عندما أوقفت الدبلوماسية المصرية طبول الحرب في ليبيا

السبت، 22 أغسطس 2020 09:00 م
عندما أوقفت الدبلوماسية المصرية طبول الحرب في ليبيا
أمل غريب

استطاعت الدبلوماسية المصرية تحقيق انتصارا جديدا، بشأن الأزمة الدائرة في الملف الليبي، وأقف طبول الحرب التي كانت تدق على رؤس أحفاد عمر المختار، ليجنح إلى السلام أولاءك الذين كانوا يرنمون أناشيد الحرب ويعزفون على أوتار الخراب ويغنون ترانيم الدمار، ويرفضون الرؤية المصرية التي كانت تصر دائما على ضرورة فرض الحل السياسي أولا، على طاولة مفاوضات الأزمة الليبية وفقا لمخرجات اتفاقية برلين.
ويعتبر موقف حكومة الوفاق الوطني الليبية، بقيادة فائز السراج، بمثابة المفاجأة الكبرى للأوساط السياسية المعنية بملف الأزمة الليبية، وأربك إعلانها عن وقف إطلاق النار والعمليات العسكرية في جميع أنحاء الأراضي الليبية، وتحويل سرت والجفرة إلى منطقتين منزوعتي السلاح، كل حسابات الطامعين في مقدرات الليبيين، فأدخل الإعلان تغيرات كبيرة في ليبيا، فما يجري من أحداث يؤكد أنه نجاحا لمصر وسياستها، التي كانت واضحة وضوح الشمس منذ البداية ولم تتراجع عنها، فموقف القاهرة الساعي إلى تدعيم استقرار ليبيا في المقام الأول، أجبر كافة الأطراف الفاعلة في الملف الليبي على الاعتراف بالدور الخطير الذي لعبته مصر، لحل الأزمة، وعلى رأسهم  فائز السراج وحكومة الوفاق والفرقاء الليبيين، والرئاسة التركية بقيادة رجب طيب أردوغان.
وعمدت الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى احتواء جميع الأطراف الليبية منذ اللحظة الأولى، بهدف إبعاد أي موضع قدم لأطراف إقليمية تسعى إلى تكوين ارتكازات دائمة للعناصر الإرهابية، والمليشيات المسلحة والمرتزقة التابعيين لجماعة الإخوان الإرهابية وتنظيم داعش، في المنطقة وتحديدا على الحدود الغربية لمصر.
لم يكن الدور السياسي المصري، الذي قاده الرئيس السيسي، بسيطا، بل كان في غاية الصعوبة والتعقيد، إذ حاول أثناءه الاجتماع بأصحاب القضية الحقيقيين، فلم تتوقف اللقاءات المشتركة بين القيادة المصرية والمستشار عقيلة صالح، رئيس البرلمان الليبي، والمشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي، على مدار 7 سنوات كاملة، علاوة على النجاح في عقد لقاءات مستمرة مع كبار العائلات والقبائل والعشائر الليبية، والاستماع إلى مطالبهم ووضعها على طاولة مناقشات عريضة اتسعت لصوت جميع الفرقاء، مما ساهم بشكل كبير في استمرار المساعي المصرية وردء الصدع بين أحفاد عمر المختار.
وفي خطوة وصفت بالجريئة، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي، في 6 يوليو الماضي، عن مبادرة إعلان القاهرة، التي تم التوصل إليها مع المشير خليفة حفتر، والمستشار عقيلة صالح، لتكون بداية مرحلة جديدة لعودة الحياة الأمنة إلى تراب ليبيا، إذا صدقت النوايا، وأكد وقتها الرئيس السيسي، على أنه لن يكون هناك استقرار في ليبيا، بغير تسوية سلمية للأزمة، متضمنة مبدأ وحدة وسلامة المؤسسات الوطنية، وتكون قادرة على الاطلاع بمسؤولياتها تجاه الشعب الليبي، وتتيح توزيعا شفافا وعادلا للثروات الليبية على جميع المواطنين، وتمنع تسربها إلى أيدي كل من يستخدمونها ضد الدولة الليبية، وكذلك التأكيد على وحدة وسلامة واستقلال الأراضي الليبية، واحترام الجهود والمبادرات الدولية وقرارات مجلس الأمن، والاعتماد على مخرجات مؤتمر برلين، التي نتج عنها حلا سياسيا تضمن خطوات تنفيذية واضحة المسارات الاقتصادية والسياسية والأمنية، واحترام حقوق الإنسان، وكذلك استكمال أعمال مسار اللجنة العسكرية (5+5) في جنيف، برعاية الأمم المتحدة، وإلزام المجتمع الدولي لكل الجهات الأجنبية بإخراج المرتزقة الأجانب من جميع أنحاء ليبيا، وتفكيك الميليشيات وتسليم أسلحتها.
ووجه اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا، والبيانات الصادرة عن كلا من البرلمان والمجلس الرئاسي الليبي، بإنهاء العمليات العسكرية وطرد المليشيات المسلحة وتفكيك وتسليم أسلحتهم، صفعة قوية لقوى إقليمية ودولا وأجهزة استخبارات ولصوص تاريخ، مستفيدين بشكل قوي من انتشار الفوضى وعدم الاستقرار داخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلا أنه أول خطوة هامة على طريق تحقيق طموحات الشعب الليبي في استعادة الاستقرار والأمن، وحفظ مقدراتهم الوطنية، وبداية مبشرة لترسيخ وتدعيم الاستقرار الأبدي على تراب أرض أبناء عمر المختار.
وعلى الرغم من الجهود الدبلوماسية التي اتبعتها مصر، منذ بداية الأزمة الليبية، إلا أنها كانت دائمة التأكيد على عدم سماحها لأي قوى إقليمية بتحريف هذا الاتجاه أو المساومة عليه، وأنها ستظل مستعدة في أي لحظة وبنفس القوة لدعم وتأمين أي مطالب تحقق مصالح الليبيين، وكذلك المصالح المصرية – الليبية المشركة، وتؤكد عزمها في مواجهة أي طرف يحاول التأثير على المسار السياسي بشكل سلبي، فكان خطاب الرئيس السيسي، في 20 يوليو الماضي، أثناء تفقده لجميع أفرع وأركان القوات المسلحة المصرية، بحضور كبار مشايخ القبائل والعشائر الليبية، ليؤكد على أن خط الجفرة - سرت، خط أحمر، لن يسمح لأي قوى إقليمية مهما كانت على الاقتراب منها، وإعلانها منطقة خطا حدوديا لوقف إطلاق النار، ومقدمة لدعوة الأطراف الفاعلة للبناء عليه والعودة لاستئناف الحوار الليبي على أسس وطنية.
لم يكن في المنطقة العربية بأثرها، رجلا يدرك أهمية وخطورة الوضع القائم في ليبيا، مثل  الرئيس السيسي، ومدى تأثيره السلبي على أرجاء المنطقة بأسرها، خاصة من جانب القوى الإقليمية التي داعبتها أوهام استعادة سيطرتها القديمة على المنطقة العربية، فمصر كانت وستظل دائما وأبدا حريصة على مدار تاريخها الوطني، على حفظ أمنها القومي، ولن تتهاون القوات المسلحة المصرية، في مسألة الحفاظ على الأمن القومي المصري وسلامة الأراضي المصرية، ولن تسمح بمجرد المساس بذرة تراب واحدة من أم الدنيا مهما كلفها الأمر..
لم يكن أمام الرئاسة التركية، إلا التراجع عن موقفها الداعي إلى تأجيج نيران الحرب على الأراضي الليبية، بعد نجاح مساعي الدبلوماسية المصرية في حل الأزمة، مما أجبرها على
الترحيب بإعلان حكومة الوفاق والبرلمان الليبي، واعترفت علنية بدور مصر، الفعال في تحريك مسارات الأزمة الليبية، وضرورة حلحلة الأزمة بحل سياسي، وأضطرت أنقرة، إلى الإعلان عن عدم تفضيلها للحل العسكري في ليبيا، مما يؤكد أنه بلا أدنى شك فإن الفضل والإنجاز الذي تحقق في حل الأزمة الليبية، يعود إلى قيادة مصر لمسارات الحل السياسي، والجهود المصرية الجبارة مع الفرقاء الليبيين من ناحية، ومع القوى الدولية والإقليمية الساعية إلى عودة الاستقرار إلى ليبيا من ناحية أخرى.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق