أن تستقل قطارا مع حسناء

الإثنين، 16 مارس 2020 03:17 م
أن تستقل قطارا مع حسناء
محمود الغول يكتب :

من أهدافي المؤجلة أن أستقل قطارا مع غادة حسناء يمضي بنا إلى حيث لا أعلم، يقطع المسافات على مهل ولا أهتم، ففي مثل هكذا رحلة تبقى المتعة في الصحبة، ويصبح الطريق غاية لا وسيلة، حتى أنك تتمنى لو تطول بكم الرحلة لآخر العمر.
 
سأقضي الوقت كله أراقب الابتسامات المنسابة على شفتيها، وهي تقرأ رواية كلاسيكية كتبت قبل مئة عام، عن فتاة تعيش في كوخ أحبت أميرا، فتمنت لو كان صيادا فقيرا يأخذها في رحلة على صفحة النهر المتدفق كالشريان، في قلب المدينة الفقيرة.
 
وخلال الرحلة سأطالع ملامح وجهها المنحوتة بعناية كإلهة إغريقية، وهي تنظر من نافذة القطار، بينما آشعة الشمس المتسللة من بين فروع الأشجار تداعب عينيها، وتغير لونهما ما بين النور والظلال.
 
أما حين تدندن غنوتها المفضلة، التي حملتها معاها من طفولتها، سأصغي لها بقلبي، وأتخيلها طفلة تسابق الفراشات الملونة، وتسقي الزهور في الحديقة خلف الكوخ الخشبي القديم، وتدلل بقرتها الصغيرة.
 
سأسافر في عينيها، لعلي أنفذ إلى شرايينها، متدفقا مع الدم، وصولا إلى قلبها النابض دوما بالحب، لأبيت هناك وأغفو على إيقاع ضرباته، التي تضارع «الدُم» في عمقه وامتداده.
 
سأطلب من الريح أن تسقط من بين يديها كتابها، لأقفز من مقعدي وأعيده لها سريعا، وسأكرر ذلك مرات ومرات إلى أن تبتسم لي خجلا، وحين تهم بأن تشكرني بلكنة لا تشبه غيرها سأضع يدي على شفتيها.. حتما ستظن أنني لا أريدها أن تقدم لي كلمة شكر، لكنني أتسائل إذا كانت ستفهم أنني أفعل ذلك لأقبل بأناملي شفتيها؟!
 
وحين تتطاير خصلات شعرها في الأرجاء، سأغمض أهدابي لعلها تحتضن شعرة منها، فيكون الوصل.. وأشم رائحة شعرها الذي لم يجف بعد، ومنه أصنع عطرا يخلد ذكرى رحلتنا الأولى.
 
وإذا تحدثت، سأطلب منها أن تعيد ما قالت.. أحب صوتها حين تتكلم وحين تغني وحين تصمت.. فلسكوتها صوت قد لا تسمعه الآذان لكنه ينفذ إلى الأفئدة، وربما يفسر ذلك صمت الطيور على جانبي الطريق وفوق الأشجار حين يمر القطار.. تلك الطيور التي تجيد الإصغاء لأصوات تسمع بالقلوب.
 
وقبل الوصول لمحطتنا الأخيرة، سأحطم نهاية القضبان كي يتحرر القطار ويواصل الرحلة إلى فضاء ممتد، كي نعانق السحاب ونحن نغني معا لحنا واحدا لا نمل منه أبدا.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق