محمد علي ومؤتمر الإخوان.. مشهد من فيلم عربي

الخميس، 21 نوفمبر 2019 12:57 م
محمد علي ومؤتمر الإخوان.. مشهد من فيلم عربي
طلال رسلان يكتب:

(1)

يموت الجد، ويوصي بتسليم ثروته لأفضل حفيد متزوج، تصر الجدة زهيرة هانم على تنفيذ الوصية بحذافيرها، ليبدأ بعد ذلك صراع بين الأحفاد، ذلك الفيلم العبقري الذي برع فيه الفنان نور الشريف في دور "كلاف المواشي المعتوه" الذي أرادوا أن يحولوه إلى رجل أعمال وسياسي ناجح فينال بذلك ميراث جده، فخرج خاطبا للناس في صورة مسخ مهان يسوقوه إلى تحقيق الوصية ونيل الميراث المجزي، ليكشف عن جهل من وراءه الذين اعتقدوا أن المال ربما يصنع صورة مغايرة للواقع ويقلب الحقائق.

في النهاية كانت النتيجة المتوقعة... سقوط مدوٍ لمن وضعوا خلفه كل هذا التمويل وأصبح "سياسيا" عضو مجلس شعب في مرحلة من مراحل الحكاية، وقدراته الذهنية لا تفارق ما تربى عليه طوال سنين حياته الماضية.


ملاحظة: المثال السابق يمت للواقع بصلة وأي تشابه بينه وبين السطور القادمة ليس من قبيل المصادفة

(2)

أصبح اللعب على المكشوف، سقطت الورقة الأخيرة من يد المقاول الهارب محمد علي، عندما ظهر في مؤتمر صحفي هو الأول له وعلى ما يبدو سيكون الأخير، برعاية الجزيرة وفي وسط لوبي الإخوان بالعاصمة البريطانية لندن، لم يعد هناك باب للمواربة في مسألة من يحرك الأحداث خلف الكواليس، أو من يمول، ويضع اللمسات الأخيرة لتنفيذ المخطط.

محاولات محمد علي ومن ورائه قيادات الإخوان لم تستطع إخفاء الهوية أكثر من ذلك، والجزيرة الذراع الإعلامية لتنظيم الحمدين فتحت منابرها للمقاول الهارب ليس إيمانا أو اقتناعا فهم يعلمون جيدا أن أدواته ضعيفة وحججه متهاوية متضاربة وسقطت كل الأقنعة والتزييف أمام المصريين، ولم تعد زهوة ظهوره تنطلي على البسطاء من الشعب، الكلام مكرر دون دليل بموضوعات مختلقة يلعبها دائما عناصر الإخوان في برامجهم وعلى السوشيال ميديا أمثال محمد ناصر ومعتز مطر وعبدالله الشريف وغيرهم من غلمان الجماعة، لكن القناة القطرية وجدت ورقة لعب أخرى نكاية سياسية في مصر حتى لو كانت خاسرة.

في بداية المؤتمر فشلت محاولات المقاول الهارب بالظهور أمام العالم في شكل الدور المرسوم له، بدا مضطربا عندما قرر قراءة ورقة أمامه على ما يبدو يرى كلماتها لأول مرة، وحملت صبغة إخوانية بشكل واضح، انتهى المشهد في النهاية برميها جانبا، والرجوع إلى الارتجال بالعامية الذي وضعه في صورة المتلعثم فاقد الإقناع تائه الفكر شاحب الوجه، في الأخير كيف لمقاول إنشاءات يجري عملية جراحية!؟.

لم يجد محمد علي أمامه سوى الهروب سريعا إلى مرحلة تلقي الأسئلة، بعد مقدمة فشل فيها بتمرير رسالة الدفاع عن صديقته رضوى بعدما لم يتمالك نفسه وخرج عن النص، من نحو 15 فردا أمامه تمخضت بهم جماعة الإخوان في الحشد من لندن لما أسمته الجزيرة وقنوات الإخوان مؤتمرا صحفيا، لعله يجد فيها ضالته ليبدأ فقرة الشو بعبارات يسد بها رمق الكتائب الإلكترونية المنتظرة الإشارة على أحر من الجمر، ولحبك الموضوع أكثر كان من بين السائلين متحدثين بالإنجليزية على أساس أنهم مراسلون أجانب ووكالات الأخبار العالمية تسلط الضوء على "المؤتمر الحاشد" الذي سيسقط النظام في مصر خلال 24 ساعة.

لو كنت من متابعي مؤتمر الإخوان للمقاول الهارب لن تخرج منه بشيء سوى بصورة ستنطبع إلى ذهنك وسينتقل إليك بعدها انطباع يمثل شخصية المتحدث نفسه وستكون النتيجة في النهاية "شكله أهبل أوي!"، عندما ترى محمد علي لا يعرف كيف يتعامل مع سماعة المترجم ويلبسها بالمقلوب في مشهد هزلي لم يكد ينتهي المؤتمر إلا وتلك الصورة تنتشر بسرعة البرق على مواقع التواصل الاجتماعي كنتيجة إجمالية لما خرجت به محاولة الإخوان في تقديم محمد علي للعالم على أنه المعارض المتزن منقذ مصر.

(3)

بالدخول إلى استفسارات السائلين في جلسة المقاول الهارب، والذين من بينهم مراسل بي بي سي والجزيرة وقنوات أخرى معروفة بتوجهها وموادها المستهدفة لمصر، كانت هي الأخرى على مستوى مشهد البداية لمحمد علي، كلمات هدفها الهجوم المباشر على النظام المصري، لكنها في الوقت نفسه كشفت أكثر ما وراء الكوليس فيما يخص التمويل وصلات محمد علي بشخصيات يلعبون دور المعارضة في الداخل.

العرض الذي بدا هزليا للغاية كان لابد له من تمرير بعض الأسئلة التي يحملها مراسل البي بي سي البريطانية على هاتفه، بعدما وجه سؤالا مباشرا لمحمد علي بخصوص «هل لك اتصالات على أرض الواقع داخل مصر؟»، مفاجأة السؤال وضعت محمد علي في مأزق لم يستطع خلاله نفي وجود اتصالات مع بعض الشخصيات داخل مصر، لكن سرعان ما وجه المراسل سؤال آخر يتعلق بطبيعة هذه الاتصالات، لكن كان الأمر خرج من سيطرة محمد علي الذي ادعى عدم سماعه للسؤال المطروح جيدا، قبل أن يعدل من نفسه ويطلب إعادة السؤال مرة أخرى، لينتهي الموقف بإجابة أفرج عنها عقله الباطن بأن العلاقة تتضمن شخصيات سياسية معارضة لكنه لن يستطيع الإفصاح عن الأسماء حاليا.

ناهيك عن سؤال طرحه «عمرو صلاح» الصحفي بموقع العربي الجديد، الذي لم يكن سؤالا أصلا وكان كلاما مرسلا ظهر وكأن أحدهم رمى المايكروفون فجأة بين يديه ليقول أي شيء بدل إحراج محمد علي أكثر في انتظار من يحنو عليه ليوجه سؤالا، لم يفهم أحد السؤال وطلب محمد علي الإعادة فكانت أسوأ بلغة إنجليزية ركيكة واضطر الأخير إلى إعادة سطور قالها في إجابة كل سؤال تقريبا.

بالطبع لن يفوت ممثل الجزيرة الصوري في هذه الجلسة تلك الفرصة، ليعتلي هو الآخر خشبة المسرح بسؤال طرحه على المقاول الهارب قبل أن يكيل إلى مصر بالهجوم على النظام لعله يجد إجابة تنتظرها القنوات الإخوانية المتلهفة لملء ساعات الهواء المباشرة بها، فكان السؤال شبه محاولة لاستنطاق محمد علي بالحديث عن عمل ثوري وتظاهرات مغلفة بحراك سياسي على أرض الواقع في مصر، لكن محمد علي بدا مهتزا للغاية وأخذ يتخبط في الإجابة وظل يكرر جملة أعدها منذ البداية بأن اتفق مع شخصيات في الداخل والخارج وجلس معهم لإعداد برنامج ينفذوه خلال الفترة القادمة وسيطرحه على الشعب، وبالطبع لن يكون هذا مجال أو مناسبة لعرض هذا البرنامج أو الحديث عن نقاطه وأهدافه ومن تلك الشخصيات التي جلس معها محمد علي ونسق معها في الداخل والخارج!؟.

بعيدا عن الأسئلة غير المجدية والمكررة وكان رد محمد علي فيها لم يتغير، من وجهة نظري كان أهم تلك الأسئلة من مراسل أجنبي ولا أعرف إلى الآن كيف أفلت من منظمي جماعة الإخوان، إلا لو غير المراسل السؤال من تلقاء نفسه ليوقع بمحمد علي، عندما سأله عن الأدلة الملموسة والواقعية التي تثبت مزاعمه التي قالها وروج لها منذ ظهوره للناس، بالطبع سيدخل محمد علي في البداية بدقيقة أو دقيقتين يشتكي فيها بأنه لا يسمع السؤال مرة أخرى ثم التحجج بعدم معرفته كيف تستخدم سماعة الترجمة، لكن في النهاية كانت الإجابة "أنا صادق لدى الشعب، وكشفت فساد، والشعب هيحاكمهم، وأنا معنديش براهين أكتر من إن رئيس مصر نفسه قال إنه يبني قصور وهيبني"، كانت هذه الإجابة نصا لتكشف عن دليل محمد علي الذي خرج على الشعب في البداية ليقول أنه يملكه، وكأن تشييد القصور والمدن الجديدة دليل على الفساد، لكن يبدو أن حتى محاولات سنيدة المقاول الهارب فيما أسموه المؤتمر الصحفي لم تشفع وخرجنا في النهاية بتأكيد لما وصل إليه محمد علي (لا شيء، فراغ، وتخبط، وتجارة حرام، وحرق ورقة أخرى أراد الإخوان اللعب بها).

في النهاية فشل مشهد أعدت له الإخوان منذ شهور وأنفقت عليه ملايين للوصول إلى هذه المرحلة، تقديم وظهور أقل ما يقال عنه مثير للشفقة، لم يعد لدى محمد علي وجه جديد يقدمه غير الذي ظهر به من قبل، لم يفهم الحاضرون الدور الذي كلفوا به، فشلوا جميعا في إيجاد مخرج لإعادة تشكيل المقاول الهارب على صورة المعارض.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق