لا تهوين ولا تهويل

السبت، 14 مارس 2020 05:51 م
لا تهوين ولا تهويل
حمدى عبد الرحيم يكتب:

صاحب ظهور فيروس كورونا عدة تفسيرات متنوعة، يصل تنوعها إلى حد التضارب والتناقض، فقد كان التفسير الأول الذى روّجه بعضهم هو أن غضب الله قد نزل على أرض الصين. ثم بحمد الله سقط هذا التفسير المضحك المريب بعد أن هاجم الفيروس كل الكرة الأرضية، بل وهاجم أقدس مقدسات المسلمين والمسيحيين واليهود.
 
ثم كان التفسير الثانى يتمحور حول نظرية المؤامرة وهى نظرية حاضرة دائمًا وتلعب فى كل الكوارث والأزمات، بل وفى الخلافات والصراعات دور «الشماعة»، فعندما لا يجد أحدهم عن عجز أو قلة رغبة حلًا لمشكلة تصادفه يلجأ فورًا إلى القول بأن الآخر يتآمر عليه.
 
نظرية المؤامرة سابقة التجهيز قالت إن قوى عالمية قد صنعت الفيروس لمحاربة عدوها بطريقة تزهق الأرواح، ولكن لا تسيل الدماء،
 
ثم سقط ذلك التفسير لأن القوى المتهمة قد ضربها الفيروس، فلا نعرف كيف تتآمر دولة على شعبها؟، فالذى سيصنع مرضًا سيكون جاهزًا بعلاجه ولو كان مقصورًا على شعبه فقط.
 
ثم جاء التفسير الثالث الذى تبناه بعضهم وهو الخاص باقتراب نهاية العالم، وهذا التفسير تحديدًا ينهى أى نقاش، لأنك لن تستطيع تقديم دليل يقنع الطرف الثانى بخطأ كلامه، وذلك لأن الإيمان بالغيبيات هو عملية قلبية لا تعرف الحسابات الدنيوية القائمة على فرز حقائق تجرى على الأرض، ولا تحلق فى عالم الأرواح.
 
إضافة إلى كل ما سبق هناك فتاوى جنرالات الفضائيات والصحف والمواقع والمقاهى ومواقع التواصل الاجتماعى وقبلهم وبعده سائقى التاكسيات الذين يقسم الواحد منهم بالطلاق والعتاق على صحة كلامه، علمًا بأن ما يقوله لا يصدر إلا عن رجل شديد الصلة بأضيق دوائر صنع القرار!
 
لقد أصبح فيروس كورونا، نجا العالم من فيروسات أشد منه، يبدو كأنه صرعة العام، وراح كل مَن يعرف أو لا يعرف يتحدث بوصفه الخبير العالم ببواطن الأمور.
 
كثرة الأحاديث وتعدد التفسيرات وتدفق المعلومات وسرعة نقل الأخبار، جعلت البشرية تعيش هلعًا لو وضع على مائدة التحليل الهادئ العقلانى لتبينا جميعًا أن فى الأمر قدرًا عظيمًا بل عظميًا جدًا من المبالغات.
 
كم راح ضحية لهذا الفيروس فى بلد منشأه؟
 
سؤال لا يريد أحد تأمل إجابته.
 
حتى ساعات من كتابة هذه السطور لم يمت من الصينيين أكثر من 3128!
 
ثم لا يتحدث أحد عن الحالة الصحية وعمر الضحايا، ثم لا يشير أحد إلى أن عدد سكان الصين قد تجاوز المليار والأربعمائة مليون نسمة، فما حجم الثلاثة آلاف من شعب بهذه الضخامة؟
 
وعدد الضحايا على مستوى العالم كله لم يصل إلى ـ ونسأل الله ألا يصل ـ إلى أربعة آلاف ضحية.
 
كل هذه الأرقام تخسر البشرية أضعافها فى حوادث الطرق يوميًا، فلماذا كل هذا الهلع والخوف والارتباك والشائعات؟
 
ليس معنى الحديث عن تواضع حجم الخسائر البشرية الاستهانة بالفيروس أو التكاسل عن مقاومته، ولكن يجب ألا نغفل عن أن التهويل أمر مريب، فالتهويل يبدو كأنه تعجيز لبنى الإنسان خاصة الذين يعيشون فى دول نامية أو ذات قدرات اقتصادية وعلاجية محدودة، التهويل سيقود حتمًا إلى اليأس، فلمصلحة مَن يعمد بعضهم إلى نصب فخاخ التهويل وكأن العالم يخوض معركته الأخيرة مع وباء فاتك؟
 
التهوين مرفوض وكذا التهويل، فعلى الإنسان أن يأخذ حذره الطبيعى والمعتاد، ثم يواصل سعيه فى الأرض غير مقيد الخطوات وغير ملتفت لمروجى الشائعات الذين يتكسبون من مصائب الناس وأحزانهم.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق