فجرتها فضيحة " اتصالات مصر " .. شركات تدير إمبراطورية بيع بيانات العملاء (الجزء الأول)

الأحد، 15 سبتمبر 2019 04:30 م
فجرتها فضيحة " اتصالات مصر " .. شركات تدير إمبراطورية بيع بيانات العملاء (الجزء الأول)
اتصالات مصر
هشام السروجى

التجارة الأكثر رواجا، التى تفوق أرباحها تجارة السلاح والمخدرات والسوق السوداء للمواد النووية، تجارة المعلومات، ولا أقصد بها هنا الجواسيس المزدوجين التقليديين فى الدراما السينمائية العالمية، لكنها معلومات مليونية، فلاش ميمورى يحتوى على أدق بيانات عملاء شركة ما، قد يكون مشتركوها شعبا بأكمله، تخيل أنك قادر على شراء معلومات شخصية لمواطنى دولة «من بابها».
 
أصبح من المعتاد أن تصلك رسالة نصية «SMS» من إحدى الشركات، تعلن فيها عن منتجها أو مشروعها، أو تجد اتصالا هاتفيا من مندوب مبيعات، يعلم اسمك مسبقا ليروج لمنتج ما ويقدم لك عروضا خاصة.
 
هذا المعتاد يعد جريمة مكتملة الأركان، لأنه ببساطة نتيجة تسريب بيانات العملاء من كبرى الشركات التى تملك حق جمع بيانات عملائها، وتأتى فى المقدمة شركات الاتصالات، التى وصل عدد مشتركيها وفق إحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، إلى نحو 95 مليون مشترك، أى ما يعادل 95 % من إجمالى الشعب المصرى.
 
بداية اكتشاف فضيحة " اتصالات مصر "
 
كنت قد تناولت فى مقال سابق منشور على موقع «صوت الأمة» واقعة تسريب بيانات العملاء من شركة «اتصالات مصر»، لمكاتب وكلاء قانونيين، وعلى إثره قدمت بلاغا للنائب العام يطالب بالتحقيق فى الواقعة، لما يمثله من خطورة داهمة على الأمن القومى، ومن وقتها بدأت فى دراسة وقراءة كل ما وصلت إليه يدى من كتاب ومقالات ودراسات عن أمن تجارة البيانات، وكذلك تحدثت مع عدد من خبراء أمن المعلومات، لأقف على خفايا هذه التجارة التى تحقق الأرباح المليارية لأصحابها، فيصيبنى الذهول والغثيان لما تحويه من مخاطر جسيمة على المجتمعات، وهو ما تناولته من قبل عن فضيحة شركة «كامبريدج أناليتيكا للاستشارات السياسية» التى استطاعت من خلال شراء بيانات العملاء من «فيس بوك» وغيرها من الشركات التى تعمل على جمع البيانات، من توجيه الرأى العام البريطانى للتصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبى، وكذلك توجيه الناخب الأمريكى.
 
شركات الاتصالات تبيع بيانات المستخدمين !
 
المعلومات التى وصلت لها من خلال مختصين فى هذا المجال، أن هناك ديونا للشركات لدى العملاء، تندرج تحت مسمى ديون معدومة حصيلة فواتير متأخرة، هذه الشركات تتعاقد مع مكاتب شئون قانونية أو مكاتب تحصيل بعقود وكالة، على أن يعمل الوكلاء على تحصيل ما يمكن تحصيله من هذه الأموال المستحقة للشركة، وتقدم الشركات للوكلاء وسائل معاونة تمكنهم من التواصل مع العملاء، ومن ضمن هذه الوسائل هى بيانات العقد، التى تحتوى على رقم الهاتف الاحتياطى، وباقى البيانات بالتبعية، وهو ما يعد مخالفة صارخة لمواثيق حماية البيانات الدولية، وكذلك القوانين المصرية.
 
الأمر لا يقف عند هذا الحد، فالشركات تضع العملاء ضمن شرائح مالية، حسب القدرة الشرائية من خلال المعاملات المالية مع الشركة، وهو ما يزيد من جودة بضاعتها عند بيع البيانات، وهو ما أوضحه أحد الخبراء المختصين أثناء حديثى معه، فقال إن الشركات تطلب بيانات العملاء مصنفة بحسب القدرة الشرائية، لكى تستطيع تحديد العملاء المستهدفين والقادرين على شراء منتجاتهم، فمثلا لو شركة عقارات تستهدف الترويج لمشروع سكنى عالى التكلفة، يزيد فيه القسط الشهرى على 10 آلاف جنيه، فإنها تقوم باستهداف عملاء نظام الفاتورة أو عملاء أحد المطاعم الفارهة، وبالتأكيد تحصل على تلك البيانات بشكل سهل وبسيط وبمقابل مادى بخس.
 
جرائم علنية في عصر التحول الرقمي
 
تخيلوا أننا نتحدث عن تلك الجريمة ونحن نعيش عصر التحول الرقمى، فمن خلال التحول الرقمى سيصبح المواطن عبارة عن بيانات سرية، بعد أن كنا نقول إن المواطن مجرد «شوية أوراق»، فهل من المعقول أن تكون بياناتنا مسربة ومنتهكة بشكل علنى؟!
 
كيف سنتحول إلى عصر المدفوعات الرقمية الحقيقية، كيف سأقتنع بعد ذلك بأن الدفع عبر الموبايل سيكون الطريقة الوحيدة للدفع مستقبلا؟
 
نقطة النور فى وسط بحر الظلمات الذى عشت فيه على مدار الأسابيع الماضية وتحديدا منذ عرفت أن بياناتى مخترقة، هو حديثى مع أحد أعضاء البرلمان المصرى، والذى أكد أن قانون حماية البيانات فى طريقه للنور، وسيتم إقراره خلال أسابيع قليلة، لذلك أعدكم أن تكون قضيتى هى أول قضية «رابحة» متعلقة بهذا القانون.
 
قانون حماية البيانات السرية هو الحل
 
قانون حماية البيانات سيكون رادعا لكل شخص أو شركة قامت أو ستقوم بالتعدى على بيانات المواطن، سواء كانت بيانات تتعلق بالاسم والعنوان ورقم الهاتف، أو بيانات تتعلق بالحالة الوظيفية أو مستوى الدخل، أو حتى بيانات تتعلق بالحالة الطبية للمواطن، وعلمت أن العقوبات وفقا للقانون المتوقع صدوره ستصل إلى ملايين الجنيهات بجانب الحبس حتى 3 سنوات، حتى وإن كنت أراها عقوبة غير قاسية على قدر قسوة الجريمة، ولكنها خطوة ستكون رادعة لهؤلاء الذين يستبيحون بيانات المصريين، وخاصة شركات الاتصالات.
 
وتعد شركات الاتصالات هى أكثر الشركات التى تمتلك بيانات شخصية عن المواطنين، تخيل أن 95 مليون مواطن مصرى يحملون شريحة محمول، كارثة بكل المقاييس أن نترك تلك البيانات بين أيدى موظفى الشركات ليتلاعبوا بها كيفما شاءوا، لقد حان الوقت لإيقاف تلك الجريمة مكتملة الأركان.
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق