كيف تكون ناجحا؟ يورجن كلوب عنده الإجابة

السبت، 11 مايو 2019 08:00 م
كيف تكون ناجحا؟ يورجن كلوب عنده الإجابة
يورجن كلوب
مصطفى الجمل

مدرب ليفربول يصنع الفارق بعقليته الألمانية العبقرية وإزالة الفوارق بينه وبين اللاعبين

«ريمونتادا برشلونة التاريخية» تتوج مسيرة المدرب.. تغلب على  الإصابات وثلاثية الذهاب

​العدل فى توزيع المهام كان كلمة السر.. ساوى بين اللاعبين فحاز على ثقتهم وولائهم

«يورجن»: الفضل يرجع للفريق كله.. ومورينيو: كلوب هو نجم الليلة

هذا الرجل لم يصنع فوزا بمحض الصدفة بل كان مجتهدا حتى وصل إلى مبتغاه

جاحد غير منصفٍ من ينكر على الألمان جدهم واجتهادهم وإتقانهم العمل، أي عمل صغيرا كان أو كبيرا- ودقة مواعيدهم، فلم يبالغ هورست كولر الرئيس الألماني الأسبق، عندما قال عن ألمانيا «أرض الأفكار النيرة»، ففى ألمانيا كل شىء يجب أن يكون كما ينبغى، أهدافهم لا تنتظر فرصة كاملة لتحقيقها، ولا حتى نصف فرصة ولا ربعها، هم فقط بحاجة إلى شبه فرصة، يعرفون كل طرق الوصول إلى القمة ويجيدون ببراعة الحفاظ عليها، قاموسهم لا يعرف اليأس ولا الاكتفاء ولا التراخي عند تحقيق الهدف.

لا أحد ينسى فى قبل نهائى كأس العالم 2014، وقبل صافرة النهاية بدقائق قليلة والنتيجة تشير إلى تفوق الماكينات الألمانية على نجوم السامبا بسباعية تاريخية، وإذ بالنجم الألمانى مسعود اوزيل ينفرد بمرمى البرازيل ويهدر فرصة سهلة، كادت أن تضيف الهدف الثامن، ولسوء التوفيق ضاعت الفرصة، فاجأ أوزيل كل من يشاهد المباراة بلطمه على وجهه وإبداء ندم شديد على ضياع الفرصة، وكأنها فرصة الهدف الأول، وكأن فريقه سيخرج من البطولة بضياع هذه الفرصة، الكل «خبط» كفا على كف متسائلاً: لماذا يتصرف هذا المجنون بهذه الطريقة؟، نعم هى كما تقول الآن: «العقلية الألمانية». 
 
العقلية الألمانية، تسلح بها مدرب النادى الانجليزى ليفربول يورجن كلوب، منذ قدومه للمدينة الإنجليزية التاريخية «ليفربول» لقيادة فريقها الكروى حتى  وصل إلى  تحقيق المعجزة الكروية بوصوله مرتين متتاليتين إلى نهائى دورى أبطال أوروبا بعد غياب طويل للشياطين الحمر، ليس ذلك فقط، بل الأخيرة كانت من بوابة برشلونة التى يحميها الوحش ليونيل ميسى، وبرباعية مثلها مثل الموت والولادة، لا تعاد مرتين. 
 
لا نقول بذلك إن الرجل يسير على خط واحد، عنوانه النجاح والتفوق منذ تسلمه مهام الإدارة الفنية لنادى ليفربول، حاشا وكلا، فقد كان للرجل فى بداية الأمر سقطات كادت أن تنهى مسيرته مع شياطين إنجلترا الحمراء سريعا، لكن مردها أيضا إلى العقلية الألمانية العملية، فالرجل الذى يؤمن بتوظيف ما تحت يديه من أدوات وتطويرها، أفضل من استقدام عناصر جديدة ستكلفه العديد من الأموال وقد تفسد المنظومة، رفض فى أول فترته مع الريدز استقدام صفقات من العيار الثقيل، فكانت النتيجة خسارة تلحق بخسارة، حتى دفع الرجل دفعا إلى التخلى عن المثل المصرى الشعبى : «اللى ربى خير من اللى اشترى»، فراح يقلب عينيه ورأسه يمينا ويسارا عن صفقات لا تكلفه الكثير ويسهل السيطرة عليها وتوظيفها داخل البرنامج الموضوع مسبقا للفريق، فجلب عددا من اللاعبين، أبرزهم على الإطلاق، نجم الدورى الايطالى محمد صلاح، وصاحب التجربة السيئة مع المخضرم جوزيه مورينيو فى تشليسى الانجليزي. 
 
كان تحديا كبيرا أمام «كلوب» أن يعيد لصلاح ثقته فى إمكانية التألق فى الدورى الإنجليزى، الأصعب بين دوريات أوروبا كلها، وأن ينسيه الماضى الأليم مع المدرب العجوز جوزيه مورينيو، كان على كلوب أن يضع صلاح دائما بالقرب من مرمى الخصم، من أجل التسجيل واستكمال مسيرة التألق، التى بدأها فى الدورى الايطالى مع فيورنتينا وروما، كان على الرجل أن يجعل نجمه الخاص، بدلا من أن يستقدم نجما جاهزا يثير القلاقل فى الفريق، ويكلفه ملايين الدولارات، نجح كلوب سريعا فى ذلك، ونجح معه صلاح وبات نجم الفريق وانجلترا بل وأوروبا كلها، وبات ثالث ثلاثة يتنافسون على الجوائز الذهبية.
 
عندما وصل نادى ليفربول، إلى  نهائى دورى أبطال أوروبا العام الماضى، وتلقيه خسارتين بدلا من خسارة واحدة بتلقى هزيمة صعبة من نادى ريال مدريد الإسبانى، وإصابة نجم الفريق محمد صلاح إصابة صعبة فى الكتف، وقف الجميع يلوم كلوب على خطته المبنية على لاعب واحد، ما إن خرج من الملعب، حتى انقلبت الأمور رأسا على عقب، وبات اللعب كله فى اتجاه واحد وهو مرمى الريدز، لم يرد «كلوب» على هذه الانتقادات واكتفى بالإشادة بروح لاعبيه وأدائهم، ولم يعد بشىء يذكر سوى  مواصلة المسير من أجل جماهير الفريق، واستعادة البطولات. 
 
الثلاثاء الماضى، دخل نادى ليفربول الانجليزى، موقعة إياب نصف نهائى دورى أبطال أوروبا، محملا بخسارة ثقيلة فى مباراة الذهاب، ومضافا عليها خسارة اثنين من النجوم وهم المصرى محمد صلاح، والبرازيلى فيرمينو، أشد المتفائلين كان أقصى ما يتوقعه أن يلعب ليفربول مباراة جيدة، ويحقق الفوز بهدف أو بأقصى حد هدفين، أو حتى ثلاثة أهداف ويحرز ميسى هدفا من أهدافه الخرافية، إلا أن ذلك كله لم يحدث، فحقق الفريق الهدف المطلوب وفاز برباعية مذهلة وسط استسلام تام لنجوم البارسا، الأمر الذى أرجعه كثيرون إلى المنظومة القوية والبدائل الجيدة التى دربها كلوب، من أجل مثل تلك الأوقات. 
 
ليس سحرا أن تصنع انجازات برجال هم فى الأساس مذهلون بارعون، يمتلكون العبقربة الفردية، السحر الحقيقى أن تكون أدواتك عادية وتبذل مجهودا غير عادى فيصبح المستحيل لا شىء. 
 
مؤكد أن كلوب انتابته بعض العصبية أثناء الوحدات التدريبية فى الأسبوع الذى فصل بين مباراتى الذهاب والإياب فى بطولة نصف نهائى دورى أبطال أوروبا، ومؤكد أيضا أنه نجح فى توظيف هذه العصبية فى شحن اللاعبين وهممهم.. لم نكن داخل غرفة اللاعبين حتى نطلع على الكواليس التى دارت قبل المباراة، لكن المؤكد أن كلوب لم يغفل الحديث عن غياب كل من فيرمينو وصلاح، وخسارة اثنين من أهم الأضلع الهجومية للفريق، مؤكد أنه ناقش الأمر مع كل لاعب على حدة، وأوصل له شعورا أنه لا مفر من الفوز حتى وإن كلفهم الأمر اللعب بحارس المرمى اليسون كرأس حربة.
 
كان واضحا فى المباراة الدور التكتيكى لهندرسون، المتميز فى الجانب الأيمن من وسط الملعب، وما تلقاه من تعليمات بالدخول كثيرا فى منطقة جزاء برشلونة، والتزامه فى نفس الوقت بتغطية اوريجى أو ساديو مانى عند تبديل الأماكن حال قيادتهما الهجمة الحمراء، وكان ظاهرا أمام الجميع التقدم المحسوب لميلنر، تخوفا من هروب ميسى إلى الأطراف، وكان ميلنر فى معظم أوقات المباراة يميل إلى مساندة الدفاع لصد غزوات ميسى من الأطراف، ومساعدة الفريق فى بناء الهجمة، بإعطاء الحرية لروبرتسون قبل إصابته.
 
أما مانى فكان مكلفا بفتح جبهات فى ظهر روبرتو صاحب الأداء الدفاعى الأضعف مقارنة بسيميدو، وكان هذا كافيا لوقف هجمات روبرتو وانطلاقاته.  
 
وبطبيعة الحال كان جزءا كبيرا من المحاضرة الخططية، عن الدفاع وضرورة أن يقابل مدافعو الريدز هجوم برشلونة من منتصف الملعب، وألا يتركوهم يصلوا إلى الأمتار الأخيرة حيث الخطر الحقيقى الممثل فى ميسى وسواريز، مؤكد أنه قال لهم امنعوا ميسى بأى طريقة من الوصول إلى مرمى اليسون. 
 
من يقول إن هذا الفوز التاريخى، أتى صدفة، عليه أن يراجع تصريحات كلوب قبل المباراة، وقتها يتيقن أن هذا الرجل لم يصنع فوزا بمحض الصدفة، بل كان جادا ومجتهدا حتى وصل إلى مبتغاه، فقال قبل المباراة: «كل شخص داخل الملعب الليلة لديه حب ليفربول فى قلبه يعرف حجم المهمة التى نواجهها، لا يقتصر الأمر على   الفوز بِالمباراة، نحن هنا الليلة للفوز بِالدور نصف النهائى، وبسبب ما حدث فى إسبانيا سيكون هذا تحديا كبيرا»، وتابع، قائلاً: «قلت مباشرةً بعد المباراة الأولى إنه ليس وقت عدم الحديث عما قد يحدث فى إنجلترا، لعبنا شوطا واحدا وهذه المحطة الثانية، ما زلت أشعر بذلك، لأكون صادقا، الكلمات والعبارات لن تجعلنا نفوز فى هذه المواجهة، مشجعونا أذكياء وكذلك مشجعو برشلونة، الوضع هو الوضع، لديهم الأسبقية ونحن بحاجة إلى الرد، لكن كَون كِلا الناديين يتمتع بالذكاء يعنى أيضا أن الجميع يعلم أننا لم ننته ونحن ليفربول لذلك دعونا نلعب ودعونا نرى». 
 
وقال أيضا: «يوجد شىء واحد يعرفه كل شخص بداخل الأنفيلد، بما فى ذلك خصومنا، ليفربول هذا لا يتوقف أبدا، ليفربول هذا لا يستسلم، ليفربول هذا يعطى كل شىء فى جميع الأوقات، ومهما حدث فإن ليفربول هذا يقدم كل شىء على أرض الملعب ولا يبقى شيئا للندم، نحن لا نقول فقط لو»، وتابع: «إنها حقا قصة هذا الفريق وهذه المجموعة المدهشة من اللاعبين.. بعد مباراة نيوكاسل مساء السبت، لم يعد لديّ أى تعبيرات جديدة لاستخدامها لإظهار حبى و إعجابى بهم جماعيًا و كأفراد، ما يقدمونه لهذا النادى، يجعلك فقط تُعجب بهم، لقد وصفتهم بعد مباراة ساوثهامبتون على أنهم وحوش العقلية لقد استخدمت كلمة أخرى غير لائقة قبل العقلية، لكن الشعور يبقى قويا بدونها، إذا كان ما فعلوه فى ساوثهامبتون قد جعلهم «وحوش العقلية»، ما فعلوه فى نيوكاسل يجعلهم عمالقة». 
 
المدرب المخضرم، جوزيه مورينيو كان متواجدا لتحليل اللقاء فى إحدى الشبكات الرياضية، وبمجرد عودة الكاميرا إلى الاستوديو بعد تصريحات الألمانى، صفق مورينيو بحماسة كبيرة وأشار بيده وكأنه يرفع القبعة تقديرا لكلوب، وقال «كلوب قال إن المسألة ليست متعلقة بالتكتيك وإنما بالتخاطب والإيمان والعاطفة بين الجماهير واللاعبين، وأعتقد أن أغلبية المدربين سوف يتحدثون عن أستاذ فى عالم التكتيك وأستاذ فى عالم التركيز الذهنى، لكن أريد أن أقول ما لم يقله كلوب، هو نجم الليلة، الفوز مسئوليته، لم أتواجد فى مران ليفربول لكن أعتقد أن شاكيرى وأوريجى تدربا بطريقة رائعة، وخاضا الكثير من المباريات، لعبوا منذ يومين وقدموا هذا الأداء». 
 
واختتم: «أتمنى أن يفوز كلوب بدورى الأبطال لأنه خسر الدورى الأوروبى والأبطال من قبل، وهو يستحق أن تقف بجانبه إذ يقوم بعمل رائع».

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق