سقوط الديكتاتور التركي.. الخيانة العظمى تلاحق «السراج»

السبت، 11 يناير 2020 08:13 م
سقوط الديكتاتور التركي.. الخيانة العظمى تلاحق «السراج»
فائز السراج
محمود على

- ترك ميليشياته تخرب فى طرابلس.. والجيش الوطنى الليبى يلقنه درس الثلاث ساعات فى سرت

- البرلمان الليبى رفع عن السراج غطاء الشرعية وقرر تقديمه للمحاكمة بتهمة الخيانة بعد توقيعه اتفاقية مع أردوغان

تضاءلت الخيارات أمام نظام الرئيس التركى رجب طيب أردوغان فى الأيام القليلة الماضية لنجدة حكومة فائز السراج، غير المعترف بها من قبل مجلس النواب الليبى، من تبعات الهجوم العسكرى الكاسح للجيش الوطنى الليبى، الذى حقق فى الآونة الأخيرة انتصارات ساحقة كان عنوانها العريض «تحرير سرت بأكملها من قبضة الميليشيات الإرهابية».
 
وحقق الجيش الليبى منذ بداية المرحلة الثالثة من عملياته فى طرابلس تقدما ملموسا، وهو ما وضع النظام التركى الذى وقع مذكرتين تفاهم، واحدة أمنية وأخرى لترسيم الحدود مع فائز السراج فى وضع محرج، فعلى الرغم من الدعم العسكرى الذى يصل إلى طرابلس من تركيا منذ أبريل الماضى فشلت كل هذه التحركات فى وقف تقدم الجيش الليبى.
 
كان الدعم التركى يمر فى مسارين رئيسيين، الأول هو المسار البحرى، الذى تمثل فى استغلال السفن التجارية التى تنطلق من موانئ جنوب وغرب تركيا فى اتجاه موانئ الخمس ومصراتة وطرابلس، من أجل نقل العتاد العسكرى التركى من طائرات مسيرة ومدرعات وذخائر؛ لكن هذا المسار بات يعانى من مخاطر متزايدة، فاليونان من جهتها تقوم بتفتيش أية سفينة مشتبه بها تمر عبر منطقتها الاقتصادية فى اتجاه الموانئ الليبية، كما قامت البحرية العربية الليبية مؤخرا بتفعيل حق التفتيش والزيارة لفحص أية سفينة تجارية تمر قبالة السواحل الليبية.
 
كل هذه التطورات سارعت من خطوة أردوغان بإرسال قوات إلى ليبيا، مقسمة على مرحلتين، الأولى مكونة من المرتزقة السوريين الموالين لتركيا، والذين وصل عددهم فى العاصمة طرابلس- بحسب المرصد السورى لحقوق الإنسان- إلى ألف مسلح، فيما شملت المرحلة الثانية إرسال مستشارين وضباط استخبارات لإدارة المجموعات والميليشيات القائمة فى طرابلس لصد زحف الجيش الوطنى الليبى.
 
فشل حكومة السراج وسحب الاعتراف به
 
من ناحية أخرى، فإن رئيس المجلس الرئاسى- غير المعترف به من قبل البرلمان فائز السراج- بات فى عزلة دولية مع تحركات مجلس النواب الليبى المعترف به دوليا من أجل سحب الاعتراف الدولى منه، لاسيما بعدما وافق رئيس حكومة طرابلس- دون خجل- على تفعيل مذكرات التفاهم مع تركيا وهو ما أعطى للرئيس التركى رجب طيب أردوغان حجة أن ينفذ تهديده بإرسال قوات عسكرية تركية إلى ليبيا للدخول فى حرب «لا ناقة له فيها ولا جمل» لوقف زحف الجيش الليبى الذى بدأ عملية «طوفان الكرامة» منذ أبريل 2019لتحرير العاصمة من الميليشيات التى تتخذ طرابلس مقرا لها وباتت حكومة الوفاق تأتمر بأمرها.
 
وبات رفض استمرار السراج على رأس حكومة الوفاق، طلبا ليبيا عاجلا خالصا، وهو الأمر الذى دفع البرلمان الليبى والجهات الحكومية التابعة له إلى عقد اجتماعات وخوض جولات من أجل سحب الاعتراف الدولى منه، بالاستناد إلى الكثير من المواد القانونية باتفاق الصخيرات التى تؤكد عدم شرعية حكومة طرابلس، فضلا عن ذلك وصف البرلمان توقيع السراج لهذه الاتفاقيات مع تركيا بالخيانة العظمى، لاسيما أن النظام التركى- وفقا لكثير من الليبيين- معتد على الشعب وداعم للتنظيمات والمليشيات وتحالف معه السراج بهدف تهديد الأمن القومى الليبى والعربى وأمن البحر الأبيض المتوسط بشكل عام.
 
ورفع البرلمان الليبى فى الفترة الأخيرة الغطاء الشرعى عن المجلس الرئاسى الليبى، وحكومة الوفاق المنبثقة عنها، مطالبا الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، فى خطابين بسحب اعتماد حكومة الوفاق، واعتماد الجسم الشرعى الوحيد وهو مجلس النواب وما ينبثق عنها، وعدم الاعتراف بمذكرة التفاهم المذكورة واعتبارها كأن لم تكن، كل ذلك ترجم أيضا فى جلسة تاريخية عقدها مجلس النواب الليبى السبت الماضى بمدينة بنغازى أصدر خلالها قراره بإلغاء الاتفاق السياسى غير الدستورى ومطالبة المنظمات والهيئات الدولية والمجتمع الدولى بسحب الاعتراف الدولى بحكومة الوفاق الوطنى، فضلا عن إلغاء اتفاقية التعاون الأمنى والعسكرى وترسيم الحدود البحرية الموقعة بين حكومة الوفاق غير الشرعية والنظام التركى واعتبارها كأن لم تكن، وإحالة رئيس المجلس الرئاسى ووزير خارجية ووزير داخليته وكل من ساهم فى جلب الاستعمار التركى كما يقال عنه إلى ليبيا للقضاء بتهمة الخيانة العظمى.
 
وبهذا القرار التاريخى يكون مجلس النواب الليبى رفع الغطاء الشرعى عن المجلس الرئاسى ورئيسه فائز السراج بعد توقيعه مذكرات التفاهم مع أنقرة، الأمر الذى رآه قانونيون مخالفة صريحة لاتفاق الصخيرات وبمضامين الإعلان الدستورى الليبى التى تمنعها من توقيع أى اتفاقية مع دولة أجنبية دون موافقة البرلمان المنتخب.
 
وشهدت الأيام الأخيرة تطورات متسارعة على الصعيد الليبى، فبعد ساعات قليلة من إعلان الرئيس التركى رجب طيب أردوغان أن قوات تركية بدأت بالتوجه تدريجيا إلى ليبيا، انتشرت معلومات تداولتها صحف ووكالات عالمية عن وصول مقاتلين من جنسيات مختلفة إلى طرابلس قادمين من سوريا، فضلا عن وصول عناصر من الاستخبارات التركية طرابلس تمهيدا لدخول القوات التركية بعدها، حيث دخلت عناصر استطلاع استخباراتية من الجيش التركى إلى العاصمة الليبية للإعداد والتجهيز لاستقبال القوات التركية القادمة.
 
واستكمالا لما أبدته حكومة طرابلس غير المعترف بها من نوايا تصعيدية أمام الجيش الوطنى الليبى، طلبت الوفاق برئاسة السراج أجهزة رؤية ليلية وأجهزة كشف الألغام والمفرقعات وأسلحة تركية خفيفة ومتوسطة، كما أبرمت اتفاقية سرية مع أنقرة للتكفل ماديا بضحايا تركيا، تضمن دفع الوفاق تعويضات لمصابين أو قتلى من الجانب التركى.
 
وفى وقت يتاجر فيه السراج بدماء الليبيين مستدعيا قوات أجنبية فى بلاده من أجل عدم سقوط ميلشياته بعد تقدم الجيش الوطنى الليبى، أبدى عدد كبير من رواد مواقع التواصل الاجتماعى غضبهم وتنديدهم من قضاء رئيس المجلس الرئاسى عطلته فى لندن فى منطقة نايتس بريدج برفاهية، تاركا المجال للقوات التركية والعناصر المتطرفة السورية للعبث بأمن الليبين والدخول فى حرب ضد الجيش الليبى،  فيما جاءت صورة متداولة للسراج لتؤكد ما نشره المركز الإعلامى لغرفة عمليات الكرامة التابعة للجيش، بأن طائرة أقلعت الجمعة الماضية من مطار معيتيقة بطرابلس متجهة للعاصمة البريطانية لندن وعلى متنها رئيس حكومة الوفاق فائز السراج.
 
وقال المركز فى بيان له، إن الطائرة تابعة للخطوط الليبية رقم LAA001 غادرت مطار معيتيقة، تحمل على متنها عددا من قادة المليشيات، ما دفع النشطاء ومستخدمى مواقع التواصل الاجتماعى إلى انتقاد هذا الأمر، مؤكدين أنه استخفاف بأهالى العاصمة قائلين: «إن الشباب يقتلون كل يوم فى الجبهات وانقطاع الكهرباء تجاوز أكثر من 20 ساعة، ونقص البنزين والازدحام على محطات الوقود ونقص السيولة وصعوبة الحياة فى العاصمة، والسراج يتسوق من أشهر متاجر لندن».
 
وبخلاف ما أثاره السراج من جدل حول قضائه عطلة نهاية العام فى بلد آخر فى وقت يحارب فيه ميليشياته فى العاصمة من أجل نشر الفوضى فى ليبيا، فإن رئيس ما يعرف بالمجلس الرئاسى وضع دولة عمر المختار فى موقف لا تحسد عليه بضعف العاصمة والاتكال على القوات والميليشيات المتطرفة ليعزز بذلك الأطماع الخارجية فى هذا البلد، فرغم أن هناك جهود تقدمها دول عربية فى مقدمتها مصر والسعودية والإمارات من أجل وحدة ليبيا وإعادة الاستقرار لها وعدم المساس بسيادتها، لم يتجاوب السراج مع كل هذه الجهود فى سبيل  الحفاظ على سلطته فى العاصمة، ما دفع القوى الخارجية الغربية النظر إلى مصالحها فى هذا البلد بعد أن أصبحت ملاذا لأطماع الخليفة العثماني، ففى حروب الاستعمار الاقتصادى  تسعى القوى الدولية الى ضمان مصالحها فى كل دولة تشهد صراعات داخلية للحفاظ على نصيبها من ثروات هذا البلد قدر المستطاع.

تدخل أوروبى فى ليبيا بحجة الحفاظ على مصالحها
 
تنظر إيطاليا إلى ليبيا على أنها منطقة نفوذ كونها كانت أهم المستعمرات الإيطالية فى أفريقيا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، وتعمل عدة شركات إيطالية فى قطاع النفط الليبى وتستحوذ على حصة كبرى منه وأبرزها شركتا «إينى» و«بوتشيلى»، وظلت شركة «إينى» الإيطالية مستثمرا أساسيا فى الغاز والنفط الليبى على مدار سنوات، بما فيها فترة العقوبات التى فرضت على ليبيا عام 1992، وتسيطر «إينى» حاليا على أغلب الحقول النفطية فى «برقة» و «فزان»، وترغب روما فى تأمين مصالحها النفطية بليبيا بشكل واسع، إذ أنها تستورد 12 % من احتياجاتها من الغاز، و25 % من احتياجاتها النفطية من ليبيا وهى ما تمثل 32 % من الإنتاج النفطى الليبى.
 
فى الوقت نفسه ترغب فرنسا فى تأمين مصالحها الاقتصادية فى ليبيا والسيطرة على حقول النفط الليبية عبر شركتها «توتال»، بالإضافة لسعيها إلى استحواذ بعض شركاتها مثل المجموعة الهندسية «اليستوم» وشركة الأسمنت «لافارج» على عقود إعادة الإعمار الليبية وإعادة تأهيل المنشآت التى تم تدميرها خلال الصراع الليبى.
 
الجدير بالذكر أن اتحاد الشركات الفرنسية قد أفاد فى 2011 بأن تكلفة إعادة إعمار ليبيا قد تتجاوز 200 مليار دولار، وهذا الرقم من المؤكد زيادته حاليا نظرا لتدهور الأوضاع فى الوقت الراهن مقارنة بالعام 2011. بالنسبة لبريطانيا، تمتلك شركة «بريتيش بتروليوم» حصة كبيرة 42 %- من النفط الليبى، ولديها امتيازات للتنقيب فى مناطق الغرب كغدامس وسرت، ووقعت خلال الفترة الأخيرة عدة اتفاقيات مع شركة إينى الإيطالية ومؤسسة النفط الليبية لإعادة توزيع الحصص فيما بينها، وأبدت أيضا رغبتها فى توسيع عملياتها فى ليبيا خلال الفترة المقبلة، ولدى الحكومة البريطانية أموال ليبية مجمدة منذ 2011 تُقدر بـ 9.2 مليار جنيه إسترلينى، وترغب بريطانيا فى استقطاع قطاعات منها تحت مسميات عدة كتعويضات عن دعم نظام القذافى لمتطرفين وضرائب، ويتهمها البرلمان الليبى والجيش الوطنى بدعم المجموعات المتطرفة والمسلحة وتقويض الأمن والاستقرار فى ليبيا.
 
واستمرار للبحث عن موطئ قدم للدول الكبرى فى ليبيا، فإن أمريكا هى الأخرى معنية بما يدور من أحداث فى هذا البلد الأفريقى، حيث يمثل النفط الليبى عامل محرك للسياسات الأمريكية تجاه الأوضاع فى ليبيا؛ وتسيطر شركات أكسون موبيل وأوكسيدنتال بتروليوم الأمريكيتان على حصة نفطية ذات أهمية كبرى، وتأثرت مصالح تلك الشركات بالأوضاع الأمنية المتدهورة فى ليبيا منذ 2011، ولذا ترغب واشنطن فى فرض الأمن والاستقرار فى ليبيا لتعاود تلك الشركات العمل بكامل طاقتها.  
 
من الناحية الروسية فإن موسكو تعتبر من الدول الهامة التى لها مصالح فى ليبيا، فهى التى قامت بطباعة الدينار الليبى ليوزعه البنك المركزى، فيما وقعت شركة النفط الروسية العملاقة (روس نفط) عقدا لشراء النفط من الشركة الوطنية الليبية للنفط عام 2016، كما أن الشركات الروسية مهتمة ببناء سكة حديد تربط ما بين بنغازى ومدينة سرت بمناقصة تقدر قيمتها بـ 2.5 مليون دولار، بشكل سيعزز من اقتصاد روسيا وتأثيرها فى منطقة البحر المتوسط.
 
مصر والحفاظ على أمن ليبيا القومى
 
التحركات المصرية تجاه الأزمة الليبية تستهدف حفظ أمنها القومى عبر صون البناء الوطنى الليبى الموحد، ومواجهة خطر إعادة توطين التنظيمات الإرهابية فى ليبيا عبر دعم جهود الجيش الوطنى فى محاربة الإرهاب والقضاء على الوجود المتطرف بها، كذلك استعادة الاستقرار بالبلاد والعودة للمسار السياسى لحل الأزمة من خلال رفض التحركات العسكرية واعتمادها كوسيلة لحسم الصراع، ودعم جهود البعثة الأممية لإدارة حوار ليبى يمهد إلى خارطة طريق تحفظ سلامة الدولة، ودعم جهود توحيد المؤسسات الوطنية الليبية كالبرلمان- كونه الممثل الشرعى عن الليبيين- والمؤسسات السيادية، بالإضافة إلى تثبيت دعائم الأمن لتسهيل عمليات إعادة الإعمار لإتاحة الفرصة أمام المصريين العائدين والراغبين فى الاستثمار والعمل فى ليبيا للعودة واستعادة أنشطتهم الاقتصادية بها.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق