حرب الشائعات.. وكيفية المواجهة

السبت، 14 سبتمبر 2019 08:00 م
حرب الشائعات.. وكيفية المواجهة
أيمن عبد التواب

الراصد للشائعات والأكاذيب المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعى سيجد أنها غير متوقفة على مجال بعينه
 
فى دولة الجهل، يصبح الحديث عن دور العلم خرافة، ومن الحماقة أن تبيع الثلج فى بلاد الإسكيمو، ومن الغباء أن تعلى قيمة الصدق فى سوق الكاذبين، ونحن- إلا مَن رحم ربى- قوم هجرنا الصدق وتحرى الحقيقة، وأصبحنا نصدق الخرافات والأكاذيب. 
 
نقول فى فلسفتنا الشعبية البسيطة عظيمة الدلالة: «إن كان إللى بيتكلم مجنون يبقى المستمع عاقل»، فالكارثة ليست فيمن يكذب، ويروج الشائعات والخرافات، بل فيمن يصدقها ويروج لها، ويزيد عليها توابله الخاصة، حتى يظهر فى صورة الخبير العالم ببواطن الأمور، ودهاليز القرارات، بينما هو أجهل من عقرب، وأحمق من هنبقة! 
 
الآن، وفى عصر السماوات المفتوحة، وعوالم الفضاء الإلكترونى، مَن يُرد أن يلمع أكثر وينتشر أسرع، يكذب أكثر.. ومَن يُحلل المواد المنشورة فى وسائل التواصل الاجتماعى، سوف يكتشف كم المعلومات المغلوطة، والمكذوبة، أو الصادقة فى بعضها، والكاذبة فى بقيته، وهذه المعلومات تنتقل بسرعة سريان النار فى الهشيم.
 
هل سأل أحدنا نفسه لماذا تنتشر الأكاذيب والشائعات بهذه السرعة؟ ببساطة لأنها «سلبية»، و«مثيرة»، وتحتوى على توابل إنسانية مُحرمة، وممنوع تناولها، ونحن- إلا مَنْ عصم ربى- نرغب فى كل ممنوع، خاصة إذا كان هذا الممنوع يطعن فى شخص، وينال من عرضه وشرفه وسمعته، أو ينال هذا الممنوع من جهة ما، دون تدقيق المعلومة، أو تصديق لنفيها، لنضرب عرض الحائط بقوله تعالى: «إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين»، ونضرب بما جاء فى «الكتاب المقدس»: «لا تكذبوا بعضكم على بعض.. اطرحوا عنكم الكذب، وتكلموا بالصدق كل واحد مع قريبه لأننا بعضنا أعضاء البعض».
 
المثير، أن أى حكاية، أو معلومة تنشر على مواقع التواصل الاجتماعى، كثير منا يصدقها، وتصبح حقيقة متداولة، دون معرفة مصدرها، وعرض محتواها على العقل السليم؛ ليقر بصحتها أو كذبها، وبالتالى قبولها أو رفضها.. لكن- للأسف- معظمنا لا يفعل ذلك، ولا يتحرى الحقيقة، ولا يبحث عنها، إما جهلًا، أو تكاسلًا، أو عن عمدٍ لغرض ما فى نفس يعقوب، بل إن الأدهى من ذلك، أنه عندما يعلم الحقيقة فإنه يكتمها، ويجعلها تقف عنده، ولا يبلغها، أو ينشرها، كما فعل مع الشائعة. 
 
عَلَامَ يدل ذلك؟ يدل على أن لدينا أزمة متعددة الجوانب؛ أولها، «الجهل»، فالجهل ليس معناه عدم معرفة القراءة والكتابة، بل عدم الوعى بخطورة ما نفعله.. وثانيها، «غياب الثقة»، فنحن بالفعل نعانى من أزمة ثقة متبادلة، سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات، فلا ثقة فى مسئول إلى أن يقدم ما يستحق الثقة، ولا أحد- إلا القليل- يصدق أى تصويب لمعلومة خطأ أو نفى لها، وكأن هناك إصرارًا على تصديق كل كذب، وسيئ، وهو ما سبق أن حذرنا منه مرارًا وتكرارًا، حتى استفحل الأمر، وبات يحتاج إلى جهود ضخمة لإزالة الآثار السلبية لمشكلة أزمة الثقة هذه.
 
الراصد للشائعات والأكاذيب المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعى، سيجد أنها غير متوقفة على مجال بعينه، فهناك شائعات متعلقة بقضايا فساد، وقضايا سياسية، وقضايا تعليمية، وفضائح أخلاقية لأشخاص مشهورين أو حتى مغمورين، والأغرب شائعات وأكاذيب دينية تنتشر بسرعة البرق فى الفضاء الإلكترونى، دون فحص أو تمحيص.
 
هذا يدل على أننا أصبحنا أمام جمهور يختلف عن جمهور كرة القدم، فالجمهور الجديد الذى أعنيه من الصعب السيطرة عليه، أو حتى وعظه، أو تهديده، حتى يأتى وقت ما، تنكشف فيه أوراق مَن يكذب، أو تنهار مصداقيته لسبب ما، كما حدث مع تنظيم الإخوان الإرهابى، والسلفيين، وكثير من السياسيين والإعلاميين، وهذا يعنى أننا بتنا أمام حالة تتجذر وتتعمق، وأمسى كل حساب خاص كمنصة إطلاق صواريخ، والجمهور هنا فيه الصادق، وفيه الحائر، وفيه المتردد، وفيه المتفرج، وفيه مَن يوظف صفحته لنشر السلبية، وثقافة الهدم، وإضعاف الروح المعنوية، مستغلين جملة من الظروف، أبرزها الوضع الاقتصادى المتردى.
 
إننا بالفعل أمام نوع جديد من الحروب، يسميه المتخصصون «حروب الجيل الرابع»، وهى تختلف اختلافًا كليًّا عن الحروب التقليدية، لكنها تتفوق عليها فى درجة الخطورة، لأنها موجهة للسيطرة على العقول.. والمتابع للتصريحات الرسمية، يلاحظ ارتفاع منسوب الشائعات والأكاذيب التى تنفيها، أو توضح حقيقتها الجهات المختصة، والتى بلغت فى ثلاثة أشهر 21 ألف شائعة، حسبما أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسى، فى إحدى حفلات تخرج دفعات جديدة من الكليات العسكرية، وهذا يعنى خطورة وسائل التواصل الاجتماعى، وتأثيرها على البنية الداخلية.
 
إذن، ما الحل؟ هل نمنع مواقع التواصل الاجتماعى، أم ماذا؟ قولًا واحدًا، المنع ليس حلًا، والحل- من وجهة نظرى المتواضعة- تكمن فى اتخاذ حزمة من الإجراءات والقرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هدفها إعادة الثقة فى الحكومة، ورفع مستوى الوعى الوطنى والثقافى، وزيادة منسوب الرضى الشعبى، والروح المعنوية، بحيث تتحطم الأكاذيب على صخرة الوطنية الواعية، ويصبح تأثير الشائعات ضعيفًا، أو يتلاشى أثرها، كما فى حالات كثيرة.. وهذا يتوجب علينا البحث عن حلول لإزالة الأسباب التى أدت إلى تفاقم هذه الظاهرة، من حيث معالجة الملفات المثارة كل فترة، وخلق بيئة إيجابية جديدة، على الأصعدة كافة.
 
هنا يجب على الجهات، أو المسئولين أن يواجهوها، ويفندوها أولًا بأول، ويعرضوا الحقائق متى استطاعوا إلى ذلك سبيلًا؛ لوأد الأكذوبة فى مهدها، وإخراس ألسنة الأفاكين.. كما ينبغى على العاملين فى الحقل الإعلامى الاعتماد على مصادر المعلومات المسئولة والموثوق بها، والتواصل معها بصورة دائمة، لنشر البيانات الصحيحة والدقيقة بشأن ما يثار على مواقع التواصل الاجتماعى، والرد الفورى على الأكاذيب والشائعات.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق