فرض الضرائب وانكماش الأسواق.. الاقتصاد التركي يسدد فاتورة سياسة أردوغان بالمنطقة

الثلاثاء، 23 يوليو 2019 08:00 م
فرض الضرائب وانكماش الأسواق.. الاقتصاد التركي يسدد فاتورة سياسة أردوغان بالمنطقة
الرئيس التركى رجب طيب أردوغان
كتب: مدحت عادل

الاقتصاد التركي على موعد مع اختبار حقيقي من شأنه تعميق الأزمات المتوالية عليه منذ أواخر عام 2018 وحتى الآن، وذلك بالتزامن مع تسلم الحكومة التركية منظومة الدفاع الجوية الروسية الأشهر "إس-400" بدءا من الأحد الماضي، رغم توعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض عقوبات اقتصادية قاسية على الاقتصاد التركي.

تسلم تركيا لمنظومة الدفاع الروسية الجديدة ليست هى التحدي الاقتصادي الأول الذي يشهده الاقتصاد التركي، ولكنه من المرجح أن يكون "القشة التي قصمت ظهر البعير"، حيث يعاني الاقتصاد التركي من أزمات متلاحقة بدءا من الشهور الأخيرة من العام الماضي 2018، وذلك أثناء أزمة الاقتصادات الناشئة وفقدت الليرة التركية في ذلك الوقت نحو 28% من قيمتها الحقيقية أمام الدولار.

وبالنظر إلي بداية الأزمة للاقتصاد التركي، فقد بدأت اقتصادية محضة بفعل أزمة الأسواق الناشئة حتى نهاية 2018، ولكن تدريجيا بدأت تصرفات وبصمات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تظهر بشكل كبير على الاقتصاد بشكل تدريجي، وبدأت تلك المظاهر أوائل عام 2019 بإعلان تركيا عزمها إعادة فرض ضريبة بنسبة 0.1% على تعاملات العملات الأجنبية للأفراد وليس البنوك، وفقا لقرار رئاسي تم نشره في الجريدة الرسمية، بعد أن بقيت عند مستوى الصفر لأكثر من عقد، وذلك في مسعى يهدف إلي تدعيم إيراداتها لصالح موازنة الدولة، مما يعكس حالة الاضطراب التي تعيشها موارد الدولة من العملة المحلية، وبالتالي يعزز من حالة عدم الثقة لدي المستثمرين الأجانب في الاقتصاد التركي نتيجة سعي الدولة للتدخل وزيادة دورها في إدارة سوق العملات بشكل كبير، بالإضافة إلي الفترة التي سبقت إجراء الانتخابات البلدية في مارس الماضي، والتي شهدت إجراءات من شأنها الضغط على المقرضين المحليين لعدم توفير الليرة للمستثمرين الأجانب، رغم نفي المسؤولين مرارا فرض ضوابط على رأس المال.

هذه الإجراءات قدمت عدة رسائل سلبية للمستثمرين الأجانب والأسواق الخارجية، كفيلة بردع أية تحركات استثمارية خارجية متوقعة لدخول السوق التركية، نظرا لما يمكن أن تشكله هذه الخطوات لمستقبل الاقتصاد التركي وأن تكون مجرد بداية لأزمات اقتصادية جديدة للاقتصاد التركي ومن شأنها تهديد حرية الاستثمار الخارجي، وهو ما حدث بالفعل حيث نقلت وكالات الأنباء عزم وزارة الخزانة التركية، طرح مشروع قانون لتحويل 40 مليار ليرة أي ما يعادل 6.6 مليار دولار من الاحتياطيات القانونية للبنك المركزي إلى ميزانية الحكومة بهدف دعمها، وذلك في سابقة تعد الأولي من نوعها مما يعكس حجم الضغوط التي تواجهها الميزانية التركية.

تحركات الرئيس التركي أردوغان لم تخل من المناورات السياسية، من أجل احتواء مخاوف الأسواق الخارجية والداخلية من تبعات التحركات السياسية التي عمقت من تراجع العملة المحلية، وخاصة بعد إعادة الانتخابات البلدية والتي أسفرت عن هزيمة حزب الرئيس التركي في الولايات التركية الكبرى أبرزها اسطنبول وأزمير، وكان آخر هذه المناورات ما أعلنه الرئيس التركي عقب عودته من قمة الدول العشرين الأخيرة في اليابان، بأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تمانع في حصوله على المنظومة الدفاعية الروسية، وبعد أيام جاء تصريح لوزارة الخارجية الأمريكية بأن تركيا ستعرّض نفسها لعواقب حقيقية وسلبيّة إذا قبلت منظومة الدفاع الروسية "إس -400"، لينسف ما ورد على لسان الرئيس التركي، وبعدها عادت الليرة التركية للتراجع مرة أخرى بعد أن أيام من التقاط الأنفاس.

وقبل أيام أظهرت السلطات التركية عزمها زيادة الضريبة المفروضة على شراء النقد الأجنبي مرة أخرى، بحيث قد تصل هذه الضريبة إلى 0.2%، في مسعى جديد لتشجيع المواطنين الأتراك للعزوف عن شراء العملات الأجنبية، دون النظر إلى ثقة المواطنين في الليرة التركية من عدمه، علما بأن هذه الزيادة هي الثانية من نوعها خلال أشهر قليلة، بعد إقرار ضريبة في مايو الماضي، والتي شهدت إقرار ضريبة 0.1% على شراء النقد الأجنبي للأفراد، بعدما تم إلغاؤها في عام 2008 وكانت صفرا في المائة.

ويعاني المناخ الاقتصادي التركي من أزمة ثقة كبيرة، خاصة بعد تدخلات الرئيس التركي أردوغان في المؤسسات الاقتصادية، والتي بدأت بتعيين بيرات البيرق، صهر أردوغان، وزيرا للمالية، حيث أثار تعيينه عدة مخاوف بشأن استقلالية السياسة المالية لتركيا، وهو ما ثبتت حقيقته علما بأن وزير مالية أردوغان هو صاحل المقترح المقدم ومن المتوقع أن يجري عرض المشروع على البرلمان خلال أسابيع قليلة.

وعزز إقالة الرئيس التركي أردوغان لمحافظ البنك المركزي السبت الماضي، مخاوف الأسواق الخارجية حول مستقبل الاقتصاد التركي الذي يحاول الرئيس التركي جاهدا وقف نزيف عملته المحلية، حيث عكس هذا القرار مدى تفاقم الخلاف بين الرئيس التركي ورئيس المركزي السابق، حول توقيت خفض أسعار الفائدة لإنعاش الاقتصاد الذي يعاني من الكساد.

ويعود سبب الخلاف بين أردوغان ورئيس البنك المركزي المقال إلى قيام رئيس المركزي برفع أسعار الفائدة بواقع 11.25 نقطة مئوية إجمالا في العام الماضي لدعم الليرة الضعيفة، لتصل الفائدة إلى مستواها الحالي عند 24%، كما سبق وانتقد براءت ألبيرق وزير المالية والخزانة وصهر أردوغان البنك المركزي مرارا لإبقائه أسعار الفائدة مرتفعة.

واعتبر خبراء الاقتصاد، أن مساعي الرئيس التركي وآخرها الضريبة على شراء النقد الأجنبي قد يترتب عليها تخفيف الضغط عن العملة بشكل محدود، إلا أنها لا يمكنها احتواء أزمات الاقتصاد الأخرى، وعلى رأسها ارتفاع ديون الشركات إلى مستويات قياسية، وهروب رأس المال إلي الخارج، فضلا عن عدد من الخيارات السياسية والاستراتيجية التي أحدثت ارتدادات سيئة.

ورصدت صحيفة نيويورك تايمز مؤخرا في مقال تحليلي، أن تركيا تواجه خيارات صعبة إزاء أزمة العملة، لأن أي قرار قد تتخذه، ستكون له تبعات جانبية تثير استياء الشارع، وفي حال قامت تركيا برفع نسبة الفائدة، وهو ما لا يحبذه أردوغان كثيرا لكنه ضروري حتى يحفز الناس على الاحتفاظ بالليرة في البنوك، فإن هذا يعني مزيدا من الصعوبات أمام رجل الأعمال التركي الذي يحتاج القروض بنسب منخفضة حتى يستثمر ويدير عجلة الاقتصاد، أما في حال لم تقم تركيا برفع نسبة الفائدة، فإن الاحتفاظ بالليرة لن يكون خيارا مفيدا بالنسبة إلى رجال الأعمال، وعندها، قد تهرب الرساميل صوب الخارج، وهذا يعني مزيدا من الهبوط في العملة.

وشهد الاقتصاد التركي انكماشا شديدا للربع الثاني على التوالي في مطلع 2019، فيما نالت أزمة العملة وارتفاع معدل التضخم وأسعار الفائدة من الإنتاج الكلي بشكل كبير.

وذكرت كالة بلومبرج الأمريكية، أنّ المصارف الكبرى في العالم بدأت ما قد يشكل حملة واسعة النطاق لمقاطعة الليرة التركية، التي انهارت قيمتها بنسبة هائلة على مدار الشهور الماضية، وسط أزمة اقتصادية تلاحق الاقتصاد التركي.

ولفتت الوكالة إلى أنّ من بين تلك المصارف "سوسيتيه جنرال، وكريدي أجريكول" الفرنسيان، و"البنك الملكي الكندي"، سحبت واحدا تلو الآخر توصيات أصدرتها سابقا بشراء مبالغ من العملة المحلية التركية، بعد أنّ وصل سعرها مقابل العملات الأجنبية إلى أدنى مستوياته.

ونقلت بلومبرج عن مجموعة "أشمور بلس" أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يخاطر بدفع الاقتصاد التركي إلى انهيار مماثل للانهيار الذي شهده اقتصاد أمريكا اللاتينية في ظل الأنظمة الاشتراكية.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق