سنن «الفلانتين» الحسنة

السبت، 15 فبراير 2020 04:44 م
سنن «الفلانتين» الحسنة
مصطفى الجمل يكتب:

الحب أوله هزل وآخره جد، ولا تدرك حقيقته - عافاك الله - إلا بالمعاناة، لم ينكره دين ولم تحرمه شريعة، وقديم أقدم من وجود آدم وخلفه على الأرض، ففى البدء كانت غواية التفاح، التى صنعت قصة حب آدم لحواء، وحقت فيها كلمة الرب، أن انزلوا إلى الأرض، واسعوا فى مناكبها، واحرثوها وعمروا فيها، وتناسلوا فيها خلقا كثيرا، يزرعون ويصنعون ويبدعون، ويهوى الذى فى قلبه مس قلب حوائه، ثم تكون الأقدار عناقا أو فراقا، وتسيل الكلمات مع العبرات، ويحيا الحب حتى لو تخلى عنا النصيب والقسمة، فأكثر قصص الحرب خلودا هى التى لا تصل أبدا إلى شاطئ ختام، إذ تظل الدراما فيها مفتوحة، والنهايات ممدودة فى الخيال، ومكتوبة بحروف من نور ونار تضىء القلوب وتشعل جمر القصائد. 

وليس الحب معنى واحدا، فأجمل ما فيه أنه يستعصى على التعريف الجامع المانع، ولكل منا حبه وساعته، فقد تتشابه أجسادنا لكن هوانا لا يتشابه، والله وحده هو مقلب القلوب، والقلب الذى نعرفه كمضغة لحم ومضخة دم، ومحطة عمومية للقاء شبكة شرايين وأوردة، ليس هو القلب الذى يحب، أو الفؤاد الذى تحدثنا عنه الكتب المقدسة، ويحذرنا قرآن الله من فراغه، وينعى على الذين «أفئدتهم هواء» القلب الذى تحار فيه القصائد، وتنساب عنه الأسئلة فى نهر الحياة، ويراوغنا ونراوغه، إنه الشعور الغامض الذى يجذبنا إلى وعد امرأة، ربما دون أن نعرف أو نقصد، ومن أول نظرة وأول دقة روح، وبقدر ما يكون نداء الفؤاد عميقا، بقدر ما تصمد قصص الحب، وتقاوم التآكل بتقادم الزمن، وتتحدى الظروف، وتناطح الأيام، وتكتب خلودها الخاص فكل ابن آدم له شيطانه وله حبه وقرينه وله قصيدته وأغنيته المفضلة، وتفاحته التى تغويه. 
وفى الأثر، قالوا: «أريحوا بالحب النفوس، فإنها تصدأ كما يصدأ الحديد»، وقسموا الحب أبوابا متجاورات ومتقابلات، فيجاور باب الوصل، باب طى السر، والطاعة والصاحب المعين، ويقابلهم أبواب الهجر والوشاية والنم والمن، وأوصلوا أبواب الحب إلى ثلاثين بابا، واختلفوا على ماهيته وقالوا وأطالوا، وذهبوا كثيرا إلى أنه اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة فى هذه الخليقة فى أصل عنصرها الرفيع. 
المحبة ضروب، وأفضلها محبة المتحابين فى الله عز وجل، ويتبعها محبة القرابة والألفة والاشتراك فى الأهداف والمطالب، والتصاحب والمعرفة، وبر المرء لأخيه ، والطمع فى جاه المحبوب، ومحبة المتحابين لسر يجتمعان عليه يلزمهما ستره، ومحبة العشق الذى لا علة له إلا اتصال النفوس. 
كل أجناس الحب وضروبه منقضية مع انقضاء علله، وزائدة بزيادتها، وناقصة بنقصانها ومتأكدة بدنوها، باستثناء جنس واحد وهو محبة العاشق الصحيح المتمكن العشق من نفسه، فهو الذى لا فناء له إلا بالموت. 
للحب علامات يهتدى إليها الذكى، فأولها إدمان النظر، فالعين كاشفة لسرائر النفس ومعبرة عن ضمائرها، وكاشفة لبواطنها، فترى الناظر لا يطرف، يتنقل بتنقل المحبوب وينزوى بانزوائه، ويميل حيث مال تماما كالحرباء مع الشمس، والإقبال على الحديث علامة أخرى للعشق، وصمت المحب فى حضور المحبوب تكلف مفضوح. 
 
ولا يخفى على أحد أن من علامات الحب استدعاء المحب لاسم من يحب، والاستلذاذ بالكلام فى أخباره، أو كمال قال الأستاذ محمد حماقى فى أغنيته الشهيرة «يا ستار» : «وسط الناس الجمال يتقاس لو جابوا سيرتك ولا بقى لو شافوا صورتك .. يبقى ده كفاية». 
 
ومن علامات الحب أن يجود المرء ببذل ما يقدر عليه وامتنع عنه مع غير محبوبه، كأنه بجسده وروحه وماله ووقته وجهده موهوب له، كل ذلك ليبدى محاسنه ويرغب فى نفسه، وهذه العلامة لا تنقطع ولا تزول بنشوب نار الحب وتأجج حريقه فى الطرف الثانى، فمن يحب يبذل ويواظب على العطاء حتى ما بعد النهاية، حتى إن تمكن سريعا وأخذ مأخذه وأوقع حبيبه فى شباك غرامه. 
 
ومن أجل هذه العلامة، خُلق عيد الحب، أو كما هو فى الأصل «الفلانتين»، يتهادى فيه المتحابون وفقا لمعايير لا يمكن إغفالها، أولها درجة الحب والعشق، وتمكن أحد الطرفين من الآخر، ورغبة أيهما أكثر فى ترغيب من يحب فى نفسه، وقطعا الطاقة المادية، وعلى تفاوت طرق التعبير بين المتحابين فى هذا اليوم، إلا أنه يبقى يوما يعيد للعالم طاقة مفقودة، ويفتح فرصا لتبادل الحوار والتعبير عما هو مكتوم فى الأنفس، والتأكيد على سنة حسنة سنها الرسول بقوله الشريف: «تهادوا تحابوا». 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق