صاحب المقام جرعة روحانية واجبة

الأحد، 09 أغسطس 2020 10:00 ص
صاحب المقام جرعة روحانية واجبة
هشام السروجي يكتب:

قد تتشابه فكرة "صاحب المقام" مع Bruce Almighty الأمريكي بطولة جيم كاري ومورجان فريمان، ففي صاحب المقام الرسائل يوميًا تلقى على قبر الإمام الشافعي، ليكون وسيط ووسيلة الراسل إلى الملأ الأعلى، لكن بروس الخارق كان يرد على الرسائل الإلكترونية المرسلة إلى الله.. كان مفوض منه بالرد والقدرة على التنفيذ بشكل خارق للطبيعة، دون وساطة.قبر الامام الشافعى.
 
التشابه في الفكرة لا ينتقص من فيلم صاحب المقام، لأن قضية التواصل بين الأرض والسماء قديمة قدم البشرية، وشغلت مساحة كبيرة من عقل الإنسانية، كما قامت الأديان بتأطيرها في العبادات كالصلاة والصوم والدعاء وفعل الخيرات، إلا أن شق كبير من فلسفة التواصل الإلهي مع البشرية، لم يرتبط بمدي التزام الفرد بالإطار المحدد في الشرائع، لكنه أرتبط بالحكمة الربانية التي عرفت بالرحمة، حيث لا يحتاج الله إلى أسباب للتواصل مع مخلوقاته، الملتزم منها والمنحرف، وهي الفكرة التي سلط عليها الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى الضوء، ما أكسب العمل بٌعدا روحانيا اعتبره السبب الرئيسي في نجاح هذا المنتج الدرامي الجديد.
 
انتقل الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى في فيلم "صاحب المقام"، من مرحلة رسم الصورة بالحروف في كتاباته، إلى مرحلة تصوير الحروف في سياق درامي متدفق بالمشاعر والروحانية، برغم ما يحمله من عمق فلسفي يناقش قضايا عقائدية كانت لردح من الزمن من المحرمات، وذكاء عيسى مكنه من طرح بديلا ثالثا طالما كان موجوداً لكنه مهمل، بعد أن تأرجح المجتمع بين التشدد والتسيب الديني، وما يحركهم من أدوات سياسية، أدرك الكاتب أن الباب الأن مفتوح أمام التصوف ليكون بديلا أمن يحافظ على العقيدة، لكنه ينزع عنها ما علق في طرف ثوبها من درن العنف والقتل والدم.
 
فرض عيسى شخصيته على مجريات الأحداث، فلا تحتاج أن تشاهد أكثر من دقائق معدودة، حتى تعرف أنه هو كاتب العمل.. صورته تطل في كل كادر وكل جملة ورمزية يؤديها أبطال العمل، السلفيين ونصابهم العداء للصوفية وتقزيم آل البيت، متلازمة المعصية والطرد عن حظيرة الإيمان، الرسائل النورانية التي تأتي بغير ميعاد، تحول القلب القاسي إلى حامل للرسالة، التمرد على المعلوم بالضرورة واخضاعه إلى ميزان النقد خارج سياق المقدسات، التنازع المستمر بين العقلاني والروحاني في النفس البشرية الواحدة، والذي رمز له بالتؤام بيومي فؤاد، وغيرها من الأفكار التي بلورها الكاتب على مدار تاريخه الصحفي والأدبي، كلها تشير إليه وكأنها علامة مائية في خلفية صورة العرض، وهو ما اعتبره البعض ليس بالأمر الجيد، في حين أراه حق مشروع أن يعبر كاتب السيناريو عن قناعاته ويروج لها ويسوقها، ولا أجد ما يعارض ذلك الطرح.
 
جميعنا نكتب الي الله وجميعنا ننتظر الرد في أي إشارة، قد تكون رؤية، شعور ينتابنا، آية تأتيك من الراديو بالتزامن مع حوارك مع الله، وكأنه يرد عليك بلسان الحال، إشارات عديدة ننتظر فيها الإجاية، كي نشعر بالأنس وسط زحام الزيف، غياب الله عن الرد وحشه ما بعده وحشه، حتي أن النبي الدي تلقى الوحي، وحصل على اليقين التام، عاش حالة الهجر حتي جاء الوحي قائلًا – ما ودعك ربك وما قلى- علي هذا الوتر جاء البناء الدرامي للقصة، رد الله على الخطابات التي تصله، وكان الإعجاز في الرد، هو أن رسول الإمام من معسكر لا يؤمن بالإشارات، رسول ناصب العداء للأولياء حتى أنتهك حرمة قبورهم، بل استعان بفريق السلفيين الذي لا يخفي عقيدته المعادية للأولياء، بل ويعتبر كل من يتقرب منهم مشرك.
 
عظمة العمل الحقيقة ليست في الرمزيات التي تناولها، ولا في الاعتماد على الفكرة المباشرة التي طغت في مشاهد عديدة علي الرمزية، لكنها كانت في توقيت طرح الفيلم، الذى تلقفه الجمهور كالأرض الجدباء التي اشتاقت إلي المطر، كانت الحالة العامة في احتياج إلى جرعة روحانية، لكن الأزمة كانت في نبع هذه الجرعة، بعد أن فقد الجمهور رمزية رجال الدين الثقات، حين انهارت صروح وقامات كانوا يحسبونها على علم وإخلاص، إلا أن الثورة وما تبعها من أحداث، كشفت لهم عن زيف هؤلاء على مدار عقود، فجاء صاحب المقام يحمل رمزيات لها من القداسة في نفوس المسلمين مكانة معتبره، وهم آل البيت والأولياء الصالحين.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق