من شيفرة دافنشي إلى عزازيل..

«الإغواء الأول للمسيح».. يفتح ملف الروايات المحرمة كنسيا

السبت، 18 يناير 2020 11:00 ص
«الإغواء الأول للمسيح».. يفتح ملف الروايات المحرمة كنسيا
السيد المسيح
عنتر عبد اللطيف


لعب صناع فيلم «الإغواء الأول للمسيح»، وهو العمل السينمائى الذى مازال يثير جدلا واسعا حتى لحظة كتابة هذه السطور على نجاح سبق وحققته رواية عالمية محرمة من قبل الكنائس، للأديب الشهير «نيكوس كازانتزاكيس»، كانت بعنوان «الإغواء الأخير للمسيح»، فى محاولة من منصة «نتفليكس» لعرض الأعمال الدرامية عبر الإنترنت لاستثمار نجاح الرواية التى ما زالت تلقى رواجا رغم وفاة مؤلفها منذ منتصف القرن الماضى.

لاقى فيلم «الإغواء الأول للمسيح»، استهجانا كبيرا فى العديد من دول العالم، ما دعا القضاء البرازيلى لأن يصدر قرارا ملزما بسحب الفيلم الذى يراه صناعه «كوميدى» عن «السيد المسيح»، وذلك بعد إقدام الآلاف بالتوقيع على عريضة للمطالبة بسحب الفيلم، والذى تم إنتاجه وعرضه بمناسبة الاحتفال بعيد الميلاد.
 
الملايين فى دول العالم المختلفة أثار غضبهم الفيلم، وفى مقدمتهم الكنيسة الكاثوليكية والسياسيين من التيار المحافظ والمسيحيين الكاثوليك والبروتستانت على حد سواء، إذ يصور الفيلم، السيد المسيح كمثلى جنسيا وفق العديد من المواقع الإخبارية، ولم يتوقف الغضب عند المطالبة بمنع عرض الفيلم فى ليلة عيد الميلاد، بل شن مجموعة من الملثمين هجوما بالمولوتوف على مقر شركة « نتفليكس» فى مدينة بورتا دوس فوندوس البرازيلية.
 
لم يكن فيلم  «الإغواء الأول للمسيح» الأخير الذى تناول حياة المسيح بصورة مسيئة، فهناك روايات سبق وتطرقت إلى حياة السيد المسيح أثارت جدلا بطرحها، وتناولها لقصة حياته «عليه السلام»، منها رواية «الإغواء الأخير للمسيح»، التى تتناول ما جاء فى العهد الجديد، وما يراه مؤلفها من صراع داخلى عند السيد المسيح، تمثل فى الطبيعة الإنسانية، وما تحمل من رغبة نحو الحياة، وبين واجبه تجاه الإنسانية، ليتجلى دور مريم المجدلية فى دفعه نحو الطبيعة البشرية ليأتى إليه وهو على الصليب ليغويه بمريم المجدلية، وبقية السيدات مثل «مرتا» إلى أن ينتصر المسيح على الشيطان.
 
اللافت أن «كازانتزاكيس»، كانت له رواية أخرى لا تقل جدلا عن روايته  «الإغواء الأخير للمسيح»، وهى ملحمته «المسيح يصلب من جديد» والتى يختتمها بعبارة «لا جدوى يا يسوع».. وهى الرواية التى وصفت بكونها رواية سيكولوجية - اجتماعية، وعمل ضخم، حيث صورت الرواية عذابات وآلام المسيح بكلمات شعرية مرهفة، وجرى تخليد الرواية من قبل النقاد لكونها صورة ملحمية لصراع الإنسان طول التاريخ من أجل حياة أسمى، وإن حملت الخاتمة نبرة تشاؤم إلا أن رسالتها مفادها بأن الصراع بين الخير والشر مستمر ودور الإنسان يتمثل فى السعى ليستطيع تحقيق هدفه بهزيمة قوى الشر.
 
مسرح الرواية إحدى القرى اليونانية، حيث يسرد «كازانتزاكيس» كيف يستعد الأهالى لإحياء مراسم عيد القيامة، من خلال عادة غريبة لديهم، وهى «محاكاة التاريخ» فكل عام يجرى اختيار مجموعة من الأشخاص ليلعبوا قصة حياة السيد المسيح منذ ولادته وصلبه، ويظهر خلالها ماذا فعلت الشخصيات الرئيسية التى كانت حول المسيح سواء مؤيدة ومؤمنة بدعوته أو رافضة له متآمرة عليه.
 
خلال عام كامل يتقمص الأشخاص الذين وقع الاختيار عليهم بأداء أدوارهم فى حياة المسيح، بما فيهم المسيح نفسه بالتوحد التام مع أدوارهم، فإذا كان الشخص شريرا لا يؤمن بدعوة المسيح، فعليه أن يكذب ويتآمر ويعيش حياة لا أخلاقية طوال هذا العام أما إذا كان يؤمن بالمسيح وحواريه فعليه فى الواقع أن يكون مثالا للإنسان الخير الذى لا يؤذى أحدا ولا يشرب حتى الخمر.
 
الإشكالية الكبرى فى الرواية هى شخصية «يهوذا»، الرجل الذى سلم المسيح لليهود مقابل حفنة أموال، ليقوم بأداء دوره شخص قبيح المنظر وفق اختيار شيوخ القرية، أما شخصية المسيح، فتكون من نصيب راعى غنم جميل المظهر يدعى «مانولى» بطل الرواية، والذى يتقمص بالفعل شخصية المسيح، ويحاكى كل أفعاله ليتفجر الصراع بينه وبين أثرياء القرية الذين سيضر بهم وبمصالحهم تعاليم المسيح بعد أن وقعت كارثة بقرية قريبة من قريتهم، لينزح أهلها إلى قرية «المسيح»، ويتجاهلهم الأثرياء بسبب فقرهم ليساعدهم «مانولى» ما شكل خطرا على مصالح أثرياء القرية، والذين يتحدون مع الخائن «يهوذا» من أجل الخلاص من «المسيح الجديد». فى رمزية سيكلوجية اجتماعية بعيدة عن البعد الدينى، وإن استلهمت رموزه طوال سرد المؤلف لروايته.
 
أما رواية «شيفرة دافنشى» للكاتب «دان براون»، فقد طرحت أفكارا صادمة يرفضها الملايين من المسيحيين والمسلمين حول العالم، ومنها أن مريم المجدلية، تزوجت المسيح عليه السلام، وأنجبت له أولادا، ووصفت الأب قسطنطين بكونه المسئول عن قضية تأليه يسوع، وكان ذلك فى العام 325م فى مجلس نيقية، وتزعم الرواية أن الأناجيل التوراتية تقدم صورة مغلوطة عن المسيح كونها من تأليف الإنسان فيما الأناجيل الغنوصية السرية هى الصحيحة، وهو ما استنكرته الكنائس وقت صدور هذه الرواية التى بيعت الملايين من النسخ منها حول العالم.
 
عرض «براون» أفكاره من خلال وقوع جريمة قتل فى متحف اللوفر بحق شخص كان قد أعطى معلومات خاطئة بشأن وجود شىء ذى قيمة كبيرة ليتم تكليف بروفيسور فى علم الرموز الدينية من جامعة هارفرد بحل لغز الجريمة، وخلال سرد أحداثها يطرح المؤلف تساؤلات متعلقة باستكشاف أسرار تاريخية للدين المسيحى، ما دعا «الفاتيكان» لأن يعترض على الرواية، ومنعت بعض الدول طباعتها إلا أنها تحولت إلى عمل سينمائى عام 2006، من إخراج الفيلم رون هاوارد وبطولته توم هانكس.
 
وفى عام  1513، نشر نيكولو مكيافيلى روايته «الأمير» والتى انتقدت المسيحية والكنيسة وفق المؤلف، فقد تسببت لعدة قرون فى عدم قيام الوحدة الوطنية الإيطالية ليجرى حظرها من قبل الكنيسة الكاثوليكية.
 
أما رواية «الإنجيل برواية يسوع المسيح»، فقد صدرت عام 1991، للأديب البرتغالى جوزيه  ساراماجو، وهى محاولة لتتبع حياة المسيح، من خلال قراءته للأناجيل الأخرى، حيث يقول المؤلف: «إن أنجيلى يحاول ملء المساحات الخيالية بين الحوادث المختلفة التى حدثت فى حياة المسيح كما رويت فى الأناجيل الأخرى مع بعض التأويلات الشخصية من قبلى».
 
وعلى نفس نهج «نيكوس كازانتزاكيس» يسير «ساراماجو»، فالمسيح بسيط لا يستطيع مقاومة تسلط الغرائز البشرية عليه، حيث كان يعيش مع مريم المجدلية، وهى الأفكار التى أدت إلى غضب أعضاء الطائفة الكاثوليكية البرتغالية على المؤلف، لتتم إزالة اسمه من قوائم المرشحين لجوائز الأدب الأوروبى عام 1992.
 
وفى عام 2008، صدر للكاتب الدكتور يوسف زيدان، رواية «عزازيل»، التى تستعرض الصراع المذهبى الداخلى بين آباء الكنيسة من ناحية، والمؤمنين الجدد والوثنية المتراجعة من جهة ثانية، وتدور أحداث الرواية فى القرن الخامس الميلادى ما بين صعيد مصر والإسكندرية وشمال سوريا، عقب تبنى الإمبراطورية الرومانية للمسيحية، وهى الرواية التى انتقدتها الكنيسة الأرثوذكسية، فوفق كتابات كنسية فإن «الكاتب بنى روايته على أساس أحداث واقعية وتواريخ معروفة، وقد وضع لروايته أهدافا تنتصر لمن اسمتهم الكنيسة بالهراطقة، من أمثال آريوس وبولس السموساطى ونسطور، والذين ذكرهم بالاسم ومدح كتاباتهم، لانحرافهم عن مفهوم الكتاب المقدس، والتسليم الرسولى الذى تسلمته الكنيسة من تلاميذ المسيح ورسله، واعتمادهم بالدرجة الأولى على الفلسفة اليونانية، وعلى أفكارهم الخاصة وتوجيه هجوم شديد ولاذع للكنيسة القبطية ورمزها القديس مرقس الرسول وصورة الأسد المرسومة إلى جواره وحول الرمز إلى عكس معناه، إما بجهل شديد أو عمد».

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق