يوسف أيوب يكتب: السوشيال ميديا ليست بديلة للإعلام التقليدي بل مكملة له

السبت، 24 أكتوبر 2020 09:00 م
يوسف أيوب يكتب: السوشيال ميديا ليست بديلة للإعلام التقليدي بل مكملة له
السوشيال ميديا

 
أخطر ما يواجه صناعة الإعلام من وجهة نظرى، المفاهيم الخاطئة عنه، وكذلك الشعارات التي تبدو في الظاهر براقة، لكنها في الحقيقة تكشف عن اضمحلال في تفكير من يقولها أو يتمسك بها، ومن ضمنها مقولة أن السوشيال ميديا أو وسائل التواصل الإجتماعى ممثلة في "فيس بوك وتويتر وأنسجترام ويوتيوب وغيرها: تكتب شهادة الوفاة للإعلام التقليدي سواء كانت صحف أو فضائيات أو اذاعات وأخيراً المواقع الإلكترونية.
 
فأصحاب هذا الرأي فضلاً عن كونهم يجعلون أساسيات ومفاهيم الإعلام بشكل عام، فإنهم لا يدركون حقيقة العلاقة التكاملية بين وسائل التواصل الإجتماعى والإعلام التقليدي، فالحقيقة التي أصبحت واضحة وظاهرة للجميع أنه لولا الإعلام التقليدي لما اتسعت دائرة انتشار السوشيال ميديا، ولى هنا عدة اعتبارات أسوقها كأساس أبنى عليها ما أقوله.
 
الاعتبار الأول، أن السوشيال ميديا لم تكن منذ نشأتها وحتى اليوم، كما لم تكشف أيا منها عن خطط مستقبلية تحولها إلى منتج للمحتوى، وبالتالي فإن مهمتها الأصلية أنها عارضة لمحتوى ينتجه الغير، وبالنظر إلى المحتوى الذى نراه يومياً على السوشيال ميديا سنجد أن أكثر من 95% منه هو محتوى خاص بالإعلام التقليدي "صحف وفضائيات ومواقع الإلكترونية"، فيما يقتصر دور السوشيال ميديا على كونها منصات لعرض هذا المحتوى الذى ينتجه الإعلام التقليدي.
 
الاعتبار الثانى، أنه حينما أُطلق العنان للسوشيال ميديا تحديداً بعد 2010، وتحول المواطنين العاديين إلى مصدر للأخبار المتداولة عبر هذه المنصات، فكانت النتيجة المنطقية لذلك هي ظهور أزمة ثقة شديدة بين رواد السوشيال ميديا وهذه المنصات، خاصة بعدما تأكد للجميع أن هذه المنصات ليست صالحة لتكون مصدر حقيقى للإعلام، ولم يكن الأمر قاصراً فقط على هذه الجزئية، أو مرتبطاً بمصر فقط أو أحداث الربيع العربى، بل زادت وتيرته في الغرب، الذى كان يؤمن بقدسية "فيس بوك وتويتر" على سبيل المثال، لكن جاءت نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 2016 لتثير الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام هو مصداقية هذه المنصات، ومدى قدرتها على أن تقدم بمفردها معلومات موثقة وغير موجه، وشهدت المراكز البحثية الغربية جولات كثيرة من النقاش حول هذه النقطة تحديداً، وتابعنا جميعاً جلسات الكونجرس الأمريكي التي خصصت لمناقشة "الاخبار المضللة" او الكاذبة التي تبث من خلال فيس بوك وتويتر وكان لها تأثير كبير على مجرى الانتخابات الأمريكية، وأحداث سياسية أخرى، كما تابعنا أسماء لشركات متورطة في هذه العملية.
 
عند هذه النقطة، لم يجد القارئ أو المتابع من حل سوى العودة إلى الطرف الوحيد الذى يتسم عمله بالمصداقية، او على الأقل يمكن العودة إليه او عليه حال ثبوت تورطه في ترويج معلومة خاطئة، لذلك ومع فقدان هذه المنصات جزء كبير من مصداقيتها، لم يكن أمام المتابع سوى حل واحد، وهو ان يختبر كل المعلومات المتاحة على هذه المنصات بالعودة إلى المصدر الأول للمعلومة، وهو الموقع الإلكتروني للصحيفة أو الفضائية المنسوب لها الخبر أو المعلومة.
 
الاعتبار الثالث مرتبط بفكرة المصالح المتبادلة ما بين الاعلام التقليدي والسوشيال ميديا، فكلاهما وصل إلى قناعة أنهما مكملان لبعضهما البعض، ولا غنى لأيهما عن الأخر، لأنهما في نهاية الأمر يمثلان قالب واحد للإعلام الحديث، لذلك أصبحت الصحف والفضائيات منتجة للمحتوى وصانعة للخبر، على أن تتولى منصات السوشيال ميديا عبر عقد غير مكتوب، الترويج لهذه الأخبار وسرعة انتشارها.
 
كل هذه الاعتبارات وغيرها، تؤكد أنه لا وجه للمنافسة بين الأثنين، بل من الصعب الحديث عن وجود هذا التنافس، فالعلاقة بينهما كما سبق وقلت هي أشبه بعلاقة تعاقدية، لكل منهم دور ومهام لا يستطيع القيام بها بمفرده، وهذا مرتبط أساسا بالتطورات المتلاحقة التي تشهدها التكنولوجيا، والتي لم تلغى الماضى، بل طورت من أدواته لمواجهة المستقبل.
 
ولنا هنا مثال يستحق أن نقف أمامه متأملين شكل العلاقة بين الإعلامين التقليدي والحديث، فمع ظهور التليفزيون والفضائيات وانتشار المواقع الإلكترونية بقوة، تابعنا نظريات متعددة عن اختفاء إذاعات الراديو، وانها أصبحت من الماضى، لكن الذى حدث على الأرض ان الإذاعات لم تفقد بريقها، بل تجاوبت مع التطورات التكنولوجية وصححت من أخطاء الماضى، وعادت لتحصل على المكانة التي تبقيها في المشهد بالشكل المناسب لها ولتأثيرها.
 
ما حدث مع الراديو ينطبق على الصحف حينما ظهرت المواقع الإلكترونية، فلم تكن الأخيرة بديلة لها، بل ساعدت الصحف على تطوير شكلها ومنتجاتها لكى تتأقلم مع متطلبات القارئ في عصر الأنترنت، وهو ما فعلته أيضاً المواقع الإلكترونية ومعها الصحف والفضائيات والراديو أيضاً، بظهور السوشيال ميديا، فالجميع بدأ في تغير منهجه واستراتيجيته على القاعدة الجديدة، وهى وجود منصات لعرض المنتجات الخبرية والدرامية بشكل جديد، ومن هنا بدأت العلاقة التعاقدية غير المكتوبة بين الطرفين، التي صيغت بنودها من منطلق قاعدة التكامل والمصالح المشتركة، وليس التنافس، بالتقليدى عليه مهمة صناعة الحدث او الخبر، فيما يتولى الثانى توصيلها إلى شرائح جديدة من القراء، مع الأخذ في الاعتبار أن هذا الدور الذى تقوم به وسائل التواصل الإجتماعى لم يكن ولن يكون بديلاً لدور الصحف والفضائيات والمواقع في الوصول بشكل مباشر إلى القراء والمتابعين، وإنما ما تقوم به وسائل التواصل الإجتماعى، هي الوصول إلى شرائح جديدة اغلبها شبابية، ربما وجدت في "تويتر وفيس بوك وانستجرام" على سبيل المثال وسائل التسلية والترفية التي تحتاجها.
 
هذه هي باختصار شديد واقع ما يحدث في العلاقة ما بين الإعلام التقليدي وذلك الحديث.. علاقة لا يمكن الحكم عليها مطلقاً بالتنافسية، او بمنطق من فيهم يهزم الاخر او يملك توجيه الضربة القاضية، لإن هذه الضربة ليست موجودة، واكبر دليل على ذلك ان كل الصحف والمواقع والفضائيات والإذاعات لها حسابات على كل مواقع التواصل الإجتماعى، وتتعامل معها باعتبارها احد نوافذ الوصول إلى القراء، ولم تنظر لها كونها عدو أو منافس.
 
ربما كانت هذه النظرة موجودة قبل عامين تقريباً، بسبب الأفكار الملتبسة عند البعض بشأن الدور الذى يجب ان تؤديه وسائل التواصل الإجتماعى، فضلاً عن سبب أخر مهم، وهو مرتبط بحصيلة الإعلانات وفرض ضرائب على إعلانات السوشيال ميديا، لإن هذه النقطة الوحيدة التي ثارت حولها خلافات شديدة بشان العلاقة بين الإعلام التقليدي والحديث، ففي حين يخضع الإعلام التقليدي لقانون الضرائب، كانت السوشيال ميديا بعيدة عن المحاسبة الضريبية المصرية، وهو ما كان نتيجته انخفاض في أسعار الإعلانات على وسائل التواصل الإجتماعى، مقابل ثبات في أسعارها بالإعلام التقليدي، واعتقد أن هذه الجزئية، محل نقاش داخل الحكومة التي تتبنى وجهة نظر صناع الإعلام المصرى بضرورة خضوع إعلانات السوشيال ميديا للضرائب.
 
وهذه المعركة لا علاقة بها مطلقاً بفكرة التنافس حول الخبر او المعلومة، وانما أساسها الحرص على حماية الصناعات الوطنية، ووضع رقابة على عملية خروج الأموال المصرية للخارج بدون رقابة أو خضوعها للضرائب، كما هو الحال مع أموال إعلانات السوشيال ميديا.
 
قصدت من كل ذلك توضيح لحقائق، أراد البعض ان تتوه، حتى يسود منطقه الأعوج، بإن السوشيال ميديا قضت على الإعلام التقليدى.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة