ويسألونك عن «الحشو»

الخميس، 07 مايو 2020 11:59 ص
ويسألونك عن «الحشو»
ايمن عبد التواب

 
«الاختصار والاختزال» من قواعد «الديسك الصحفي». هكذا تعلمنا. فالكلمة التي لا تضيف معنى جديدًا تحذف.. وإذا كان المعنى يصل بكلمات أقل فلا تتردد أن تفعل.
 
سألني صديقي عن أسباب الآفة المتجددة في الدراما، خاصة «مسلسلات رمضان»، والمتمثلة في «الحشو، والمط، والتطويل» الممل.. فأخبرته أن الأزمة ليست في «الصنعة» بل في هجر الصانع لها،  وابتعاده، أو- إن شئنا الدقة- «إبعاده» عنها.. فقد «أُبعِدَ» أصحاب الفكر والوعي والرؤية عن الصنعة، و«طُفِّشَ» صنايعة وأسطوات الكتابة، وأُسنِدَ الأمر إلى غير أهله.. وجُومِلَ كُتاب «الشلة». واستُعين بأنصاف الموهوبين وعديمي الموهبة؛فتجرؤوا على الكتابة بشكل مقزز!
 
ذَكَّرتُ صديقي بمرات كثيرة ذهبنا فيها لأداء صلاة الجمعة، وجلوسنا، لنحو ساعة أو أكثر، بين يدي خطيب «فقير العلم» وهو يرغي ويزبد، ويسهب ويطنب، ونحن- ومعنا مصلون كُثُر- متململون، ونوشك على ترك ترك المسجد دون صلاة.. فأين هذا الخطيب، وآلاف مثله، من حديث النبي- ﷺ: «إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مَئِنَّة من فقهه، فأطيلوا الصلاة، وأقصروا الخطبة»؟ وأين هو وأمثاله من الصحابة، والفقهاء، وذوي الفصاحة والبيان، الذين يطبقون قاعدة: «خير الكلام ما قل ودل»؟
 
وذَكَّرتُ صديقي بكم من مرة ناشدنا، وطالبنا، وصرخنا، وبُحَّتْ أصواتنا لتخليص المناهج الدراسية من «اللت والعجن»، والمعلومات «المنفصلة عن الواقع»، والتي لم يستفد منها أحدٌ إلا واضعها هو و«السماسرة» الذين جاءوا به!
 
وذَكَّرتُ صديقي بكم مرة رغب هو وزملاء آخرون في ترك «الصحافة»؛ هربًا من الأمراض التي تطاردهم، بسبب صحفيي البيانات، وصحفيي الـ«كوبي بيست».. وأملًا في الخلاص الجرائم التي يرتكبها صحفيون يخطئون في الإملاء.. ثم يطلبون منك التدخل بمهارتك ومشرطك اللغوي لإجراء عملية «تحويل جنسي» لما «يكتبونه»!
 
وذَكَّرتُ صديقي بكم مرة اضطر طبيب الأسنان لإزالة «الحشو» أو تغييره؛ لأن طبيبًا آخر «استرخص» ووضع حشوًا رديئًا، أو غير ملائم للحالة التي يعالجها! 
 
وذَكَّرتُ صديقي بكم مرة  «حشونا» دنيانا بأناس «ملهومش لازمة»، فنغصوا عيشتنا، وأفسدوا علينا حياتنا، واضطررنا إلى حذفهم من دائرتنا المقربة، وإبعادهم من سجل تعاملاتنا، ثم محوهم من ذاكرتنا، ودواخلنا!
 
ثم ذَكَّرتُه بـ«الشيف الحلواني» الذي سألته: هل «الحشو» يؤثر على الطعم؟ فأجابني بـ«نعم»، وأخبرني بأن السر يكمن في معرفة أفضل الخامات والالتزام بـ«المقادير».. وأنني إن أردتُ الحصول على طعم «رائع»، فيجب أن تكون مكونات «الحشو» ملائمة للصنف المختار، وأن يكون «الحشو» مضبوطًا، فإن زاد عن الحد، ولم تكن مكونات الصنف متجانسة، ومناسبة، أثر على الطعم، وربما لن يكون أمامك خيار- بعد أن أضعت جهدك ووقتك في عمله- إلا بإلقائه في «الزبالة»!

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة