فى ذكرى رحيل الزعيم وميلاد الأستاذ.. أسرار عبدالناصر فى جناح تراث هيكل بمكتبة الإسكندرية

السبت، 28 سبتمبر 2019 10:00 م
فى ذكرى رحيل الزعيم  وميلاد الأستاذ.. أسرار عبدالناصر فى جناح تراث هيكل بمكتبة الإسكندرية
الراحل محمد حسنين هيكل
محمد أبو ليلة

14 ألف كتاب ووثيقة ثروة الكبير الباقية

أكثر من 15 كتابا عن عبدالناصر ووثائق سرية أعطاها له أشرف مروان بعد 28 سبتمبر 70
 

فى عام 1997 وقبل رحيله بـ 19 عاما كتب الأستاذ الراحل محمد حسنين هيكل وصيته فى ثمانى صفحات على هيئة وديعة مغلقة عند رفيقة حياته وزوجته السيدة هداية تيمور، وفى 16 فبراير من عام 2016 قبل وفاته بلحظات أملى على نجله الأكبر الدكتور على هيكل أمورا إضافية لم تتضمنها وصيته، بعضها ترتيبات لما بعده وبعضها الآخر رسائل إنسانية لأصدقاء أقلقهم التدهور السريع فى حالته الصحية ولم يتسن له أن يلقى عليهم نظرة وداع. من بين أمور كثيرة فى وصية أحد أشهر صحفيى القرن العشرين الأستاذ محمد حسنين هيكل هو إنشاء مكتبة سياسية يكون استعمالها وفق تصريح من مجلس أمناء مؤسسة هيكل وتضم ما تحصل عليه هيكل من وثائق مصرية وعربية وعالمية بما يلقى أضواء أبعد على مراحل مهمة من التاريخ السياسى الحديث للشرق الأوسط.

37 صندوقا من كتب هيكل
 
ويبدو أن جزءا من  هذه الوصية قد شارف على التنفيذ فعلا، فالأسبوع الماضى وبينما كان مجلس أمناء مؤسسة هيكل يحتفلون بالذكرى الـ 96 على مولده ، أعلن الدكتور مصطفى الفقى، مدير مكتبة الإسكندرية ، إن تراث الكاتب الكبير الراحل محمد حسنين هيكل، يعتبر إضافة حقيقية لمكتبة الإسكندرية، معلنا عن وصول مجموعة كبيرة من تراث الأستاذ للمكتبة خلال الفترة السابقة، مما يعد إضافة حقيقية وكنزا كبيرا.
الفقى أعرب عن سعادته خلال حضوره احتفالية مولد هيكل بوصول هذا التراث للمكتبة فى الفترة التى يتولى خلالها إدارة المكتبة، موضحا أن هناك 37 صندوقا وصلت للمكتبة من القاهرة، وهى الآن فى مرحلة التصنيف التى تستغرق 21 يوما قبل إتاحتها للباحثين للاستفادة منها بشكل عام.
ما تبقى من إرث هيكل
فى كتابه أحاديث برقاش قال الكاتب الصحفى عبدالله السناوى: قبل رحيله بثلاث سنوات عرضت عليه دار هاربرمولينز البريطانية التى تتولى نشر الطبعات الدولية من كتبه أن يكتب  كتابا جديدا عن الربيع العربى مُقابل مليون جنيه إسترليني، شرع فى زيارات خارجية ابتدأها بلبنان  للحصول على وثائق يؤكد بها روايته للحوادث العاصفة التى جرت وكان لديه ما يقوله جديدا وموثقا، لكن مشروع هذا الكتاب لم يكتمل بسبب وفاته. لكنه فى صباح الأربعاء 14 أغسطس من عام 2013 بعد فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة بساعات قليلة، اقتحمت مجموعات مسلحة الباب الرئيسى لبيت هيكل فى برقاش، وأحرقوا حديقة المنزل بزجاجات المولوتوف، وأخذت تُدمر كل ما فيه من أثاث ولوحات وذكريات. 
«أولى ضربات الكوارث أن الكتلة الرئيسية من الكتب النادرة والوثائق التاريخية التى لا سبيل لتعويضها راحت».

14 ألف كتاب
 
مكتبة هيكل كان تحوى على 14 ألف كتاب من الذخائر العربية والدولية فى الاستراتيجية والتاريخ والفلسفة والعلوم الإنسانية الأخرى والآداب والفنون، كل كتاب له قيمته التاريخية والفكرية بعضها نادر يصعب الوصول إليه أو الحصول على نسخة منه. 
 
وفى وقت سابق كان هيكل قد قرر أن يودع كتبه فى مكتبة عامة مع كتب أخرى لم تنلها يد التخريب والحرق ضمن مؤسسة تحمل اسمه من بينها نسخة أصلية مرقمة من 800 نسخة من موسوعة «وصف مصر» طُبعت فى باريس على عهد نابليون بونابرت لكنه بعد الحريق وُجد جزءان منها فى مصرف بجوار بيته ببرقاش.
 
وبين الحين والآخر كان يفكر هيكل فى إقامة مؤسسة تحمل اسمه، وبعد مشاروات بينه وبين مؤسسة الأهرام من جهة، وبينه وبين نقابة الصحفيين من جهة أخرى كى يضع فيهما ما تبقى من وثائقه وكتاباته لتكون منفذا للأجيال الشابة من الصحفيين.
 
وكان قد  استقر به المقام قبل وفاته  إلى وضع كل ما  له من «إرث» فى مؤسسته «محمد حسنين هيكل» ووضع تصورا واضحا لهذه المؤسسة من بينها انشاء مكتبة عامة تجمع كل ما كتب وما لدى هيكل من كتب فى الصحافة والسياسة والحروب والتاريخ والمذكرات والأدب والفن وغير ذلك، بالإضافة لمكتبة مفتوحة تحوى الأوراق الصحفية والسياسية لهيكل بما فيها مجموعة كتبه ومقالاته وأحاديثه ومقابلاته تكون متاحة لكل المستغلين بالصحافة. وحسبما يروى الكاتب الصحفى عبدالله السناوى فى كتابه أحاديث برقاش فإن هيكل لم يكن يمتلك وثائق وكتبا فقط، وإنما تسجيلات نادرة، منها تسجيلات لحسن باشا يوسف، وكيل الديوان الملكى فى عهد الملك فاروق، ويحكى فيها عن تفاصيل دقيقة تخص تلك الحقبة التاريخية. وأكّد أن يوسف أعطاها لهيكل بنفسه على سبيل الأمانة وطلب منه ألا ينشرها إلا بعد وفاته، ولكن برغم وفاته فإن هيكل لم ينشرها وقرر تركها للأجيال القادمة، لتعرف من خلالها ما كان يحدث فى مصر قبل ثورة يوليو وما قام به القصر الملكى للإساءة إلى سمعة مصطفى باشا النحاس، زعيم حزب الوفد وقتها.
 
ولعلها صدفة أن تشرع مكتبة الإسكندرية فى الانتهاء من تأسيس جناح خاص لـ هيكل وثروته هذه الأيام، وفى الذكرى الـ 49 على وفاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والتى حلت اليوم السبت 28 سبتمبر،  فجزء كبير من ثروة هيكل الفكرية والوثائقية هى فى عصر عبدالناصر، حيث كان هيكل يحتفظ بكثير من هذه الوثائق.

من أين جاءت الثروة؟
 
فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى استطاع هيكل بسبب قربه الشديد من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر أن يطلع على محاضر اجتماعات سرية وبرقيات بين عبدالناصر وقيادات العالم العربى والإسلامى والغربي، ومحاضر اجتماعات اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى وغيرها من الوثائق الهامة والتى تخص الدولة المصرية بحكم قربه الشديد من عبدالناصر آنذاك.
لكن النقلة الحقيقية لـ ثروة هيكل الفكرية والوثائقية كانت بعد وفاة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر حسبما حكى هيكل بنفسه مرات فى لقاءات تليفزيونية عديدة، بعد أن  أصبح السادات رئيسا ذهب إليه مدير مكتبه آنذاك أشرف مروان- زوج ابنة عبدالناصر-  بكل الوثائق التى تخص مصر فى عهد عبدالناصر والتى كانت موجودة بمكتب رئيس الجمهورية، كى يطلع عليها، لكن السادات رفض الاطلاع عليها وقال عبارته الشهيرة لـ مروان «الورق ده هو اللى جاب أجل عبدالناصر»، ليجد أشرف مروان نفسه أمام خيار وحيد، وهو إعطاء كل هذه الوثائق الهامة لـ صديقه آنذاك الأستاذ محمد حسنين هيكل والذى كان يشرُع وقتها فى تأريخ فترة حكم عبدالناصر بما لها وما عليها. أخذ هيكل تلك الوثائق وبدأ فى مشاريعه الكتابية والبحثية التى أخرجت ما يُقارب الـ 15 كتابا تتحدث عن فترة عبد الناصر وما قبلها، مستغلا علاقاته بكبار صحفيى العالم آنذاك فى الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وروسيا من أجل تزويده بالوثائق الأجنبية التى تُعزز الوثائق المصرية فى قضاياها المختلفة.
عبدالناصر والعالم
ويعتبر أول كتاب كتبه هيكل عن عبد الناصر باللغة الإنجليزية كتاب «عبدالناصر والعالم»، كما أنه الأول فى عصر الرئيس أنور السادات ، وأيضا الكتاب التاسع ضمن مؤلفات الأستاذ هيكل، حيث صدر فى الذكرى الأولى لوفاة عبدالناصر وتُرجم إلى 21 لغة بينها الفرنسية والإيطالية والإسبانية واليابانية والألمانية والسويدية والأردية والهندية والصربية والبرتغالية.
 
وجاء هذا الكتاب بعد محاولة إقناع الأستاذ هيكل بكتابته، وتحديدا من قبل صديقيه، دنيس هملتونو رئيس التحرير العام لمجموعة صحف طومسون وبينها جريدة التايمز اليومية، والثانى هو ساى سالزبيرجر أحد رؤساء تحرير جريدة نيويورك تايمز، والكتاب كان عن عبدالناصر وعمالقة عصره، فقد كان عبدالناصر عملاقا، وكان عصره عصر عمالقة التقى معهم جميعا، بالاتفاق أو بالاختلاف، ونشأت عن لقائه بهم صداقات وصراعات تركت أثرها على العصر كله.
 
 
فى فبراير من عام 1976 وبينما كان الهجوم على الرئيس الراحل جمال عبدالناصر فى أوجه، بعضهم وصفه بالديكتاتور، والآخر انتقد قراراته وسياساته بل وصل الأمر لاتهامه فى ذمته المالية، وقتها قرر الكاتب الصحفى الراحل محمد حسنين هيكل أن يكتب كتابه «لمصر لا لعبدالناصر»، ليست محالة للدفاع عن عبدالناصر وشخصيته وعصره وإنما رواية مختصرة لمشاهد رأها هيكل بعينه وقت أن كان بجوار عبدالناصر فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى. يعتبر هذا الكتاب من أهم الكتب التى كتبها الأستاذ هيكل عن عبدالناصر فهو أشبه بتبرئة ذمة أمام التاريخ، من بين ذلك هو شهادته  لعدم تدخل عبدالناصر فى الأحكام القضائية، حيث قال فى الصفحة رقم 60 من الكتاب: «أقول أولا إن جمال عبدالناصر لم يتدخل فى حياته فى حكم من أحكام القضاء، وكان لديه ذلك الإحساس العميق بقدسية العدل وهو إحساس له جذوره البعيدة فى المجتمع المصرى بحكم التكوين الحضارى لشعب استقرت حياته فى بيئة زراعية ترسخت فيها فكرة الاحتكام إلى قانون القضاء».
وحكى هيكل واقعة حينما عرض عليه عبدالناصر خطابا من الملك سعود ذات مرة يطلب منه التدخل فى حكم قضائى، وقال عبدالناصر لهيكل «إننى أريد ان أجامل الرجل فى أى شىء يطلبه منى.. ولكنه قصدنى حيث لا أستطيع أن أجيب طلبه، ولا أعرف كيف أرد، وهل يصدقنى إذ قلت له إننى لا أستطيع أن أتدخل فى أعمال محكمة؟ وكيف أتدخل؟».

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق