"دولة السيسي" تهدم "دولة الفساد"

الأحد، 04 أكتوبر 2020 09:00 ص
"دولة السيسي" تهدم "دولة الفساد"
أيمن عبد التواب يكتب:

مصر تتقدم 12 مركزًا في مؤشر مدركات الفساد.. وسقوط «الحيتان» في أكبر وأغرب قضية فساد بـ"نصف تريليون جنيه"
 
لا أحد ينكر أن مصر تشهد صحوة كبيرة في مواجهة كل أشكال الفساد، ومكافحة جرائمه، خاصة منذ منتصف عام 2016 وحتى الآن، في أعقاب تصريح للرئيس عبد الفتاح السيسي بضرورة التصدي للفساد ومحاربته، لما له من تأثيرات سلبية على الاستثمار، وارتباطه الوثيق بتقويض الثقة في النظام ومؤسسات الدولة.
 
وعلى الرغم من الخطوات والإجراءات التي تتخذها الدولة لمواجهة ومحاربة الفساد، إلا أن الأرقام التي تثبت حجم الفساد- حتى اللحظة- «غائبة»، فلا توجد إحصائيات رسمية، أو بيانات موثقة، أو حصر دقيق لمثل هذا النوع من القضايا، أو حجم الأموال التي أهدرت وضاعت على الاقتصاد المصري بسبب الفساد.. وكل الأرقام المتداولة بهذا الخصوص «اجتهادات» فقط!

مصر ومؤشر الفساد
لكن ما يدعو للتفاؤل، هو إظهار تقرير منظمة الشفافية العالمية «تحسن ترتيب مصر» في مؤشر مدركات الفساد لعام 2018، بنحو 12 مركزا، لتحتل مصر الترتيب الـ105 بين 180 دولة مقابل الترتيب الـ117 في 2017، ما يدل أن «دولة السيسي» تسير في الاتجاه الصحيح، وأن ما يحدث على أرض الواقع- حاليًا- يثبت أنها عازمة عزمًا أكيدًا على هدم «دولة الفساد»، ليس لمجرد إزالة التعديات على أملاك الدولة، وإقرار قانون التصالح في مخالفات البناء فقط، بل لوجود حرب شاملة ضد الفساد في مؤسسات الدولة كافة.
 
لقد كان الفساد- منذ سنوات ليست بعيدة- أكثر حياءً، وأقل قبحًا.. وكان الفاسدون أكثر ترفقًا بنا، وأكثر مراعاة لأحوالنا المادية، والاقتصادية، والاجتماعية، والنفسية- إن جاز التعبير، لكنهم- الآن- صاروا أقل حياءً، وأكثر قبحًا، وأشد توحشًا، ولم يراعوا فينا إلًا ولا ذمة.

فساد بالمليارات
قبل عِقدٍ وبضعِ سنوات، كنا نسمع عن فساد «حُنَيِّن».. فمثلًا الموظف الفاسد، الذي يرفع شعار «أبجني تجدني»، كان يطمع في سيجارة مارلبورو، أو علبة كليوباترا بوكس، إن كانت «المصلحة» في متناول يده.. وكان المسؤول الفاسد يطمع في جنيهات قليلة لينجز لك خدمة مفروضة عليه أن يؤديها لك وللجمهور بالمجان، وقطعًا يتضاعف المبلغ كلما كانت الخدمة «شمال»، أي غير قانونية.. وكل شيء بثمنه!
 
لكن حتى مع مضاعفة المبالغ المقدمة من صاحب الخدمة للموظف تحت بند (رشوة/ إكرامية/ حلاوة/ شاي/ كل سنة وأنت طيب يا باشا..)، إلا أنها لم تكن تتخطى حاجز الآلاف.. فإذا ما تجاوزت الأصفار الستة، فإن رائحتها تصبح أشد من رائحة الحمار النافق.. وأضحى صاحب المصلحة «الشمال» ومَن ساعده للحصول عليها، صيدًا سهلًا لرجال الأمن، والجهات الرقابية المعنية، الذين لن يجدوا صعوبة في جمع دلائل إدانته وضلوعه في الجريمة.
 
الآن، اختفى- تقريبًا- فساد الأصفار الثلاثة، والأربعة والخمسة، وصارت هذه الأرقام «دقة قديمة»، لا يُقْدم عليها إلا المبتدئون في هذا المستنقع.. أما الكبار فإن فسادهم تجاوز الأصفار الستة، والسبعة، والثمانية، ووصل إلى «الأصفار التسعة» بنجاح تام، ورأينا فسادًا متوحشًا بالمليارات! نعم بالمليارات، ما يجعلنا نتندر، أو نترحم على زمن «الفساد الوسطي الجميل»!

أشهر قضايا الفساد
خذ عندك.. في أكتوبر 2019، اتهم النائب البرلماني «الغلبان»، صلاح عيسى، وثلاثة آخرين، يحاكمون في القضية المعروفة إعلاميًا بـ«رشوة المقابر»، لإنهاء تراخيص «جبانات»، مقابل حصوله على رشوة «مليوني جنيه»!
 
ومحافظ المنوفية الأسبق، هشام عبد الباسط محافظ المنوفية الأسبق، صدر حكم بحبسه 10 سنوات، لحصوله على كسب غير مشروع بقيمة 58 مليون و795 ألفًا و942 جنيهًا، فضلًا عن قائمة ممتلكات أخرى متمثلة في شاليهات، وفيلات، وشقق سكنية، و17 سيارة ملاكي!
 
وفي ديسمبر 2016، أًلقي القبض على أمين مجلس الدولة، المستشار وائل شلبي، ومدير المشتريات بالمجلس، بتهم تقاضي رشاوى بقيمة «24 مليون جنيها وأربعة ملايين دولار و2 مليون يورو ومليون ريال سعودي بالإضافة إلى كمية كبيرة من المشغولات الذهبية»!
 
وفي يناير 2019، ضبطت الرقابة الإدارية السكرتير العام، والسكرتير العام المساعد، ومدير إدارة الشؤون القانونية السابقين بمحافظة مطروح؛ لاتهامهم بتسهيل الاستيلاء على المال العام والتزوير بما يقارب «500 مليون جنيه»! نعم «500 مليون جنيه!
 
وهذه القضية توقفت أمامها طويلًا، غير مصدق الرقم الذي احتوته، وهو (962 مليون دولار)، أي أكثر من (15 مليار جنيه مصري).. نعم الرقم صحيح، ومثلما قرأته، أكثر من 15 مليار جنيه، وتضم «محمد .م»، نائب رئيس مجلس إدارة وعضو منتدب لإحدى شركات البترول، و«محمد. ف»، مدير مالي سابق بالشركة، و«عبد الحميد .خ»، صاحب إحدى الشركات؛ لاتهامهم باختلاس المبالغ المذكورة على مدار 7 سنوات، وتهريبها إلى قطر ودول أخرى.

أغرب قضية فساد
أما أغرب قضية فساد شهدتها البلاد، فهي ما كشفت عنه تحقيقات نيابة الأموال العامة العليا عن قيام تشكيل عصابي- خلال الفترة ما بين يوليو ٢٠٠٩ حتى فبراير 2020- بتزوير محررات رسمية، وسرقة مستندات أصلية رسمية، ورفع دعاوي شكلية، وتحرير محاضر نزاعات على أراضي ملك الدولة في الجيزة و٦ أكتوبر والبدرشين، وتحرير محاضر صلح، وتزوير رول القاضي وإخطارات قيد دعاوي؛ للإيهام بصحة إجراءات اختصامها وذيلوها بتوقيعات نسبت زورا إلى كاتب أول المحكمة، كما وثقوا تلك الأحكام بسجلات مأمورية الشهر العقاري.
 
ووفقًا لأوراق القضية 5322 لسنة 2020 جنايات مصر الجديدة، والمقيدة تحت رقم 94 لسنة 2020 حصر تحقيق أموال عامة عليا، فإن 17 متهمًا- أحيلوا بالفعل للمحاكمة الجنائية- كونوا تشكيلًا عصابيًا يضم «5 رجال أعمال، و6 محامين، و3 موظفين كبار بمحكمة البدرشين الجزئية، ورئيس مكتب شهر عقاري وآخرين»، واستولوا على نحو «500 قطعة أرض كبرى» مملوكة للدولة ووزاراتها وهيئاتها المختلفة، على مدار 11 سنة، وبلغت قيمة هذه الأراضي «459 مليار جنيه»، أي نحو «نصف تريليون جنيه»! فهل تتخيل ما وصلنا إليه؟!

تطور الفساد
الفساد لم يقف محلك سر. لم يتقدم إلى الخلف، بل حقق طفرات وقفزات هائلة إلى الأمام.. والفاسدون طوّروا أنفسهم وأدواتهم، ووسعوا ذمتهم، فلم يعد يكتفي هؤلاء بنهب واختلاس الملايين، طالما كانت المليارات في متناول أيديهم، وهناك مَن يتعاون معهم على الإثم والعدوان، ظنًا منهم أنهم بعيدون عن عين الرقيب والحسيب!
 
في ثقافتنا الشعبية نقول: «المال السايب يعلم السرقة».. وفي السنوات الأخيرة انتشرت مبررات للفساد والنهب والسرقة: «قالوا للحرامي إيه إللي خلاك تسرق، قال ما كلهم بيسرقوا».. و«إذا كان رب العمل للمال ناهبًا، فشيمة أهل المصلحة كلهم الغرف»!

الفاسدون والمسؤولون
ظني-والناس لا يُحاسَبون على ظنونهم- أن كل فاسد قد يكون وراءه مسؤول كبير يحميه، أو يتستر على فساده، وإلا بِمَ نفسر بقاء كثير من الفاسدين في مناصبهم سنوات كثيرة، دون أن يقترب منهم أحد، بل ربما يحصلون على ترقية أعلى، كما حدث لمحافظ المنوفية المحبوس حاليا، هشام عبد الباسط؟ إذ كيف وصل الرجل من موظف بسيط في محافظة المنيا إلى منصب محافظ بسرعة الصاروخ؟.. وأين كان المسؤولون وصلت ثروته من الكسب غير المشروع إلى أكثر من 100 مليون جنيه؟
 
أين كان السادة المسؤولون حين استولى أباطرة الأراضي على آلاف وملايين الأمتار بأثمان بخسة، وأحيانًا دون مقابل؟ وأين كانوا من مافيا استيراد القمح والحبوب؟ وأين كانوا من تورط ثلاثة في فساد بأكثر من 500 مليون جنيه، واستيلاء ثلاثة آخرين على أكثر من «15 مليار جنيه» على مدار 7 سنوات؟
وكيف هُرِّبت قطع أثرية نادرة إلى الخارج، وبِيع بعضها في مزاد علني؟ أليست هذه وقائع تثير تساؤلات ليست بريئة؟ 
 
المجال لا يتسع هنا عن الاستطراد في أسباب الفساد، وتحليل كل عنصر من عناصره، لكن ما نؤكد عليه أن سرطان الفساد استشرى وتغلغل في جميع الهيئات والمصالح الحكومية والخاصة، إلا ما رحم ربي؛ نتيجة تراكمات عاشها المجتمع سنوات طويلة، وعانى فيها من أوضاع اقتصادية صعبة، وضعف فيها الوازع الديني، وغابت دولة القانون، واختفت الرقابة، واختلت المعايير، وإبعاد الكفاءات، وانتشار «الفهلوة» والوساطة والمحسوبية.
 
وقد يكون استئصال شأفة الفساد من جذوره مستحيلًا، لكن أضعف الإيمان أن نحاول الوصول به إلى أدنى حد ممكن، وهذا ما يؤكد عليه الرئيس، في أكثر من مناسبة، وتطمح «دولة السيسي».
 
وللإسراع في مواجهة ومكافحة الفساد، يمكن اتباع مجموعة من الخطوات، منها:-
أولًا: سن تشريعات جديدة وقوانين صارمة «تغلظ عقوبة الفساد»، ولا مانع من إقرار عقوبة «الإعدام»، وتطبيقها بمنتهى الشدة على الفاسدين والذين يسهلون لهم الفساد. فمن لا يردعه القرآن يردعه سيف السلطان. 
 
ثانيًا: التوعية والتحذير من هذه الظاهرة وتأثيرها السيئ على المجتمع.
 
ثالثًا: تشجيع الناس على التبليغ عن حالات الفساد، كلٌ في مجاله ومكانه، مع توفير الحماية التامة للمبلغ، ومنحه مكافأة، ولو حتى رمزية، لتشجيعه، وتحفيز الآخرين على أن يحذو حذوه.
 
رابعًا: تحسين الأحوال المادية والمعيشية للموظفين، لتتناسب مع التوحش في أسعار السلع والخدمات.. وبعدها توضع عقوبات رادعة ومعلنة تناسب كل حالة فساد؛ لمنع تكرارها، أو الحد منها، ويكون الفاسد عبرة لغيرة.
 
خامسًا: إجراء إصلاح إداري عاجل في كل مؤسسة، مع التقييم المستمر للعاملين فيها، وإعطاء فرصة لقيادات مؤهلة، ونشيطة، ومؤمنة بالتطوير والتغير لضمان نجاحها في مهمتها.
 
 سادسًا: وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، حسب كفاءته وإبداعه، لا حسب علاقاته وقوة «واسطته». والإسراع في تفعيل برنامج الحكومة الإلكترونية؛ ليتمكن المواطن من متابعة معاملاته إليكترونيًا دون التعامل المباشر مع الموظفين.
 
 سابعًا: إحكام الرقابة، وتفعيلها على جميع العاملين، من أكبر منصب إلى أصغر درجة وظيفية، دون تهاون أو تراخٍ.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق