حلم الثراء الحرام يراود الديكتاتور أردوغان

السبت، 07 ديسمبر 2019 06:00 م
حلم الثراء الحرام يراود الديكتاتور أردوغان
رجب طيب أردوغان- رئيس تركيا
محمد أسعد

 

عربدة تركية فى شرق المتوسط.. خبراء أتراك: اتفاق أردوغان والسراج باطل وغير معترف به
 

الأسبوع الماضى أعلنت تركيا أنها وقعت مذكرتى تفاهم مع «فائز السراج» رئيس ما يسمى بالمجلس الرئاسى لحكومة الوفاق الليبى فى طرابلس، الأولى بشأن السيادة على المناطق البحرية، والثانية أمنية، وهو ما أثار موجة غضب كبيرة امتدت من الداخل الليبى إلى النطاق الإقليمى، خاصة أن هذا الاتفاق يعد خرقا للقواعد الدولية المستقرة، كما أن السراج تجاوز الصلاحيات الممنوحة له، وخالف كل القواعد التى تم إرساؤها فى اتفاق الصخيرات، والتى منحت حق التوقيع على الاتفاقيات الدولية لمجلس الوزراء بالكامل، وليس لرئيسه فقط.
 
 الاتفاق بين رجب طيب أردوغان والسراج، هو إحدى حلقات العربدة التركية ضمن سلسلة طويلة انتهجتها أنقرة بعيدا عن القانون الدولى، والتى بدأت حينما أطلقت تركيا قبل شهور عمليات استكشاف منفصلة تتعدى فيها على المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص، ما أدى إلى موافقة الاتحاد الأوروبى على إطار قانونى للعقوبات المفروضة على الأفراد والشركات المشاركة فى تلك العمليات، كما هددت الأمم المتحدة بفرض عقوبات على أنقرة.
 
ولم يكتف أردوغان بخرقه للقانون الدولى، بل لجأ إلى أساليب ملتوية، آخرها اتفاقه المنقوص والمشوه مع السراج، وهو الاتفاق الذى فتح النار على تركيا ومجلس السراج غير الشرعى، حيث أكدت مصر وفق بيان لوزارة الخارجية أن مثل هذه المذكرات معدومة الأثر القانونى، إذ لا يمكن الاعتراف بها على ضوء أن المادة الثامنة من اتفاق «الصخيرات» السياسى بشأن ليبيا، الذى ارتضاه الليبيون، تحدد الاختصاصات المخولة لمجلس رئاسة الوزراء، حيث تنص صراحة على أن مجلس رئاسة الوزراء ككل - وليس رئيس المجلس منفردا - يملك صلاحية عقد اتفاقات دولية.
 
ولفتت الخارجية إلى أنه من المعروف أن مجلس رئاسة الوزراء منقوص العضوية بشكل بَيّن، ويعانى حاليا من خلل جسيم فى تمثيل المناطق الليبية، ومن ثم فإن دور رئيس مجلس الوزراء محدود الصلاحية فى تسيير أعمال المجلس، وأن كل ما يتم من مساعٍ لبناء مراكز قانونية مع أى دولة أخرى يعد خرقا جسيما لاتفاق «الصخيرات«، مشيرة إلى أنه «وفى كل الأحوال فإن توقيع مذكرتى تفاهم فى مجالى التعاون الأمنى والمناطق البحرية وفقا لما تم إعلانه هو غير شرعى ومن ثم لا يلزم ولا يؤثر على مصالح وحقوق أى أطراف ثالثة، ولا يترتب عليه أى تأثير على حقوق الدول المتشاطئة للبحر المتوسط، ولا أثر له على منظومة تعيين الحدود البحرية فى منطقة شرق المتوسط».
 
وشهدت القاهرة الأسبوع الماضى، تحركات مكثفة لمواجهة العربدة التركية فى شرق المتوسط، وعقد وزير الخارجية سامح شكرى اجتماعا مع نظيره اليونانى نيكوس دندياس، انتهى إلى التوافق المصرى اليونانى على عدم شرعية قيام «السراج» بالتوقيع على مذكرات مع دول أخرى خارج إطار الصلاحيات المقررة فى اتفاق الصخيرات، وأن التدخل التركى السلبى فى الشأن الليبى يتعارض مع مجمل جهود التسوية السياسية فى ليبيا.
 
وسبق هذا اللقاء اتصالات هاتفية جمعت وزراء خارجية مصر وقبرص واليونان، انتهت إلى توجيه رسالة حاسمة وقاطعة إلى النظام التركى والسراج، بإعلان التوافق بين الوزراء على عدم وجود أى أثر قانونى لهذا الإجراء الذى لن يتم الاعتداد به لكونه يتعدى صلاحيات رئيس مجلس الوزراء الليبى وفقا لاتفاق الصخيرات، فضلا عن أنه لن يؤثر على حقوق الدول المتشاطئة للبحر المتوسط بأى حال من الأحوال، كما أكد وزير الخارجية اليونانى نيكوس دندياس، عدم اعترافه باتفاق المنطقة الاقتصادية الخالصة الموقع بين السراج وأردوغان، وقال دندياس فى تغريدة له بموقع «تويتر» إن محاولة إقامة المنطقة الاقتصادية الخالصة بين تركيا وليبيا غير معترف بها تماما، حيث تتجاهل الحجم الجغرافى الكبير لجزيرة كريت بين البلدين، مضيفا «مثل هذا الجهد هو على وشك عبث».
 
وفى مواجهة التسلق التركى، قاطع وفد يونانى رفيع المستوى مراسم رسمية أقيمت الأسبوع الماضى بمناسبة افتتاح خط أنابيب الغاز عبر الأناضول، احتجاجا على تصريحات أردوغان التى قال خلالها إن أنقرة لن توقف عمليات التنقيب والحفر قبالة سواحل قبرص، مشددا على أن حقوق القبارصة الأتراك فى المتوسط تتعرض لانتهاكات، وأن أنقرة تتصرف ضمن إطار القانون الدولى و«لن تجبرها أى صرخات» على سحب سفنها العاملة على التنقيب والحفر فى جرف «جمهورية شمال قبرص».
 
تصريحات أردوغان أثارت غضب الوفد اليونانى برئاسة نائب وزيرة الطاقة والبيئة ديميتروس إيكونومو، ودفعته إلى الانسحاب من المراسم بعد دقيقة من كلمة أردوغان، قال إيكونومو إن تصريحات الرئيس التركى لم تفاجئه، فيما وصفت الخارجية اليونانية أردوغان بأنه «أكبر مخالف للقانون الدولى فى المنطقة»، متهمة أنقرة بتقويض استقرار المنطقة وتجاهل مصالح شعوبها وعدم الالتزام بمبادئ حسن الجوار.
 
وفى ليبيا، انفجر الوضع فى وجه السراج، الذى يعتبره الليبيون «جاسوسا تركيا وخائنا»، ووصفت الحكومة المؤقتة فى ليبيا إبرام اتفاق دفاع مشترك مع الجانب التركى بأنه «يهدف إلى تقويض جهود القوات المسلحة العربية الليبية فى اجتثاث الإرهاب من العاصمة طرابلس وطرد الميليشيات المسلحة منها«، مشددة على أن أردوغان يسعى لإقامة إمبراطورية عثمانية ثانية من خلال الحصول على موطئ قدم فى ليبيا، وقالت «نعلم علم اليقين وبالأدلة الدامغة ما يشوب علاقة ما تسمى بحكومة الوفاق وتركيا من جدل وشبهات، لكون الوفاق المزعوم وشخوصه يسعون لتحقيق مآرب الرئيس التركى رجب طيب أردوغان الاستعمارية وإعانته على تحقيق حلمه فى إقامة إمبراطورية عثمانية ثانية من خلال الحصول لها على موطئ قدم فى ليبيا».
 
كما استنكر المجلس الاجتماعى لقبائل ورفلة فى ليبيا، الاتفاق، وقال إنه يمنح الإذن للتدخل الخارجى فى شئون البلاد، ما يعتبر مساسا بالسيادة الوطنية، مؤكدا بطلان المذكرة وعبروا عن رفضهم للتدخل التركى السافر فى الشئون الداخلية، داعين الشعب الليبى إلى وحدة الصف، عبر لقاء ليبى وطنى، دون أى تدخل خارجى.
ووصفت قبائل ترهونة ما قام به السراج بالعمالة والخيانة، وقالت إنها حذرت مرارا وتكرارا من خطورة ما تمارسه حكومة العمالة والخيانة فى طرابلس من عقدها للعديد من الصفقات المشبوهة التى تهدف إلى إطالة أمد الأزمة فى ليبيا، مشيرة إلى أن حقيقة مشروع الإخوان المسلمين وبيادقهم فى حكومة الوفاق فى ارتكابهم لأبشع صور الخيانة والعمالة فى تاريخ البشرية قد اتضحت وسجلت أكبر سقوط أخلاقى تشهده الحالة الليبية منذ سنة 2011 م.
 
والتقى عارف النايض، رئيس مجمع ليبيا للدراسات المتقدمة، بوفد من الخارجية اليونانية، برئاسة السفير ديونسيس زويس، وقدم لهم ملفا متكاملا عن مواقف وبيانات المجمع، والبرلمان الليبى الشرعى المنتخب، والحكومة المؤقتة الشرعية من التفاهمات الباطلة بين المجلس الرئاسى وحكومته غير الحاصلة على ثقة البرلمان الليبى وتركيا، كما بعث النايض برسالة إلى المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، غسان سلامة، طالبا النظر مجددا، وبشكل جاد وعاجل، فى سحب الاعتراف الأممى بالمجلس الرئاسى وحكومته، قبل أن يورط ليبيا والليبيين فى مزيد من الاتفاقيات والتفاهمات الباطلة مع تركيا وغيرها.
 
ما قامت به تركيا، يراه خبراء أتراك، أنه محاولة لتحويل منطقة البحر المتوسط إلى ساحة تجارية تركية، وقال جواد كوك، محلل سياسى تركى، إن «تركيا قامت بتوقيع هذه الاتفاقية مع حكومة الوفاق الليبية، من أجل أن تجعل المتوسط ساحة تجارية تركية، وهذا من شأنه أن يغير موازين القوى الخاصة بالنزاع على الغاز فى شرق المتوسط«، مشيرا إلى أن «تركيا لديها مشاكل كبيرة فى مسألة التنقيب عن الغاز فى شرق البحر المتوسط، حيث تعتبر أن هذه الثروة تمر من أمامها دون أن يكون لها قدرة للانتفاع منها، وكلنا نعلم أن تركيا لديها العديد من الأزمات مع بعض البلدان فى المنطقة، مثل مصر وقبرص واليونان وسوريا، ولم يتبق لها سوى سوريا، حيث يمكن من خلالها رسم حدود بحرية تكون لصالح أنقرة.
 
لكن المشكلة الحقيقية أن هذه الحدود البحرية لا تصل إلى طرابلس، ولا سرت، ولا دول الحدود الغربية، هى فقط موجودة فى المنطقة الشرقية عند بنغازى وطبرق، وهذه المناطق لا تتحكم فيها القوات التابعة لفائز السراج بشكل كلى، بل تتحكم فى بعض الأحياء منها، بينما تتحكم قوات الجيش الليبى بقيادة المشير خليفة حفتر فى باقى المدن، وبالتالى هذا الاتفاق التى تريد تركيا فرضه على بلدان المنطقة لم يكن له أى سند فى المستقبل القريب، لكن أنقرة أرادت أن تحفظ بعض من مصالحها بانتظار أن يكون هناك اتفاق سياسى حول ليبيا.
 
 وأكد جواد كوك، أن أنقرة تريد الحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه من مصالحها، «لذا وعدت السراج بعد أن يتم ترسيم الحدود البحرية أنها ستوقع معه اتفاق دفاع مشترك، لكن كل الاتفاقيات التى تبرمها تركيا مع ليبيا تكون فى الوقت الضائع.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق