الحلقة الثالثة:

الشيخ محمود شلتوت.. قضى على أسطورة: «واعبدوا الله على المذاهب الأربعة»

السبت، 18 مايو 2019 08:00 م
الشيخ محمود شلتوت.. قضى على أسطورة: «واعبدوا الله على المذاهب الأربعة»
الشيخ محمود شلتوت
محمد الشرقاوی

هل تعلم أن مشيخة الأزهر أباحت جواز التعبد بمذهب الشيعة الإمامية؟.. الأمر صادم جدا بالنسبة إليك، لكن لك الحق أن تعلم أن فضيلة الإمام الأكبر الشيخ الثالث والأربعين للجامع الأزهر الشريف، الشيخ محمود شلتوت، أجاز ذلك. 
 
لك أيضا أن تتخيل، لو صدرت تلك الدعوة الآن، كنت سترى أناسا يكفرون شيخ الأزهر نفسه، وتظاهرات واشتباكات والعالم ينقلب رأسا على عقب، فی ظل عصبية سيطرت على عقول الملايين من المسلمين.
 
فی يوم 17 من ربيع الأول 1378 هجريا، الذى وافق عام 1959، أفتى الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت بإجازة التعبد بمذهب الشيعة الإمامية، وأن الإسلام لم يحدد مذهبا للتعبد به إلى الله.. إلى هنا انتهت الفتوى، وقبل أن تحكم عليها، هل تعلم من هو الشيخ محمود شلتوت؟
ولد محمود شلتوت بقرية منية بنی منصور بمركز إيتای البارود بمحافظة البحيرة، فی 23 أبريل 1893، حفظ القرآن الكريم وهو صغير، ثم التحق بمعهد الإسكندرية الأزهری عام 1906، ودرس كل علوم الأزهر، حتى التحق بالكليات الأزهرية ونال شهادة العالمية النظامية سنة 1918، ثم عين شلتوت مدرسا بمعهد الإسكندرية أوائل عام 1919، بعدما كان أول الناجحين فی العالمية، ولما عين الإمام محمد مصطفى المراغی شيخا للأزهر، فی 2 ذی الحجة 1346هـ/ 22 مايو 1928، نقل الشيخ شلتوت إلى القسم العالی بالأزهر، وبعد ذلك تم ترقيته لتدريس الفقه بأقسام التخصص وهو أعلى مستويات التدريس فی الأزهر، ثمّ عضوا فی جماعة كبار العلماء.
لم يسلم شلتوت خلال رحلته العلمية من التعنت وسوء الفهم، فعندما طالب بإصلاح الأزهر تم فصله مع 70 من علماء المشيخة، فی 17 سبتمبر 1931، بعدها عمل محاميا، وظل على منهجه فی نقده لسياسات الأزهر، والدعوة للإصلاح ونشر أفكاره الإصلاحية بالصحف اليومية والمجلات، وفی فبراير 1935م، أعيد وكل المفصولين إلى عمله بالأزهر وعين مدرسا بكلية الشريعة، ولما عاد الإمام المراغی للمشيخة عينه وكيلا للكلية فی محرم 1356هـ أبريل سنة 1937م.
فی رجب من العام نفسه، اختير شلتوت عضوا فی وفد أزهرى، لحضور مؤتمر لاهای للقانون الدولی المقارن، وألقى فيه بحثا بعنوان: «المسئولية المدنية والجنائية فی الشريعة الإسلامية»، أكد فيهما على اعتبار الشريعة الإسلامية مصدرا من أهم مصادر التشريع العام، وأنها حية صالحة للتطور، باعتبارها قائمة بذاتها وأنها أصيلة وليست مقتبسة من غيرها من الشرائع الوضعية ولا متأثرة بها، وفی 1941 تقدم بهذا البحث إلى جماعة كبار العلماء فنال عضويتها بإجماع الآراء، وكان أصغر أعضاء الجماعة سنا، وكانت أول أنشطته أن تقدم إليها باقتراح إنشاء مكتب علمی للجماعة، تكون مهمته معرفة ما يهاجم به الدين الإسلامی والرد عليه، وتنقية كتب الدين من البدع والضلالات، وبحث المعاملات التی جدّت وتجد.
وتبنت هيئة كبار العلماء تلك المقترحات فألفت لجنة لتحقيق هذه المقاصد برئاسة الشيخ عبدالمجيد سليم، وكان الشيخ محمود شلتوت أحد أعضائها، وكانت هذه اللجنة إرهاصا بإنشاء مجمع البحوث الإسلامية فيما بعد عند صدور القانون 130 لسنة 1961 .
وفی سنة 1942 ألقى شلتوت محاضرته الإصلاحية فی السياسة التوجيهية التعليمية بالأزهر، وكان لها تأثير كبير فی الأوساط العلمية بالأزهر، وبعدها فی 1946، صدر قرار بتعيينه عضوا بمجمع اللغة العربية، كما انتدبته جامعة فؤاد الأول (القاهرة) فی 1950، لتدريس فقه القرآن والسنة لطلبة دبلوم الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق، كما عين فی نفس العام 1950 مراقبا عاما لمراقبة البحوث والثقافة الإسلامية بالأزهر، فوضع أساسا لإصلاح المراقبة، ولعلاقة مصر الثقافية مع العالمين العربی والإسلامی، وغيرهما تم تعيينه مستشارا لمنظمة المؤتمر الإسلامی فی 1957.
ثم أختير عضوا فی اللجنة العليا للعلاقات الثقافية الخارجية بوزارة التربية والتعليم وعضوا فی المجلس الأعلى للإذاعة، وكان أول من ألقى حديثا دينيا فی صبيحة افتتاح إذاعة القاهرة ورئيسا للجنة العادات والتقاليد بوزارة الشئون الاجتماعية وعضوا فی اللجنة العليا لمعونة الشتاء وعضوا فی لجنة الفتوى بالأزهر ومستشارا لمنظمة المؤتمر الإسلامی 1957، ثم وكيلا للأزهر والمعاهد الدينية فی 9 نوفمبر 1957، وعضوا فی مجمع البحوث الإسلامية فی 31 يناير 1962 ثم شيخا للأزهر من 13 أكتوبر 1958، خلفاً للشيخ عبدالرحمن تاج.
 
قائد الإصلاح فى الأزهر
 
تولى الإمام الأكبر مشيخة الأزهر، نحو 5 سنوات، بدأت فی 13 أكتوبر 1958، واستمر إلى 13 ديسمبر 1963. 
«إننا نريد انقلابا محببا إلى النفس» يقول شلتوت، الذى رأى أن النهوض بالأزهر الشريف وإصلاحه ضرورة ملحة، فهو حصن اللغة المكين، فطالب بإعادة النظر فی المناهج التی تدرس بالأزهر، وعمل على إنشاء مجمع البحوث الإسلامية، فقدم مذكرة إلى كمال الدين رفعت وزير الدولة لشئون الأزهر ضمنها خطة العمل بالمجمع وأغراضه السامية لخدمة الإسلام والمسلمين، وصدر فی عهده القانون رقم 103 لسنة 1961م بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التی يشملها، وكان من بينها مجمع البحوث الإسلامية، وكان بحكم وظيفته عضوا فی أول تشكيل له بالقرار الصادر 31 يناير1962 .
وتمثلت رحلة الإصلاح بقيادة شلتوت فی فتح تخصصات جديدة لم تكن متاحة لأبناء الأزهر، كما فتح معاهد نموذجية تجمع بين التعليم الأزهری والعام، ومعاهد القراءات، ومعهد البعوث الإسلامية، ومعهد الإعداد والتوجيه، الذی يؤهل الطلاب غير العرب للدراسة باللغة العربية، وإدخال الكليات العملية لجامعة الأزهر، وزيادة البعثات الأزهرية لأوروبا، وزيادة بعثات الأزهر للدعوة إلى الإسلام والوعظ والإرشاد، وتدريس اللغات الأجنبية فی الأزهر، وافتتاح معاهد الفتيات لأول مرة فی تاريخ الأزهر، فصدر فی 9 يناير 1962م أول قرار بإنشاء معهد أزهری للفتيات، وهو معهد فتيات المعادي.
 
الإصلاح لم ينته بعد
 
قديما، طالب شلتوت بوجوب إصلاح الأزهر واستقلاله عن الجهات التی يخضع لها، ونشرت صحفا مصرية، له عدة مقالات حول إصلاح الأزهر والمعاهد الدينية، وهی الدعوة التی تبناها كثير من رجال الأزهر، وعارضها الملك فؤاد وبعض المشرفين على سياسة الأزهر فی ذلك الوقت، مما جعل الشيخ المراغی يتقدم باستقالته فی 10 أكتوبر 1929، وتولى المشيخة بعده الشيخ محمد الأحمدی الظواهری الذی كان يرى التأنی ومراعاة الظروف، والتفاهم مع ولاة الأمر فی عملية الإصلاح، وقابله كثير من العلماء والطلبة بثورة عاتية فقابل ثورتهم بالشدة والعنف، ففصل الشيخ شلتوت من منصبه، وفصل غيره أكثر من سبعين من صفوة علماء الأزهر ممن يؤمنون بفكرته الإصلاحية، فی 17 سبتمبر 1931م.
حاول شيخ الأزهر الشيخ عبدالمجيد سليم، تعين شلتوت وكيلا للأزهر فی سنة 1950، وذلك لأن الملك فاروق؛ اشترط أن يتخلى الشيخ عن الخطابة والتدريس بمسجد الأمير محمد على الصغير فی المنيل، فلما نقل ذلك إليه أحمد حسن الزيات بتكليف من الشيخ عبدالمجيد سليم رفض وأجابه: «لأن أفصل مرة أخرى من الأزهر، وأعيش مدة أخرى أنا وأولادی فی صراع الفقر خير لی من أن أساوم على كرامتی وأصالح على هوانى، إن مسجد الأمير الذی أعمل فيه لله وأنا مدرس أحب إلى الله من قصر المليك الذی أعمل فيه للشيطان وأنا وكيل».
 
المعركة الأشرس
 
دعم الشيخ شلتوت التقريب بين المذاهب الإسلامية، بالإضافة إلى حسم الجدل فی الكثير من القضايا الاجتماعية، ومنها: «فتوى جواز التعبّد بمذهب الشيعة الإمامية»، وكان شلتوت من كبار المؤسسين لـ «دار التقريب بين المذاهب الإسلامية » التی تأسست سنة 1947؛ بهدف إزالة توثيق الصلات بين الطوائف الإسلامية، وبخاصة بين السنة والشيعة، ومحاولة القضاء على الخلافات بين أتباع المذاهب بإدخال دراسة المذاهب فی الأزهر الشريف.
وأصدرت الدار مجلة «رسالة الإسلام» لتنشر الفكر التقريبی بين المسلمين، كما أصدر فتواه الشهيرة بجواز التعبد على أی مذهب من المذاهب الإسلامية، التی عُرفت أصولها ونقلت نقلا صحيحا، ومنها مذهب الشيعة الإمامية، باعتباره مذهبا إسلاميا كالمذاهب السنية الأربعة (الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية)، وصدرت فی ١٩٥٩، أجاز فيها التعبّد، وكان نص الفتوى كالتالي: 
بسم الله الرحمن الرحيم
نص الفتوى التی أصدرها السيد صاحب الفضيلة الإمام الأکبر الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر فی شأن جواز التعبد بمذهب الشيعة الإمامية. قيل لفضيلته: إن بعض الناس يرى أنه يجب على المسلم لکی تقع عباداته ومعاملاته على وجه صحيح أن يقلد أحد المذاهب الأربعة المعروفة وليس من بينها مذهب الشيعة الإمامية ولا الشيعة الزيدية، فهل توافقون فضيلتکم على هذا الرأی على إطلاقه فتمنعون تقليد مذهب الشيعة الإمامية الإثنی عشرية مثلا.
فأجاب فضيلته:
«إن الإسلام لا يوجب على أحد من أتباعه إتباع مذهب معين، بل نقول: إن لکل مسلم الحق فی أن يقلد بادئ ذی بدء أی مذهب من المذاهب المنقولة نقلا صحيحا والمدونة أحکامها فی کتبها الخاصة، ولمن قلد مذهبا من هذه المذاهب أن ينتقل إلى غيره أی مذهب کان ولا حرج عليه فی شىء من ذلك.
إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الإثنى عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعاً کسائر مذاهب أهل السنة، فينبغی للمسلمين أن يعرفوا ذلك وأن يتخلصوا من العصبية بغير الحق لمذاهب معينة، فما کان دين الله وما کانت شريعته بتابعة لمذهب أو مقصورة على مذهب، فالکل مجتهدون مقبولون عند الله تعالى، يجوز لمن ليس أهلا للنظر والاجتهاد تقليدهم والعمل بما يقررونه فی فقههم ولا فرق فی ذلك بين العبادات والمعاملات.
وعقب صدور الفتوى ثارت العديد من التسأولات حولها فمن العلماء من وافق عليها ومنهم من رفضها ومنهم من أنكرها من الأساس. 
 
الصراع يحتدم
 
تسببت الفتوى فی جدل كبير على الساحة السياسية، فنالت تأييد أشخاص وهجوم آخرين، فنالت موافقة أعضاء جماعة التقريب، وعلى رأسهم الدكتور محمد البهي، الذی كتب مؤيدا لتوجه الفتوى وشلتوت ـ مقالا بعنوان: (مع المذاهب الإسلامية)، ومحمود الشرقاوی وكتب مقالا بعنوان: (الأزهر ومذاهب الفقه الإسلامي)، والشيخ محمد تقی القمی السكرتير العام لجماعة التقريب نشر مقالا بعنوان: (قصة التقريب)، يشيد بالفتوى، وبجهود شلتوت فی التقريب، والشيخ محمد محمد المدنی رئيس تحرير مجلة (رسالة الإسلام) وعميد كلية الشريعة بجامعة الأزهر، بمقال بعنوان: (رجة البعث فی كلية الشريعة)، والشيخ محمد الغزالی مقالا بعنوان: (على أوائل الطريق).
أما الرافضون، فقد نالت رفض عدد من العلماء على رأسهم الشيخ مصطفى صبری التوقادي، آخر شيوخ الإسلام فی الدولة العثمانية، وينسب إلى المدرسة الكلامية الماتريدية، والذی اعتبر فتاوى الشيخ محمود شلتوت جزء المدرسة العقلية الحديثة التی يمثل رموزها الثلاثة: محمد عبده ورشيد رضا والمراغي: «وهؤلاء الشخصيات الثلاثة ينتهی إليهم كل شذوذ وزيغ فی الدين بمصر فی عصر التجديد».
أما المدرسة السلفية فی مصر التی كانت متمثلة إذ ذاك فی جماعة أنصار السنة المحمدية، فقد كانت علاقتها بالشيخ محمود شلتوت علاقة جيدة، وكانت صلته بأنصار السنة تتمثل فی محاضرات يلقيها فی دار الجماعة أو مقالات يكتبها فی مجلة الهدی النبوى، فقد كان من كتابها فی أول وقت صدورها ولذلك كانت الردود على فتوى الشيخ محمود شلتوت التی كتبها مؤسس الجماعة الشيخ محمد حامد الفقی ونشرها فی مجلته الهدی النبوی ردودا هادئة خالية من العبارات الشديدة الواردة فی ردود المشايخ المتقدمين .
 
الشيخ يرد 
 
كان رد الشيخ محمود شلتوت على المعارضين لهذه الفتوى شديدا حيث وصفهم فی خمس مقالات فی الدفاع عن فتواه، الأولى فی العدد (514) من مجلة الرسالة المنشور بتاريخ 10/ 5/ 1943، أی بعد عام كامل من إصدار بقوله: «لهم من شبه العلماء الزی واللَّقب» ويخص الشيخ مصطفى صبری بقوله: «شيخ الإسلام الذی كفرت به تركيا».
 
نبی الله عيسى لم يرفع بجسده 
 
من بين فتاوى الشيخ محمود شلتوت- ولم يكن وقتها شيخ الأزهر الشريف- فتوى أن المسيح عليه السلام لم يرفع بجسده إلى السماء، بل كان شيخ الأزهر الشريف وقتها الشيخ محمد مصطفى المراغي، الذی جاءت له فقام بإحالتها على شيخ موافق له فی مذهبه، وهو الشيخ محمود شلتوت.
فكتب شلتوت جوابا على الاستفتاء، خلص فيها إلى ما يأتي: 
أنه ليس فی القرآن الكريم ولا فی السنة المطهرة مستند يصلح لتكوين عقيدة يطمئن إليها القلب بأن عيسى رُفِع بجسمه إلى السماء، وأنه حی إلى الآن فيها، وأنه سينزل منها آخر الزمان إلى الأرض.
 إن كل ما تفيد الآيات الواردة فی هذا الشأن هو وعد الله عيسى بأنه متوفيه ورافعه إليه وعاصمه من الذين كفروا، وأن هذا الوعد قد تحقق فلم يقتله أعداؤه ولم يصلبوه، ولكن وفاه الله أجله ورفعه إليه .
إن من أنكر أن عيسى قد رفع بجسمه إلى السماء، وأنه فيها حی إلى الآن، وأنه سينزل منها آخر الزمان فإنه لا يكون بذلك مُنكرا لما ثبت بدليل قطعى، فلا يخرج عن إسلامه وإيمانه، ولا ينبغی أن يحكم عليه بالردة، بل هو مسلم مؤمن، إذا مات فهو من المؤمنين يصلی عليه كما يصلى على المؤمنين، ويدفن فی مقابر المؤمنين، ولا شية فی إيمانه عند الله، والله بعباده خبير بصير.
وأثارت الفتوى جدلا كبيرا فی ذلك الوقت حيث اعتبر الشيخ مصطفى صبری التوقادي، آخر شيوخ الإسلام فی الدولة العثمانية، فتوى شلتوت التی أنكر فيها نزول عيسى على السلام نموذجا عن إنكار هذه المدرسة للمعجزات، وأن هناك سببا خفيا لقول شلتوت بنفی نزول عيسى، وهو إيمانه بالفلسفة المادية الغربية وأنه لا توجد فائدة من تكفير شلتوت، لأنه لا أسهل فی هذا الزمان من أن يكفر أحد ثم يقول: ما كفرت، فإن كان الشيخ كفر لما أنكر وجود الشيطان كائنا حيا عاقلا، وكفر لما أنكر رفع عيسى ونزوله ولم يعترف بأنه كفر، فماذا يحصل من تكفيره؟
 
أول المستقيلين من رئاسة المشيخة
 
كان الشيخ محمود شلتوت حريصا على الحفاظ على الأزهر ومكانته، ومدافعا عن اختصاصات شيخ الأزهر التی حاولت الحكومة فی الخمسينيات سلبها فوقع خلاف مع رئيس الوزراء فی ذلك الوقت علی صبری الذی وصف بأنه «صاحب اليد السوداء فی القضاء على الأزهر» لمحاولاته المستمر الحد من صلاحيات الأزهر وشيخ الأزهر، وهو ما جعل الشيخ محمود شلتوت يتقدم باستقالته فی 6 أغسطس 1963، إلى الرئيس جمال عبدالناصر حفاظا على كرامة الأزهر وكرامته وصونا للأمانة التی يحملها.
 
وقال الشيخ شلتوت فى خطاب الاستقالة إلى الرئيس عبدالناصر «أسندت وزارة شئون الأزهر إلى السيد الدكتور محمد البهی فسار بها فی طريق لا يتفق مع رسالة الأزهر، وما يبتغيه طلاب الإصلاح له، حتى مس كيانه، وصدعّ بنيانه، وفی هذه الفترة الأخيرة التی جاوزت العشرة شهور ظللت من جانبی أحاول علاج ما ترتب على طريق سيره من مشكلات، وأدفع بقدر الاستطاعة عن حرمة الأزهر وحماه، ولم أدع فرصة إلا التجأت فيها إلى المختصين عسى أن يهيئ الله من الظروف ما يستقيم معه المعوج وينصلح به الفاسد، ولكن الأمور أفلت زمامها من يدي، وانتقلت من سيئ إلى أسوأ، حتى تحول الأزهر فعلا عن رسالته، ولم يصبح لمشيخة الأزهر وجود أو كيان، وإزاء هذه الظروف السابقة المتجمعة أجد نفسی أمام واحد من أمرين: إما أن أسكت على تضييع أمانة الأزهر- وهو ما لا أقبله على دينی وكرامتى، وإما أن أتقدم آسفا فی هذه الظروف بطلب إعفائی من حمل هذه الأمانة، التی أعتقد عن يقين أنكم تشاركوننی المسئولية فی حملها أمام الله والتاريخ؛ ولذلك فليس أمامی إلا أن أضع استقالتی من مشيخة الأزهر بين أيديكم بعد أن حيل بينی وبين القيام بأمانتها». 
 
ورفض الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الاستقالة، وأرسل إلى الشيخ شلتوت، حسين الشافعی الذی كان الشيخ يحبه ويميل إليه لتدينه ليقنعه بالعودة، إلا أن الشيخ تمسك برأيه، ولم يقبل الحضور إلى مشيخة الأزهر وليس له فيه أی سلطة، وشعر البعض من الضباط بالحرج أمام الزائرين الأجانب الذين يلحون فی طلب زيارة الشيخ شلتوت، فأشاعوا أنه اعتزل الحضور إلى الأزهر لأنه مريض.
 
وبعدها بأربعة شهور توفى الشيخ محمود شلتوت مساء ليلة الجمعة فی 27 من شهر رجب 1383هـ/ 13 ديسمبر 1963، وشيعت جنازته من الجامع الأزهر بمشاركة كبار المسئولين وعلماء الأزهر، ودُفِنَ بمقابر الإمام الشافعی ليكون بذلك الشيخ الثالث والأربعين للجامع الأزهر على المذهب الحنفی وعلى عقيدة أهل السنة وكان أول حامل للقب الإمام الأكبر.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق