أرانب لا تأكل الجزر

الثلاثاء، 03 مارس 2020 04:25 م
أرانب لا تأكل الجزر
محمود الغول

وقف السيد فوكس على كرسي من الحديد المشغول يراقب موظفي وعمال شركته الذين كانوا يهتفون بحماس «يسقط يسقط فوكس بك»، إذ أعلنوا تذمرهم من خفض رواتبهم وإجبارهم على العمل لعدد ساعات أكبر، كما أنهم منعوا تماما من الإجازات.
 
للحظات، ظل فوكس صامتا. فقط ابتسامة خفيفة تلون شفتيه، إلى أن صاح فيهم: «ابنائي أحبائي.. الآن فهمتكم، كل ما تطالبون به هو حق مشروع لكم.. وأعدكم أنني سأعمل على تلبية كل مطالبكم من الآن».
 
ساد الصمت بين المتظاهرين من العمال والموظفين، فيما فلتت همهمات من هنا وهناك تراوحت ما بين «مخادع، كذاب، لا تصدقوه»، لكنها سرعان ما انحسرت، حين هتف صاحب الشركة «أقسم لكم بشرفي إنني صادق في كل حرف نطقت به.. وسترون».
 
تفرق الجمع، وعاد الموظفون والعمال إلى بيوتهم، وفي الصباح توافدوا على الشركة واحدا تلو الآخر، وحين جلس كل منهم على مكتبه وجد مفاجأة..
كانت المفاجأة مظروف وقطعة شوكولاتة فاخرة.
 
التهموا جميعا الشوكولاتة، ثم قاموا بفتح المظاريف، فماذا وجدوا؟
 
داخل المظروف توجد دعوة لقضاء أسبوع كامل في أحد فنادق جزر المالديف.. دعوة مدفوعة شاملة الإقامة والانتقالات والوجبات، مع مبلغ من المال يكفي لشراء هدايا للأهل والأصدقاء قبل رحلة العودة.
 
فرح الموظفون والعمال بعربون المحبة الذي قدمه صاحب الشركة، وعادوا إلى بيوتهم ليجهز كل منهم حقيبة سفره، وفي غضون ساعات كانوا جميعا في الطائرة الخاصة التي استأجرتها لهم الشركة، واليت حلقت بهم في السماء.
 
لم تفارق البسمة شفاه ركاب الطائرة، وأغمضوا أعينهم ليحلموا بالمتعة المنتظرة، لكنهم أفاقوا جميعا على صوت ارتطام شديد انخلعت معه قلوبهم، إذ هبطت الطائرة اضطراريا بسبب عطل فني أصاب محركها، ولولا براعة الطيار لأصبحوا جميعا في عداد الموتى.
 
نزل ركاب الطائرة فوجدوا أنفسهم في جزيرة غريبة، فالصخور تملأ المكان المحاط بالمياه من كل جانب.. «جزيرة صحراوية!» يالا العجب.
 
في الساعات الأولى منذ هبطوا على الجزيرة، ظل الموظفون يمسحونها بأبصارهم أملا في العثور على عين ماء صافية أو نبتة يقتاتون عليها، لكن مسعاهم انتهى بالخيبة، فتحول الأمر من الصدمة إلى الحزن المخلوط بالبكاء.
 
وسط جموع الموظفين والعمال، وقف الطيار وصاح فيهم: «أيها السادة يبدو أننا في ورطة حقيقة، فكل أجهزة الاستغاثة والتواصل معطلة ولا أمل في إصلاحها قريبا، وكل ما علينا الآن أن نتعايش ونتأقلم مع الوضع الحالي».
 
صاح أحد الموظفين وتبعه ثان ثم ثالث ورابع وعاشر، وألقوا باللوم على الطيار الذي ألقى بهم إلى التهلكة، لكن أحدهم ويبدو أنه كان أعقلهم، طبالبهم بالكف عن الصراخ، كي يفكروا في حل أو على أقل تقدير فليبحثوا عن مصدر للطعام والشراب..
 
هنا قال الطيار إن الطائرة بها صندوق مملوء بعبوات المياه ونوع وحيد من الطعام.. إنه الجزر!
 
نعم؟ جزر؟!
 
بعد رفض وتذمر وشجب واستنكار، اضطر الناس لتناول الجزر، فلا مفر.
 
وهكذا استمر الأمر، ولم يكن أمام الجميع سوى تناول الجزر وتجرع الماء حتى يحافظوا على حياتهم، ويما بعد آخر اعتادوا جميعا على الجزر الذي لم يكن مقبولا في البداية، حتى أنهم بعد أسبوع كامل وجدوا أن طعمه لذيذ وشهي.
 
وقبل أن ينتصف الأسبوع الثاني، جاء الطيار ليزف لهم البشرة، لقد نجح في إصلاح المحرك، وأصبحت الطائرة جاهزة للإقلاع، لكن كان عليهم أن يحددوا هل يذهبون إلى جزر المالديف للاستمتاع بالرحلة المجانية أم يعودون إلى بيوتهم، فاختاروا الخيار الأخير.
 
وهكذا عادوا إلى بيوتهم سالمين، وفي الصباح ذهبوا إلى الشركة ليجد كل منهم قطعة من الشوكولاتة الفاخرة ومظروف بهد دعوة جديدة لزيارة المالديف، لكنهم ألقوا بكل ذلك إلى مكب القمامة، وتجمعوا في ساحة أمام الشركة وراحوا يهتفون «يسقط فوكس بك يسقط فوكس بيك»..
 
أمام المتظاهرين وقف صاحب الشركة، وطالب المتجمعين بانتداب ممثل عنهم، فتقدم رجل بأذنين كبيرتين وأسنان أمامية بارزة، وقال في أدب جم: «سيدي فوكس بك نريد جزرا».

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة