آيا صوفيا.. باقية في قلب الإنسانية

السبت، 01 أغسطس 2020 07:30 م
آيا صوفيا.. باقية في قلب الإنسانية
آيا صوفيا
محمد الشرقاوي


القديسة المصرية تكشف عورات الديكتاتور التركى وتفضح عداءه لمصر واساءته للإسلام
 
الجمعة قبل الماضية، تخيل أرباب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن الله قد مكن لهم في الأرض، بتحويل كنيسة "آيا صوفيا" لمسجد، فحجوا إليها كما أن لو أن الحج ليس بعرفة. 
 
هكذا ظنوا، ومنوا أنفسهم بأنه فتح من الله، لذا صعد رئيس هيئة الشؤون الدينية- أعلى هيئة دينية في تركيا- علي أرباش، المنبر حاملاً سيفاً، في يده، وكأنه تقليد عثماني له دلالات في عقل أردوغان.

حكم صعود المنبر بالسيف
حمل صعود أرباش المنبر بسيف- قيل إنه سيف محمد الفاتح- دلالات كثيرة، فما بين توجيه رسائل سياسية لخصوم أردوغان وبين رسائل حول عودة الخلافة العثمانية، ورسائل أخرى.
 
قبل الخوض في الرسائل التي دلل عليها صعود المنبر بالسيف، وجب معرفة حكم الدين الإسلامي، في هذا التصرف، يقول الشيخ صالح عبد الحميد، عضو لجنة الفتوى بمشيخة الأزهر الشريف، إن ذلك ما هو إلا تعبير عن الجهل، ويمنح فرصة للمتربصين بأن الإسلام قد انتشر بحد السيف، ولم يكن ذلك من هدى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهو ما رجحه علماء السنة والحديث.
 
يضيف عبد الحميد، أنه كان من هدي النبى أن يصعد متكأ علي عصا فقط، والدليل علي ذلك ما رواه الإمام ابن القيم رحمه الله، بقوله: ولم يكن النبي يأخذ بيده سيفاً ولا غيرَه، وإنما كان يعتَمِد على قوس أو عصاً قبل أن يتَّخذ المنبر، وكان في الحرب يَعتمد على قوس"، لافتاً إلى أن النبي في الجمعة كان يعتمِد على عصا، ولم يُحفظ عنه أنه اعتمد على سيف، وما يظنه بعض الجهال أنه كان يعتمد على السيف دائماً، وأن ذلك إشارة إلى أن الدين قام بالسيف: فَمِن فَرطِ جهله، فإنه لا يُحفظ عنه بعد اتخاذ المنبر أنه كان يرقاه بسيف، ولا قوس، ولا غيره، ولا قبل اتخاذه أنه أخذ بيده سيفاً البتة، وإنما كان يعتمِد على عصا أو قوس.
 
الحكم الفقهي واضح بأن السيف ليس من الدين في شيء، غير أن أتباع أردوغان غالوا في تفسير ذلك، وقالوا إن السيف طالما محمول باليد اليسرى فهو يهدف إلى "منح الثقة للحلفاء"، فيما يدل حمل السيف باليمين على "نية استخدامه، أي ترهيب العدو"، ويعنى ذلك إشارة إلى توطيد حكم الخليفة الموهوم أردوغان، الذي صدق نفسه أنه أحد الخلفاء، وأن السيف مرفوع في وجه كل من يقترب منه ويعارضه، وأن جزاءه الموت، ويعزز هذا التوجه، ما تمر به الحياة السياسية في تركيا حالياً، فالدولة التي باتت حبيسة لانتهاكات حقوق الإنسان، تمر بفترة عصيبة، في ظل تفشي الظلم الأردوغاني، ويقول مركز "أوراسيا ريفيو" الأمريكي للدراسات والبحوث، إن الديكتاتور التركي رجب طيب أردوغان يرتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في تركيا باستخدام مصطلحات مثل الانقلاب العسكري الفاشل عام 2016، كذريعة لإسكات وسائل الإعلام، وسجن أكثر من 150 صحفيًا، وسجن نحو 80.000 يشتبه في انتمائهم إلى حركة جولن، وطرد 150.000 ضابطًا عسكريًا وموظفًا حكوميًا من أعمالهم في خطوة عرفت بتطهير الجيش والشرطة، وشارك في عملية منهجية للتطهير العرقي ضد الأقليات في تركيا وشمال سوريا.
 
وأكد المركز مواصلة اضطهاد أردوغان الممنهج ضد الطائفة الكردية، ويواصل حربًا استمرت 50 عامًا ضد حزب العمال الكردستاني، والذي يعتبره منظمة إرهابية، ويرفض استئناف المفاوضات مع الأكراد وإنهاء المذبحة التي أودت بحياة نحو 40.000 شخص. ورغم كل ذلك يظل أتباع الفاشية أنه خليفة عادل.
 
عودة الخلافة العثمانية 
ولكي يعيد الأتراك الخلافة العثمانية عليهم نسيان الصفعة المصرية التاريخية، والتي لا يمكن محوها من التاريخ، وهي معركة قونية، والتي وقعت في 21 ديسمبر 1832، بين مصر والدولة العثمانية، خارج مدينة قونية (تركيا حالياً)، كان قائدها إبراهيم باشا، بينما قاد العثمانيين رشيد محمد خوجة باشا، وانتهت المعركة بانتصار ساحق لجيش محمد على واقتراب إبراهيم باشا من الآستانة عاصمة الدولة العثمانية.
 
وقد تكون الدلالة الأكثر رواجاً على مواقع التواصل الاجتماعي بعيداً عن الرسائل السياسية المبطنة، حيث تم تحويل الكنيسة إلى مسجد، في الذكرى الـ97 لتوقيع اتفاقية لوزان وهي الاتفاقية التي وقعت في 24 يوليو 1923، في سويسرا، وتعد بمثابة شهادة الوفاة الرسمية للدولة العثمانية وميلاد الجمهورية التركية المعاصرة بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، ورجح مراقبون ومختصون في الشأن التركي ذلك الأمر.
 
وتتألف معاهدة لوزان من 143 مادة، أهمها تلك التي تتعلق بتنظيم وضع تركيا الدولي، ورسم الجغرافيا السياسية لتركيا الحديثة وتحديد حدودها مع اليونان وبلغاريا إضافة إلى ترتيب علاقتها مع دول الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية.
 
ويقول كتاب "ذكريات السلطان عبد الحميد الثاني" أن تقليد السيف كان من المراسم المهمة لدى سلاطين الدولة العثمانية، وكان سيف الفتح المقدس كما يسمونه يقلد إلى الأمراء الذين يتولون عرش الدولة العثمانية، وكان أول من تقلد به السلطان محمد الفاتح، حيث قلده العلامة "آق شمس الدين" حيث قلد السيف حول منطقة خصره ودعا له، وقد استمدت مراسم تنصيب أي سلطان جديد من هذا التقليد.
رسائل إلى مصر
يصنف الرئيس التركي كل معارضيه أعداء، حتى وإن كانوا أشخاص ودول، وفي ظل سياساته الرامية لإحياء حكم جماعة الإخوان الإرهابية، تبقى الدولة المصرية عدو في نظر الفاشي، فالدولة المصرية هي من أسقطت خلافة أجداده قديماً، واتباعه الإخوان حديثاً.
 
والمعروف أن تقليد السيف هو عادة عثمانية في الأساس، ومنها أيضاً "تعليق رايتين على منبر المسجد ووضع سيف على جانب المدخل الأيمن للمنبر"، ويعزز ذلك ما أكده خطيب أردوغان بأن هذه العادة ستستمر مستقبلاً، وهي إشارة إلى فتح القسطنطينية عام 1453، وبعيدا عن كون السيطرة على مدينة القسطنطينية فتح أو احتلال، في ظل وجود تفسيرات وسياقات مختلفة لحديث فتح القسطنطينية، فإن السلطان العثماني محمد الفاتح، كان أول من ألقى خطبة الجمعة متقلداً السيف في الجامع الكبير بمدينة "أدرنة" قبل فتح إسطنبول، واتّبعه السلاطين لستة قرون تالية، وهذا السيف الذي كان يمسكه (أرباش) هو سيف السلطان محمد الفاتح.
 
الرسائل الأردوغانية لمصر وبالتحديد للكنيسة المصرية، بتحويل الكنيسة التاريخية "آيا صوفيا"، له مجموعة من الدلالات رجحها مؤرخون، بداية من كون الكنيسة تحمل اسم راهبة مصرية آيا صوفيا، وتابعة للكاتدرائية الأرثوكسية الأم بمصر. 
 
المؤكد تاريخياً أن كنيس آيا صوفيا، شاهد على مقتل القديسة آيا صوفيا، وصمودها وتمسكها بديانتها المسيحية وتركها لعبادة الأوثان، وكان مقابل ذلك أن قطعت رأسها، وولدت آيا صوفيا في مصر وتحديداً مدينة البدرشين، وكانت في بادئ أمرها تعبد الأوثان، لكن مشاعرها اتجهت نحو المسيحية بسبب جيرانها المسيحيات ومواظبتهن على الذهاب للكنيسة، ونشرهن للمحبة والوداعة، فأرادت أن تتعلم مبادئ الدين المسيحي، وبالفعل ذهبت إلى الكنيسة للتعلم، وبعد أيام قليلة من ذهابها للكنيسة طالبت سر المعمودية وعمدها أسقف منف، وعندما علم الحاكم البيزنطي لقسطنطين، بذلك أمر بإحضارها ومحاكمتها، وعندما سألها عن سبب تحولها من عبادة الأوثان إلى المسيحية، أجابت قائلة: عندما كنت في الوثنية كنت عمياء والآن أنا بصرت".
 
وفق الروايات التاريخية، فإن الحاكم البيزنطي رأى أن حديث آيا صوفيا، أغضب الآلهة، فأمرها بالعودة إلى عبادة الأوثان، لكنها صدمته بإجابتها بأن ما تعبده ما هو إلا حجارة لا تنفع ولكنها تضر، خالية من المشاعر، حينئذ أمر الحاكم البيزنطي جنده بتعذيبها بالسياط، لكن في الوقت نفسه كانت آيا صوفيا تصلى وتدعى له ولحراسة بنعمة البصيرة، رغم أن الوالي البيزنطي أمر بكى مفاصلها بالنار، لكنها لم تعدل عما أرادت، لدرجة أن الوالي أرسل زوجته حتى تقنعها لكنها فشلت، فأمر بعد ذلك بقطع لسانها، ثم سجنها في زنزانة مظلمة، وكانت صوفيا تصلى من أجل الذين عذبوها لتطلب لهم الغفران.
 
بعد ذلك أمر الحاكم بقطع رأسها وقبل أن يقطع عنها صلت صلاة طويلة وسألت ربها بأن يسامح أقلوديوس وجنوده، ثم أحنت عنقها للسياف فقطع رأسها، ويقال أنه كانت هناك امرأة أعطت للجنود أموالا كثيرة وأخذت جسدها ولفته بلفائف ثمينة، ووضعته في منزلها، وكانت تظهر لها منه كرامات كثيرة، حيث أن يوم عيدها يشع منه نورًا وتخرج منه روائح طيبة.
 
وعندما سمع الملك قسطنطين وأمه الملكة هيلانة بالكثير من الكرامات التي تظهر على اسم القديسة وجسدها في مصر، أمر بنقل جسد صوفيا القبطية إلى مدينة القسطنطينية بعد أن بنى له كنيسة عظيمة ووضعوها فيها تكريما لها.
 
قد تكون تلك أحد الدلالات، بعيداً عن كونها انتصار وهمي، التاريخ يقول إن كاتدرائية آيا صوفيا بُنيت في عهد الإمبراطور الروماني جستينيان الأول، عام 537م، وتقع على الضفة الأوروبية في مدينة إسطنبول قبل أن يحولها السلطان العثماني محمد الثاني إلى مسجد عام 1453م، لكن في عام 1935 حُوِّل المسجد إلى متحف، قبل أن تقضي المحكمة الإدارية العليا في تركيا، في يوليو الجاري 2020، بإلغاء المتحف، وإعادة المبنى إلى مسجد.
 
وهناك دلالة أخرى- يقول البعض إنها ضعيفة- وهي الرد على القرار المصري بتغيير اسم شارع "سليم الأول" تاسع سلاطين الخلافة الفاشية، الذي ارتكب كثير من الانتهاكات والإعدامات، وجرد مصر من استقلالها، وجعلها ولاية تابعة للدولة العثمانية، فضلا عن قتله آلاف المصريين خلال دفاعهم عن بلادهم، وأعدم السلطان المملوكي "طومان باي"، آخر سلاطين المماليك وفكك الجيش المصري.

تحويل آيا صوفيا اعتداء على الإنسانية
لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن حول كنيسة لمسجد، ولا هدم ديراً ولا معبد، احتراماً للإنسانية التي رسخها الدين الإسلامي، تقول وزيرة الخارجية الإسبانية، أرانتشا جونساليس لايا، إنه من المهم أن يظل معلم آيا صوفيا جزءا من التراث العالمي الذي تشترك فيه الإنسانية جمعاء، وأنه من المهم بالنسبة لنا أن يتم الحفاظ على روح معلم آيا صوفيا العظيم".
 
وفي ظل حالة الرفض الإنسانية لمثل هذا القرار، دعت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية الكنائس الأرثوذكسية المحلية إلى اتخاذ موقف موحد من تحويل آيا صوفيا في إسطنبول إلى مسجد، وقال ديكون فيودور شولجا، مسؤول إدارة العلاقات الخارجية في بطريركية موسكو: إنه يجب على الأرثوذكسية أن تتضامن، وهو أمر لم تتم ملاحظته حتى الآن، مضيفاً أنه مع تحويل كاتدرائية القرن السادس إلى مسجد، فإن الأرثوذكسية مجبرة على الاستجابة للتحديات الجديدة الخطيرة التي لم تكن موجودة في السنوات السابقة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق