يوسف أيوب يكتب: الحكمة الصينية والتاريخ يثبتان حماقة «أردوغان» ونجاح مصر

السبت، 18 يناير 2020 03:00 م
يوسف أيوب يكتب: الحكمة الصينية والتاريخ يثبتان حماقة «أردوغان» ونجاح مصر
أردوغان

السيسى طبق نظرية الاعتماد على الداخل لمواجهة أى عدوان خارجى وجعل النموذج المصرى فى التعايش السلمى والتنمية مطلوبا فى دول المنطقة.. ونجح فى تحقيق الاصطفاف الوطنى وبناء دولة قوية وقادرة على مواجهة المخاطر

الحكيم يتعلم الدرس من تجربة غيره والعاقل يتعلم الدرس من مرة أخرى.. ورئيس تركيا وقع فى الفخ 3 مرات 

لدى الصينيين حكمة فى غاية الروعة، تقول إن الحكيم يتعلم الدرس من تجربة غيره، والعاقل يتعلم الدرس من مرة أخرى، أما الذى يقع فى الفخ مرتين فإنه ليس حكيما وليس عاقلا. ولأن الصين مرت بكثير من التجارب التى يمكن أن نستوحى منها العِبر فى وقتنا الحاضر، فلنبقى فى حضرتهم بعض الوقت، نستفيد من تجاربهم وحكمتهم أيضا، خاصة الشخصية الصينية التى كان لها تأثير كبير فى بناء الصين الحديثة، وهو شواين لاى، الذى كان أول رئيس وزراء لجمهورية الصين الشعبية، وتقلد مهام منصبه بدءا من أكتوبر 1949 حتى وفاته فى يناير 1976، وعمل فى ظل حكم ماو تسى تونج، وقام بدور فعال فى تعزيز سيطرة الحزب الشيوعى على السلطة وتشكيل السياسة الخارجية وتنمية الاقتصاد الصينى.

شواين لاى»، كانت له بعض المواقف والتجارب التى تستحق أن تقال، ويمكن الاستفادة منها إذا ما طبقناها على الوضع الحالى الذى تمر به المنطقة، فالرجل كان دائما يؤكد أهمية الاعتماد على الداخل قبل البحث عن مساعدات تأتى من الخارج، وكانت نصيحته لأى طالب: «اعتمدوا على قواكم الذاتية واستلهموا الحكمة من شعوبكم، لأن نضال أى شعب تحكمه بالدرجة الأولى الاستراتيجية التى يتبعها هذا الشعب نفسه لتحقيق أهداف نضاله، وكل ما عدا ذلك من الخارج يجىء كعوامل مساعدة».
 
بعد الاعتماد على القوى الذاتية يخبرنا شواين لاى، أن الدور يأتى على فضيلة مهمة وهى الصبر، وسندهم فى هذه الفضيلة مثل صينى قديم يقول «لا تنتقم.. اجلس على حافة النهر وانتظر.. وذات يوم سوف يجىء التيار حاملا معه جثة عدوك»، فقد استخدم الصينيون وتحديدا شواين لاى فضيلة الصبر فى مواجهة الضغوط والحصار الأمريكى الذى تعرضت له الصين فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى، فلم يستشعر أحد أن الصين لديها رغبة فى الصلح أو فتح قنوات اتصال مع القوى العظمى، بل ظلت على وضعها إلى حين أتت اللحظة التى طرق بابها الرئيس الأمريكى ليندى جونسون، طالبا فتح صفحة جديدة، ونسيان الماضى.
 
هذه الصفحة الجديدة جاءت على خلفية صراع امتد لأكثر من عشر سنوات، كانت فيتنام هى أرضه، لكن الذى تعلمته الصين كما يقول شواين لاى، من الحرب الكورية التى كلفتهم الكثير من المال والأرواح، أنهم هم من اختاروا توقيت وزمن المواجهة، ولم يوافقوا على «جرجرتهم» إلى مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية.
 
وللصراع والصدام الصينى الأمريكى فوق أرض فيتنام وجهة نظر يجب أن تروى، بطلها شواين لاى، الذى قال «إننا نشعر بأن بعض أصدقائنا يخشون علينا من هذا التصعيد ونحن نختلف معهم، نحن نريد أكبر قدر من التورط الأمريكى فى فيتنام، ونعتقد أنه كلما زاد عدد الجنود الأمريكيين فى الهند الصينية فإن ذلك تأمين لنا، كان أكثر ما نخافه هو أن تضرب الولايات المتحدة من بعيد، ولا يكون فى متناول سلاحنا، أو حتى أظافرنا أن تطول لحمها الحى.. اتركوا الولايات المتحدة تصعد ليصبح لها نصف مليون جندى أو حتى مليون جندى فى فيتنام، فى النهاية فإن هذا الجيش الأمريكى سوف يصبح رهائن على الأرض الآسيوية، وذلك يجعلهم بالنسبة لنا بوليصة تأمين، تورطهم بالتصعيد، فاتركوهم، لأن هذا التورط يعطينا أكبر قدر من الأمان».
 
تعامل الصينيون مع الولايات المتحدة فى فيتنام وفق استراتيجيتهم الخاصة، وفى نهاية الأمر اضطرت الولايات المتحدة إلى الانسحاب من فيتنام، هى لم تنهزم عسكريا لكن لم يكن بوسعها تحقيق النصر. من يتابع مجريات الأحداث الأخيرة فى المنطقة سيتأكد أننا أمام شخصيات تحاول الظهور فى صدارة المشهد على أنها حكيمة وعاقلة، فى حين أنها تتسم بالغباء السياسى، كونها لم تتعلم من أخطائها فى الماضى، بل إنها تكرر نفس أخطائها دون أن تحاول أن تستفيد ولو لمرة واحدة.
 
وإذا أخذنا رئيس تركيا رجب طيب أردوغان، كمثال، سنجد أنه يحيط نفسه بهالة «إخوانية» تتعامل معه بمنطق «المُخَلِص» والخليفة الذى لا يخطئ، لكن على أرض الواقع لا يمر يوم إلا ونتأكد أن هذا الشخص بعيد تماما عن هذه الهالة المرسومة حوله، فهو كما سبق ووصفه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب «أحمق»، لم يتعلم من أخطائه على كثرتها، فقبل أسابيع وقع اتفاقيتين للتعاون الأمنى وترسيم الحدود البحرية مع ليبيا، من خلال بوابة فقدت شرعيتها الدولية والداخلية، ممثلة فى فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسى، الذى لم يبق فى مجلسه سوى هو فقط، وهدف أردوغان من هاتين الاتفاقيتين أن يكون له موطئ قدم فى ليبيا، فضلا عن مناكفة اليونان وقبرص فى منطقة شرق المتوسط، ولأن أردوغان يتصرف برعونة دون حساب خطواته أو النظر للمستقبل، فقد وقع فى الخطأ ذاته الذى وقع فيه قبل عدة أشهر، حينما قرر من تلقاء نفسه احتلال جزء من الأراضى السورية، دون أى سند، معتديا على سيادة دولة وأراضيها.
 
ولأنه أخطأ فى المرة الأولى خطأ فادحا، فكان جزاؤه الإرغام على الخروج من شمال سوريا بقرار أمريكى أعلنه نائب الرئيس الأمريكى مايك بنس، من قلب العاصمة التركية، فى أكبر إهانة توجه لأردوغان، خاصة أن هذا القرار جاء بعد ساعات من رسالة بعث بها ترامب لأردوغان ضمنها قوله لرئيس تركيا «لا تكن أحمق»، لكن لأنه بالفعل أحمق وقع فى الفخ الذى حاول نصبه لدول المنطقة.
 
قبلها بشهور حاول أردوغان أن يظهر عضلاته فى البحر المتوسط، فبدأ فى التنقيب عن الغاز قبالة سواحل قبرص، وهو ما دفع الاتحاد الأوروبى إلى فرض عقوبات اقتصادية قاسية ضد تركيا، جعلت رئيسها يتراجع عن خطوته العنترية، رافعا الراية البيضاء.
 
كل هذه أخطاء وقع فيها أردوغان على مدار 2019، لكنه لم يتعلم منها، بل بدأ العام الجديد وكأن شيئا لم يحدث، وكأنه لم يرفع الراية البيضاء أكثر من مرة فى سوريا والبحر المتوسط، ومن قبلها فى العراق، فأراد أن تكون ليبيا هى محطته التالية، ولم تمر أيام قليلة على اتفاقه غير الشرعى مع السراج، حتى خرج معلنا إرساله قوات إلى ليبيا، ولم يصمد تصريح أردوغان سوى ساعات قليلة، وعاد ليؤكد عبر وزير خارجيته أن الحل فى ليبيا يمر عبر المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطنى الليبى، الذى سبق ووصفته تركيا بالإرهابى، لكنه أدرك بعد أيام من اتفاقه مع السراج أنه ذاهب إلى ورطة جديدة ستضطره فى النهاية إلى رفع الراية البيضاء مجددا.
 
المؤكد أن أردوغان لم ولن يتعلم من دروس الماضى، ولم يقرأ مرة التاريخ، ولم يطلع على تجارب الآخرين، كما لا يعلم شيئا عن الحِكم الصينية، التى إن قرأها فقط لمجرد القراءة لتعلم منها الكثير، لكنه لم يقرأ ولن يقرأ، وسيظل «أحمق».
 
على شاكلة أردوغان يسير آخرون على نفس النهج من الغباء والحماقة، منهم على سبيل المثال حليفه القطرى تميم بن حمد، وعلى مقربة منهما رئيس إيران حسن روحانى، فكلهم لم يتعلموا من أخطائهم، بل مستمرون فى غيهم الذى ستكون نتيجته حتمية، وهى ليس فقط رفع الراية البيضاء وإنما الخروج الكامل من المشهد، بكل ما تعنيه الكلمة.
 
بخلاف أردوغان وبقية الحمقى السائرين معه فى النهج التضليلى، تبقى مصر هى الدولة الأكثر اتساقا مع الواقع والجغرافيا والتاريخ، فمنذ ثورة 30 يونيو 2013، وهناك محاولات كثيرة تجرى ولا تزال تجرى لدفعها إلى صراع عسكرى والتدخل فى الشئون الداخلية لدول بعينها فى المنطقة، لكن لأن مصر وقيادتها يدركون جيدا حقيقة هذه المحاولات والمؤامرات التى تحاك ضد القاهرة، فإنهم أكثر وعيا.
 
الرئيس عبدالفتاح السيسى دائما ما يقول «نحن نتعامل بشرف فى زمن ليس فيه شرف»، وهو تأكيد لسياسة ومنهج مصرى تسير عليه الدولة منذ 2013 وحتى اليوم، فحتى فى ظل تعرض مصر لهجمات شرسة من جانب قوى إقليمية ودولية، كان رأى القاهرة أن الصبر هو الحل، بل إن المثل الصينى «لا تنتقم.. اجلس على حافة النهر وانتظر.. وذات يوم سوف يجىء التيار حاملا معه جثة عدوك»، يبدو أنه كان حاضرا بقوة أمام القيادة السياسية، فلا سبيل للانتقام، طالما أن العدو الذى يقف أمامك يعانى الغباء السياسى الذى سيجعله يشد الخناق حول رقبته.
 
صبرت مصر ولا تزال تصبر على تركيا ورئيسها أردوغان وتصرفاته وعدائه الشديد للمصريين، كما صبرت على الألاعيب القذرة التى تمارسها إمارة قطر فى دعم الإرهاب، لكن هذا الصبر لم يكن أبدا ضعفا أو استسلاما، لأن هناك فارقا كبيرا بين الصبر والاستسلام، اختارت القاهرة الصبر، وفى الوقت ذاته بناء دولة حديثة وجبهة داخلية تستطيع أن تكون حائط الصد أمام أى تدخلات، لأن القيادة المصرية كانت تؤمن أن التماسك الداخلى هو الأساس، لذلك عملت الدولة خلال السنوات الماضية على تأكيد هذا المعنى بين المصريين، من خلال قيم ومبادئ وأيضا مبادرات ومشروعات تحقق الاستقرار الداخلى، سواء كان اجتماعيا أو سياسيا أو اقتصاديا، وخير شاهد على نجاح ما قامت وتقوم به الدولة المصرية فى هذا الجانب، أن كل محاولات الاختراق الخارجى للجبهة الداخلية تمت مواجهتها شعبيا قبل أن تقف الدولة الرسمية للمواجهة.. حدث ذلك لأن المصريين أدركوا حقيقة ما يواجهونه، وأنهم الهدف الخارجى سواء كان من قطر أو تركيا أو التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها جماعة الإخوان الإرهابية، أو غيرها، الهدف ليس إسقاط النظام والرئيس، لكن تدمير مصر نفسها.
 
الصينيون قالوا منذ 50 عاما «اعتمدوا على قواكم الذاتية واستلهموا الحكمة من شعوبكم»، واليوم يتحقق ذلك فى مصر، فالجبهة الداخلية هى الهدف الذى تسعى له القوى الخارجية لتدميرها، وهو ما فطنت له القيادة السياسية حتى من قبل 2013، فلم تكن أحداث 25 يناير 2011، وسرقة الإخوان لها إلا وسيلة للإيقاع بمصر. ظن أردوغان ومن يسيرون معه فى طريق «الحمقى» أن مصر سهلة عليهم، ولأنهم لم يقرأوا التاريخ جيدا، ولم يتعلموا من تجارب الشعب المصرى، ولا حتى من أخطائهم، فإنهم سقطوا فى الفخ الذى رسموه لكى تقع فيه مصر.
 
اليوم ونحن فى بدايات 2020 نرى حركة دوران جديدة فى خريطة التحالفات الإقليمية، وأيضا مراكز القوى والتأثير، معتمدة على ما حدث خلال السنوات الخمس الماضية، فالدولة التركية التى كان يعتبرها البعض، منهم الإدارة الأمريكية السابقة، «نموذجا» يجب أن يطبق فى كل الشرق الأوسط، أصبحت واضحة للجميع أنها نموذج للفشل وليس للإسلام المعتدل، وأنها نموذج لكيف يدير الحمقى دولة ويحولونها إلى أطلال بعدما كانت فى وجهة نظر البعض، الأمل الذى يبحثون عنه، والنموذج الذى يجب أن يكون حاضرا أمامنا ونحن نتحدث عن الشرق الأوسط الجديد.
 
ماتت الفكرة والنموذج، لأن هناك حمقى يديرون المشهد، حمقى يسرعون لجنى الثمار قبل أن تنضج، فظهرت حقيقتهم، وظهر أيضا عدم قدرتهم على الإدارة والحكم، بل ظهرت حقيقة أنهم مجرد كيانات هلامية لا علاقة لها بالواقع. ماتت الفكرة فى تركيا وقطر وغيرهما، لكن فى القاهرة كانت هناك فكرة جديدة تنبت، أرادت أن تكون نموذجا لمن يبحث عن السلام والاستقرار.. نموذج لا يفرض بالقوة، وإنما متاح لمن يبحث عن المستقبل، ولمن يريد أن يتعلم من الماضى وأخطائه.
 
النموذج المصرى الذى بات مطلبا لدى الكثيرين، يقوم على فكرة واحدة، وهى أن التنمية والتعايش السلمى، هما أساس بقاء الدولة، وأساس العيش وسط إقليم يسوده السلام. النموذج المصرى الذى يرفض أى تدخلات خارجية فى شئون الدول، كما يرفض أى إملاءات أيا كان مصدرها، وأن يكون الحوار هو المحرك الرئيسى لأى سياسة، حوار مع الشعب وحوار مع الغير، قوامه الأساسى أنه بالحوار نحقق المعادلة الصعبة، وهى التنمية والسلام معا.
 
لقد تعرضت الدولة المصرية طيلة السنوات الماضية لمواقف كثيرة غاية فى الصعوبة، وكانت توقعات البعض أن الدولة فى طريقها للصدام مع الداخل والخارج أيضا، وأنها فى سبيلها للسقوط والانهيار، لكن لم تنهر الدولة، ولم تسقط، بل خرجت من كل هذه المواقف أقوى مما كانوا يتوقعون، بل أقوى من الحالة التى كانت عليها قبل أن تخوض غمار هذه المعركة أو الصدام.
 
خرجت مصر قوية لأنها لم تتخل عن المبادئ التى وضعتها لنفسها بعد 2013، كما لم تقبل أن تكون لعبة فى يد من يحركها، حتى فى ظل أوضاع اقتصادية صعبة، لم تنحن الدولة بل أخذت قراراتها الصعبة التى تقبلها المصريون، لتخرج مصر أقوى بشعبها وقيادتها. هذا هو الفارق بين دولة تسير على مبادئ إنسانية لها موروث حضارى، وأخرى لا تعرف من التاريخ سوى القتل والخيانة والغدر.. الأولى نجحت فى الامتحان الصعب، بل إنها فى خمسة أعوام فقط استطاعت أن تحقق ما كانوا يعتبرونه صعبا ومستحيلا، شهدت ثورة فى كل شىء، اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وحضورا دوليا وإقليميا يليق بحجم ومكانة دولة اسمها مصر.
 
لكن من اعتمدوا على الماضى الملىء بالعار، كانت نهايتهم شبيهة بماضيهم، فلم يشفع لهم ما كانوا يعتبرونه سندا اقتصاديا ولا انتشارا ثقافيا، بل انهار كل ذلك، والسبب معروف أنهم لم يقرأوا التاريخ جيدا، ولم ينظروا للمستقبل، بل كانوا ينظرون فقط تحت أقدامهم. سارت الدولة المصرية على المبادئ التى وضعتها ولم تتخل عنها، فأصبحت هى النموذج الذى يبحثون عنه فى الإقليم، فما من دولة فى المنطقة تشهد أزمة سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو حتى اجتماعية، إلا ونرى أنظار شعبها موجهة صوب القاهرة، بحثا عن أسرار هذا النموذج الذى انطلق فى خمس سنوات وحقق المستحيل من وجهة نظرهم.
 
لم تدخل مصر فى عداء مع أحد حتى من يناصبونها العداء، كما لم تنتظر مساعدة تأتيها من الخارج، لأنها كانت تدرك أن المياه البعيدة غير قادرة على إطفاء الحرائق القريبة، فاعتمدت على المصريين فى كل الحلول، فحققت النجاح.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق