يوسف أيوب يكتب: الجديد في سد النهضة.. السودان تزداد قناعة بأنها الأكثر تضرراً

السبت، 20 يونيو 2020 07:30 م
يوسف أيوب يكتب: الجديد في سد النهضة.. السودان تزداد قناعة بأنها الأكثر تضرراً
سد النهضة
يوسف أيوب

 
الأسبوع الماضى كان كاشفاً للعديد من المعطيات المتعلقة بمفاوضات سد النهضة، أهمها على الإطلاق العقيدة التي باتت راسخة لدى الاشقاء السودانيين بأن للسد تأثيرات سلبية عليهم أكثر من تأثيره على مصر، لذلك تابعنا كيف دفعت الخرطوم بكل ثقلها لكى تعيد إثيوبيا إلى المسار التفاوضى وفق الرؤية الحاكمة للمفاوضات التي وضعتها القاهرة منذ البداية، وقبل التوقيع على اتفاق إعلان المبادئ 2015، وهى قاعدة "لا ضرر ولا ضرار".
 
التصريحات التي نسمعها ونتابعها يومياً من الخرطوم تؤكد هذا المعنى، والدافع الرئيسى من وجهة نظرى أن اشقائنا نفذ صبرهم، فقد كان حبل الصبر مع أديس ابابا ممتداً على أمل أن يجد جديد في الموقف التفاوضى الإثيوبى، لكن هذا الجديد لم ياتى، بل زاد التعنت بل والتعسف الإثيوبى، وكان أكثر وضوحاً في مفاوضات واشنطن، التي ما كادت أن تصل إلى أتفاق يراعى مصالح الجميع في فبراير الماضى، حتى وضعت أديس أبابا كعادتها العراقيل، ليضيع مجهود شهور من التفاوض هباء، وهو ما أثار ليس فقط غضب وحفيظتنا نحن في مصر، بل اشقائنا في الخرطوم الذين كان لديهم أمل أن يتغير الموقف الإثيوبى لكن هذا لم يحدث.
 
وزاد على ذلك أن هناك قناعة باتت راسخة في العقلية السودانية الآن أن السد عكس ما تروج له إثيوبيا، فهو سيلحق الضرر الأكبر بالسودان، لعدة أسباب أهمها على الإطلاق عدم توافر عنصر الأمان في بناء السد، وهو ما سيعرض السودان لخطر كبير حال إنهيار السد أو أجزاء منه، خاصة أنه يتواجد على بعد 40 كيلو متر فقط من الحدود الإثيوبية مع السودان، يضاف إلى ذلك أن أديس ابابا بدأت خلال الشهور الماضية في افتعال الكثير من المشاكل الحدودية مع السودان، وكأنها تريد توصيل رسالة سلبية لأشقائنا بانهم أقوى من الجميع، وأنهم غير مهتمين بخسارة أحد.
 
الأسبوع الماضى أجرت الزميلة "أسماء نصار" حواراً في "اليوم السابع" مع الدكتور أحمد المفتى، خبير القانون الدولى، والعضو السابق في الوفد السودانى بمفاوضات حوض النيل، ولأنه كان الأقرب للمجموعة التي حاولت استرضاء أديس أبابا خلال نظام حكم "البشير" كما أنه يتابع عن كثب اليوم مفاوضات سد النهضة، فإن الرجل لديه ما يقوله، ويستحق ان نستمع له جيداً، لنعرف إلى أين ستسير المفاوضات.
 
الدكتور أحمد المفتى، قال أن السودان هي الأكثر تأثراً من سد النهضة، لافتقاده لعناصر الأمان، وأيضاً لتأثيره على حصة الخرطوم المائية، خاصة أن إثيوبيا ترفض الالتزام بالحصص التاريخية لدولتى المصب "مصر والسودان"، وهذه نقطة مهمة، يجب أن تأخذ منا وقتاً لدراستها والبحث عن أسبابها، فالقصة لم ولن تكون أبداً سد النهضة، وإنما هي محاولات للإضرار بمصالح دولتى المصب "مصر والسودان" تحت مسميات مختلفة ومتعددة، أمس كانت "اتفاقية عنتيبى" واليوم "سد النهضة"، ولا نعلم ماذا سيكون غداً.
 
وأكثر ما لفت انتباهى فيما قاله الدكتور أحمد المفتى، أن السودان يعانى من أزمة مياه، وأن السد سيزيد هذه الأزمة، فضلاً عن أضراره البيئية الجمة على السودان، وهنا يجب أن يكون لأشقائنا في الخرطوم وقفة، أساسها ما يحدث الأن، وهو دراسة أثار السد وفق المنطق والعلم، وليس التحيز لرأى، ومن يتابع مسار الأحداث والأفكار والنقاش الدائر حالياً في الخرطوم سيجد إدراكاً لمخاطر السد عليهم، محاولين البحث عن حلول ومخارج حتى لا تتعقد الأمور أكثر من ذي قبل.
 
وبالعودة إلى قصة اختلاق إثيوبيا للمبررات لمحاولة فرض قراراها على دولتى المصب، فهذه حقيقة لا تقبل الشك، فالذرائع متعددة ومختلفة، لكن الهدف واحد، وهو تطويع مصر والسودان، لذلك فمن رأيى أنه من الخطأ التصور أن أزمة سد النهضة وليدة اليوم أو اللحظة الآنية، لأن التاريخ حافل بالكثير من الوقائع الشبيهة بما نعايشه حالياً، فاليوم سد النهضة، ومن قبله كانت هناك سدود أخرى كثيرة، لكنها كانت "سياسية" قبل أن تكون إنشائية، هدفها واحد، وهوة الرغبة في تجويع مصر، من خلال قطع مياه النيل عنها، وهنا أتذكر حواراً للكاتب الراحل محمد حسنين هيكل، قبل عدة أعوام مع الإعلامية لميس الحديدى على قناة "CBC"، تحدث خلاله عن رؤيته لأوضاع مصر والمنطقة، وضمن ما قاله ما يؤكد أن هناك دولا كثيرة تسعى لإضعاف مصر من خلال تجويعها بقطع مياه النيل عنها، قائلًا :"دول ومرسومات بابوية وأباطرة في الغرب يتصوروا أن إنهاء الحروب الصليبية وإسقاط دور مصر سيكون من خلال تجويعها وقطع المياه عنها".
 
ولكى يكون أكثر تحديداً قال الكاتب الراحل إن التخطيط لقطع مياه النيل عن مصر بدأ منذ أكثر من 800 عام، حيث حصل الرحالة "فاسكو دي جاما" على تعليمات من البابا إسكندر الثالث بقطع مياه النيل عن مصر، عقابا على نجاح صلاح الدين في هزيمة الغرب الأوروبي بالحروب الصليبية، شارحاً تفاصيل ما حدثه بقوله أن " فاسكو دي جاما تلقى تعليمات من البابا إسكندر الثالث باكتشاف طريق لإفريقيا آخر بخلاف مصر، وقال له إن هناك معلومات بأن هناك في شرق إفريقيا ملك مسيحى ومملكة مسيحية حاول أن تجد طريقًا إلى الملك المسيحى، اسمه يوحنا، أرسل له بعثه لتحويل مياه النيل التي تذهب إلى المصريين بعيدًا عنهم، وبذلك قد نستطيع أن نقضي على مصر نهائيًا".
 
 وأضاف هيكل" الرحالة فاسكو دي جاما دمر كل الموانئ المسلمة الموجودة على شرق إفريقيا، وأرسل بعثة إلى الحبشة والتقت الملك المسيحي، كما أن الإيطاليين حينما احتلوا إثيوبيا أرادوا قطع مياه النيل عن مصر وتجويعها وإخراج الإنجليز منها، وحاولوا ذلك من خلال تكليف بعثة هندسية لتحويل مياه النيل للمحيط".
 
 ما قاله الراحل الكبير محمد حسنين هيكل، قبل عدة أعوام بشأن مخططات تجويع مصر بقطع مياه النيل عنها، يضع أيدينا على حقائق مهمة، لا ترتبط فقط بالعكوسات التي تضعها إثيوبيا في وجه مفاوضات سد النهضة، وإنما أيضا بكل ما قيل ونشر منسوباً لمراكز أبحاث دولية، تحدثت عن رغبة دول إقليمية في استخدام مياه النيل كوسيلة لخنق مصر وشعبها، خاصة مع تأكد كل هؤلاء الارتباط الوثيق بين الأثنين، فلا مصر بدون النيل، لذلك فالأمر تخطى نظرية المؤامرة التي طالما يصدرها البعض حينما نتحدث عن رغبة أطراف إقليمية ودولية في استخدام ملف مياه النيل كورقة ضغط ضد مصر، لأن القصة تخرج عن إطار "النظرية" وعلينا أن نضعها في قالبها الصحيح، فهى حقيقة مؤكدة وتاريخية وليست نظرية.
 
وإذا أضفنا هذه الحقائق التاريخية إلى ما قاله الدكتور أحمد المفتى، والعديد من الخبراء السودانيين، سنصل إلى القناعة الراسخة بأن السد ليس الا حلقة للتأثير ليس فقط على مصر وإنما أيضاً السودان، لذلك فإن القول بإمكانية التوصل إلى حلول للأزمة على خلفية عودة وزراء الرى في كلاً من مصر والسودان وإثيوبيا للاجتماع مرة أخرى بتقنية "الفيديو كونفراس"، هو تفاؤل غير معلوم مصدره، لأن العودة إلى طاولة المفاوضات ليست هي المطلوب، وإنما الهدف هو التوصل إلى حلول وهو أمر غير واضح الآن.
 
الحل سهل ويمكن التوصل إليه في أقرب وقت، لكن تبقى المشكلة في الإرادة الإثيوبية التي يبدو أنها ليست مهيأة اليوم للحل الذى يرضى مصر والسودان، وهو التمسك بالاتفاق الذى انتهى إليه مسار المفاوضات التى أجريت فى واشنطن لكونه اتفاق منصف ومتوازن، ويمكّن أثيوبيا من تحقيق أهدافها التنموية مع الحفاظ على حقوق دولتى المصب، مع أهمية أن تقوم أثيوبيا بمراجعة موقفها الذى يعرقل إمكانية التوصل لاتفاق، وتمتنع عن اتخاذ أية إجراءات أحادية بالمخالفة لالتزاماتها القانونية، وخاصة أحكام اتفاق إعلان المبادئ المبرم فى 2015، لما يمثله هذا النهج الأثيوبى من تعقيد للموقف قد يؤدى إلى تأزيم الوضع فى المنطقة برمتها، وأن تضمن أديسي ابابا عنصر الأمن والأمان للسد، لأنه لا يعقل أن تتحدث إثيوبيا عن رغبتها في التنمية، وتتجاهل حقيقة مؤكدة أن هذه التنمية التي تتحدث عنها ستأتى على حساب شعب سيعانى الدمار إذا تعرض السد او جزء منه للدمار.
 
على إثيوبيا إدراك أن قضية المياه وتأمين الحدود أحد أبرز شواغل مصر والسودان، لذلك فليس هناك أي مجال لتجاوز هذه الحقيقة، والا نكون أمام وضع أخر يتطلب التحرك وفق آليات جديدة تتناسب مع التعنت والتعسف الإثيوبى، ومن هذه المسارات ما قاله وزير الخارجية سامح شكرى، من خلال الذهاب إلى مجلس الأمن لكى ينهض بمسؤولياته فى تدارك التأثير على السلم والأمن الدوليين عبر الحيلولة دون اتخاذ إثيوبيا إجراء أحادى يؤثر سلباً على حقوق مصر المائية.
 
هذه هي حقائق سد النهضة التي نعيشها حالياً، وهذه هي المواقف التي بدأت تتضح للجميع، ولم يعد متبقياً امامنا الا أن نصل إلى اللحظة الختامية، إما أن نرى الدول الثلاثة على مائدة واحدة للتوقيع على أتفاق عادل للجميع أن نسلك الخيارات الأخرى التي تحفظ لمصر والسودان حقوقهما وتحمى شعوبهما.. والأكيد في كل ذلك أن الاتجاه إلى أيا من الطريقين سيكون مرتبط بالموقف الإثيوبى، لأنه اليوم المطالب بان يكون أكثر وضوحاً.. هل يريد التعاون ام الصدام؟.
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة