بوتين رئيساً لروسيا بلا نهاية

السبت، 04 يوليو 2020 01:59 م
بوتين رئيساً لروسيا بلا نهاية
د. مغازي البدراوي

 
 
 
صوت الشعب الروسي الخميس 2 يوليو على التعديلات الدستورية التي طرحها البرلمان الروسي، والتي تتضمن وتشمل إعادة توزيع الصلاحيات بين الرئيس ورئيس الوزراء والبرلمان، وتوسيع مهمات مجلس الدولة، ومنع المسؤولين الحكوميين الكبار من حمل جنسية أجنبية وامتلاك حسابات مصرفية في بنوك أجنبية، وتوسيع قائمة الشروط التي يجب على المرشح للرئاسة تلبيتها، علاوة على منح الرؤساء السابقين حصانة من الملاحقة القضائية.
 
كما تقضي التعديلات بإدراج ذكر "الرب" في الدستور، ورعاية الأطفال بصفة أولوية رئيسية لسياسة الدولة، وضمان الحد الأدنى لأجور المواطنين الروس بقيمة لا تقل عن مستوى ما يكفي للعيش في البلاد، وإقرار صفة روسيا كوريثة للاتحاد السوفيتي السابق في الاتفاقات والمنظمات الدولية، بالإضافة إلى عدم تنفيذ قرارات الهيئات الدولية التي تتناقض مع بنود الدستور الروسي.
 
وتتضمن التعديلات الدستورية أيضاً مادة تنص على منع رئيس الدولة من تولي الحكم لأكثر من ولايتين على التوالي، لكن ذلك مع تعديل آخر قدمته في شهر مارس الماضي النائبة عن حزب "روسيا الموحدة" في مجلس الدوما، رائدة الفضاء فالينتينا تيريشكوفا، ويقضي بـ"تصفير" عدد ولايات الرئيس الحالي (بوتين)، في حال تبني مشروع القانون الجديد، الأمر الذي سيتيح لبوتين، الترشح لانتخابات الرئاسة عام 2024 و2030.
 
وجاءت نتيجة التصويت، كما هو متوقع، بموافقة أكثر من 77% على التعديلات، بينما رفضها أكثر من 20% معظمهم من المناطق النائية ومن الروس المقيمين في الخارج، خاصة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
 
اللافت للنظر هو الإقبال الكبير على التصويت داخل وخارج روسيا، والذي فسره البعض بأنه تصويت في الأساس على رئاسة بوتين لروسيا مدى الحياة، حيث اعتبر الكثيرون أن هذا هو الهدف الرئيسي من طرح هذه التعديلات الدستورية للتصويت، وأنها أعدت بطريقة ذكية بحيث تم التركيز الرئيسي فيها على الخدمات الحكومية للشعب وعلى التنمية الاقتصادية ومحاربة الفساد، وضمن هذا اندرج بند تعديلات وضع الرئيس في روسيا، وبدا أن عادي بتخصيص مدتين متتاليتين فقط للرئاسة لأي شخص مرشح، وهو الوارد في الدستور السابق، لكن الجديد في التعديلات هو "تصفير" مدد رئاسة بوتين واعتباره مرشح جديد من حقه ولايتين أخرتين للرئاسة، مما يجعله يستمر في رئاسة روسيا حتى عام 2036، عندما يكون قد تجاوز الثمانين من عمره، وهو الأمر الذي دفع البعض لوصفها خطة معدة لهذا الهدف وليس لتعديلات اقتصادية واجتماعية، وربما لهذا كان الحشد الكبير للتصويت والذي فاق الحشد لانتخابات الرئاسة السابقة، كما عكست تصريحات الرئيس بوتين المؤيدة للتعديلات والمحمسة للشعب للتصويت عليها وتأييدها لتزيد الشكوك حول الهدف منها، حيث أعرب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عن دعمه المطلق لحزمة التعديلات المقترحة على دستور البلاد، داعيا جميع المواطنين إلى المشاركة في التصويت الشعبي الجاري بشأنها.
 
وقال بوتين، في رسالة بعث بها إلى المواطنين الروس قبل يوم من التصويت: "نصوت على الدولة التي نريد العيش فيها، مع نظام التعليم والرعاية الصحية المعاصر، وتوفير الحماية الاجتماعية الوثيقة للمواطنين، ومع هيئات الحكم الفعالة الخاضعة للمساءلة من قبل الحكومة. نصوت على الدولة التي نعمل من أجلها ونريد تسليمها إلى أطفالنا وأحفادنا".
 
وأعرب الرئيس الروسي عن قناعته بأن جميع المواطنين المشاركين في التصويت "يفكرون بالدرجة الأولى بأهاليهم ويستندون إلى القيم التي تجمعنا"، موضحا أن هذه القيم هي "الحق والعدالة واحترام رجل العمل وكبار السن والأسرة وحضانة الأطفال والاهتمام برعايتهم الأخلاقية والروحية"، وتابع: "التعديلات على القانون الأساسي، إذا حظيت بدعمكم، سترسخ هذه القيم والمبادئ كضمانات دستورية أعلى ومطلقة"، واستطرد قائلا: "لا نستطيع ضمان الاستقرار والأمن والرفاهية والحياة الكريمة للمواطنين إلا عبر التنمية، وسوية وبأنفسنا".
 
هذا الحماس الكبير من قبل الرئيس بوتين للتعديلات وللتصويت عليها زاد من شكوك البعض حول أن الهدف من التعديلات هو بقاء بوتين في الحكم وليس بنود الخدمات الحكومية الأخرى، وجاءت ردود الفعل في الخارج، خاصة في واشنطن، على التعديلات وشكل التصويت سلبية ورافضة، حيث اعتبرت الخارجية الأميركية أن الهدف من التعديلات هو بقاء بوتين في الحكم لعام 2036، ولا شيء أخر غير ذلك، وأن بوتين وجماعته كانوا يبحثون عن خطط لتحقيق هذا الهدف، ووجدوا الاستفتاء هو أفضل طريقة لذلك، وأبدت الخارجية الأميركية قلقها من هذا الأمر واعتبرته غير ديمقراطي وتكريس لعبادة الفرد، كما شككت في التصويت الذي جاءت نتائجه عالية في التأييد، وزاد بكثير عن نتيجة فوز بوتين بالرئاسة في الانتخابات الماضية، وهو أمر يراه البعض مبالغاً فيه ويدعو للشك في تزوير التصويت، إذ لا يتصور هذه النسبة العالية في الحضور في التصويت على تعديلات دستورية كانت ستقر سواء بالتصويت أو بدونه عن طريق قوانين يصدرها البرلمان، لكن الهدف هو إظهار تأييد شعبي للرئيس بوتين ولبقائه حاكما لروسيا للأبد. 
 
رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما الروسي، ليونيد سلوتسكي، رد على انتقادات الخارجية الأميركية قائلاً أن تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيما يتعلق بالمخاوف بشأن "التلاعب" المزعوم في التصويت الوطني على التعديلات الدستورية واحتمال "بقاء الرئيس بوتين في السلطة حتى عام 2036" هو تدخل مباشر في الشؤون الداخلية لروسيا". وأضاف: "جميع الادعاءات حول التأثير على نتائج التصويت ليس لها أساس من الصحة وافتراء مباشر".
 
وقال البرلماني الروسي أن: "ليس بيد كل من وزارة الخارجية الأميركية أو المتحدث باسمها أن يقرر من وكيف يجب أن يكون رئيسا لروسيا الاتحادية. ويجب أن يقرر ذلك الشعب الروسي، الذي وافق بأغلبية ساحقة على التعديلات". وطالب بالرد الحاسم على هذه التصريحات على المستويين الدبلوماسي والبرلماني.
 
ولم ينكر الكرملين نفسه أن الهدف من التعديلات الدستورية والتصويت عليها هو التمسك بالرئيس بوتين في حكم روسيا، حيث قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف: "يعتبر الكرملين، نتائج التصويت على التعديلات الدستورية، انتصارا. في الواقع، تم إجراء استفتاء بحكم الواقع على الثقة في الرئيس فلاديمير بوتين".
 
وعلق الرئيس بوتين على نتائج الانتخابات قائلاً: "أريد الإعراب عن شكري العميق لمواطني روسيا على تأييدهم وثقتهم". وأعرب بوتين عن تفهمه لموقف كل من صوت ضد التعديلات من المواطنين. 
 
وستدخل التعديلات الدستورية حيز التنفيذ منذ يوم إعلان نتائج التصويت رسميا، والمؤكد أن التعديلات الدستورية والإقبال الشعبي عليها أكدا مدى تمسك الشعب الروسي بالرئيس بوتين والثقة المطلقة فيه كقائد لروسيا، لكن سيبقى الجدل حولها قائماً بلا نهاية، وسيشتعل أكثر مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة القادمة في 2024، وستشهد روسيا بالقطع صراعاً سياسياً حاداً في الداخل وحملات خارجية رافضة لبقاء بوتين في الحكم. 
 
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة