مرة واحد مصري..

الخميس، 02 أبريل 2020 12:58 م
مرة واحد مصري..
محمود الغول

الله عادل بشكل مطلق، لا يخلق أحدا إلا ويعطيه سلاحا يمكنه من العيش في هذه الدنيا، وحتى حين يبتليه فإن ذلك يكون على وجهين، الأول أن في ابتلائه فرصة لتكفير ذنب أو لزيادة رصيد الحسنات.. أما الوجه الثاني فإنه يبتليك بمقدار ما تتحمل..
 
وكما منح الله بعض البلدان عطايا وثروات تتمثل في بترول ومعادن وخلافه، فإنه منح المصريين نهر النيل، فكل ما يحتاجه المصري هو الماء، إذ أن عطية الله للمصريين الكبرى هي «المصري» ذاته، الذي يمكنه في أحلك الظروف أن يخلق لنفسه بيئة عيش مناسبة، كما أنه قادر على التأقلم والتعايش..
 
دون مبالغة أو شوفينية، المصري معجزة من معجزات الله، ففي أسوأ الأحوال وأصعب الظروف ومع عدم وجود إمكانات كبيرة، يظهر من قت لآخر نوابغ وعباقرة مصريون، لهم إسهامات أضافت للحضارة الإنسانية بكل مكوناتها، والعالم خير شاهد على ذلك، ولا مجال لذكر شخصيات مصرية أثرت في العالم بعلمها وأدبها وفنها ومهارتها وقدراتها.. فالقائمة تطول ولا يمكن اختصارها في مئات الأسماء.
 
يحدث ذلك، في الوقت الذي يلقى مصريون في غير مكان معاملة لا تليق بتاريخ مصر وما قدمته إلى العالم بشكل عام، والعربي بشكل خاص..
 
ومشكلة المصريين مع بعض الإخوة العرب تتلخص في أمر واحد، وهو النظرة المتباينة لفكرة «العمل»، ففي الوقت الذي لا يعرف المصري سبيلا لأكل العيش وتحقيق الذات سوى العمل بشرف، هناك شعوب تغط  في «فكرة» أن العمل نقيصة وأمر يشين صاحبه، إذ اعتادوا أن يحصلوا على مرتبات ومنح وعطايا من حكوماتهم دون أن يقدموا في مقابلها جهدا أو فكرا، إلا إذا كانوا يعتبرون أن التفكير في شراء أحدث سيارة والسكن في قصور والسفر إلى المالديف ومطاردة «العاملات» في الفنادق والبارات.. عملا يستحقون عليه أجرا..
 
لهذا ينظر بعض الإخوة العرب إلى المصري «العامل» في هذا البلد أو ذاك، على أنه مجرد «وافد» جاء للحصول على المال.. كما قلنا فذاك البعض يعتبر العمل سبة في جبين البشر، في الوقت الذي يأتون هم في أزمنة المحن والكوارث بحثا عن ملاذ آمن في مصر..
 
والمصري لا يفر من وطنه بحثا عن الآمن، بل يفر من وطنه إلى وطنه، طفل تخيفه أمه وهي تمزح معه فيهرب منها إلى حضنها..
 
حاشا لله أن نمن على أحد من ضيوف مصر الكرام، من إخواننا الذين أتونا «معززين» لظروف حرب أو كارثة.. فمصر لا تفرق بين هذا وذاك، والتاريخ خير شاهد على هؤلاء الذين جاءوا إلى القاهرة والاسكندرية ومحافظات أخرى، من بلدانهم، سواء بحثا عن فرصة أو لتحقيق حلم.. فالصحافة والمسرح والسينما في مصر، كان لغير المصريين فيها إسهامات لا تنكر مثل الأخوين تقلا ويعقوب صنوع وغيرهم..
 
مصر أشبه ببوتقة تنصهر فيها كل الجنسيات والعرقيات والملل، فيخرج منها الإنسان «مصريا خالصا» بغض النظر عن مكان ميلاده أو لهجته ودينه، فهل يمكن لعاقل أن يشكك في مصرية فريد الأطرش وفايزة أحمد، ووردة وهند صبري وبيرم التونسي، وشطة (نجم الأهلي السابق)، ومحمد خان، وستيفان روستي وماري منيب، ونجيب الريحاني وعبدالسلام النابلسي..  
ولطالما مثلت القاهرة والإسكندرية، على وجه الخصوص، نموذجا للمدن الكوزموبوليتانية، حيث تمتزج الجموع القادمة من هنا وهناك بثقافات ولغات وأديان وعرقيات، فينصهرون في «بوتقة» المدينة التي لا تعرف عنصرية ولا تمييز..
 
من الآخر يعني، المصري إن بقي في بلده سيعيش، قد يسكن في منزل بسيط ويأكل «أورديحي» ويستقل المواصلات العامة ويصيف كل خمس سنوات مرة ويشرب الكليوباترا، لكنه لن يموت، أما هؤلاء الذين لا يقبلون العمل في مهن وحرف ووظائف يرونها «دنيئة»، فإن عليهم أن يراجعوا أنفسهم، فالمال لا يصنع إنسانا.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق