المراجعات الثورية تكشف خيوطا جديدة لشبكة العنكبوت

السبت، 01 فبراير 2020 08:42 م
المراجعات الثورية تكشف خيوطا جديدة لشبكة العنكبوت
هشام السروجي يكتب:

جاءت الذكرى التاسعة لثورة 25 يناير، ومعها تغيرات درامية لم تخطر على بال أحد، لكنها لم تكشف جديدًا فى الكواليس، سوى أنها أكدت على معلومات متداولة عن محاولات التخريب والتدخل فى الشأن المصرى، واستغلال حالة الغضب الشعبى فى تنفيذ سياسات وأجندات خارجية لها مشروع واضح، وهو تقزيم حجم مصر والتحكم فى مقدرات الشعب.
 
خرجت آلاف التقارير الصحفية والإعلامية وعشرات القضايا التى تحدثت عن التمويلات، والسيطرة على أشخاص وجماعات بمعرفة دول أجنبية، لكن الحرب الإعلامية المضادة كانت دائمًا ما تشكك فى الأمر، وتقلب الطاولة منكرة كل المعلومات والاتهامات الموجهة لها، وتسخر كل أدواتها فى المنابر الإعلامية ومنصات التواصل الاجتماعى بالداخل والخارج، ونجحت بنسبة كبيرة فى تضليل الرأى العام، والتشويش على ممارساتها.
 
على مدار السنوات الماضية، شهدت الساحة حالات من المراجعات الفكرية لشخصيات محسوبة على تيار 25 يناير، بل وطالت عدد من رموزها، الذين كانت لهم مواقف واضحة لا يمكن المزايدة عليها، إلا أن موقف الناشط السياسى وائل غنيم، أحد أوائل الداعين للثورة، وأدمن صفحة «كلنا خالد سعيد»، التى نظمت حراك 25 يناير، الذى يعتبر من أهم المراجعات التى خرجت حتى الآن، من رموز الثورة.
 
اعتراف وائل غنيم بأن إدارة الشباب للحراك كانت خطأ، وأن هناك قوى دولية استغلت الثورة فى تمرير مشاريعها الخاصة، الرامية لفرض إرادتها على مؤسسات الدولة المصرية، كان صادما لكل الأوساط وعلى كل المستويات.
 
لم يكن وائل غنيم أول المراجعين لموقفهم من تبعات ثورة يناير وسوء إدارتها من الشباب المحسوب عليها، بل سبقه العديد منهم على سبيل المثال المحامى طارق الخولى، أحد مؤسسى حركة 6 أبريل، والنائب الحالى فى مجلس الشعب، أمين سر لجنة العلاقات الخارجية فى البرلمان، وكان صاحب فكرة الانسلاخ من الحركة بعد اتهامات طالت أحمد ماهر ومجموعته بتلقى تمويلات خارجية والعمل على أجندات خارجية، ليدشن الجبهة الديمقراطية فى الشهور الأولى من ثورة يناير، إلا أن موقف غنيم وتوقيته، كان له أثر واسع فى ظل الحرب الضروس التى تخوضها جماعة الإخوان مدعومة من دولتى قطر وتركيا ضد النظام السياسى والشعب المصرى.
 
مع الظهور الأول لوائل غنيم بعد فترة انقطاع امتدت لسنوات عن المجال العام، كان يركز على الأبعاد النفسية والحالة المزاجية، وكأنه يرغب فى نشر الحالات النفسية والفكرية المتباينة التى عاشها وأوصلته إلى نقطة المراجعة الفكرية من ثورة 25 يناير، كى يغلق الباب أمام أى تخيلات أو استنتاجات قد يطرحها البعض، من خلال التركيز على التعرى أمام الجميع، بدءا من الاعتراف بالخطأ على مستوى الحياة الشخصية لينطلق منها إلى مستوى أعم وأشمل، وهو الاعتراف بالخطأ فيما يتعلق بالقضايا العامة ومنها الثورة، مستندًا فى كل ذلك إلى أسلوب الاعتراف.
 
موقف غنيم قد يلهم الكثيرين لاتباع نفس الموقف، وكشف حقائق كانت مخفية، خاصة أن هناك من يخشى الإعلان عن موقفه خوفًا من الهجوم عليه، سواء من الرفقاء أو الأداة الإعلامية الإخوانية وكتائبها الإلكترونية، بعد أن نجح فى كسر حواجز نفسية وفكرية.
 
حاول غنيم فى بداية ظهوره أن يتعايش معه المتابعون حالات التطهر من الماضى، والمكاشفة الكاملة لكل ما حدث فى حياته السابقة، ليستطيع توصيل رسالته بشكل محسوس قبل أن يكون معقولا ومنطقيا، اختار أن يسبق الخطاب العاطفى خطاب العقل، وأن يؤسس لمفهوم التصالح مع النفس، كبداية لأى تغير فى التفكير أو القناعات الخاطئة، وهو أمر يتفق مع الطبيعة البشرية التى لا تميل إلى التعرى وكشف جوانبها السلبية. لا توبة إلا باعتراف صادق.
 
السنوات التسع الماضية شهدت حالات مشابهة لحالة وائل غنيم، مع الفرق فى الأسلوب والتأثير والتوسع، لكنها كانت تصب فى نفس الاتجاه والهدف، كشف السلبيات التى تخللت الحراك الثورى والقائمين عليه من الشباب، وممارسات الجماعات التى ركبت الميدان ورموزه لتحقيق أهدافها، إلا أن التوقيت هذه المرة كان هو العامل المؤثر فى مجرى الأحداث، حيث تزامن مع ظهور المقاول الهارب محمد على ودعواته للخروج على النظام، الأمر الذى تلقفته جماعة الإخوان وداعموها من دول وأشخاص منذ اللحظة الأولى، وسعت بكل أدواتها لاستغلاله فى حشد الرأى العام وصنع حراك ثورى انتقامى من مؤسسات الدولة والشعب معًا، ثم تبعها عدة دعوات أخرى، حتى بدأ الحشد للتظاهر فى ذكرى 25 يناير، من خلال المنابر الإعلامية التى تديرها الجماعة، فكان قراره بالمراجعة فى الموقف السياسى ورؤيته لتبعات الثورة بمثابة تأكيد لحقائق تكشفت خيوطها.
 
قد تتابع المراجعات الفترة القادمة، ومن الممكن أن تكشف خيوطا جديدة لشبكة العنكبوت التى نسجتها دول وجماعات لتنفيذ خططها الخارجية مستغلة حالة التدافع الجماهيرى فترة الثورة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق