فيروس كورونا بين الطب والدين

الإثنين، 23 مارس 2020 10:18 م
فيروس كورونا بين الطب والدين
أيمن عبد التواب

 
بينما العلماء في مراكز الأبحاث، والمعامل العلمية في الدول المهتمة بالعلم، يواصلون الليل بالنهار؛ لإنتاج مصلٍ ولقاحٍ لـ«فيروس كورونا»، يستريح بعض «المتديين» من المسلمين والمسيحيين، إلى إلصاق الأمر في الله عز وجل، وكل «متدين بطبعه» يبحث في كتبه عن آيات وأحاديث وأقوالٍ يلوي عنقها لتؤكد فكرته، ورأيه، الذي يريد نشره بين مريديه ودراويشه.
 
في الأمم التي تُعلي قيمة العلم، لا مجال للخرافة، ولا العاطفة الدينية، إلا فيما ندر.. وفي الأمم «الكسولة»، والتي «ركنت العلم على الرف»، يحلو لكثير من أبنائها «الكسالى» إلصاق كل شيء في الدين؛ «هو الدين بيقول إيه؟».. وربما كان هذا سبب احتواء فلسفتنا الشعبية على مقولة: «الزقها في عالم واطلع منها سالم»!
 
نعود إلى فيروس كورونا.. فهناك مَنْ حاول جاهدًا الربط بينه وبين إجراءات الوقاية والسلامة منه، خاصة النظافة، لدرجة أن بعضهم قال «إن الوضوء خمس مرات في اليوم كفيل بالقضاء على الفيروس».. وللأسف تبنى هذا الرأي، بل وروّج له في وسائل إعلامية كثيرة، طبيب قلب شهير، وكان عميدًا سابقًا لمعهد القلب، وهو- بدون ذكر أسماء- الدكتور جمال شعبان!
 
في الأمور الطبية المعقدة- وخاصة في وباء فيروس كورونا، الذي يجتاح العالم الآن- أميل إلى رأي العلماء «الثقات»، وأهل الطب «المتخصصين»، أكرر المتخصصين في مجالهم، وليسوا من «بائعي الكلام»، وهواة «الهبد والفتي» في كل شيء.. وفي المقابل أبتعد عن كلام كثير من «الشيوخ»، خاصة أولئك الذين يحاولون ربط كل شيء علمي، أو طبي بالدين.. ويصعب عليهم أن يخرج أي إنجاز عن عباءة الكتب المقدسة، التي أنزلت- في الأساس- للعبادة والتعبد. 
 
ما أنا على يقين منه، أن الإنسان- في كل أحواله- يجب أن يكون معتصمًا بالله، ومتوكلًا عليه، ومعتقدًا أن الأمور كلها بيده، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن ولا عاصم إلَّا الله: (قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً)، سورة الأحزاب، (إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ)الزمر.. (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ)، فاطر.. وكما في الحديث الشريف: «وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَىْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَىْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَىْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَىْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ».
 
لكن ما يقال من أن الوضوء يمنع أمراضًا معينة كـ«فيروس كورونا» مثلًا، ليس له أساس شرعي؛ لأن هذه الأمور لا تعلل، والأمراض لها أسباب دوائية، وتدابير وقائية، لا علاقة بينها وبين الوضوء.. أما الأمراض الموسمية أو الدورية فهي من سنن الله في الكون.. (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا).
 
كذلك لا علاقة بين الأمراض وما بين إسلام وغير إسلام، وما بين توحيد وشرك، ولا بين إيمان وكفر، ولا بين طاعة أو معصية.. فسيدنا أيوب- عليه السلام- وهو نبي مرسل، ابتلي بأشد الأمراض المزمنة والمتستعصية، إلى أن عافاه الله منها. والنبي محمد- صلى الله عليه وسلم- مرض بالحمى، ومات بسببها.. وفي عهد سيدنا عمر- رضي الله عنه- ظهر وباء الطاعون بالشام.. والأمثلة كثيرة.. ويجب عدم ربط هذه الابتلاءات بأمور عاطفية دينية، فالزلازل والبراكين والأزمات والأمراض تكون في المسلمين وغير المسلمين، وكلها تحتاج إلى الصبر، والأخذ بالأسباب المشروعة.
 
لقد تقرر شرعًا، أن العبادات- من جهة وسائلها، وهي الطهارات، من وضوء، وغسل وتيمم، ومقاصد العبادات، من صلاة وصيام، وذكاة وحج وعمرة- كلها أمور «توقيفية»، لا ارتباط بينها، وبين علل في تشريعها.. والنبي- صلى الله عليه وسلم- بيَّن لنا أن (الطهور شطر الإيمان)، وأوضح لنا كيفية أداء الصلاة، ومصارف الزكاة، وصيام رمضان، ومناسك الحج.. وإذا كان بعض العلماء يرون أن الوضوء يشفي بعض الأمراض، وأن الصلاة رياضة تقوي البدن، وأن الصوم يغسل يطهر الجسم من بعض السموم، فهذا كلام طيب، ولا يخرج عن سياق البحث عن الحكمة.. لكن لا يجب أن ينظر إليه والتعامل معه باعتباره حقيقة مغزى ومقصد العبادة.
 
اختصارًا.. أي محاولة للربط بين الظواهر العلمية والدين ليس له حقيقة شرعية، بل لا يخرج عن كونه كلامًا عاطفيًا، يدغدغ به بعض الشيوخ والقساوسة مشاعر أبناء دينهم، ويعزفون به على عواطفهم؛ حتى يضمنوا السيطرة عليهم.. أو يتاجرون به، ويشترون به ثمنًا قليلًا..

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق