مقتل «قارئة الفنجان» في دار السلام

الثلاثاء، 18 يونيو 2019 07:00 ص
مقتل «قارئة الفنجان» في دار السلام
إبراهيم الديب

 

اعتادت مطالعة أكف جيرانها لقرائه مستقبلهم، وطمأنتهم أو تحذيرهم من الغد المجهول، أثناء تناول الرشفات الأخيرة لفنجان من البن قبل أن تتناوله وتقلبه على وجهه لعدة دقائق، لتلتقطه مرة أخرى وتبدأ في سرد حكايات وروايات وإذهال زبائنها بما تخبرهم به من عوالم الغيب، وماينتظرهم في القريب الآت، إلا أن مسنة دار السلام لم تكن لتعلم ماينتظرها هي شخصيا، فمن الواضح أن قدرتها في قرائه الغيب خذلتها وهوت بها في قبرها جثة هامدة. 

كعادتها تخرج كل صباح تتسول بين الميادين والشوارع الرئيسية، حتى تغيب الشمس لتعود في المساء وبين طيات ملابسها دلائل وجود الخيرات في القلوب، وبيديها ماجاد به عليها أصحاب المطاعم من وجبات تقتات بها، لتجلس على أريكتها تتناول في نهم مايسد جوعها، وتبدأ في عد حصيلة ماجمعته من «حسنات» المحسنين، تطمأن قلبها بدفء تلك الورقات السحرية، قبل أن تخبئها في أحد أركان غرفتها.

قضت «عطا. ع. أ»، حياتها على هذا الحال وحيدة لأكثر من عشرون عاما، داخل شقة رثة الحال بالدور الأرضي بأحد عقارات منطقة دار السلام في القاهرة، بعدما تركها زوجها لعدم قدرتها على الإنجاب، تخرج للتسول أمام المساجد، وفي الميادين الرئيسية، صباحا، حتى تعود في المساء ترتاح قليلا قبل أن تبدأ رحلتها اليومية مرة أخرى.

بعد عدة سنوات بدأت السيدة تتقدم في العمر، يحاصرها المرض من كل صوب وحدب، حتى تمكن من غزو جسدها الضعيف مسببها لها العديد من الآلام، والتي كان آخرها فقدانها لبصرها، لتبدأ رحلة الصبر منتظره مايجود به عليها جيرانها وأهالي منطقتها، ويتذكرونها به من طعام وشراب ودواء يأتون به إليها طمعا في الثواب ورضا الرب، إلا أن أرباب السوابق، غلظاء القلب، كانوا لها بالمرصاد، فينتظرون هدوء الشارع الذي تقطن به حتى يتسللوا إلى شقتها لسرقة مايخيل لهم به من كنوز مدفونة بأرجائها نتيجة التسول طوال تلك السنوات، فيأخذون مايجدونه أمامهم ويهربون تاركين تلك المسنة خلفهم تأن قهر الدهر وآلام العمى.

وبعد فترة ومن خلال تبرعات أهل الخير، تمكنت السيدة من إجراء عملية تعيد لها البصر مرة أخرى، لتعود إلى ممارسة عملها بالتسول، وتضيف عليه حرفة جديدة، وهي قرائة الفنجان والكف مقابل المال، لتتحول شقتها بشارع «عبد القادر» في دار السلام بالقاهرة، إلى مقصد كل من يصدق بخرافات وجدل تلك العادات، ويزداد زبائنها من النساء الغرباء عن المنطقة، من طبقات اجتماعية مختلفة، ماجعلها محط أنظار واهتمام لصوص المنطقة.

«هتموتي مقتولة».. جملة حذر بها بعض أهالي منطقة دار السلام، «قارئة الفنجان» لكثرة روادها من السيدات الغريبات لقرائة الطالع مقابل المال، ولفت انتباه أرباب السوابق إليها، لكنها لم تلق لها بالا، فكانت نهايتها كما توقعوا، مقتولة وفي حالة تحلل داخل شقتها، وقد سُرق العديد من أغراضها.

تفاصيل الحادث، كشفها أحد أهالي المنطقة، موضحا أنه انتفض كغيره من الجيران على أصوات صريخا صادرة من العقار الذي تقطن به المجني عليها، لينتقل الجميع إلى حيث مصدر الصوت، ويجدوا ذات الستين عاما في حالة تحلل مسجاة على الأرض، وفي حالة تعفن شديدة، وتفوح في المكان رائحة كريهة، مضيفا أن بعذا من ذويها شعروا بغيابها فحاولوا لعدة أيام الوصول إليها من خلال الاتصال بها، وبعدما فشلوا حضروا إلى شقتها ليجدوها جثة هامدة.

وتلقى رئيس مباحث قسم شرطة دار السلام، بلاغا من الأهالى بشارع عبدالقادر، بالمطبعة، مفاده العثور على سيدة مقتولة داخل شقتها، وبالانتقال والفحص، عثر على جثة المدعوة «ع. ش»، ٦٣ سنة، مسجاة على الأرض، وترتدى ملابسها بالكامل.

وكشفت التحريات الأولية أن الضحية تعمل فى الشحاتة والتسول، وتعرضت لحادث سرقة أودى بحياتها، وفقدان بعض محتويات شقتها كالأجهزة الكهربائية، وهاتفها المحمول، والسلع الغذائية، وتكثف مباحث القسم جهودها لكشف غموض الواقعة، وتحرر عن ذلك المحضر اللازم وتباشر النيابة التحقيقات.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة