هل يحتاج الله لعقاب عباده بكورونا؟

السبت، 21 مارس 2020 10:22 ص
هل يحتاج الله لعقاب عباده بكورونا؟
طلال رسلان يكتب:

في بادئ الأمر خرج علينا متفلسفون باسم الدين، مرتدين عباءة المتاجرة كعادة إلصاق كل شيء في حياة البشر بالسماء حتى لو تعلق الأمر بفوز أحد المرشحين في انتخابات مجلس إدارة مركز شباب الحطابة، ورددوا رواية أن الله أرسل وباء كورونا على الصين انتقاما من أفعالهم بالأقليات من شعب الروهينجا المسلمين.

ومع إصابة عدد كبير من الروهينجا نفسهم بكورونا، وانتشار الفيروس عالميا، بين مسلمين وغير مسلمين على حد سواء، لم يبق أمامهم سوى الانتقال إلى "الرواية البديلة"، والتي تقول إن الله يعاقب البشر (أهل الأرض) جميعا بسبب أفعالهم وضلالهم عن عبادته.
 
عقاب إلهي لأهل الأرض لكي يتوبوا إلى الله".. أحدهم كتبها عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، وآخر رددها على أتباعه في فيديو ممول سيقفذ في وجهك من كل مكان، وثالث صاغها في رسائل صوتية على هيئة أدعية مع تتبيلة النهنهة ستصلك عبر رسائل واتساب من صديق وأسفلها العبارة الأسطورية "إذا لم تنقلها لعشرة غيرك ستخرج عليك الديناصورات من الحمام وتأخذ أعز ما تملك".
هؤلاء يسيئون للأديان ويتربصون لإشعال الكراهية ونفخ كير الفتنة والقتال بين البشر، والله بريء من أفعالهم وما يتقولون به على جلاله، وبما ينصبون به أنفسهم متحدثون رسميون باسمه في الأرض والمخولون لقيادة العباد بعد الأنبياء.
 
هؤلاء ما نحتاج حقا إلى الخلاص منهم قبل الأوبئة، ونخلص في الدعاء برد كيدهم وإنارة بصائر البشر عن المتاجرين باسمه لتحقيق مصالح شخصية سرعان ما يكشف الزمن غمتها وأهدافها.
 
الله لا يحتاج إلى عذاب عباده بألم فراق أحبائهم بوباء فتاك يخرب الأرض، الله أرحم وألطف بعباده من حسرة قلب أم على أولادها، كورونا وغيره هو نتيجة طبيعية بما كسبت أيدي الناس بسلوكيات خاطئة أو نتيجة طبيعية لعمليات تطور وصراع طبيعي كما حدث على مر التاريخ.
 
الأمر الآن متروك على عاتق العلم، والعلماء، والمعامل، والتحاليل، والتجارب، والدراسات، لا بيد شيخ أو قسيس يعلم الله ما في قلبه وهو ألد الخصام، إنما كان ينتظر تلك الكارثة ليثبت نظريته التي صاغها في خطاباته السابقة بأن اعبدوا الله حق العبادة وإلا أرسل عليكم أوبئة من السماء تأكل الأخضر واليابس.
العلماء حول العالم يصارعون من أجل لقاح لفيروس كورونا، الموت أمام أعين الأطباء في المستشفيات، الحكومات تفعل ما يمكن فعله بإجراءات تحمي شعوبهم، مدن بأكملها أصبحت خاوية على عروشها، العالم كله مرتبك ومترقب، وتيرة سريعة من الأخبار السيئة والمبشرة على حد سواء، ورائحة الرعب تفوح من شوارع دول لم يعد بإمكانها فعل شيء، ثم يخرج علينا هؤلاء ينغصون الحياة ويستنزفون أرواح عباد الله بتجارتهم.
 
لا يختلف المتاجر بالدين في وقت مثل هذا شيئا، عمن احتكر سلعة أو أخفى بضاعة بغرض الكسب من وراء رائحة الموت وآلام الناس، بل إن النوع الأول أخطر على البشر من الثاني الذي من الممكن السيطرة عليه بتغليظ العقوبات وتفعيل الرقابة، لكن الآخر متروك له الحبل على الغارب يتلاعب بفكر البسطاء كما يحلو له وممنوع الاقتراب منه أو التصوير فأقل شيء ستلبس في لعنات دراويشه ومريديه قبل تخريجك من الملة، أو على أقل تقدير الإلحاق بالتهمة المعلبة "ازدراء الأديان"، وهؤلاء أصلا هم مزدروا الأديان ومحرفوها والدين منهم براء.
 
نحن الآن في حاجة إلى التماسك أكثر من أي وقت مضى، والأخذ بالأسباب في كل شيء، ثم الصلاة إلى الله بالوقوف إلى جوار العلماء والأطباء للخلاص من كارثة كورونا مثلما خلصنا من كوارث أكبر منها، لم يتبق في ذاكرتنا لها غير انتصار الإنسانية والحب والأمل.
 
ربما تكون هذه دعوة بشكل أو بآخر إلى من يطلقون على أنفسهم أيضا علماء الدين الآن للتنحي جانبا وأخذ ساتر عن الناس، طالما لم نستفد منهم غير الفتن وصرف العباد عن الكارثة أكثر بل توريطهم في التهلكة بمسائل من قبيل حكم تارك صلاة الجماعة في المسجد أو حضور القداس في الكنيسة خوفا من كورونا، وترك الأمر للعلماء، فربما يتعظ الناس فعلا بأننا وقت الكارثة هرولنا إلى تتبع أخبار تجريبات الأطباء للقاح الجديد ومدى فعاليته، وترك الدين إلى رب العباد.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة