لحماة الفضلية «الزائفة».. النصيحة في العلن «فضيحة»

السبت، 13 يونيو 2020 07:00 م
لحماة الفضلية «الزائفة».. النصيحة في العلن «فضيحة»

حين يمنح البعض لأنفسهم حق التدخل في شئون غيرهم، بحجة النصيحة أو حماية العادات والتقاليد والأخلاق، فإنهم يتحولون إلى «حراس الفضيلة»، الذين يستبيحون الحياة الشخصية للجميع دون رادع، ليوزعون صكوك الإيمان والمغفرة على ما يشاؤن، وهو ما ظهرا جليا في أزمة الصورة التي نشرها الفنان شريف منير لبنتيه، وأيضا الصورة التي ظهر فيها نقيب المحامين رجائي عطية برفقة حفيدته.
 
وخلال الأيام القليلة الماضية تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من صورة ينشرها نجوم الفن أو المشاهير، لأبنائهم أو حتى لأنفسهم، وبينما اكتفي البعض بكتابة تعليقات إشادة أو تشجيع، اختار البعض الآخر أن ينصب نفسه حاكما على غيره، وأن يمارس دور «حماة الفضيلة»، عبر التطاول واستخدام الكلمات الجارحة والألفاظ النابية، وصلت حد توجيه السباب والشتائم، ظنا منه أنه بذلك إنما يدافع عن الأخلاق وعن الدين.
 
3 وقائع كشفت الأزمة
 
هجوم ضاري تعرضتا له ابنتا الفنان شريف منير (فريدة وكاميليا)، بعدما نشر صورة لهما، لكن جاءت التعليقات بشكل ساخر ومتنمر، فيما راح البعض يتهم الفنان في شرفه ورجولته، وهو ما استنكره منير، قبل أن يحذف الصورة.
 
وكتب منير عبر حسابه على إنستجرام يقول: «الإفراط في حسن النية قد يكلفك الكثير.. بعد مانزّلت صورة بناتي.. فريده 16 سنة وكاميليا 12 سنة .. وشوفت تعليقات من ناس مرضى.. وقليلي الرباية.. وجرحوا بناتي و جرحوني.. فمسحت الصورة.. ولقيت البوست ده معناه ينطبق عليا.. حسبنا الله ونعم الوكيل».
 
وتعرضت إيمان رمضان، شقيقة الفنان محمد رمضان، هي الأخرى إلى حملة تنمر واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، حول شكلها والطريقة التي ظهرت بها خلال حفل زفافها، إذ طالتها تعليقات خارجة ومسيئة حول مظهرها وشكلها، وهو ما دفعها للخروج عن صمتها والرد على تلك التجاوزات.
 
نقيب المحامين، رجائي عطية، لم يسلم هو الأخر من مجموعات حماة الفضيلة، إذ انتشرت صورة له له بين أوساط المحامين على مواقع التواصل الاجتماعي، برفقة إحدى الفتيات، ليتعرض لسيل من الهجوم والبذاءات، قبل أن يتبين فيما بعد أن الصورة كانت مع حفيدته خلال مصيف.
 
وعلق نقيب المحامين على تلك الواقعة بقوله: البذاءات بلغت حدا لا تتهاوى إليه نقابة عوالم.. يبدو أنني أخطأت في تسخير نفسي وعلمي لمن أردت أن أعيد لهم المحاماة، حسبي الله ونعم الحسب حسبي.
 
ماذا يقول الدين عن «حماة الفضيلة»؟
 
في البداية، كان السائد أن تلك الأصوات الشاذة، قلة قليلة، تعطي لنفسها الحق بالتدخل في حياة الناس الشخصية والخوض في أعراضهم، لكن ما مرور الوقت بدأت الظاهرة تتفشى حتى أصبحوا مجموعات منظمة فيما يشبه اللجان الإلكترونية، دفعت البعض للتساؤل حول من يقف وراء تلك المجموعات ومن يدعمهم، إذ أن المثل الشعبي يقول: النصيحة في العلن «فضيحة».
 
يقول علماء الدين، إنه لا يصلح للإنسان أن ينصب نفسه حكما على الناس وينسى نفسه‏،‏ بل عليه أن ينظر إلى عيوب نفسه أولا قبل أن ينظر إلى عيوب غيره، وعليه أيضا أن يصلح نفسه أولا ثم يحاول إصلاح الآخرين من باب محبة الخير لهم والنصيحة إليهم، وليس من باب تنقيص الآخرين أو التماس عيوبهم، فإن هذا هو ما نهى عنه الإسلام، إذ أن الإنسان المسلم لا يسوغ له شرعًا أن يتطاول على أخيه وأن يرميه بالباطل أو أن يتدخل في حياته الشخصية لمجرد النيل منه أو لمجرد الذم.
 
وكما يقول الرسول (ص): «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ»، فإنه ينبغي على الإنسان أن يشغل باله بنفسه فقط دون أن يترصد ويتصيد للأخرين. ويقول بعض العلماء عن هذا الحديث، إنه يعدل ثلث الإسلام لأنه اجتمع فيه الورع والزهد كله لأنه أصل عظيم من أصول تهذيب النفس وتزكيتها، فإلاسلام بالأساس جاء ليتمم مكارم الأخلاق، ومن ثم فإن ترك ما لا يعنيك من الإسلام.
 
بل حتى إذا كان الأمر يتعلق بالدعوة الحسنة، فالأمر أيضا لا يحتاج على الإطلاق التدخل في شئون الآخرين، لأن أساس الدعوة هو اللين والموعظة، قال تعالى: « ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»، فالإنسان إذا ابتعد عمَّا لا يعنيه، ولم يدخل في مشاكل الناس، ولا في سؤال فلانٍ وفلانٍ عمَّا لا يعنيه، فهذا هو من كمال إيمانه، لأنه قد يدخل في شيءٍ يضره، أو يُشوش على غيره، أو يُسبب فتنة، فمن من تتبع عورات الناس تتبع الله عورته.
 
علم النفس يفضح «حماة الفضيلة»
 
وبينما يحذر أطباء علم النفس، على الدوام من التدخل في حياه الآخرين والتعمق في السؤال عن خصوصياتهم، وذلك لأنه يضر بالإنسان وبنفسيته، يؤكدون إن التدخل في شؤون الأخرين هو سلوك لا أخلاقي بالأساس، منتشر في المجتمع بقصد تصيد أخطاء الأخرين أو إزعجهم واستفزازهم، والشخص المتطفل لا يحترم خصوصيات الآخرين ولا مشاعرهم ولا أحساسايهم وظروفهم الخاصة.
 
وبحسب الأطباء، فإن المتدخلين في شؤون الغير يعانون من اضطرابات نفسية واجتماعية غير سوية، حيث لا يشعرون بالسعادة إلا من خلال التطفل والتدخل في شؤؤون الآخرين، والشخص المتدخل هو شخص انتهازي وقلق وساذج أحيانا، ومن خصائصه أنه يعاني من فراغ في حياته ولديه نوع من حب التلسط والسيطرة ويتصف بالثرثرة ونقل الكلام، إذ يشعر بالنقص وحاجته إلى تقدير المجتمع له ويفتقد الأمن النفسي.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق