كيف تحول «واتساب» من سلاح للإرهابيين لأداة تنوير في الساحل الأفريقي؟

الأربعاء، 06 نوفمبر 2019 08:00 م
كيف تحول «واتساب» من سلاح للإرهابيين لأداة تنوير في الساحل الأفريقي؟
إحدى قرى (موبتي) في وسط مالي

منذ أربع سنوات أصبحت (موبتي) المنطقة الأكثر اضطرابا في مالي، وبلغ عدد النازحين منها نحو 60 ألف نازح، وأغلقت نحو 600 مدرسة، مع وجود مدنيين عالقين بين مطرقة أعمال العنف التي يمارسها الإرهابيون وسندان العمليات الانتقامية الطائفية.

وخلال وقت قصير حلّت الهواتف الذكية محل أجهزة الراديو النقالة، وفرض تطبيق "واتساب" الذي يسمح بتوجيه رسائل صوتية، نفسه بديلا عن "راديو الساحل"، ومع إمكانية بلوغ الناس بسهولة لشبكات الهاتف المحمول والإنترنت، تنتشر الدعاية الإرهابية في مالي كالنار في الهشيم حتى في مناطق الريف البعيدة .

وجاء استغلال زعيم "جبهة تحرير ماسينا" أمادو كوفا، لمواقع التواصل الاجتماعي في نشر الدعاية الإرهابية، ليطرح الكثير من التساؤلات عن مدى تأثير هذه التطبيقات في نشر الأفكار بين الشباب.

  وكانت "جبهة تحرير ماسينا" التي أعلن عن تأسيسها في بداية عام 2015، على يد أمادو كافو، وهي واحدة من التنظيمات الإرهابية التي تتبنى استراتيجية تنظيم القاعدة، بالإضافة إلى عملها بجانب جماعة "أنصار الدين". 

 واستمدت الجبهة اسمها من امبراطورية "ماسينا الفولانية"، التي تواجدت في القرن التاسع عشر، وكانت امبراطورية شاسعة حيث شملت كلا من دول "مالي والسنغال ونيجيريا".

وينتمي معظم عناصر الجبهة إلى قومية "الفولان"، الواقعة في المنطقة الوسطى من مالي، في محاولة منها لاستعادة الإمبراطورية مرة أخرى.

وتعتبر الجبهة أول تنظيم يتشكل على أساس عرقي في مالي، وأعلنت عن نفسها في بلدة صغيرة تسمى "تننجو"، وتقع قريبا من الخط الفاصل بين شمال مالي وجنوبه.  

وعلى الطرف الأخر نجد الإمام "حما سيسي" الصديق السابق لكافو، والذي يعرفه حق المعرفة، حيث تعلما سويا في مدارس القرآن بوسط مالي خلال ثمانينات القرن الماضي.

ويقول إنه في في تلك الحقبة، لم يكن كوفا بعد الداعية الذي يسعى إلى فرض الشريعة وحظر الموسيقى بل كان يكتب القصائد "للتغني بالشابات الجميلات" مقابل مبالغ مالية ضئيلة، مشيرا إلى أن كافو عندما بدأ بإلقاء الخطب، حقق نجاحا فوريا ساعده في ذلك توجهه إلى الناس بلغتهم، لغة الشعب الفولاني.

وعبّر الإمام حما عن إحباطه إزاء العجز عن وقف انضمام الشباب إلى صفوف "جبهة تحرير ماسينا"، قائلا: "الإرهابيون يجٌندون عبر تطبيق (واتساب).. يجب وقف النزف".

وخلال السنوات الماضية التزم سيسي، الصمت خوفا من التعرض للانتقام، بعد أن تلقى تهديدات كثيرة، وغادر (موبتي)، مسقط رأسه، ولم يعد إليها منذ العام 2016. 

لكن الرجل البالغ 55 عاما والذي يفضل البقاء بعيدا عن الأضواء، بات يرفض استئثار الإرهابيين بالمنابر، حيث يدعو من باماكو عبر الإذاعة الفولانية "تابيتال بولاكو" إلى التسامح في الإسلام.. ويتم تناقل رسائله عبر تطبيق (واتساب) أيضا. 

في شهر رمضان الماضي وجّه الإمام حما، رسالة إلى كوفا قائلا: إنه يزعم أن (ماسينا) قبله لم يكن مسلما، وكانت هناك ظلمة.. إنه لم يجلب الإسلام إلى ماسينا بل جلب التشدد".

ولمواجهة التصعيد بأعمال العنف، يدعو مجموعة من أبناء مالي إلى فتح نقاش يشارك فيه علماء دين وشخصيات مؤثرة، عبر تناقل رسائل صوتية يكسرون فيها حاجز الصمت. 

فمن جانبه قال عثمان بوكوم - شاب من (موبتي) يستخدم مواقع التواصل للرد على مغالطات اتباع كوفا - "إيماني هو الذي دفعني إلى التدخل.. لاحظت أنهم يحوّرون الكلمات في خطبهم الدينية ويفسرون الآيات على طريقتهم.. أردّ بشرح ما يقوله القرآن حقيقة". 

وتابع: كل شخص مشترك على الأقل في نحو 10 مجموعات مختلفة على (واتساب)، الناس يتناقلون الرسائل، وعادة، أردّ في غضون ثلاثين دقيقة.. أتعرض لكثير من الشتائم والتهديدات.. لا أحاربهم، أحاول فقط أن أعيدهم إلى المنطق". 

واكتسب بوكوم شهرة واسعة، وفي يوليو شارك في مؤتمر حول الحريات الدينية في الولايات المتحدة حيث استقبله أعضاء في الكونغرس الأمريكي.

كما كان على وشك عقد لقاء مع أتباع كوفا.. قائلا: "عرضت عليهم إجراء نقاش.. وافقوا، لكن في اللحظات الأخيرة وجّه كوفا رسالة صوتية لمنعهم من المجيء خشية على أمنهم - على حد زعمه -". 

ويؤكد بوكوم أنه مقتنع بإمكانية إنقاذ الشباب من تأثير الإرهابيين ومن يمكن أن ينضموا إليهم عبر تفتيت خطابهم.

وأنشا في (موبتي) مارس، جمعية للدعاة لحماية الوحدة والسلم الاجتماعي، تستند إلى القدرة على الاعتماد على شبكات من المعلمين والشخصيات المؤثرة ممن لا يميلون بتاتا الى التعامل مع كوفا، ليعلموا القرآن بشكل مستنير للأطفال. 

وتقترح الجمعية أن تقدّم كل قرية حقلا زراعيا مساحته خمسة هكتارات تخصصها للأكثر فقرا ولمدارس تعليم القرآن.

ويأمل بوكوم في أن يسهم هذا الأمر في استعادة ثقة العائلات في المناطق التي تخلت عنها الدولة، حيث ينعدم الأمن وأصبحت الجماعات المسلحة البديل الوحيد.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق