تعدد مسببات الانتحار.. والنتائج صادمة.. المرض النفسي لا يفرق بين متدين وآخر

الجمعة، 13 ديسمبر 2019 11:00 م
تعدد مسببات الانتحار.. والنتائج صادمة.. المرض النفسي لا يفرق بين متدين وآخر
انتحار - تعبيرية
محمد الشرقاوي

 

  • الكويت ولبنان والأردن الأعلى عربيا في معدلات الانتحار
  • مصر لم تشهد حالة انتحار سياسي واحدة منذ 2011
  • التركيز الإعلامي على الانتحار زاد من المعدلات والسوشيال ميديا السبب الأول
  • عناصر داعش الأعلى انتحارا لأسباب دينية.. والإخوان في القائمة
  • تركيا أعلى دور الشرق الأوسط انتحارا لأسباب اقتصادية وسياسية
  • جمال فرويز لصوت الأمة: يجب توخي الحذر في حملات الدعم النفسي

40 ثانية يوميا كفيلة لإنهاء حياة آلاف البشر، فمجرد فكرة في الانتحار تتحول لواقعة جعلت من 800 ألف شخص في عداد الموتى في كل عام، وفق منظمة الصحة العالمية، في الشهور الثلاثة الماضية.

المنظمة نشرت أرقاما صادمة أكدت فرضية أن الانتحار بات على مقربة من تصدر قائمة مسببات الوفاة، خاصة في فئة الشباب، فغالبا ما يكون أعلى من عشرة إلى عشرين مرة، فعلى الصعيد العالمي، فإن هناك 1.4 ٪ من الوفيات نتيجة الانتحار في عام 2017.

ومن بين كل 100 ألف شخص يموت 10 بسبب الانتحار- 2017- في حين تتراوح معدلات الانتحار بين أكثر من 20 لكل 100 ألف في جميع أنحاء أوروبا الشرقية وكوريا الجنوبية وزيمبابوي وغويانا وسورينام.

بينما تصل معدلات الانتحار إلى أقل من 5 لكل 100 ألف شخص في شمال إفريقيا والشرق الأوسط وإندونيسيا وبيرو وبعض دول البحر المتوسط، لنصل في النهاية إلى متوسط 16 فرد من بين كل مائة ألف، وفق الصحة العالمية. و من المتوقع بحلول عام 2020 أن يرتفع معدل الوفيات بسبب الانتحار إلى واحد كل 20 ثانية.

ورغم تلك النسب العالية فإن بين فئات مختلفة لا يجمع بينها شيء، سواء ملل وأفكار ومعتقدات، كل فئة ينتحر فيها أشخاص لها أسبابها، ترتبط جميعها باضطرابات الصحة العقلية (وخاصة الاكتئاب وتعاطي المخدرات) بأكثر من 90 ٪ من جميع حالات الانتحار.

بالإضافة إلى العديد من العوامل الاجتماعية والثقافية المعقدة، وغالبًا ما يحدث خلال فترات الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والأسرية والفردية (مثل فقدان أحد أفراد أسرته أو البطالة أو صعوبات تطوير هوية الشخص أو الانفصال عن مجتمعه أو غيره من العوامل الاجتماعية).

وبرغم النسب العالية إلا أن دول الشرق الأوسط ​​ووسط آسيا بها أدنى معدلات الانتحار، وأرجعها علماء نفس دوليون في تلك المنطقة بفعل أوضاع كثيرة ولم يك لها طابعا سياسيا إلا في دول بعينها تشهد نزاعات وأضاع سياسية واقتصادية غير مستقرة، على رأسها دول شهدت ثورات وفوضى عرفت إعلاميا بالربيع العربي، وعلى رأسها سوريا وتونس ولبنان.

في حين لم تشهد دول كمصر، حالة انتحار واحدة، بمسبب سياسي واقتصادي واحد، غير أن حالات الانتحار تتراوح مسبباتها بين مرض نفسي وضغوط اجتماعية وخلافات داخل الأسر، يقول خبراء إن الأمر ليس بجديد على الوطن العربي، لكن الرأي العام بات يراه كثيرا لنشره على مواقع التواصل الاجتماعي.

ثورات الربيع العربي كان لها تأثير كبير فانفتاح الأشخاص على العالم الافتراضي، وبالتالي زادت معدلات الجريمة وغيرها في دول الشرق الأوسط تحديدا، فسرها المفكر سمير مرقص في تصريحات له، تقول: إن تلك الدول عاشت لحظة انتقال حرجة، فيما يعرف في الفلسفة بالانتقال من نموذج متعارف عليه ومفهوم PARADIGM إلى مفهوم أو نموذج آخر جديد وغامض بالنسبة للبعض، وهذا التغير الشديد في نماذج الحياة لا يستطيع بعض البشر التعايش معه ومع ما ينتجه من منظومة قيمية وفكرية وثقافية جديدة، ولحظة الانتحار تكون هي ذروة رفض الشخص لهذا التغير أو الانتقال.

وفي ظل وجود تيار يقول إن تعزيز الوازع الديني داخل الشباب سيكون له أثر في الحد من مسببات الانتحار، إلا أن مرقص كان له رأي آخر، مضيفًا: أن البعض الآخر قد يواجه هذا التغير بالاستغراق فيما يغيبه عن العالم سواء بالتشدد الديني أو باستخدام ما يفقده توازنه أو عقله سواء بالإدمان أو التعاطي، ويعد الانتحار ذورة عدم القدرة على التعايش أو إدارك وفهم لحظة الانتقال الكبرى التي يعيشها العالم.

في السنوات الـ 45 الماضية زادت معدلات الانتحار بنسبة 60 ٪ في جميع أنحاء العالم، وفق الصحة العالمية، حتى دفعت بالانتحار إلى رأس قائمة مسببات الوفاة بين من تتراوح أعمارهم بين 15 و 44 عامًا (ذكوراً وإناثًا)، في جميع البلدان.

ففي أوروبا، ولا سيما أوروبا الشرقية، يتم الإبلاغ عن أعلى معدلات الانتحار لكل من الرجال والنساء، في حين ما يقرب من 30 ٪ من جميع حالات الانتحار حول العالم تحدث في الهند والصين، وهي مناطق تشهد استقرار سياسي واجتماعي، يقول الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي في الأكاديمية الطبية بالقاهرة، إن التركيز الإعلامي على حوادث الانتحار هو ما قد جعل الناس يلتفتون إلى الأمر خاصة وأن المنتحرين من الشباب صغير السن، في وقت يبحثون فيه عن الشهرة وبعضهم يعاني من إهمال عاطفي أو إحباطات على مستويات حياتية معينة، مؤكداً على أن الأمر لم يصل بعد إلى حد الظاهرة، وحتى تصبح كذلك يجب أن تصل نسبة الانتحار إلى 25% من الشباب في العالم العربي، وهذا لم يحدث بعد.

يضيف فرويز في تصريحات لصوت الأمة، أنه لا توجد علاقة بين المرض النفسي والتدين، فهناك هناك فارق بين الرضا النفسي والمرض النفسي، والأخير هو تغيرات كيمياوية تدفع بالمريض إلى ذلك، علاوة على مسببات انتحار عضوية وأمراض غير مرجو شفاؤها.

وعن ما يروج إعلاميا عن أن مصر هي أعلى الدول العربية في معدلات الانتحار، قال فرويز إن ذلك غير صحيح، فمصر في المرتبة الرابعة عربيا، بعد الكويت ولبنان والأردن و79  عالميا،بالنظر إلى التعداد السكاني العالي.

ويرى استشاري الطب النفسي، أن ما يتداول عن حملات للدعم النفسي له إيجابيات في بعض الوقت، لكن على الجميع أن يدعم اتجاه الذهاب لخبراء الطب النفسي على الفور لتلقي العلاج ودفعه إلى ذلك وتشجيعه ومساعدته، لكن يجب الحذر مما يقال في هذا السياق ممن يشجعون المريض على التحدث إليهم فقط، وكأن هذا نوع من العلاج، في حين أن المريض عندما يصل لحافة الانتحار فلا مجال معه لا للكلام ولا حتى للذهاب لعيادة الطب النفسي، وإنما يدخل إلى مستشفى طب نفسي فوراً تكون مجهزة لمن هم على شفا الإقدام على الانتحار ليقدم لهم العلاج وفق البروتوكول الدولي المتعارف عليه والمقر دولياً.

الانتحار في بعض الجماعات الدينية قد يكون فرض كفاية لتحقيق أهداف بعينها، وهو ما كان يعتمد تنظيم داعش الإرهابي في تحقيق أهدافن خاصة في دول سوريا والعراق وبعض الدول الأوربية، درجة  أنه كان يطلق لها حملات كاملة، بعدد كبير من العمليات، وفق خبراء الإسلام السياسي .

ونفذ تنظيم داعش الإرهابي 1095 عملية، في الفترة من 1 ديسمبر 2015 حتى 1 تشرين نوفمبر 2016. وكان العراق وسورية مسرحاً مشتركاً لأكثر من 86 % ، وفق المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، ومقره هولندا، الذى أجرى دراسة مفصلة عن هذه العمليات، ليكتشف أن الانتحاريين الأجانب القادمين من طاجكستان، الدولة الجبلية في آسيا الوسطى، وليس المقاتلون العرب (من خارج العراق وسورية)، هم أكثر من نفذ عمليات انتحارية ضمن المقاتلين الأجانب في صفوف داعش.

وبلغ عدد انتحاريي داعش الأجانب خلال 12 شهرا التي شملتها الدراسة 186 انتحاريا. وفي الوقت الذي لم يتمكن الباحثون من تحديد جنسية 15 منهم، فإن الباقي يتوزعون على 31 دولة. يحتل العرب أكثر من نصف عدد الانتحاريين الأجانب (51.4 %). فمباشرة بعد طاجكستان صاحبة الصدارة (27 انتحاريا)، تأتي السعودية والمغرب في المرتبة الثانية بـ17 انتحاريا لكل منهما، ثم تونس ثالثة (14 انتحاريا). وبعد روسيا صاحبة المركز الخامس (13 انتحاريا)، تأتي مجددا دولتان عربيتان هما مصر سادسة (11) وفلسطين سابعة (9). وعموما، فإن الدول العربية تحتل ستة مراكز من بين العشرة الأولى.

وشهدت الأراضي العراقية والسورية الغالبية العظمى من العمليات الانتحارية 91.8 % فيما توزع الباقي على دول أخرى: ليبيا، اليمن، مصر، نيجيريا...إلخ. ورغم أهمية الانتحاريين الأجانب لدى داعش، إلا أنهم في الواقع لا يمثلون سوى 20 % ، حيث إن أكثر من 74 % من انتحاريي داعش محليون، في حين لم يتم تحديد جنسيات 6 %.

إذا بات الدين خارجا موانع الانتحار، فهناك من يستغله لتنفيذ أهداف بعينها، وفق خبراء نفسيون، وعلى الرغم من استغلال قنوات جماعة الإخوان الإرهابية لظاهرة الانتحار في مواجهة النظام السياسي في مصر، إلا أنها لم تلتفت للانتحار بين شباب الجماعة.

مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية، قال في تقرير له أكتوبر الماضي، إن وحدة الرصد والمتابعة كشفت إقدام عدد كبير من شباب الإخوان الهاربين في تركيا على الانتحار بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة، التي يعيشونها نتيجةَ عدم وجود موارد مالية وعدت قيادات الإخوان بتوفيرها لهم من خلال صناديق الدعم التي تقوم قيادات الجماعة الإرهابية بتوفيرها من التبرعات التي تجمعها من المراكز والجمعيات الخيرية التابعة لها في دول مختلفة تحت أسماء وهمية.

وأوضح المرصد في تقرير أصدره أن ارتفاع معدل الانتحار بين شباب الجماعة الإرهابية لا يرجع إلى أسباب اقتصادية في المقام الأول، بل هناك أسباب نفسية نتيجة حالة اليأس التي وصل إليها الشباب جراء الصدمة التي اكتشفوها في قيادات الجماعة الإرهابية التي استخدمتهم كدروع بشرية يحتمون بها لتحصيل مكاسب سياسية، وعندما فشلوا في ذلك تاجروا بالشباب لتحصيل منافع مالية قام قادة الجماعة الإرهابية بوضعها في حسابات بنكية خاصة بهم، ولم ينفقوا من هذه الأموال على رعاية الشباب الذين خدعوهم بمعاداة وطنهم والإقامة في تركيا، حيث تأكد شباب الجماعة الإرهابية من ممارسة قياداتهم الكذب عليهم بأنهم سيجدون مناخا جيدًا في تركيا يمكنهم فيه بدء حياة جيدة، ولكن الشباب اصطدموا بعنصرية تركية من القيادة والشعب تمارس منهج قادة الجماعة الإرهابية في المتاجرة بقضيتهم لتحقيق مكاسب سياسية على المستوى القاري أو الشرق أوسطي، وقد أسهمت تلك الأسباب مجتمعة في دخول شباب الجماعة الإرهابية حالة يأس متأزم أسهمت في فقدانهم الرغبة في الحياة بعدما تبينوا ضياع زهرة شبابهم وراء سراب وخداع تسبب في معاداتهم لوطنهم.

وأشار المرصد إلى أن هناك حالة من الشعور بالاغتراب للشباب المنضم إلى جماعة الإخوان الإرهابية بتركيا بعد انكشاف الحقائق عن زيف ادعاءات الجماعة؛ الأمر الذي يدفعهم نحو الانتحار عندما لا يجدون قوت يومهم، بينما تنفق قيادات الجماعة الإرهابية عشرات الآلاف من الدولارات لإحياء ذكرى تأسيس الجماعة وغيرها من المناسبات التاريخية في أذهان تلك القيادات، متجاهلين العناية بشأن الشباب الذين أقدموا على التضحية بأنفسهم ومستقبلهم إيمانًا بذلك الوهم الذي خدعهم به قيادات الجماعة الإرهابية.

ولم تلتفت تلك المواقع أيضا، لما يحدث في تركيا، من حالات انتحار جعلتها في مصاف قوائم الانتحار الدولية، بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية هناك، وارتفاع معدلات القمع السياسي وتحديدا في الفترة التي تلت الانقلاب الفاشل في يوليو 2016، وهناك مجموعة من الأرقام تقول: إن هناك    50  ألفا و378 شخصا انتحروا خلال 16 عاما، بمعدل  ألفان و963 مواطنا تركيا ينتحرون فى العام الواحد، وبمعدل  246 مواطنا تركيا ينتحرون فى الشهر الواحد، أي ما يقرب من 8 أشخاص ينتحرون فى اليوم الواحد.

وجاءت إيران أعلى دول العالم الإسلامي في معدلات الانتحار نتيجة للقمع السياسي والتشدد الديني، وفق خبراء، ففي سبتمبر الماضي أعلنت وزارة الصحة الإيرانية، عن تسجيل نحو 100 ألف محاولة للانتحار- على الأقل- داخل البلاد، التي تضم 31 محافظة، خلال الفترة من مارس  2018 إلى مارس 2019.

وجاءت أعلى معدل لحالات الانتحار حدث في نطاق 18 إقليما إيرانيا أبرزها العاصمة طهران وفارس وكردستان وإيلام، في الفئة العمرية بين سن 15 و34 عاما هي الأعلى ضمن محاولات الانتحار في إيران بنسبة 75%، فيما كان 50% منهم متزوجين.

وأظهر التقرير الحكومي الإيراني أن نحو 53% من الساعين للانتحار حاصلون على تعليم أدنى من المرحلة الجامعية، و73% منهم يسكنون مناطق حضرية أو على أطراف المدن الكبرى.

في النهاية تتختلف مسببات الانتحار من فئة إلى أخرى، لكن المرض النفسي والاضطرابات على رأسها، وجميعها بفعل دوافع اجتماعية واقتصادية يعانى منها أغلب الأشخاص.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق