يورجن كلوب.. أن تكون قائداً (بروفايل)

السبت، 01 يونيو 2019 11:30 م
يورجن كلوب.. أن تكون قائداً (بروفايل)
ليفربول
مصطفى الجمل

 

جاحدٌ غير منصفٍ من ينكر على الألمان جدهم واجتهادهم واتقانهم العمل – أي عمل صغيراً كان أو كبيراً- ودقة مواعيدهم.

 لم يبالغ هورست كولر الرئيس الألماني الأسبق، عندما قال عن ألمانيا  «أرض الأفكار النيرة»، ففي ألمانيا كل شيء يجب أن يكون كما ينبغي، أهدافهم لا تنتظر فرصة كاملة لتحقيقها،  ولا حتى نصف فرصة ولا ربعها، هم فقط بحاجة إلى شبه فرصة، يعرفون كل طرق الوصول إلى القمة ويجيدون ببراعة الحفاظ عليها، قاموسهم لا يعرف اليأس ولا الاكتفاء ولا التراخي عند تحقيق الهدف.

 لا أحد ينسى في نهائي كأس العالم 2014، وقبل صافرة النهاية بدقائق قليلة والنتيجة تشير إلى تفوق الماكينات الألمانية على نجوم السامبا بسباعية تاريخية، وإذ بالنجم الألماني مسعود اوزيل ينفرد بمرمى البرازيل ويهدر فرصة سهلة، كادت أن تضيف الهدف الثامن، ولسوء التوفيق ضاعت الفرصة، فاجئ أوزيل كل من يشاهد المباراة بلطمه على وجههه وإبداء ندم شديد على ضياع الفرصة، وكأنها فرصة الهدف الأول، وكأن فريقه سيخرج من البطولة بضياع هذه الفرصة، الكل خبط كف على كف متسائلاً: لماذا يتصرف هذا المجنون بهذه الطريقة؟، نعم هي كما تقول الآن: «العقلية الألمانية».

العقلية الألمانية، تسلح بها مدرب النادي الانجليزي ليفربول يورجن كلوب، منذ قدومه للمدينة الإنجليزية التاريخية لقيادة فريقها الكروي حتى وصل إلى تحقيق المعجزة الكروية بوصوله مرتين متتاليتين إلى نهائي دوري أبطال أوروبا بعد غياب طويل للشياطين الحمر، ليس ذلك فقط، بل الأخيرة كانت من بوابة برشلونة التي يحميها الوحش ليونيل ميسي، وبرباعية مثلها مثل الموت والولادة، لا تعاد مرتين.

 لا نقول بذلك أن الرجل يسير على خط واحد، عنوانه النجاح والتفوق منذ تسلمه مهام الإدارة الفنية لنادي ليفربول،  حاشا وكلا، فقد كان للرجل في بداية الأمر سقطات كادت أن تنهي مسيرته مع شياطين انجتلرا الحمراء سريعاً، ولكن مردها أيضاً إلى العقلية الألمانية العملية، فالرجل الذي يؤمن بتوظيف ما تحت يديه من أدوات وتطويرها، أفضل من استقدام عناصر جديدة ستكلفه العديد من الأموال وقد تفسد المنظومة، رفض في أول فترته مع الريدز استقدام صفقات من العيار الثقيل، فكانت النتيجة خسارة تلحق بخسارة، حتى دفع الرجل دفعاً إلى التخلي عن المثل المصري الشعبي : «اللي ربى خير من اللي اشترى»، فراحل يقلب الرجل عينيه ورأسه يميناً ويساراً عن صفقات لا تكلفه الكثير ويسهل السسطرة عليها وتوظيفها داخل البرنامج الموضوع مسبقاً للفريق، فجلب عدد من اللاعبي، أبرزهم على الإطلاق، نحم الدوري الايطالي محمد صلاح، وصاحب التجربة السيئة مع المخضرم جوزيه مورينيو في تشليسي الانجليزي.

كان تحدياً كبيراً أمام «كلوب» أن يعيد لصلاح ثقته في إمكانية التألق في الدوري الإنجليزي، الأصعب بين دوريات أوروبا كلها، وأن ينسيه الماضي الأليم مع المدرب العجوز جوزيه مورينيو، كان على كلوب أن يضع صلاح دائماً بالقرب من مرمى الخصم، من أجل التسجيل واستكمال مسيرة التألق، التي بدأها في الدورى الايطالي مع فيورنتينا وروما، كان على الرجل  أن يجعل نجمه الخاص، بدلاً من أن يستقدم نجم جاهز يثير القلاقل في الفريق، ويكلفه ملايين الدولارات، نجح كلوب سريعاً في ذلك، ونجح معه صلاح وبات نجم الفريق وانجلترا بل وأوروبا كلها، وبات ثالث ثلاثة يتنافسون على الجوائز الذهبية.

عندما وصل نادي ليفربول، إلى نهائي دوري أبطال أوروبا، وتلقيه خسارتين بدلاً من خسارة واحدة بتلقي هزيمة صعبة من نادي ريال مدريد الإسباني، وإصابة نجم الفريق محمد صلاح إصابة صعبة في الكتف، وقف الجميع يلوم كلوب على خطته المبنية على لاعب واحد، ما إن خرج من الملعب، حتى انقلبت الأمور رأساً على عقب، وبات اللعب كله في اتجاه واحد وهو مرمى الريدز، لم يرد «كلوب» على هذه الانتقادات واكتفى بالإشادة بروح لاعبيه وأدائهم، ولم يعد بشيء يذكر سوى مواصلة المسير من أجل جماهير الفريق، واستعادة البطولات.

الثلاثاء الماضي، دخل نادي ليفربول الانجليزي، موقعة إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، محمل بخسارة ثقيلة في مباراة الذهاب، ومضاف عليها خسارة اثنين من نجوم وهم المصري محمد صلاح، والبرازيلي فيرمينو، أشد المتفائلين كان أقصى ما يتوقعه أن يلعب ليفربول مباراة جيدة، ويحقق الفوز بهدف أو بأقصى حد هدفين، أو حتى ثلاثة أهداف ويحرز ميسي هدفاً من أهدافه الخرافية، إلا أن ذلك كله لم يحدث، فحقق الفريق الهدف المطلوب وفاز برباعية مذهلة وسط استسلام تام لنجوم البارسا، الأمر الذي أرجعه كثيرون إلى المنظومة القوية والبدائل الجيدة التي دربها كلوب، من أجل مثل تلك الأوقات.

ليس سحراً أن تصنع انجازات برجل هم في الأساس مذهلون بارعون، يمتلكون العبقربة الفردية، السحر الحقيقي أن تكون أدواتك عادية وتبذل مجهودا غير عاديا فيصبح المستحيل لا شىء.

 

مؤكد أن كلوب انتابته بعض العصبية أثناء الوحدات التدريبية في الأسبوع الذي فصل بين مباراتي الذهب والإياب في طولة نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، ومؤكد أيضاً أنه نجح في توظيف هذه العصبية في شحن اللاعبين وهممهم.

لم نكن داخل غرفة اللاعبين حتى  نطلع على الكواليس التي دارت قبل المباراة، ولكن المؤكد أن كلوب لم يغفل الحديث عن غياب كل من فيرمينو وصلاح، وخسارة اثنين من أهم الأضلع الهجومية للفريق، مؤكد أنه ناقش الأمر مع كل لاعب على حده وأوصل له شعور أنه لا مفر من الفوز حتى وان كلفهم الأمر اللعب بحارس المرمى الينسو كرأس حربة.

مؤكد أيضاً، أنه قبل المباراة بـ24 ساعة، حرص كلوب على أن يتخلص من كل عصبية الأسبوع الماضي، وأن يفرغ نفسه للفنيات ولشحن اللاعبين، وتحفيظهم طرق الوصول إلى مرمى الخصم، ربما قال كلوب للاعبين أنهم لن يتلقوا هدايا من الآخرين في هذا اليوم، فعليهم أولاً أن يصنعوا هداياهم بنفسهم، وبجهدهم وكفاحهم من أجل تحقيق الانتصار غدا هنا على برشلونة.

أوريجي اللاعب البديل لفيرمينو، والذي يلفت الأنظار خلال الفترة الماضية، خصص له كلوب جزء كير من المحاضرة، فربما حدثه عن ضرورة أن يثبت وجوده، وأنه ليس هناك فرصة أفضل من هذه المباراة لإثبات نفسه ولفت أنظار العالم إليه، ولا سيما أن ملعب الأنفليد لا مكان فيه لقطة تتمشى، ولا صوت يعلو فوق صوت زئير الجماهير : « لن تمشي وحدك أبداً» YNWAK ، مؤكد أنه تحدث مع شاكيري أيضاً ونبهه لضرورة أن يعي أنه يلعب مكان صلاح، وعليه أن يصنع شيئا مميزا.

 

كان واضح  في المباراة الدور التكتيكي لهندرسون، المتميز في الجانب الأيمن من وسط الملعب، وما تلقاه من تعليمات بالدخول كثيراً في منطقة جزاء برشلونة، والتزامه في نفس الوقت بتغطية اوريجي أو ماني عند تبديل الأماكن حال قيادتهم الهجمة الحمراء، وكان ظاهراً أمام الجميع التقدم المحسوب لميلنر، تخوفاً من هروب ميسي إلي الأطراف، وكان ميلنز في معظم أوقات المباراة يميل إلى مساندة الدفاع لصد غزوات ميسي من الأطراف،  ومساعدة الفريق في بناء الهجمة، بإعطاء الحربة لروبرتسون قبل إصابته.

أما ماني فكان مكلفاً بفتح جبهات في ظهر روبرتو  صاحب الأداء الدفاعي الأضعف مقارنة بسيميدو، وكان هذا كافياً لوقف هجمات روبرتو وانطلاقاته. 

وبطبيعة الحال كان جزء كبير من المحاضرة الخططية، عن الدفاع وضرورة أن يقابل مدافعو الريدز هجوم برشلونة من منتصف الملعب، وألا يتركوهم يصلوا إلى الأمتار الأخيرة حيث الخطر الحقيقي الممثل في ميسي وسواريز، مؤكد أنه قال لهم امنعوا ميسي بأي طريقة من الوصول إلى مرمى اليسون.

 

من يقول أن هذا الفوز التاريخي، أتى صدفة، عليه أن يراجع تصريحات كلوب قبل المباراة، وقتها يتقين أن هذا الرجل لم يصنع فوزاً بمحض الصدفة، بل كان جاداً مجتهداً حتى وصل إلى مبتغاه، فقال قبل المباراة: «كل شخص داخل الملعب الليلة لديه حب ليفربول فى قلبه يعرف حجم المهمة التي نواجهها، لا يقتصر الأمر على الفوز بِالمباراة، نحن هنا الليلة للفوز بِالدور نصف النهائي، وبسبب ما حدث فى إسبانيا سيكون هذا تحديًا كبيرًا».

وتابع، قائلاً: «قلت مباشرةً بعد المباراة الأولى إنه ليس وقت عدم الحديث عن ما قد يحدث في إنجلترا، لعبنا شوط واحد و هذه المحطة الثانية، مازلت أشعر بذلك، لأكون صادقًا، الكلمات و العبارات لن تجعلنا تفوز في هذه المواجهة، مشجعونا أذكياء وكذلك مشجعو برشلونة، الوضع هو الوضع. لديهم الأسبقية و نحن بحاجة إلى الرد، لكن كَون كِلا الناديين يتمتعان بالذكاء يعني أيضًا أن الجميع يعلم أننا لم ننته و نحن ليفربول لذلك دعونا نلعب و دعونا نرى».

وقال أيضاً: «يوجد شئ واحد يعرفه كل شخص بداخل الأنفيلد، بما في ذلك خصومنا، ليفربول هذا لا يتوقف أبدًا، ليفربول هذا لا يستسلم، ليفربول هذا يعطي كل شيء في جميع الأوقات، و مهما حدث فإن ليفربول هذا يقدم كل شيء على أرض الملعب و لا يبقي شيء للندم، نحن لا نقول فقط لو»

وتابع: «إنها حقًا قصة هذا الفريق و هذه المجموعة المدهشة من اللاعبين. بعد مباراة نيوكاسل مساء السبت، لم يعد لديّ أي تعبيرات جديدة لاستخدامها لإظهار حبي و إعجابي بهم جماعيًا و كأفراد، ما يقدمونه لهذا النادي، يجعلك فقط تُعجب بهم، لقد وصفتهم بعد مباراة ساوثامبتون على أنهم وحوش العقلية لقد استخدمت كلمة أخرى غير لائقة قبل العقلية، و لكن الشعور يبقى قوي بدونها، إذا كان ما فعلوه في ساوثامبتون قد جعلهم 'وحوش العقلية'، ما فعلوه في نيوكاسل يجعلهم عمالقة».

وقال أيضاً: «أن تلعب مباراة مثلما فعلنا يوم الأربعاء الماضي، ضد ذلك الخصم و نعاني من الظروف التي عانينا منها، من ثم خوض حصة تدريبية قصيرة واحدة للتحضير لمباراة نهاية الأسبوع، ثم القيام بما قمنا به في نيوكاسل. هؤلاء الفتيان هم عمالقة، بغض النظر عما سيحدث في هذه المباريات المتبقية، و بغض النظر عما إذا كان موسمنا سينتهي يوم الأحد أو يستمر إلى الأول من يونيو في مدريد، فهذا موسم من الإنجازات بالنسبة إلى فتياني، و بالنسبة لمجموعة اللاعبين هذه، فإن الفشل الآن خارج الطاولة، و هذا هو السبب في ذلك ، لقد أخرجوه من الطاولة مع ما فعلوه ، لم يتنازلوا أو يستسلموا في أي وقت، واجهوا كل تحدٍ، لا أحد هنا يعتقد و لا أحد يقبل أن رحلتنا قد انتهت و نحن لم نصل إلى حيث نريد، و ذلك بغض النظر عما يحدث في هذه الأيام المتبقية و ربما أسابيع».

وأضاف: «رحلتنا تستمر و تستمر سويًا إلى ما بعد هذا الموسم، لقد حققوا هذا الموسم الكثير و لكنهم مازالوا جائعين، في نيوكاسل واجهنا فريقًا يلعب فيه الحافز و القيادة، والتي عادة ما تكون مخصصة لأصحاب القرار في الموسم، لعب نيوكاسل مثل لو كان مستقبلهم على المحك، فقد لعبوا كما لو كنا قد قمنا بإهانتهم أو سرقنا منهم ، لكننا قمنا بعملٍ متكامل، ذهبنا أبعد من ذلك، قاتلنا بقوة أكبر، و رفضنا الاستلقاء و القول أن هذا يكفي، كان من الممكن مسامحة اللاعبين بالإعتقاد أن الخزان كان فارغًا، لكنهم لم يفعلوا و لن يفعلوا، مازالوا يجدون الوقود، و لهذا السبب يمكن الحكم على هذه المجموعة فقط ضد إنجازاتهم».

وتابع: «لا أحد يريد أن يقدم أكثر من الفتيان في غرفة ملابسنا، لقد تحدثت من قبل أن الرغبة في شيء لا يكفي لوحده و يا إلهي الفتيان في فريقي تتخطوا مجرد الرغبة، الليلة نطلب عن فتياننا الانطلاق مرة أخرى، الحفر أكثر عمقًا مما كانوا عليه بالفعل، و الشيء المدهش هو أنهم لا يحتاجون إلى كلمات، لا تشجيع، لا حافز خارجي، و لا يبحثون عن أعذار، إنهم مستعدون يريدون هذه الفرصة، إنهم يريدون العودة مرة أخرى و لا يتوقفون أبدًا، لديهم إجاباتهم الخاصة بهم، لهذا السبب هم عمالقة».

وقال كلوب بعد المباراة: «لا أعرف ما الذي حدث، لا أجد الكلمات لوصف ما حدث، لدي إحساس وأن المستحيل لا شيء في الكرة، وهذا ما حدث في المباراة».

وأضاف: « حاولت أن أكون صادقا مع اللاعبين وقلت لهم قبل المباراة أن الأمر مستحيل لكن طالما لدي هؤلاء اللاعبين فحظوظنا دائما قائم، الأمر لا يتعلق بالتكتيك وإنما بالروح التنافسية، أتحدث عن ذهينة فائقة، لقد أظهر اللاعبين أنهم كبار، نحتل المرتبة الثانية في الدوري ورغم كل العراقيل تجدهم يتحدون الصعاب، هؤلاء الأطفال مميزون».

 

وعما نقله للاعبين قبل اللقاء، قال: «تذكرت ما حدث ضد ريال مدريد عندما كنت مدربا بدورتموند، تحدثت معهم وأردت أن أذكرهم بما حدث في تلك المباراة وتلك النتيجة، تلك الليلة كانت ليلة مميزة لأن العلاقة بين الجماهير واللاعبين كانت رائعة وهو ما صنع النجاح لأن جماهير دورتموند تدفعك تجاه المستحيل، فخور بما حدث هذه الليلة».

المدرب المخضرم، جوزيه مورينيو كان متواجداً لتحليل اللقاء في إحدى الشبكات الرياضية، وبمجرد عودة الكاميرا إلى الاستوديو بعد تصريحات الألماني، صفق مورينيو بحماسة كبيرة وأشار بيده وكأنه يرفع القبعة تقديرا لكلوب.

وقال المدرب البرتغالي: «كلوب قال إن المسألة ليست متعلقة بالتكتيك وإنما بالتخاطب والإيمان والعاطفة بين الجماهير واللاعبين، وأعتقد أن أغلبية المدربين سوف يتحدثون عن أستاذ في عالم التكتيك وأستاذ في عالم التركيز الذهني، لكن أريد أن أقول ما لم يقله كلوب، هو نجم الليلة، الفوز مسؤوليته،  لم أتواجد في مران ليفربول لكن أعتقد أن شاكيري وأوريجي تدربا بطريقة رائعة، وخاضوا الكثير من المباريات، لعبوا منذ يومين وقدموا هذا الأداء».

واختتم: «أتمنى أن يفوز كلوب بدوري الأبطال لأنه خسر الدوري الأوروبي والأبطال من قبل، وهو يستحق أن تقف بجانبه إذ يقوم بعمل رائع».

جاحدٌ غير منصفٍ من ينكر على الألمان جدهم واجتهادهم واتقانهم العمل – أي عمل صغيراً كان أو كبيراً- ودقة مواعيدهم.

 لم يبالغ هورست كولر الرئيس الألماني الأسبق، عندما قال عن ألمانيا  «أرض الأفكار النيرة»، ففي ألمانيا كل شيء يجب أن يكون كما ينبغي، أهدافهم لا تنتظر فرصة كاملة لتحقيقها،  ولا حتى نصف فرصة ولا ربعها، هم فقط بحاجة إلى شبه فرصة، يعرفون كل طرق الوصول إلى القمة ويجيدون ببراعة الحفاظ عليها، قاموسهم لا يعرف اليأس ولا الاكتفاء ولا التراخي عند تحقيق الهدف.

 لا أحد ينسى في نهائي كأس العالم 2014، وقبل صافرة النهاية بدقائق قليلة والنتيجة تشير إلى تفوق الماكينات الألمانية على نجوم السامبا بسباعية تاريخية، وإذ بالنجم الألماني مسعود اوزيل ينفرد بمرمى البرازيل ويهدر فرصة سهلة، كادت أن تضيف الهدف الثامن، ولسوء التوفيق ضاعت الفرصة، فاجئ أوزيل كل من يشاهد المباراة بلطمه على وجههه وإبداء ندم شديد على ضياع الفرصة، وكأنها فرصة الهدف الأول، وكأن فريقه سيخرج من البطولة بضياع هذه الفرصة، الكل خبط كف على كف متسائلاً: لماذا يتصرف هذا المجنون بهذه الطريقة؟، نعم هي كما تقول الآن: «العقلية الألمانية».

العقلية الألمانية، تسلح بها مدرب النادي الانجليزي ليفربول يورجن كلوب، منذ قدومه للمدينة الإنجليزية التاريخية لقيادة فريقها الكروي حتى وصل إلى تحقيق المعجزة الكروية بوصوله مرتين متتاليتين إلى نهائي دوري أبطال أوروبا بعد غياب طويل للشياطين الحمر، ليس ذلك فقط، بل الأخيرة كانت من بوابة برشلونة التي يحميها الوحش ليونيل ميسي، وبرباعية مثلها مثل الموت والولادة، لا تعاد مرتين.

 لا نقول بذلك أن الرجل يسير على خط واحد، عنوانه النجاح والتفوق منذ تسلمه مهام الإدارة الفنية لنادي ليفربول،  حاشا وكلا، فقد كان للرجل في بداية الأمر سقطات كادت أن تنهي مسيرته مع شياطين انجتلرا الحمراء سريعاً، ولكن مردها أيضاً إلى العقلية الألمانية العملية، فالرجل الذي يؤمن بتوظيف ما تحت يديه من أدوات وتطويرها، أفضل من استقدام عناصر جديدة ستكلفه العديد من الأموال وقد تفسد المنظومة، رفض في أول فترته مع الريدز استقدام صفقات من العيار الثقيل، فكانت النتيجة خسارة تلحق بخسارة، حتى دفع الرجل دفعاً إلى التخلي عن المثل المصري الشعبي : «اللي ربى خير من اللي اشترى»، فراحل يقلب الرجل عينيه ورأسه يميناً ويساراً عن صفقات لا تكلفه الكثير ويسهل السسطرة عليها وتوظيفها داخل البرنامج الموضوع مسبقاً للفريق، فجلب عدد من اللاعبي، أبرزهم على الإطلاق، نحم الدوري الايطالي محمد صلاح، وصاحب التجربة السيئة مع المخضرم جوزيه مورينيو في تشليسي الانجليزي.

كان تحدياً كبيراً أمام «كلوب» أن يعيد لصلاح ثقته في إمكانية التألق في الدوري الإنجليزي، الأصعب بين دوريات أوروبا كلها، وأن ينسيه الماضي الأليم مع المدرب العجوز جوزيه مورينيو، كان على كلوب أن يضع صلاح دائماً بالقرب من مرمى الخصم، من أجل التسجيل واستكمال مسيرة التألق، التي بدأها في الدورى الايطالي مع فيورنتينا وروما، كان على الرجل  أن يجعل نجمه الخاص، بدلاً من أن يستقدم نجم جاهز يثير القلاقل في الفريق، ويكلفه ملايين الدولارات، نجح كلوب سريعاً في ذلك، ونجح معه صلاح وبات نجم الفريق وانجلترا بل وأوروبا كلها، وبات ثالث ثلاثة يتنافسون على الجوائز الذهبية.

عندما وصل نادي ليفربول، إلى نهائي دوري أبطال أوروبا، وتلقيه خسارتين بدلاً من خسارة واحدة بتلقي هزيمة صعبة من نادي ريال مدريد الإسباني، وإصابة نجم الفريق محمد صلاح إصابة صعبة في الكتف، وقف الجميع يلوم كلوب على خطته المبنية على لاعب واحد، ما إن خرج من الملعب، حتى انقلبت الأمور رأساً على عقب، وبات اللعب كله في اتجاه واحد وهو مرمى الريدز، لم يرد «كلوب» على هذه الانتقادات واكتفى بالإشادة بروح لاعبيه وأدائهم، ولم يعد بشيء يذكر سوى مواصلة المسير من أجل جماهير الفريق، واستعادة البطولات.

الثلاثاء الماضي، دخل نادي ليفربول الانجليزي، موقعة إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، محمل بخسارة ثقيلة في مباراة الذهاب، ومضاف عليها خسارة اثنين من نجوم وهم المصري محمد صلاح، والبرازيلي فيرمينو، أشد المتفائلين كان أقصى ما يتوقعه أن يلعب ليفربول مباراة جيدة، ويحقق الفوز بهدف أو بأقصى حد هدفين، أو حتى ثلاثة أهداف ويحرز ميسي هدفاً من أهدافه الخرافية، إلا أن ذلك كله لم يحدث، فحقق الفريق الهدف المطلوب وفاز برباعية مذهلة وسط استسلام تام لنجوم البارسا، الأمر الذي أرجعه كثيرون إلى المنظومة القوية والبدائل الجيدة التي دربها كلوب، من أجل مثل تلك الأوقات.

ليس سحراً أن تصنع انجازات برجل هم في الأساس مذهلون بارعون، يمتلكون العبقربة الفردية، السحر الحقيقي أن تكون أدواتك عادية وتبذل مجهودا غير عاديا فيصبح المستحيل لا شىء.

 

مؤكد أن كلوب انتابته بعض العصبية أثناء الوحدات التدريبية في الأسبوع الذي فصل بين مباراتي الذهب والإياب في طولة نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، ومؤكد أيضاً أنه نجح في توظيف هذه العصبية في شحن اللاعبين وهممهم.

لم نكن داخل غرفة اللاعبين حتى  نطلع على الكواليس التي دارت قبل المباراة، ولكن المؤكد أن كلوب لم يغفل الحديث عن غياب كل من فيرمينو وصلاح، وخسارة اثنين من أهم الأضلع الهجومية للفريق، مؤكد أنه ناقش الأمر مع كل لاعب على حده وأوصل له شعور أنه لا مفر من الفوز حتى وان كلفهم الأمر اللعب بحارس المرمى الينسو كرأس حربة.

مؤكد أيضاً، أنه قبل المباراة بـ24 ساعة، حرص كلوب على أن يتخلص من كل عصبية الأسبوع الماضي، وأن يفرغ نفسه للفنيات ولشحن اللاعبين، وتحفيظهم طرق الوصول إلى مرمى الخصم، ربما قال كلوب للاعبين أنهم لن يتلقوا هدايا من الآخرين في هذا اليوم، فعليهم أولاً أن يصنعوا هداياهم بنفسهم، وبجهدهم وكفاحهم من أجل تحقيق الانتصار غدا هنا على برشلونة.

أوريجي اللاعب البديل لفيرمينو، والذي يلفت الأنظار خلال الفترة الماضية، خصص له كلوب جزء كير من المحاضرة، فربما حدثه عن ضرورة أن يثبت وجوده، وأنه ليس هناك فرصة أفضل من هذه المباراة لإثبات نفسه ولفت أنظار العالم إليه، ولا سيما أن ملعب الأنفليد لا مكان فيه لقطة تتمشى، ولا صوت يعلو فوق صوت زئير الجماهير : « لن تمشي وحدك أبداً» YNWAK ، مؤكد أنه تحدث مع شاكيري أيضاً ونبهه لضرورة أن يعي أنه يلعب مكان صلاح، وعليه أن يصنع شيئا مميزا.

 

كان واضح  في المباراة الدور التكتيكي لهندرسون، المتميز في الجانب الأيمن من وسط الملعب، وما تلقاه من تعليمات بالدخول كثيراً في منطقة جزاء برشلونة، والتزامه في نفس الوقت بتغطية اوريجي أو ماني عند تبديل الأماكن حال قيادتهم الهجمة الحمراء، وكان ظاهراً أمام الجميع التقدم المحسوب لميلنر، تخوفاً من هروب ميسي إلي الأطراف، وكان ميلنز في معظم أوقات المباراة يميل إلى مساندة الدفاع لصد غزوات ميسي من الأطراف،  ومساعدة الفريق في بناء الهجمة، بإعطاء الحربة لروبرتسون قبل إصابته.

أما ماني فكان مكلفاً بفتح جبهات في ظهر روبرتو  صاحب الأداء الدفاعي الأضعف مقارنة بسيميدو، وكان هذا كافياً لوقف هجمات روبرتو وانطلاقاته. 

وبطبيعة الحال كان جزء كبير من المحاضرة الخططية، عن الدفاع وضرورة أن يقابل مدافعو الريدز هجوم برشلونة من منتصف الملعب، وألا يتركوهم يصلوا إلى الأمتار الأخيرة حيث الخطر الحقيقي الممثل في ميسي وسواريز، مؤكد أنه قال لهم امنعوا ميسي بأي طريقة من الوصول إلى مرمى اليسون.

 

من يقول أن هذا الفوز التاريخي، أتى صدفة، عليه أن يراجع تصريحات كلوب قبل المباراة، وقتها يتقين أن هذا الرجل لم يصنع فوزاً بمحض الصدفة، بل كان جاداً مجتهداً حتى وصل إلى مبتغاه، فقال قبل المباراة: «كل شخص داخل الملعب الليلة لديه حب ليفربول فى قلبه يعرف حجم المهمة التي نواجهها، لا يقتصر الأمر على الفوز بِالمباراة، نحن هنا الليلة للفوز بِالدور نصف النهائي، وبسبب ما حدث فى إسبانيا سيكون هذا تحديًا كبيرًا».

وتابع، قائلاً: «قلت مباشرةً بعد المباراة الأولى إنه ليس وقت عدم الحديث عن ما قد يحدث في إنجلترا، لعبنا شوط واحد و هذه المحطة الثانية، مازلت أشعر بذلك، لأكون صادقًا، الكلمات و العبارات لن تجعلنا تفوز في هذه المواجهة، مشجعونا أذكياء وكذلك مشجعو برشلونة، الوضع هو الوضع. لديهم الأسبقية و نحن بحاجة إلى الرد، لكن كَون كِلا الناديين يتمتعان بالذكاء يعني أيضًا أن الجميع يعلم أننا لم ننته و نحن ليفربول لذلك دعونا نلعب و دعونا نرى».

وقال أيضاً: «يوجد شئ واحد يعرفه كل شخص بداخل الأنفيلد، بما في ذلك خصومنا، ليفربول هذا لا يتوقف أبدًا، ليفربول هذا لا يستسلم، ليفربول هذا يعطي كل شيء في جميع الأوقات، و مهما حدث فإن ليفربول هذا يقدم كل شيء على أرض الملعب و لا يبقي شيء للندم، نحن لا نقول فقط لو»

وتابع: «إنها حقًا قصة هذا الفريق و هذه المجموعة المدهشة من اللاعبين. بعد مباراة نيوكاسل مساء السبت، لم يعد لديّ أي تعبيرات جديدة لاستخدامها لإظهار حبي و إعجابي بهم جماعيًا و كأفراد، ما يقدمونه لهذا النادي، يجعلك فقط تُعجب بهم، لقد وصفتهم بعد مباراة ساوثامبتون على أنهم وحوش العقلية لقد استخدمت كلمة أخرى غير لائقة قبل العقلية، و لكن الشعور يبقى قوي بدونها، إذا كان ما فعلوه في ساوثامبتون قد جعلهم 'وحوش العقلية'، ما فعلوه في نيوكاسل يجعلهم عمالقة».

وقال أيضاً: «أن تلعب مباراة مثلما فعلنا يوم الأربعاء الماضي، ضد ذلك الخصم و نعاني من الظروف التي عانينا منها، من ثم خوض حصة تدريبية قصيرة واحدة للتحضير لمباراة نهاية الأسبوع، ثم القيام بما قمنا به في نيوكاسل. هؤلاء الفتيان هم عمالقة، بغض النظر عما سيحدث في هذه المباريات المتبقية، و بغض النظر عما إذا كان موسمنا سينتهي يوم الأحد أو يستمر إلى الأول من يونيو في مدريد، فهذا موسم من الإنجازات بالنسبة إلى فتياني، و بالنسبة لمجموعة اللاعبين هذه، فإن الفشل الآن خارج الطاولة، و هذا هو السبب في ذلك ، لقد أخرجوه من الطاولة مع ما فعلوه ، لم يتنازلوا أو يستسلموا في أي وقت، واجهوا كل تحدٍ، لا أحد هنا يعتقد و لا أحد يقبل أن رحلتنا قد انتهت و نحن لم نصل إلى حيث نريد، و ذلك بغض النظر عما يحدث في هذه الأيام المتبقية و ربما أسابيع».

وأضاف: «رحلتنا تستمر و تستمر سويًا إلى ما بعد هذا الموسم، لقد حققوا هذا الموسم الكثير و لكنهم مازالوا جائعين، في نيوكاسل واجهنا فريقًا يلعب فيه الحافز و القيادة، والتي عادة ما تكون مخصصة لأصحاب القرار في الموسم، لعب نيوكاسل مثل لو كان مستقبلهم على المحك، فقد لعبوا كما لو كنا قد قمنا بإهانتهم أو سرقنا منهم ، لكننا قمنا بعملٍ متكامل، ذهبنا أبعد من ذلك، قاتلنا بقوة أكبر، و رفضنا الاستلقاء و القول أن هذا يكفي، كان من الممكن مسامحة اللاعبين بالإعتقاد أن الخزان كان فارغًا، لكنهم لم يفعلوا و لن يفعلوا، مازالوا يجدون الوقود، و لهذا السبب يمكن الحكم على هذه المجموعة فقط ضد إنجازاتهم».

وتابع: «لا أحد يريد أن يقدم أكثر من الفتيان في غرفة ملابسنا، لقد تحدثت من قبل أن الرغبة في شيء لا يكفي لوحده و يا إلهي الفتيان في فريقي تتخطوا مجرد الرغبة، الليلة نطلب عن فتياننا الانطلاق مرة أخرى، الحفر أكثر عمقًا مما كانوا عليه بالفعل، و الشيء المدهش هو أنهم لا يحتاجون إلى كلمات، لا تشجيع، لا حافز خارجي، و لا يبحثون عن أعذار، إنهم مستعدون يريدون هذه الفرصة، إنهم يريدون العودة مرة أخرى و لا يتوقفون أبدًا، لديهم إجاباتهم الخاصة بهم، لهذا السبب هم عمالقة».

وقال كلوب بعد المباراة: «لا أعرف ما الذي حدث، لا أجد الكلمات لوصف ما حدث، لدي إحساس وأن المستحيل لا شيء في الكرة، وهذا ما حدث في المباراة».

وأضاف: « حاولت أن أكون صادقا مع اللاعبين وقلت لهم قبل المباراة أن الأمر مستحيل لكن طالما لدي هؤلاء اللاعبين فحظوظنا دائما قائم، الأمر لا يتعلق بالتكتيك وإنما بالروح التنافسية، أتحدث عن ذهينة فائقة، لقد أظهر اللاعبين أنهم كبار، نحتل المرتبة الثانية في الدوري ورغم كل العراقيل تجدهم يتحدون الصعاب، هؤلاء الأطفال مميزون».

 

وعما نقله للاعبين قبل اللقاء، قال: «تذكرت ما حدث ضد ريال مدريد عندما كنت مدربا بدورتموند، تحدثت معهم وأردت أن أذكرهم بما حدث في تلك المباراة وتلك النتيجة، تلك الليلة كانت ليلة مميزة لأن العلاقة بين الجماهير واللاعبين كانت رائعة وهو ما صنع النجاح لأن جماهير دورتموند تدفعك تجاه المستحيل، فخور بما حدث هذه الليلة».

المدرب المخضرم، جوزيه مورينيو كان متواجداً لتحليل اللقاء في إحدى الشبكات الرياضية، وبمجرد عودة الكاميرا إلى الاستوديو بعد تصريحات الألماني، صفق مورينيو بحماسة كبيرة وأشار بيده وكأنه يرفع القبعة تقديرا لكلوب.

 

وقال المدرب البرتغالي: «كلوب قال إن المسألة ليست متعلقة بالتكتيك وإنما بالتخاطب والإيمان والعاطفة بين الجماهير واللاعبين، وأعتقد أن أغلبية المدربين سوف يتحدثون عن أستاذ في عالم التكتيك وأستاذ في عالم التركيز الذهني، لكن أريد أن أقول ما لم يقله كلوب، هو نجم الليلة، الفوز مسؤوليته،  لم أتواجد في مران ليفربول لكن أعتقد أن شاكيري وأوريجي تدربا بطريقة رائعة، وخاضوا الكثير من المباريات، لعبوا منذ يومين وقدموا هذا الأداء».

واختتم: «أتمنى أن يفوز كلوب بدوري الأبطال لأنه خسر الدوري الأوروبي والأبطال من قبل، وهو يستحق أن تقف بجانبه إذ يقوم بعمل رائع».

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق