القاهرة التي لا تنام.. هل تنام مبكراً بسبب إجراءات كورونا؟

السبت، 20 يونيو 2020 07:30 م
القاهرة التي لا تنام.. هل تنام مبكراً بسبب إجراءات كورونا؟
القاهرة التي لا تنام
محمد الشرقاوي

 
القاهرة التي لا تنام.. قد تجبر على ذلك، محاولات متكررة لتلقيم أهاليها حبوب منومة، منذ 2012، فالعاصمة تدور في صخب لا تنفك عنه على مدار 24 ساعة يومياً، العيون يقظة وسكانها يتناوبون عليها. 
 
منذ مارس الماضي، أجبرت القاهرة ومحافظات الجمهورية أيضاً على النوم مبكراً، مع فرض حظر حركة- ضمن إجراءات الدولة الاحترازية لمنع تفشي وانتشار فيروس كورونا-، لكن قد يمتد حظر الحركة على المواطنين ليلاً، حتى بعد السيطرة على الوباء، ولكن حظر الحركة في تلك الأثناء سيكون مختلفاً، فمن المحتمل إجراء تعديلات قانونية تتيح لوزارة التنمية المحلية غلق المحال في الليل، في توقيتات تقرها هي وفقاً لما تراه مناسبا. 
 
الأسبوع الماضي، ألمح المستشار نادر سعد المتحدث باسم الحكومة، أن مجلس الوزراء يدرس عمل مواعيد محددة، ليلاً، لغلق المحال التجارية، وأن وزارة التنمية المحلية تقوم بدراسة هذا الأمر الآن، مع الإشارة إلى أن تلك المواعيد ستختلف من محافظة إلى أخرى.
 
ويأتي ذلك بالتزامن مع خطوات لوزارة التنمية المحلية في هذا الصدد، حيث تعكف على وضع شروط قانون غلق المحلات ليلاً بالفعل، ولم يتم تحديد حتى الآن مواعيد الغلق بالمحافظات، وأنه سيتم تقسيم المحلات التجارية وتحديد أوقات غلقها، ومن المقرر اختلاف مواعيد الغلق على حسب نشاط المحل التجاري فموعد غلق سوبر ماركت يختلف عن محلات الطعام ومحلات الملابس، وسيتم الإعلان عن القانون بمجرد الانتهاء من وضع شروط الغلق سيتم تحديد المواعيد.

2012 وسيناريو مختلف
في عام 2012، حاولت الحكومة المصرية إقرار مواعيد لغلق المحلات ليلاً، لما تسببه من إهدار للمال العام وإهلاك مرافق الدولة، ولم يكتب لها النجاح، نظراً لاعتراض الغرف التجارية بدعوى عدم واقعية ذلك، وحاول اللواء أحمد زكي عابدين، وزيراً التنمية المحلية –آنذاك- إقرار قانون يتيح غلق المحلات مبكراً، وبالفعل اتخذ خطوات جادة في هذا الصدد، ففي 11 أكتوبر من العام نفسه، حصل على موافقة مجلس المحافظين، بشأن تخفيض ساعات العمل للمنشآت التجارية، بحيث تغلق المحال التجارية في العاشرة مساءاً والمطاعم في الثانية عشرة منتصف الليل أما المنشآت السياحية فمسموح لها العمل طوال الـ24 ساعة، وقدرت الحكومة المصرية تكلفة التشغيل الليلي للكهرباء والطاقة بنحو 6 مليارات جنيه، وهو ما يعني أضعافها وأكثر في التوقيت الحالي، بعد الارتفاعات المتكررة التي شهدتها أسعار المحروقات.
 
وزير التنمية المحلية قال آنذاك: "ما ينفعش الناس تفضل سهرانة على المقاهي طوال الليل.. المفروض تنام بدري علشان تعرف تشوف شغلها".

إرهاصات قرار الغلق في 2010 
قبل 10 أعوام من الآن، حاولت آخر حكومة في نظام الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، برئاسة أحمد نظيف، تطبيق ذلك القرار واستطلعت آراء الشارع والغرف التجارية، لكن ظل حبيس الأدراج، في 23 نوفمبر 2010، علق محافظ القاهرة الأسبق، الدكتور عبد العظيم وزير، على ذلك، قائلاً إنه لا توجد عاصمة أو مدينة كبرى بالعالم ليس بها نظام محدد في مواعيد فتح وإغلاق المحلات، وأن الحكومة تنوي ذلك، بناء على دراسة متأنية واستطلاع رأي كل العناصر المرتبطة بذلك، وهم التاجر والمواطن وإدارة المدينة.
 
وعلل عبد العظيم وزير، نية الحكومة، بأن تفعيل القرار له فوائد عديدة تعود على الصالح العام، منها: ترشيد استهلاك الكهرباء الذي سيساهم في ترشيد الطاقة الناتجة عن محطات توليد الكهرباء، وما تسببه من تلوث بيئي واحتباس حراري، بالإضافة إلى أهمية القرار في تخفيف الضغط المروري على مدار اليوم، ومساعدة شركات النظافة على القيام بواجباتها وتجميع المخلفات الناتجة من المحلات في مواعيد منتظمة، بالإضافة إلى إتاحة الفرصة للمدينة بتجديد هوائها ومناخها. 
 
وعطلت أحداث 25 يناير 2011 تحركات الحكومة لفرض قرار غلق المحلات مبكراً، لكن عاودت حكومة هشام قنديل استكمال ما سبقت به حكومة أحمد نظيف. 

الغرف التجارية بين 10 / 2020 
من 2010 ويتباين موقف الغرف التجارية حول قرار الغلق فما بين ترحيب ورفض، من بداية عرض المقترح للرأي العام، في 2010، حاولت الحكومة استطلاع رأي أكبر عدد من التجار ومعرفة توجهاتهم، خاصة بعد أن أبدى الكثير منهم الرغبة في تحديد المواعيد لما له من جانب اجتماعي واقتصادي يعود بالنفع على التاجر شخصياً، ثم سيتم عرضه ومناقشته من خلال المجلس الشعبي المحلي للمحافظة قبل اتخاذ أي قرار.
 
وفي 2010 تقدمت الغرفة التجارية بالقاهرة بمقترحات لمواعيد غلق المحلات في 2010 كانت قريبة من المواعيد الطبيعية فكانت في العاشرة شتاء والحادية عشرة أو الثانية عشرة صيفا، وهي المواعيد التي يمكن اقتراحها أيضا خلال الفترة الحالية، لكن في 2012، اعترض عليه أعضاء الاتحاد العام للغرف التجارية بدعوى أن القرار لا يراعي ظروف وطبيعية النشاط التجاري داخل كل محافظة الأمر الذي يجعل تنفيذه صعباً خاصة في ظل انتشار التجارة العشوائية واستمرار ضعف الحالة الأمنية.
 
وخلال العام الجاري 2020، أبدت الغرف التجارية استعدادها من حيث المبدأ لكن اختلفت التعليقات من رؤوساء الشعب، خلال الأسبوع المنصرم، قال أشرف هلال رئيس شعبة الأدوات المنزلية، إنه ليس هناك اعتراض من حيث المبدأ على تحديد مواعيد غلق المحلات التجارية، وإنه مقترح موجود وأثير منذ أكثر من عام، لافتاً إلى أن نجاح المقترح يتوقف على كيفية التطبيق والمواعيد المقترحة لغلق المحلات، وأيضا ضرورة المساواة في المواعيد بين المحلات من نفس النشاط الواحد سواء كانت في الشوارع التجارية المختلفة أو في المراكز التجارية "المولات" بما لا يخل بمبدأ المنافسة.
 
واتفق معه في ذلك رئيس شعبة الملابس بغرفة القاهرة التجارية، عمرو حسن، قائلاً إنه من المهم أن يكون هناك مواعيد محددة لغلق المحلات حتى لا يترك الأمر مفتوحاً لبعضها للعمل حتى الفجر، فهناك العديد من الدول التي تطبق هذا النظام وهو أمر لابد من تنظيمه في مصر.
 
وطالب رئيس الشعبة الحكومة بأن تراعي عند التطبيق طبيعة عمل كل نشاط: "فمثلا الحركة الحقيقية في قطاع الملابس تبدأ بعد المغرب وحتى الحادية عشرة أو الثانية عشرة مساءً، كما أن المستهلك لديه ميل أكثر للخروج والسهر يوم الخميس أو أيام الإجازات فلابد من مراعاة كل هذه العوامل".
 
المؤكد أنه لا توجد عاصمة أو مدينة كبرى بالعالم ليس بها نظام محدد في مواعيد فتح وإغلاق المحلات، غير أن هلال علق على ذلك، بقوله: إن كل دولة لها ظروفها وبالتالي في حالة تطبيق مواعيد للغلق لابد أن تتناسب مع طبيعة النشاط التجاري في مصر، وأيضا لابد من تشديد الرقابة على تنفيذ الغلق في هذه المواعيد لتحقيق المساواة بين محلات النشاط الواحد.
 
وعلل ذلك، بأن طبيعة الحياة في الدول الأوروبية وغيرها من الدول التي تشهد إغلاقا مبكرا للمحلات تختلف عن الطبيعة في مصر والدول العربية، خاصة أن عمل بعض الموظفين يمتد إلى السادسة أو السابعة مساءً في بعض الأحيان.
 
ووفق تصريحات عمرو حسن، فإن مقترح تحديد مواعيد غلق المحلات التجارية مقبول من حيث المبدأ، وأنه ليس بجديد حيث كان هناك شبه اتفاق بين الحكومة والغرفة التجارية على تنفيذ هذا المقترح في عام 2010، ولكنه توقف بعد أحداث يناير 2011 وما بعدها.
 
وفي تصريحات تليفزيونية طالب عادل المصري رئيس غرفة المنشآت السياحية بالاتحاد المصري للغرف السياحية، باستثناء المحلات السياحية، وقال إنه من الصعب تطبيق قانون غلق المحلات على المقاهي والمطاعم السياحية فلا يمكن حرمان السائح من السهر والترفيه، وعلل طلبه بأن السائح العربي لا يأتي من أجل الطعام ولكنه يأتي لزيارة مصر للاستمتاع بالسهر والحفلات الفنية والتنزه، مضيفاً أن قوة مصر الناعمة في السهر بالحفلات الفنية وسماع أغاني أم كلثوم وغيرها فلذلك لا يمكن تحديد موعد لغلق المطاعم السياحية بعد انتهاء أزمة كورونا.

البرلمان بدأ التحرك في 2018
المطالبات بإغلاق المحلات في البرلمان بدأت بشكل فعلي في 2018، حينما طالب برلمانيون بسرعة وجود تشريع يحدد مواعيد عمل وغلق المحال التجارية في مصر، توفيراً للطاقة وعدم وجود ما أسموه بحالة الفوضى في فتح وغلق المحال التجارية والمقاهي، وأن يستثني من ذلك الصيدليات، ولتطبيق مثل هذا القرار يتطلب الأمر دراسة جيدة تقوم على مشاركة اتحاد الغرف التجارية وأصحاب المحلات والمولات الكبرى لمعرفة آلية التطبيق بطريقة صحيحة، وبالفعل هو ما يقوم عليه المقترح المزمع إقراره.
 
وفي نوفمبر 2018، تقدم النائب يسرى الأسيوطي عضو لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، بمقترح البرلمان لغلق المحال التجارية في توقيتات معينة واستثناء فقط محلات الأكل والصيدليات، معللاً طلبه، بأنه لا يوجد دولة في العالم يظل فيها الكافيهات ومحلات البلايستيشن تعمل طوال 24 ساعة فهذا يساعد المواطنين على الخمول وبالتالي لا بد من قانون ينظم مواعيد العمل للمحلات التجارية.وفي ديسمبر من العام نفسه، ناقشت لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، طلب الإحاطة المقدم من النائب سمير البطيخى، بشأن ضرورة تحديد مواعيد لفتح وغلق المحلات العامة عدا الصيدليات والمحلات الحاصلة على رخصة من وزارة السياحة.

هل الحل في حوار مجتمعي؟
خلال الأيام الماضية، طالب رؤوساء شعب بغرف التجارة بضرورة إجراء حوار مجتمعي، حول المواعيد المناسبة للإغلاق، ومن المتوقع حدوث حوار بين منتسبي كل شعبة ونشاط واحد وبعضهم البعض للاتفاق على نظام يرضي الجميع، وتأتي أهمية الحوار من أجل التوصل إلى صيغة ترضي كل الأطراف وتحقق النظام والمساواة وتراعي الطبيعة المختلفة للنشاط التجاري بشكل عام في مصر، وأيضا تراعي طبيعة كل نشاط وقطاع والتي تختلف عن غيرها من الأنشطة.
ودعا شريف يحيى رئيس شعبة الأحذية بغرفة القاهرة التجارية، إلى حدوث حوار مجتمعي حول المواعيد المناسبة للإغلاق، وهو أمر متوقع سواء بين الغرف التجارية والحكومة خاصة مع وجود إبراهيم العربي على رأس اتحاد الغرف التجارية، كما أن من المتوقع حدوث حوار بين منتسبي كل شعبة ونشاط واحد وبعضهم البعض للاتفاق على نظام يرضي الجميع.

اسمها القاهرة التي لا تنام
الأمر أثار ردود فعل على مواقع التواصل الاجتماعي، بين مؤيد ومعارض، يقول المدون وائل دياب، في منشور على صفحته: "بصراحة مقترح غلق المحلات بدري بعد مرور الأزمة ليا فيه رأي غريب عن شخصيتي، أغلب الناس عارفة أني بعد ما قررت حياتي كدا تبقى Healthy، بقيت أنام بدري جداً وأصحى بدري جداً، الاستايل ده صحي ومفيد ذهنياً وبدنياً ما نكرش نهائي بس حقيقي في ملايين الجنيهات بتتصنع في الليل، ده حتى اسمها (القاهرة التي لا تنام)، يعني أنا شخصياً كنت بشوف الأجانب سهرانين في أم كلثوم لحد ما يجي عليهم الفجر ومحلات العصير اللي في الكوربة ومصر الجديدة اللي العربيات عندهم بتبقى ب 3 صفوف وقهوة أسوان الناس قاعدين عليها لحد الفجر وبيقوموا بالعافية".
 
واستطرد: "على حلاوة الناس على الكورنيش وبائعين الترمس والحمص والشاي لحد ما الناس تشوف الشمس وهي بتطلع من النيل ويروحوا، مفيش مرة أروح نزلة السمان إلا وأشوف أجانب بيجو الساعة 2 بليل ويشترولهم حاجات ويخشوا يختاروا الخيل ويركبوا ويطلعوا الجبل يشو ويسهروا لحد ما يشوفو الشمس وهي بتطلع من بين الأهرامات"، وأضاف: "مصر بليل بتكون زي العروسة في غاية جمالها "حرام نطفيها" وخصوصاً الناس دي مخسرتش قليل في أزمة كورونا".
 
وتتالت ردود الفعل على مواقع التواصل، حول تقديم أطروحات مؤيدة للمقترح الحكومي، بأن مثل تلك الخطوة تهدف إلى تنظيم أوقات العمل وتنشيطها في الصباح الباكر، وهو ما يتطلب إجراءات حازمة للتطبيق الفعلي نظراً لتغيير عادات المصريين، لإلزام هذه المحلات بالمواعيد الجديدة، بما يساعد في ترشيد الطاقة والكهرباء، بالإضافة إلى تحقيق الترابط الأسري، وتحسين الصحة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق