"فيسبوك" ولا بالـ "هرى"، ولا بادعاءات محدثى السياسة الذين هبطوا بالـ "براشوت"، ولا بقدرة الأحزاب على الحشد ، فالجماهير خرجت بدافع المسئولية الوطنية، ولم تخرج للحصول على " الكرتونة" أو تلبية للأساليب التى أدارها هواة، أساءوا للزخم الشعبى.
 
الاستفتاء كشف جانب آخر، مفاده، أن  الأحزاب فشلت فشلا زريعا فى التواصل مع فئات المجتمع ، فقد أكد الواقع وحجم الاقبال، أن المشاركة واجب وطنى، من دون وصاية من أحد أو جهة ،أيضا ، هى حقوق أساسية دهست عمدا بأيدى الهواة ، فى اطار التعامل بسطحية مع قضايا الوطن، الذى يخوض معارك متنوعة ومتعددة على كافة الجبهات ...معارك ضد  محاولات توطين الارهاب ...معارك من أجل التنمية ...معارك الاصلاح السياسي والاقتصادى والاجتماعى. 
 والمدهش أن الغالبية يعون حجم المخاطر، و يدركون التداعيات ، الا أن البعض ، وهذه كارثة،  تفرغوا للاطراء على  نفر ، راحوا يعزفون  ليل نهار على أوتار الديمقراطية، وكأن الديمقراطية ستهبط علينا من السماء بدعوات السلفيين،أو التعاطى مع  كتالوج فضائيات اسطنبول. 
 
التطور يتحقق بالتعددية السياسية، والتداول السلمى للسلطة، و المسئولية تقع فى المقام الأول على عاتق الأحزاب ، باعتبارها عقل وقلب الحياة السياسية ، فمن دونها لا توجد انتخابات، ومن دونها لا يوجد معنى راسخ وحقيقي لمفهوم  التعددية ، وفى غيبتها يصبح الحديث عن تداول السلطة "قمة العبث" . 
جانب آخر يجب التوقف عنده فى هذا السياق ، مفاده، أن لدينا 104 أحزاب، لكن الواقع يؤكد  عدم وجود أحزاب قوية، لها كوادر وقواعد جماهيرية  قادرة على الحشد ،أو قادرة على خوض الانتخابات المحلية،والنقابات المهنية والعمالية والأندية الرياضية ومراكز الشباب، والمجالس النيابية ، وصولا الى قمة الهرم " الانتخابات الرئاسية"، لكن أن شئنا الدقة، معظم الأحزاب لديها واجهات مالية مصطنعة  وموجهة من هواة ،لا يعون مفهوم العمل السياسي ، لكنهم  ينتظرون  مقابل ما قدموه، أما القواعد ، حدث ولا حرج ،لا يعرفون  الفرق بين العمل السياسي و أساليب" الهمبكة" ، وهذا كان جليا فى الأسابيع القليلة الماضية ، عندا أساءوا للزخم الشعبى، كما أن العضويات ورقية ، جرى "تستيفها "على غرار ما كان يفعل  الحزب الوطنى ، نفس " الكتالوج "وربما لا أبالغ اذا قلت أنهم  "نفس الوجوه البغيضة".
 
لذا فأن العدد الهائل من الأحزاب، عليهم، من الآن، امتلاك التواجد الفاعل والحقيقي فى اطار المسئولية الوطنية، لدعم مؤسسات الدولة ، وعليهم قيادة الجماهير بعقلانية لصالح الوطن، دون أساليب رخيصة ، وهى الأساليب التى كشفت سطحية قيادات الأحزاب وضحالة فكر القائمين على توجيهها . 
 
من هذه النقطة أرى أن الفترة المقبلة ، هى الوقت الأنسب لبناء حياة حزبية ، كما أننى أتوقع أن الرئيس عبدالفتاح السيسي فى اطار اهتمامه وقناعته بالاصلاح الشامل، سيدعو  قادة الأحزاب إلى حوار تحت مظلة رئاسة الجمهورية ، للوصول إلى نتائج من شأنها تشكيل حياة حزبية تليق بالدولة المصرية وتطلعات الشعب، والتعاطى مع توافر الارادة السياسية للانتقال الديمقراطى، وهذه الخطوة ، فى تقديرى ،ستكون مهمة ، لكن هذا سيتطلب ، دمج للأحزاب التى تتلاقى برامجها  فى الأفكار والأيدلوجيات والتطلعات ، وان كانت كافة الأحزاب التى تشكلت فى أعقاب 25 يناير 2011 ، بالأساس ليس لديها أيدلوجية أو مرجعية فكرية ، اذا استثنينا أحزاب التيارات الظلامية من الاخوان المارقون والسلفيون،  لذا يجب أن تعكف الأحزاب على اعداد أجنداتها وخطابها للرأى العام.
 
القراءة الدقيقة للواقع تؤكد ،وهذه أمور بديهية، أن مجلس النواب بات مطالبا باعداد أجندة ، تتضمن حزمة من التشريعات وتعديلات القوانين  لمناقشتها وإقرارها، تشمل الدوائر الانتخابية  قبل انتخابات مجلس الشيوخ ، وإذا لم يتمكن المجلس من الانتهاء منها ، وأغلب الظن أنه  لن يستطع  الانتهاء منها لضيق الوقت، لذا فان أغلب التكهنات تشير الى إجراء انتخابات  مجلسى النواب والشيوخ فى وقت واحد، أى العام المقبل، وهى تكهنات تبدو وجيهة ومنطقية، وأعتقد أنه  سيتم الأخذ بها ،لتوفير النفقات من ناحية، وبعد انتخاب غرفتى البرلمان " الشيوخ والنواب" ، ستجرى انتخابات المحليات  في مطلع عام 2021، وكنت أود أن تشمل التعديلات الدستورية التى جرى الاستفتاء عليها ، تعديلا على المادة الخاصة بالمجالس المحلية ، لأنها مادة محشوة بالألغام، ويستحيل اجراء الانتخابات على أساسها بهذه الصورة، التى اقتصرت عل توزيع النسب لفئات بعينها، ما يجعل عدم وجود فرص أخرى  بعيدا عن الشباب والمرأة وذوى الاحتياجات الخاصة والمسيحيين والعمال والفلاحين . 
 
وفى النهاية ... لابد من اعادة الروح لمفهوم الحياة الحزبية والتعددية السياسية بعيدا عن توجيه محدثى السياسة ،حتى تؤدى كل جهة الدور المنوط بها فى دعم المؤسسات الصلبة للدولة " الجيش ـ الشرطة ـ القضاء" ، والسير فى الاتجاه الذى ترعاه القيادة السياسية.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق