قضاة الأمة.. عبادة بن الصامت: قصة أول قاضٍ في فلسطين

الأربعاء، 15 مايو 2019 10:00 م
قضاة الأمة.. عبادة بن الصامت: قصة أول قاضٍ في فلسطين
قضاة الأمة - أرشيفية
علاء رضوان

فى الحقيقة أن الدين الإسلامى الحنيف اهتم إهتماماَ بالغاَ بالقضاء حيث اعتبره فريضة محكمة، وسنة متبعة، فقد وضع له نظاماً قويماً، ومنهاجاً سليماً مستقيماً، وإظهاراً لعناية الإسلام بمنصب القضاء تصدر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، وجلس للحكم بين الناس في منازعاتهم وخصوماتهم، امتثالاً لقول الله عز وجل: «إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ»، «سورة النساء، الآية 105».

ومن المعلوم أن القضاء من أفضل القربات إلى الله عز وجل، «فهو فصل الخصومة بين خصمين فأكثر بحكم الله سبحانه وتعالى»، «الإقناع 4/78»، وهو أمر جليل، لذلك نرى في السيرة العطرة أنَ بعض الصحابة والتابعين قد رفضوا تولِّي هذا المنصب الحساس والدقيق، فقد جاء في الحديث الشريف: «من ولي القضاء فقد ذُبح بغير سكين»، «أخرجه الترمذي»، لعلمهم بعاقبة ذلك. 

فارس-عربي

ولكنَ الأمة تحتاج إلى وجود قضاة يعرفون أحكام دينهم ويخشون ربهم، حتى يقوموا بهذه المهمة في إظهار الحق وفضِ الخصومات، ولنا في رسول الله الأسوة الحسنة والقدوة الصالحة، حيث كان عليه الصلاة والسلام يتولى هذا الأمر الجليل، ومن الجدير بالذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد درّب أصحابه الكرام على القضاء وكلفهم به. 

وأوضح لهم النبى صلى الله عليه وسلم منهاجه ومحجته، فقد روي عن علي، رضي الله عنه قال: «بعثني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى اليمن قاضياً، فقلت يا رسول الله، ترسلُني وأنا حديثُ السنِّ ولا علمَ لي بالقضاء؟ فقال: «إن الله عز وجل سيهدي قلبَك ويُثَبِّتُ لسانَك، فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضينَّ حتى تَسمع من الآخِر كما سمعتَ من الأول، فإنه أَحْرى أن يتبيَّن لك القضاء».

وكذلك الخلفاء الراشدون بعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، جلسوا للقضاء بين الناس والفصل في خصوماتهم ومنازعاتهم، وبينوا وجه الحق، ومنهاج القضاء السليم في ذلك، ويكفي أن نذكر في هذا رسالة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه التي وجهها إلى أبي موسى الأشعري عندما ولاه قضاء الكوفة، ومما جاء في الرسالة قول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه : «من عبد الله عمر بن الخطاب إلى عبد الله بن قيس، سلام عليك، أما بعد، فإن القضاء فريضة محكمة، وسنة متبعة، فافهم إذا أدلي إليك، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له، آس بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك، حتى لا ييأس الضعيف من عدلك، ولا يطمع الشريف في حيفك، البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً، لا يمنعنك قضاء قضيته بالأمس ثم راجعت فيه نفسك، وهديت فيه إلى رشدك أن تراجع فيه الحق، فإن الحق قديم، وإن الحق لا يبطله شيء، وإن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل.... إلى آخر ما جاء في الرسالة. 

32022-300

حياته

ووفقا للدكتور يوسف جمعة سلامة خطيب المسجد الأقصى المبارك، فإن أول قاضى فى بيت المقدس بعد فتحا هو عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر الخزرجي الأنصاري، وكنيته أبو الوليد، أسلم في ريعان شبابه، وشهد بيعة العقبة الأولى والثانية وكان أحد النقباء ليلة العقبة، وشهد بدراً والمشاهد كلها مع الرسول صلى الله عليه وسلم.

أمه قرة العين بنت عبادة بن نَضْلة بن مالك بن العجلان، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي مرثد العنَوي المهاجري في المدينة، وشارك عبادة رضي الله عنه في غزو الروم وفتح اللاذقية وجبلة، وشهد فتح مصر مع عمرو بن العاص رضي الله عنه سنة 20 هـ، وكان قائد فتح الإسكندرية سنة 25 هـ، عينه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قاضياً على الشام وأقام بحمص – بحسب «سلامة». 

download

وزوجته أم حرام بنت ملحان، خالة أنس بن مالك رضي الله عنه، وهي التي حدَّثت أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فأطعمته، ثم نام ثم استيقظ وهو يضحك.... كما جاء في الحديث الشريف

قال الأوزاعي: أول من ولى قضاء فلسطين عبادةُ بن الصامت، وتوفي عبادة رضي الله عنه سنة أربع وثلاثين للهجرة بمدينة الرملة، ونقل جثمانه إلى بيت المقدس، حيث دفن في مقبرة باب الأسباط، وقيل بالبيت المقدس، وعمره اثنتان وسبعون سنة.

أول قاضٍ للإسلام في بيت المقدس

من المعروف أن فلسطين قد فُتحت في السنة الخامسة عشر للهجرة في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وسيدنا عمر رضي الله عنه ذهب بنفسه إلى بيت المقدس ليتسلم مفاتيحها، مع العلم أن فتوحات عديدة قد حدثت في عهده رضي الله عنه، فلم يذهب ليتسلم مفاتيح مصر، ولا دمشق، ولا بغداد، وإنما جاء ليتسلم مفاتيح مدينة القدس في دلالة واضحة على مكانة هذه المدينة في عقيدة المؤمنين.

وأصدر رضي الله عنه قراراً بتعيين الصحابي الجليل عبادة بن الصامت رضي الله عنه قاضياً لبيت المقدس فكان عبادة رضي الله عنه أول قاضٍ للإسلام في بيت المقدس، وتلك إشارة واضحة إلى مكانة عبادة رضي الله عنه.

رجل بألف رجل

عندما عزم المسلمون على فتح مصر التي بشرهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم بها، فاتجه إليها عمرو بن العاص رضي الله عنه بجيش كبير، ولكن عندما وصل إلى مشارف مصر رأى كثرة عدد الروم، فطلب عمرو بن العاص رضي الله عنه مدداً من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، واستجاب عمر رضي الله عنه لرأي عمرو رضي الله عنه وكتب له:   

3360902901_302535d34b_b

أما بعد: فإني قد أمددتُك بأربعة آلاف رجل، على كل ألفٍ، رجلٌ بمقام ألف، إشارة إلى كفاءة المقاتلين ومهارتهم وصدقهم وشجاعتهم، وهم: الزبير بن العوام، والمقداد بن عمرو، وعبادة بن الصامت، ومسلمة بن مَخْلَدْ، رضي الله عنهم أجمعين، ومن خلال ذلك تتجلى مكانة الصحابي الجليل عبادة بن الصامت، رضي الله عنه.

إن الرجولة ليست ببسطة الجسم والقامة فقط كما في قوله تعالى: «وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ» «سورة المنافقون، الآية 4»، فقد ورد في الحديث الشريف: أنه يؤتى بالرجل العظيم السمين يوم القيامة فلا يزن عند الله جناح بعوضة، كما في قوله تعالى: «فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا»، «سورة الكهف، الآية 105».

إن الإسلام لا يفضل الرجال من خلال الجنس أو اللون، أو الغني أو الفقر لقوله، صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم»، «8»، وإنما يفضلهم بما فضل الله به بعضهم على بعض، وهو ميزان التقوى لقوله تعالى: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ»، «سورة الحجرات، الآية 13».

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق