يوسف أيوب يكتب: النيل هو مصر.. عقيدة دولة

السبت، 14 مارس 2020 11:00 م
يوسف أيوب يكتب: النيل هو مصر.. عقيدة دولة

لا تفريط فى الحقوق المائية مهما كانت الظروف.. ولن يفرض أحد شروطه على القاهرة أو يتصرف بشكل أحادى 
 
منذ سنوات وربما عقود لم تحظ قضية بمثل هذا الإجماع الوطنى مثل قضية سد النهضة، التى جعلت المصريين مصطفين خلف قرار الدولة المصرية، ومتابعين لكل تفاصيل الاجتماعات واللقاءات المرتبطة بهذه الأزمة التى بدأتها إثيوبيا خلال انشغال مصر بأحداث 25 يناير 2011، وأدت إلى خلق حالة من الفتور وربما القلق فى العلاقة بين الثلاثى «مصر والسودان وإثيوبيا».
 
ووصل حد المتابعة والتدقيق المصرى فى تفاصيل هذه القضية درجة أن مواقع التواصل الاجتماعى حفلت بالعديد من التعليقات، التى حاولت الخروج أو تجاوز التعامل الدبلوماسى الذى تسير فيه القاهرة، والمطالبة بأن تكون هناك ردود مصرية تتخطى حاجز الدبلوماسية.
 
مرجع هذا الاهتمام أن سد النهضة أول مشروع ضخم يتم على مجرى النيل الأزرق، وهذا له تأثير على تدفق المياه على مصر والسودان، باعتبارهما دولتى مصب، وبالتالى من الطبيعى أن يكون محل اهتمام المواطن والدولة المصرية، خاصة أن ارتباط مصر بالنيل ليس وليد اليوم، وإنما هو ارتباط عضوى وتاريخى، لأن العقيدة المصرية الدائمة أن النيل هو مصر.
 
الأيام الماضية تصدر سد النهضة اهتمامات المصريين، لدرجة أن الخوف والفزع من فيروس كورونا لم يؤثر على النقاش المصرى، وطرح العديد من الأسئلة التى ما زال البحث جاريا عن إجابات لها، فى محاولة لفك طلاسم هذه الأزمة، التى يبدو أن تعقيداتها كثيرة، لأنها تخطت حدود الدول الثلاث إلى أطراف أخرى تلعب على وتر الأزمة، محاولة تحقيق مصالح خاصة بها أو توقيع أضرار بأى من الأطراف الثلاثة، وحبذا لو كانت مصر.
 
نوعية أسئلة المصريين دارت حول لماذا غيرت إثيوبيا موقفها من مفاوضات واشنطن؟.. وإذا كانت لا تريد اتفاقا أو توافقا فلماذا قبلت بالوساطة الأمريكية؟.. وما هو موقف واشنطن من التغيرات الإثيوبية المفاجئة؟.. وهل السودان مع مصر أم لا يزال يقف فى الخندق الإثيوبى؟.. وما الرد المصرى على ما يحدث من مراوغة إثيوبية؟.. وغيرها من الأسئلة الحائرة، والتى لا نجد لها إجابة إلا فى مكان واحد.. هذا المكان هو أديس أبابا.
 
هذه الأسئلة ترافقت مع مجموعة من التحركات الفاصلة فى القضية، فبعد أيام من إعلان الحكومة الإثيوبية عدم المشاركة فى الاجتماعات النهائية التى كان مقررا عقدها فى واشنطن نهاية فبراير الماضى، كان إعلان أديس أبابا البدء فى ملء الخزان فى يوليو المقبل، وهو ما يعنى أن كل الجهد الذى بذل الفترة الماضية كأنه والعدم سواء، ولم تكتف بذلك، وإنما بدأت فى خوض معركة إعلامية ودبلوماسية ضد مصر.

الموقف الإثيوبى هدفه الهيمنة
الموقف الإثيوبى الحالى تراه القاهرة أنه يسير وفق نهج يدل على نية فى ممارسة الهيمنة على نهر النيل وتنصيب نفسها كمستفيد أوحد من خيراته، وهو ما ظهر فى إصرارها على ملء سد النهضة بشكل منفرد فى شهر يوليو المقبل، أى بعد أربعة أشهر، دون التوصل لاتفاق مع دولتى المصب، فى محاولة منها لجعل مسار المفاوضات رهينة لاعتبارات سياسية داخلية، وهو ما يمثل خرقا ماديا لاتفاق إعلان المبادئ الذى تم التوقيع عليه فى العاصمة السودانية الخرطوم فى 2015، ويثبت بما لا يدع مجالا للشك سوء نية إثيوبيا، وافتقادها للإرادة السياسية للتوصل لاتفاق عادل ومتوازن بشأن السد، وهو ما ثبت بجلاء فى عدم موافقتها على اتفاق ملء وتشغيل سد النهضة الذى أعده الوسيط المحايد، وهى الولايات المتحدة الأمريكية بالتنسيق مع البنك الدولى.
 
وقبل أن نذهب إلى ما دار فى واشنطن أردت فقط الإشارة إلى المبادئ التى سارت عليها مصر خلال مفاوضاتها وحواراتها مع إثيوبيا، فمصر بنت موقفها على مبدأ المشاركة والتعاون فى إطار السعى لخلق أطر مفيدة للشعب المصرى والشركاء، معه إدراك أن السد مرتبط بنمو الشعب الإثيوبى، لذلك تفاعلت مصر من أجل تحديد المصلحة المشتركة للدول الثلاث، وكيفية صياغة هذا الموضوع لتحقيق المصلحة للأطراف الثلاثة بشكل متواز، ومن هنا جاء توقيع اتفاق المبادئ فى الخرطوم فى مارس 2015 بالخرطوم، وما قضى به باعتراف مصر بحق إثيوبيا فى التنمية واعتراف إثيوبيا بعدم الإضرار بمصالح مصر المائية، وتم السير فى اتجاه تنفيذ ما قضى به هذا الاتفاق لضرورة التوصل لاتفاق فيما يتعلق بملء الخزان وقواعد تشغيله ومراعاة ظروف الجفاف.
 
ومنذ 2015 وحتى منتصف 2019 دارت عجلة الاجتماعات والمفاوضات فى محاولة لوضع بنود اتفاق 2015 موضع التنفيذ، وفى كل مرة يقترب الفنيون من التوصل إلى اتفاق يأتى السياسيون للعرقلة فى اللحظات الأخيرة، وبدا الأمر وكأننا ندور فى حلقة مفرغة لا طائل منها، فلم تسفر عن إطار لاتفاق قانونى، لذلك كان الحل هو اللجوء للوساطة الأمريكية، وقبلت واشنطن برعاية تلك المفاوضات وبدأت جولة المفاوضات على مدى الـ 4 أشهر الماضية، وتم وضع مواد محددة وقانونية وفنية بمشاركة الوفود الثلاثة، المصرية والسودانية والإثيوبية، وتم التوصل لاتفاقات وتفاهمات على الغالبية العظمى من النقاط، حتى على الإطار الفنى، فى الجولة قبل الأخيرة، وكان هناك توافق على كل العناصر الفنية المرتبطة بسنوات ملء الخزان والمعدل، وكيفية الملء خلال فترة الجفاف، وكمية المياه التى سيتم احتجازها، ووفقا لما سمعته من خبراء فنيين شاركوا فى اجتماعات واشنطن، فقد كان هناك وعى تام، خاصة لدى الوساطة الأمريكية بأن هذا الملء سينتقص من خزان السد العالى، وتم صياغة كل هذه المحددات والتوافق حولها، وتحديد جداول تحدد كمية المياه القادمة والتى سيتم تصريفها، وضرورة تباطؤ عمليات الملء فى ظروف الجفاف حتى لا تتأثر مصر والسودان بهذا الجفاف.

اجتماعات واشنطن توصلت لاتفاق حول كل التفاصيل
وسمعت من أحد القانونيين المشاركين فى الاجتماعات أن النتيجة شبه النهائية التى تم التوصل إليها كانت أشبه بمعادلة عادلة تحقق أهداف الأطراف الثلاثة وأحكام القانون الدولى، لكن بقيت مشكلة وحيدة، متعلقة بالتشغيل الطبيعى بعد الملء الأول للسد، والتشغيل الدورى للسد لتوليد الكهرباء، وفى النهاية تم التوافق على الحل الوسط الذى طرحه الجانب الأمريكى والبنك الدولى.
 
وقال القانونى المصرى الذى طلب عدم ذكر اسمه «خلال التفاوض فى واشنطن تم الحديث عن أى مدى يتم التعامل مع خزان يعمل بمناسيب منتظمة، وحجب المياه والجفاف وكيفية التصدى لها واللجوء لخزان السد لتوفير المياه للسودان ومصر فى فترات الجفاف، وكان هناك تفاهم من الجانب الإثيوبى، وتم الاتفاق على ترك الفرصة لكل الوفود لكى تعيد مراجعة ما تم الاتفاق عليه، فى انتظار المسودة النهائية للاتفاق الذى سيتم صياغته من جانب الوسيط الأمريكى، على أن يعود الجميع إلى واشنطن يومى 27 و28 فبراير الماضى، فى جولة أخيرة، للاتفاق والتوقيع».
 
كان يوم 28 فبراير هو المحطة الأخيرة من المفاوضات وسيليها احتفال التوقيع الذى كانت تعد له واشنطن جيدا، وكانت تنظر له باعتباره انتصارا يضاف إلى الدبلوماسية الأمريكية، وكانت كل المؤشرات تسير فى اتجاه واحد، أن التوقيع آت لا محالة، فلم يكن يتوقع أحد أن تحدث المفاجأة.
 
لكن جاءت المحطة الأخيرة بالمفاجأة التى لم يتوقعها الأمريكيون أنفسهم، فقد حضرت مصر إلى واشنطن وغابت إثيوبيا، لأسباب وأعذار غير مقنعة لأطراف المشكلة، وللقائمين على الوساطة أيضا، الذين نظروا لهذا الغياب على انه انتقاص للعملية التفاوضية، وتفاجأ الجميع ببيان إثيوبى يبرر الغياب ويحمل فى طياته ما يمكن تسميته بخرق إثيوبيى واضح أو نيتها لخرق التزاماتها فيما يتعلق باتفاق المبادئ الموقع فى 2015، الذى يلزمها قانونا بمبادئه وأحكامه، ومنها عدم البدء فى ملء الخزان أو التشغيل إلا بعد الاتفاق بالقواعد الحاكمة لذلك مع مصر والسودان، لأن الإطار القانونى الحاكم لهذه المسألة الذى تحاول أديس أبابا أن تجادل فيه الآن، هو أن ملكيتها للسد لا تتيح لها التنصل من التزام قانونى دخلت فيه بمطلق إرادتها، وملكيتها للسد لا تجعل لها الإرادة المنفردة فى التحكم فى شريان الحياة ونهر يعبر دولا عديدة، لها حقوق ومصالح مرتبطة بذلك، ولا يمكن أن تكون ملكية مادية مؤثرة وخارقة لقواعد القانون الدولى.

مصر وقعت على اتفاق واشنطن بالأحرف الأولى
غابت إثيوبيا فتوقف كل شىء، رغم أن الاتفاق الذى كانت ترعاه واشنطن، وكان قريبا من الإعلان الرسمي، يوفر مكاسب عديدة لإثيوبيا من توظيف كامل لسد النهضة لتحقيق الغرض التنموى وتوليد الكهرباء بكفاءة عالية، ويهدف للتعاون بين الدول الثلاث.
 
غابت إثيوبيا وحضرت مصر، وكان القرار حينها هو احترام الوساطة الأمريكية والبنك الدولى، فوقع وزير الخارجية، سامح شكرى، بالأحرف الأولى على الاتفاق، الذى انتهت الولايات المتحدة الأمريكية إلى صياغته، فى رسالة وتأكيد من مصر على استعدادها للتوقيع النهائى عليه، فى حين بقى الاتفاق معلقا لأن إثيوبيا وكذلك السودان لم يوقعا عليه!.
 
حضرت مصر إلى واشنطن وأكدت أنها جاءت من أجل التوصل إلى اتفاق نهائى حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، وتنفيذا للالتزامات الواردة فى اتفاق إعلان المبادئ المبرم بين مصر والسودان وإثيوبيا فى 23 مارس 2015، مع توجيه رسالة لواشنطن وللمجتمع الدولى المتابع لتفصيلات ما حدث ويحدث، هذه الرسالة حملها بيان رسمى أصدرته الدولة المصرية عبر وزارة الخارجية قالت خلاله «إن موقف مصر قد اتسم خلال كل مراحل التفاوض المضنية على مدار الخمس سنوات الماضية، والتى لم تؤت ثمارها، بحسن النية وتوفر الإرادة السياسية الصادقة فى التوصل إلى اتفاق يلبى مصالح الدول الثلاث، وقد أسهم الدور البناء الذى اضطلعت به الولايات المتحدة والبنك الدولى ورعايتهما لجولات المفاوضات المكثفة التى أجريت على مدار الأشهر الأربعة الماضية فى بلورة الصيغة النهائية للاتفاق، والتى تشمل قواعد محددة لملء وتشغيل سد النهضة، وإجراءات لمجابهة حالات الجفاف والجفاف الممتد والسنوات الشحيحة، وآلية للتنسيق، وآلية ملزمة لفض النزاعات، وتناول أمان سد النهضة والانتهاء من الدراسات البيئية، وعلى ضوء ما يحققه هذا الاتفاق من الحفاظ على مصالح مصر المائية وضمان عدم الإضرار الجسيم بها، فقد قامت مصر بالتوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاق المطروح تأكيدا على جديتها فى تحقيق أهدافه ومقاصده، ومن ثم فإن مصر تتطلع أن تحذو كل من السودان وإثيوبيا حذوها فى الإعلان عن قبولهما بهذا الاتفاق والإقدام على التوقيع عليه فى أقرب وقت باعتباره اتفاقا عادلا ومتوازنا ويحقق المصالح المشتركة للدول الثلاث».
 
وأكد البيان المصرى أن كل أجهزة الدولة المصرية سوف تستمر فى إيلاء هذا الموضوع الاهتمام البالغ الذى يستحقه فى إطار اضطلاعها بمسئولياتها الوطنية فى الدفاع عن مصالح الشعب المصرى ومقدراته ومستقبله بكل الوسائل المتاحة.
 
ولم تكتف مصر بإعلان موقفها أمام الجميع، بل فندت البيان الإثيوبى أو بمعنى أدق «عرته» أمام الجميع، من خلال بيان آخر صدر عن وزارتى الخارجية والموارد المائية والرى بجمهورية مصر العربية، والذى وصف التغيب الإثيوبى عن اجتماع واشنطن بالمتعمد لإعاقة مسار المفاوضات، وقال «من المستغرب أن يتحدث البيان الإثيوبى عن الحاجة لمزيد من الوقت لتناول هذا الأمر الحيوى، بعد ما يزيد على خمس سنوات من الانخراط الكامل فى مفاوضات مكثفة تناولت كل أبعاد وتفاصيل هذه القضية»، مع الإشارة إلى «أن البيان الإثيوبى قد اشتمل على العديد من المغالطات وتشويه الحقائق، بل والتنصل الواضح من التزامات إثيوبيا بموجب قواعد القانون الدولى وبالأخص أحكام اتفاق إعلان المبادئ لعام ٢٠١٥».
 
وأكدت وزارتا الخارجية والموارد المائية والرى فى بيانهما «رفضهما التام لما ورد فى البيان الإثيوبى من إشارة إلى اعتزام إثيوبيا المضى فى ملء خزان سد النهضة، على التوازى مع الأعمال الإنشائية للسد، وليس ارتباطا بالتوصل إلى اتفاق يراعى مصالح دول المصب ويضع القواعد الحاكمة لعمليتى ملء السد وتشغيله بما لا يحدث أضرارا جسيمة لها، وهو ما ينطوى على مخالفة صريحة للقانون والأعراف الدولية وكذلك لاتفاق إعلان المبادئ المبرم فى ٢٣ مارس ٢٠١٥ والذى نص فى المادة الخامسة منه على ضرورة الاتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد قبل البدء فى الملء، وهو الاتفاق الذى وقعته إثيوبيا ويفرض عليها الالتزام باجراءات محددة لتأكيد عدم الإضرار بدول المصب»، كما أكدتا «أن الاتفاق العادل والمتوازن الذى بلورته الولايات المتحدة والبنك الدولى، قد جاء بمشاركة كاملة من قبل إثيوبيا وتضمن مواد وأحكاما أبدت اتفاقها معها، وأن ما تم بلورته فى اجتماع واشنطن الأخير جاء نظرا لغياب إثيوبيا المتعمد ويتسق تماما مع أحكام القانون الدولى ويمثل حلا وسطا عادلا ومتوازنا تم استخلاصه من واقع جولات المفاوضات المكثفة بين مصر والسودان وإثيوبيا على مدار الأشهر الأربعة الماضية، ومن ثم فهو يحقق مصالح الدول الثلاث ويمثل الحل للقضايا العالقة إذا خلصت النوايا تجاه تحقيق مصالح الجميع وصدقت الوعود الإثيوبية المتكررة بعدم الإضرار بالمصالح المصرية، أخذا فى الاعتبار أن ملكية إثيوبيا لسد النهضة لا تجيز لها مخالفة قواعد القانون الدولى والالتزامات الإثيوبية باتفاق إعلان المبادئ أو الافتئات على حقوق ومصالح الدول التى تشاطرها نهر النيل».
 
ومن المفيد هنا الإشارة إلى أن اجتماعات واشنطن شهدت رغبة من أمريكا والبنك الدولى لعدم إضاعة الفرصة، لذلك تم البناء على ما سبق من تفاهمات بين أطراف المشكلة، واستمرار الحوار إلى أن تم التوصل إلى ما يشبه الصيغة النهائية أو المسودة التى شهدت تدقيقا وإدخال بعض التعديلات الطفيفة، التى وجد الجانب الأمريكى أهمية التعامل معها، من خلال رؤيته باعتبارها الطرح العادل والمنصف الذى يحقق كل المصالح، وأن يكون قابلا للتوقيع.

الإدارة الأمريكية أصيبت بالصدمة من الغياب الإثيوبى
وكانت الصدمة الأمريكية من الغياب الإثيوبى بادية للجميع، خاصة فى البيان الذى صدر عن ستيفن منوتشين وزير الخزانة الأمريكى، وأكد خلاله أن الولايات المتحدة شعرت بخيبة أمل شديدة لغياب إثيوبيا عن اجتماع بشأن سد النهضة، مؤكدا ان واشنطن الولايات المتحدة ستظل منخرطة مع مصر وإثيوبيا والسودان إلى أن توقع الدول الثلاث على اتفاق ينهى سنوات من الخلافات بشأن سد النهضة الإثيوبى لكن الوزير لم يقدم تفاصيل.
 
وكان لافتا أن ما قامت به مصر من خلال التوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاق، كان محل تقدير واحترام من الوساطة الأمريكية، وهو ما أكده الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للرئيس عبدالفتاح السيسى فى اتصال هاتفى بداية مارس الجارى حينما أعرب عن تقديره لقيام مصر بالتوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاق الذى أسفرت عنه جولات المفاوضات حول سد النهضة بواشنطن خلال الأشهر الماضية، باعتباره اتفاقا شاملا وعادلا ومتوازنا، مؤكدا أن ذلك يدل على حسن النية وتوفر الإرادة السياسية الصادقة والبناءة لدى مصر.
 
بالتأكيد فإن هناك بعض التفسيرات والتأويلات التى تحاول وضع «المراوغة الإثيوبية» فى خانة الرغبة الإثيوبية أن يتسلل الإحباط إلى المسئولين المصريين، ويكون حينها القرار فى القاهرة إما غلق الصفحة، أو البحث عن مخارج أخرى غير دبلوماسية تسعى لها إثيوبيا، لكى تعود إلى الخندق الذى كانت عليه قبل 2013، حينما استفادت من الاجتماع الكارثى الذى عقده المعزول محمد مرسى، فى رئاسة الجمهورية وتم إذاعته على الهواء وحوى تهديدات عسكرية مخابراتية ضد أديس أبابا التى استخدمت هذا الاجتماع لتأليب الرأى العالمى ضد مصر، وهو الأمر الذى استطاعت مصر بفضل تحركات الرئيس السيسى تجاوزه.
 
قد يكون تفكير إثيوبيا يسير وفق هذا المنطق، خاصة إذا ما تتبعنا مسارات الاجتماعات السابقة، التى كانت تنتهى إلى لاشىء بسبب المراوغة والتعنت الإثيوبى، لكن فى نفس الوقت فإن المؤكد والرسالة المصرية أنه لا مجال للإحباط، فكما أن الدولة المصرية أعطت سد النهضة أولوية أولى، لتأثيره على مستقبل مصر واقتصادها، فإنها ستواصل العمل سعيا للحلول المناسبة التى تحافظ على المصلحة المصرية، ولن يثنيها عن هذا العمل أى مراوغة أو حتى تشنجات سياسية أو دبلوماسية ترغب من خلالها أديس أبابا تحقيق مآرب خاصة بها.
 
وأكبر دليل على الصبر المصرى ما حدث خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب الذى عقد فى الرابع من مارس الجارى بالقاهرة، حينما تقدمت وزارة الخارجية بمشروع قرار يدعم الحقوق التاريخية لمصر والسودان فى مياه النيل، ورغم المفاجأة السودانية «غير المبررة» بتحفظها على مشروع القرار، والقول فيما بعد إن القاهرة لم تتشاور معها بشأنه، رغم أن وزارة الخارجية أكدت فى بيان لاحق مدعم بالتواريخ أنها سبق وأرسلت نسخة من المشروع إلى الخرطوم قبل الاجتماع، ولم تتلق ما يفيد الرفض أو التحفظ السودانى عليه.

العرب أيدوا موقف مصر
المهم فى نهاية الأمر صدر القرار العربى الذى أكد رفض مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية المساس بالحقوق التاريخية لمصر فى مياه النيل أو الإضرار بمصالحهما، والتشديد على أن الأمن المائى لمصر جزء لا يتجزأ من الأمن القومى العربى، والتأكيد على تضامن الدول الأعضاء مع مصر والسودان فى مواجهة المخاطر والتأثيرات والتهديدات المحتملة لملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبى دون التوصل لاتفاق عادل ومتوازن مع إثيوبيا حول قواعد ملء وتشغيل السد.
 
وقد كان لهذا القرار تأثير كبير على إثيوبيا التى أصيبت بحالة من التشنج جعلتها تخرج عن أعصابها وأيضا الأعراف الدبلوماسية، من خلال بيان «انفعالى» لوزارة الخارجية الإثيوبية رافض للقرار العربى، واعتباره «يقدم دعما أعمى لبلد عضو دون مراعاة حقائق رئيسية فى المحادثات بشأن سد النهضة»، وهو ما ردت عليه الخارجية المصرية ببيان وضع الكثير من النقاط على الحروف، مع توجيه ما يمكن وصفه بالدرس الدبلوماسى للخارجية الإثيوبية التى كان واضحا أنها فقدت الكثير من مهاراتها نتيجة تأثرها بأوضاع داخلية جعلتها رهينة لصراعات قوى سياسية متناحرة.
 
الخارجية المصرية وصفت «البيان الإثيوبى بعدم اللياقة، وافتقد للدبلوماسية، وانطوى على إهانة غير مقبولة لجامعة الدول العربية ودولها الأعضاء»، مع الإشارة إلى حقيقة مهمة وهى أن «قرار الجامعة العربية يعكس خيبة الأمل والانزعاج الشديد إزاء المواقف الإثيوبية طوال مسار المفاوضات الممتد حول سد النهضة، وبالأخص منذ إبرام اتفاق إعلان المبادئ عام ٢٠١٥، حيث إن النهج الإثيوبى يدل على نيته فى ممارسة الهيمنة على نهر النيل وتنصيب نفسها كمستفيد أوحد من خيراته، وقد تجلى ذلك فى إصرار إثيوبيا على ملء سد النهضة بشكل منفرد فى شهر يوليو ٢٠٢٠ دون التوصل لاتفاق مع دولتى المصب، فى محاولة منها لجعل مسار المفاوضات رهينة لاعتبارات سياسية داخلية، وهو ما يمثل خرقا ماديا لاتفاق إعلان المبادئ ويثبت بما لا يدع مجالا للشك سوء نية إثيوبيا وافتقادها للإرادة السياسية للتوصل لاتفاق عادل ومتوازن بشأن سد النهضة».
 
وكانت الرسالة المصرية لإثيوبيا أنه « ليس من حقها أن تعطى دروسا لجامعة الدول العربية أو دولها الأعضاء حول الصلات والوشائج التى تجمع الشعوب العربية والأفريقية، وهى الروابط التاريخية التى ليس لإثيوبيا أن تحدد مضمونها، إن مواقف إثيوبيا إزاء موضوع سد النهضة ما هى إلا مثال آخر على منهجها على الصعيد الإقليمى المبنى على اتخاذ إجراءات أحادية، وهو ما ألحق الضرر والمعاناة بالعديد من إخواننا الأفارقة، ومن هذا المنطلق، فإننا ندعو المجتمع الدولى للانضمام للجامعة العربية فى إدراك طبيعة سياسة إثيوبيا القائمة على العناد وفرض الأمر الواقع، وهو ما يهدد بالإضرار بالاستقرار والأمن الإقليميين، كما ندعو إثيوبيا لتأكيد التزامها بعدم البدء فى ملء سد النهضة بدون اتفاق، وللموافقة على الاتفاق الذى أعده الوسطاء المحايدون».
 
 بعد عرض لمجمل الأحداث وتطوراتها يبقى سؤال مهم، إلى أين ستسير الأمور؟.. هل سنعود مرة أخرى إلى مائدة الحوار والتفاوض واستكمال مسار واشنطن، أم أن صداما وشيكا سيحدث؟..
 
قبل الإجابة على هذا السؤال أجد أنه من الضرورى إعادة التأكيد مرة أخرى على مجموعة من الحقائق التى تحكم الدولة المصرية وهى تتعامل مع ملف سد النهضة، وهى أن مصر لن تفرط فى حقوقها المائية مهما كانت الظروف، ولن تسمح لأحد أن يفرض شروطه علينا ويتصرف بشكل أحادى لا يأخذ فى اعتباره مصالحنا، لأن مصر تعرف تماما كيف تحافظ على أمنها القومى تجاه أية تهديدات وتحمى مصالحها المائية ، لذلك فإنها لن توقع مطلقا على أى اتفاق لا يتضمن الحفاظ على حقوقها المائية، وفى نفس الوقت فإنها حريصة على إنجاح المسار التفاوضى السياسى بشرط أن يجد تجاوبا فى المقابل من الأطراف الأخرى، خاصة أن النهج الذى التزمت به مصر منذ البداية وحتى الآن هو ضرورة تسوية هذه الأزمة سلميا وقانونيا وأن يكون نهر النيل مدخلا للتنمية والتعاون والتكامل وليس مدخلا للصراع والخلاف.
 
هذه الحقائق مهمة ويجب أن تكون حاضرة فى عقل وذهن الجميع، لأنها تحدد إلى أين نسير وكيف نعمل.

الموقف الإثيوبى لن يكون نهاية الطريق
وبالعودة إلى السؤال، فرغم أن الإجابة عليه تبدو غاية فى الصعوبة، لكننى أجد نفسى أميل إلى حقيقة مهمة، بل هى استراتيجية يسير عليها المفاوض المصرى، مفادها أنه لا يزال أمامنا حل متوازن لموضوع سد النهضة يؤمن المصالح المشتركة لكل الأطراف ويوفر فرصة تاريخية لكتابة فصل جديد من التعاون بين الدول المشاطئة للنيل الأزرق، وهى الفرصة التى يجب اغتنامها لمصلحة ٢٤٠ مليون مواطن فى مصر والسودان وإثيوبيا.
 
نعم هناك متشائمون من المستقبل، لكن حقائق الموقف تجعلنى أؤكد أنه لا يجب ألا ننظر للموقف الإثيوبى الحالى على أنه نهاية الطريق، لأنه كان أمرا متوقعا منذ البداية أن تشهد المفاوضات فى أى من مراحلها عثرات وتراجع إثيوبى وغيرها من العراقيل التى غالبا ما تشهدها أى عملية تفاوضية، لأن المفاوضات فى هذه الأزمة فى الأساس عملية شاقة ومعقدة وتتضمن بحث العديد من النقاط الفنية التى تتطلب تدقيقا ودراسة مستفيضة من جانب الأطراف كافة، وبالتالى من الطبيعى أن تشهد عقبات ومشكلات لاسيما ونحن فى مرحلة أو معركة الأمتار الأخيرة من حل هذه الأزمة المثارة منذ حوالى تسع سنوات، لذلك فإن الأمل ما زال معقودا أن تشهد الفترة القريبة القادمة توقيع الاتفاق النهائى الذى يحقق مصالح جميع الأطراف، أخذا فى الاعتبار أيضا الزيارة التى قام بها إلى القاهرة قبل أسبوعين، هيلا ميريام ديسالين، رئيس وزراء إثيوبيا السابق والمبعوث الخاص لرئيس الوزراء الإثيوبى أبى أحمد، ولقائه الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى أكد للمبعوث الإثيوبى أن ثوابت سياسة مصر تقوم على مبادئ الاحترام المتبادل وعدم التدخل فى الشئون الداخلية، مع إعلاء قيم التعاون والإخاء بين الشعوب، وكذا تسخير الموارد وتكريس الجهود المشتركة لصالح التنمية والبناء، فضلا عن التزام مصر بالسعى نحو إنجاح المفاوضات الجارية بمسار واشنطن، وأنه مع قرب التوقيع على الاتفاق بشأن قواعد ملء وتشغيل السد، فإن ذلك من شأنه أن يحفظ التوازن بين مصالح جميع الأطراف، كما أن ذلك الاتفاق سيفتح آفاقا رحبة للتعاون والتنسيق والتنمية بين مصر وإثيوبيا والسودان، وسيأذن ببدء مرحلة جديدة نحو الانطلاق لتطوير العلاقات المتبادلة بينهم، وما لذلك من مردود إيجابى وتنموى على منطقة حوض النيل بأسرها فى ضوء الثقل الإقليمى للدول الثلاث.
 
القادة العرب يدعمون الموقف المصرى
الأسبوع الماضى، كلف الرئيس عبدالفتاح السيسى، سامح شكرى وزير الخارجية للقيام بجولة عربية شملت الأردن والسعودية والعراق والكويت وسلطنة عُمان والبحرين والإمارات وتسليم رسالة لقادة هذه الدول تتضمن إطلاع الأشقاء العرب بالتطورات المرتبطة بسد النهضة، والتطورات المتصلة بهذا الموضوع وما توصلنا إليه فى هذ المرحلة، فى ظل حرص الرئيس على التنسيق مع القادرة العرب.
 
21052633_AR_1573112231_74597187_1405455649632796_3406392275318603776_o
 
 وخلال تسليمه لرسائل الرئيس أعلن القادة العرب دعمهم ومساندتهم للموقف المصرى.
 
الكويت: نقف مع مصر فى كل ما يحفظ حقوقها وأمنها المائى
العراق: ندعم مساعى القاهرة فى الحفاظ على أمنها المائى
الإمارات: نساند مصر وندعمها فى كل ما يصون أمنها القومى
السعودية: المملكة تدعم مصر وتساندها فى كل ما يحفظ أمنها القومى
الأردن: نقف مع الشقيقة مصر فى كل ما يحفظ حقوقها وأمنها المائى

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق