هوامش على أزمة أحمد الرافعي

الإثنين، 11 مايو 2020 04:01 م
هوامش على أزمة أحمد الرافعي
أيمن عبد التواب يكتب :

 
الفنان الشاب «أحمد الرافعي» الذي يجسد دور  الإرهابي التكفيري عمر رفاعى سرور، في مسلسل الاختيار.. أثار غضبًا، وجدلًا واسعًا، بسبب «تدوينة» له، وصف فيها رحيل الكاتب فرج فودة، في ذكراه، بـ«ذكرى نفوق فرج فودة».. وفي تعليق له، وصف إسلام البحيري بـ«إلحاد بحيري».
 
الرافعي تعرض لهجوم «سوشيالي» ضارٍ.. كثيرون حاولوا النيل منه، وبعضهم حاول اغتياله معنويًا، متهمًا إياه بالانتماء إلى جماعة الإخوان الإرهابية، على الرغم من أن الفنان نفسه نفى هذه التهمة، مؤكدًا اعتزازه بشيوخ الأزهر..
 
ولست هنا لأدافع عن أحمد الرافعي، أو أدينه، ولكن لتسجيل بعض الملاحظات؛ لعلها توضح الصورة بشكل أفضل.. 
 
أولًا: قولًا واحدًا، «الرافعي» جانبه الصواب، ولم يوفق في وصفه وفاة إنسان بكلمة «نفوق»، على الرغم من أن الفعل «نفق» في معاجم اللغة العربية بمعنى «مات».. وعلى الرغم أيضًا من أن الإخوان والتيارات الإرهابية والتكفيرية بتستخدم الفعل «نفق» بدلًا من «مات» عند الحديث عن مخالفيهم.. لكن نحن غيرهم، هكذا تربينا. 
 
ثانيًا: ظني- وبعض الظن من حسن الفطن- أن «الرافعي» ليس إخوانيًا، ولا يتبع أي تيار أو جماعة من الجماعات الإسلامية المتطرفة.. ولكنه قد يكون متدينًا، وملتزمًا ككثير من المصريين «المتدينين بطبعهم»، ويظنون أن هجومهم وتطاولهم على شخص، (حاول النيل من دينهم- كما يعتقدون)، نوع من التشفي في هذا الشخص، حتى لو كان ميتًا.. وهذا خطأ لا نقره. 
 
ثالثًا: أحمد الرافعي مثله مثل كثير من المصريين، الذين دفعوا ويدفعون ثمن تراجع دور المؤسسات الدينية الرسمية في مصر، وتحديدًا «الأزهر والأوقاف»، وتركها الساحة الدعوة والمنابر لـ«دعاة التطرف والفتنة» الذين أصبحوا- شئنا أم أبينا- «المرجعية» الدينية لكثير من الشعب المصري، المتدين بطبعه.. وهؤلاء- دعاة التطرف وإقصاء الآخر- صوروا لأتباعهم ومريديهم أنهم «حماة الإسلام».. وأن أي قول يخالف قولهم مردود على صاحبه.. وأن أصحاب الفكر المخالف لأفكارهم «كفرة فجرة» أعداء الدين، ويستحقون القتل، أو الاغتيال، ولو كان اغتيالًا معنويًا، كما فعلوا مع نجيب محفوظ، وفرج فودة، ونصر حامد أبو زيد.
 
رابعًا: أحمد الرافعي وأمثاله وقعوا ضحية لـ«شيوخ ربع كم»، وللأسف، من خريجي الأزهر الشريف.. هؤلاء سُمِحَ لهم بارتقاء المنابر، والصلاة بالناس، وإعطاء دروس في المساجد، وإفتاء الناس، وهم غير مؤهلين لذلك، وليس عندهم من العلم ما يستطيعون به الرد على أفكار التيارات المتطرفة، أو أصحاب الفكر الحداثي، كالعلمانيين مثلًا. 
 
خامسًا: يوجد كثيرون مثل الرافعي، «غير مؤدلجين»، لكنهم يدفعون ثمن تراجع الثقافة والإعلام، والتعليم، خلال سنوات نظام مبارك، وما بعده ببضع سنوات.. تاركًا «مسرح الوعي» لمجموعة من الممثلين الذين يقدمون عبثًا، ويضيعون هوية المصريين، ويحشون عقولهم بثقافة قبلية إقصائية.. فهل تتخيل حصاد أكثر من 30 عامًا من تسطيح العقول، وتهميش الثقافة، وانهيار التعليم؟ هل تتصورون أننا سوف نتخلص بسهولة من هذا الميراث العفن؟ هل تعتقدون أننا سنستعيد «هويتنا» المصرية المتميزة بـ«سماحتها وتسامحها» في عام أو اثنين، بعدما تعرضت- لأكثر من ثلاثة عقود- لتشويه متعمد، بفعل فاعل، وبمشاركة، أو بمباركة، أو بصمت،  أو بتطواطؤ من مؤسسات في الدولة؟ 
 
سادسًا: كلنا مخطئون؛ الأزهر، الأوقاف، الإعلام، أجهزة الدولة؛ لأننا- إلى الآن- لم نقدم بديلًا جيدًا للأفكار المتطرفة التي زرعتها الجماعات التكفيرية الإرهابية على مدى عقود.. وحتى معظم الذين يتصدون لهم «دعويًا، وإعلاميًا، وفنيًا» ضعيف جدًا، وسطحي جدًا.. ضررهم أكبر من نفعهم..
 
بل إن استمرار ظهور بعضهم على الساحة- حتى الآن- خاصة مَنْ يتحدثون في الدين، يخدم المعسكر الآخر.. فتطاول أمثال «يوسف زيدان»، «إسلام بحيري»، و«فاطمة ناعوت»، و«أحمد عبده ماهر»، و«خالد منتصر»- تطاول هؤلاء وأمثالهم على رموز دينية، كالأئمة الأربعة، والإمام البخاري، وغيرهم، يصب في مصلحة أعداء الوطن، ولا يخدم قضية التنوير. فمواجهة الفكر لا تكون بـ«شتيمة» الآخر، والتطاول عليه.. الفكر يواجه بالفكر.. والفبركة بالمعلومة.. والشائعة بإظهار الحقيقة، وليس بـ«الجعير» والصوت العالي. 
 
سابعًا: المشكلة ليست في «الرافعي».. المشكلة في ملايين أحمد الرافعي.. المشكلة في «تجريف الوعي، وتدميره» على يد تيارات متطرفة، جاءت محملة بفكر قبلي إقصائي، وثقافة دينية قشرية سيطوت على عقول كثير من المصريين منذ عقود.
 
إن استعادة هويتنا، ووعينا معركة شاقة، تحتاج إلى جهود كبيرة متضافرة، وإلى نفس طويل.. وأي تأخير يزيدنا ابتعادًا عنها.. فهلا بدأنا.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق