اكتشاف علاج لـ«فيروس كورونا»!

الإثنين، 16 مارس 2020 09:42 ص
اكتشاف علاج لـ«فيروس كورونا»!
أيمن عبد التواب يكتب :

«مصر تكتشف علاجًا لفيروس كورونا».. لو أن هذا العنوان كان «المانشيت» الرئيسي للصحف والمواقع الإلكترونية المصرية لقامت الدنيا ولم تقعد، ولكانت مصر في مرمى نيران السخرية، والاستهزاء، من قِبل الإعلام العالمي، والسفهاء الذين لم ولن يعجبهم أي شيء مصري.. لكن ولأن «البيج بوس» الأمريكي، والتنين الصيني، هو صاحب الاكتشاف، فالأمر مختلف، وسلام مربع يا جدع! 
 
فعلى الرغم من أنه لم يمض على ظهور فيروس كورونا بضعة أشهر، إلا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خرج علينا؛ ليعلن أن شركة روش الطبية سوف تطرح ملايين الجرعات للقاحٍ يقضي على الفيروس.. وهي- تقريبًا- نفس التصريحات التي أعلنها مسؤولون صينيون! 
 
فكيف يُعلن عن اكتشاف عن مصل أو لقاح لفيروس لم يكن هناك أي علم بوجوده قبل ظهوره في مدينة يوهان الصينية في ديسمبر 2019؟
 
بحسب مواقع طبية متخصصة، فإن أي دواء يُصرح باستخدامه، يجب أن يمر بمرحلتين رئيسيتين:
 
1- مرحلة ما قبل تجريب الدواء على الإنسان، وتسمى بالمرحلة ما قبل السريرية Preclinical. 
 
2- مرحلة ما بعد السريرية Post clinical.. وهي مرحلة تجريب الدواء على الإنسان، واستنباط نتائجه، وهل له أعراض جانبية أم لا، وهل يكفي للعلاج أم بحاجة لإضافة عناصر أخرى.
 
وكل مرحلة من هاتين المرحلتين تضم أقسامًا فرعية، تدل على أن عملية تصنيع الدواء ليست سهلة، وأن بضعة أشهر لا تكفي لاعتماد أي دواء، حتى لو كان دواءً بيطريًا..
 
إذن.. كيف نفسر إعلان مسؤولين صينيين وأمريكيين عن قرب طرح لقاح لعلاج فيروس كورونا؟
 
ظني- وبعض الظن ليس إثمًا- أن هذا «العلاج» أو اللقاح ما هو إلا «نصباية» جديدة من «مافيا الأدوية» لـ«تنفيض» جيوب الدول التي «ركنت» العلم على الرف، وأغلقت الأدراج على براءات الاختراع، وملفات البحث العلمي.. ولم تعد تنتج غذاءها، ولا دواءها، ولا سلاحها، مكتفية باستيراد كل ذلك من الخارج!
 
الإعلان عن اكتشاف لقاح لمرضٍ معدٍ يسببه فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، بعد نحو ثلاثة أشهر، يذكرنا بالمصل «الفشنك» الذي أنتجته شركات الدواء العالمية، وباعته للدول بمليارات الدولارات، على أنه لقاح لفيروسي أنفلونزا الطيور والخنازير.. على الرغم أن هذا المصل- في تقديري- لم يكن سوى «نقطتين ميه بسكر»، أو «وهم»، ينصبون به على الذين يسبحون بكل ما هو أجنبي، وخاصة أمريكي!
 
ولعل الإعلان الصيني أو الأمريكي عن مصلٍ لكورونا- الآن- يذكرني بـ«المقامة الحرزية»، لبديع الزمان الهمذاني، التي يقول فيها: 
حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ هِشَامٍ قَالَ:.. وَلَمَّا مَلَكْنَا البَحْرُ، غَشِيَتْنَا سَحابَةٌ تَمُدُّ مِنَ الأَمْطَارِ حِبَالاً، وَتَحْدُو مِنَ الغَيْمِ جِبَالاً، بِرِيحٍ تُرْسِلُ الأَمْواجَ أَزْوَاجاً، وَالأَمْطَارَ أَفْوَاجاً، وَبَقِينا فِي يَدِ الحِينِ، بَيْنَ البَحْرَيْنِ، لاَ نَمْلِكُ عُدَّةً غَيْرَ الدُّعَاءِ، وَأَصْبَحْنَا نَتَباكَى وَنَتَشاكَى، وَفِينَا رَجُلٌ لا يَخْضَلُّ جَفْنُهُ، وَلا تَبْتَلُّ عَيْنُهُ، رَخِيُّ الصَّدْرِ مُنْشَرِحُهُ، فَعَجِبْنَا واللهِ كُلَّ العَجَبِ، وَقُلْنَا لَهُ: مَا الَّذِي أَمَّنَكَ مِنَ العَطَبِ؟ فَقَالَ: حِرْزٌ لا يَغْرَقُ صَاحِبُهُ، وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أَمْنَحَ كُلاًّ مِنْكُمْ حِرْزاً لَفَعْلتُ، فَكُلُّ رَغِبَ إِلَيْهِ، وَأَلَحَّ فِي المَسْأَلَةِ عَليْهِ، فَقَالَ: لَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ حَتَّى يُعْطِيَنِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ دِيناراً الآنَ، وَيَعِدَنِي دِيناراً إِذا سِلِمَ.
 
قاَلَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ: فَنَقَدْنَاهُ مَا طَلَبَ، وَوَعَدْنَاهُ مَا خَطَبَ، وَآبَتْ يَدُهُ إِلَى جَيْبِهِ، فَأَخْرَجَ قُطْعَةَ دِيْبَاجٍ، فِيْهَا حُقَّةُ عَاجٍ، قَدْ ضُمِّنَ صَدْرُها رِقَاعًا، وَحَذَفَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا، فَلمَّا سَلَمتِ السَّفِينَةِ، وَأَحَلَّتْنَا المَدِينَةَ، افْتَضَى النَّاسَ ما وَعَدُوهُ، فَنَقَدُوهُ، وَانْتَهَى الأَمْرُ إِليَّ فَقَالَ: دَعُوهُ، فَقُلْتُ: لَكَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ تُعْلِمَنِي سِرَّ حَالِكَ.. فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
 
وَيْكَ لَوْلاَ الصَّبْرُ مَا كُنْتُ** مَلأَتُ الكِيسَ تِبْرَا
وَلَوَ أَنِّيَ اليَوْمَ في الغَرْقَى** لَمَا كُلِّفْتُ عُـذْراً
 
أي أن هذا «المحتال» استغل هلع الناس وخوفهم من أن تغرق بهم السفينة؛ فباع لهم «الوهم»، ولسان حاله يقول إن غرقت السفينة فسوف يغرق معهم، وبالتالي لن يسأله أحد عن الأموال التي أخذها منهم.. وإن نجتْ السفينة، ونجا الركاب، ونجا هو معهم، فسيفوز بأموال الذين «تعلقوا بقشاية»!

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق