الديكتاتور التركي يترنح

السبت، 24 أكتوبر 2020 09:00 م
الديكتاتور التركي يترنح
الديكتاتور التركي
أيمن عبد التواب

السياسة العدائية الأردوغانية تقود أنقرة إلى الهاوية 

مقاطعات شعبية للمنتجات التركية بسبب سياسة الديكتاتور التركى التوسعية

إفلاس شركات تركية وانهيار الليرة وزيادة البطالة وارتفاع معدلات التضخم

الحملات انطلقت من السعودية وامتدت لتشمل دولا عربية وأوروبية.. مؤسسات تجارية وصناعية كبرى ورجال أعمال يستغيثون بالحكومة التركية
 
 
في العام 1880، تقاعد «بويكوت» من الجيش البريطاني، فاتجه إلى أيرلندا، وعمل وكيلاً لملاك الأراضي، الذين رفعوا قيمة الإيجار، فرفض المستأجرون الدفع.. فصدرت الأوامر لـ«بويكوت» بطرد مَنْ لا يدفع، ففعل، وتصدى لغضب المستأجرين، حتى بات مكروهًا منبوذًا، وواجه «حملة مقاطعة» جماعية.. فالمستأجرون رفضوا العمل بالأراضي، والشركات المحلية رفضت التعامل معه، ووصل الأمر إلى أن ساعي البريد لم يكن يتسلم بريده.
 
واجه بويكوت تذمر المستأجرين، وحاول الصمود أمام غضبهم ومقاطعتهم باستيراد عمالة من الخارج، إلا أن هذا الأمر كان مكلفًا للغاية، ما أدى إلى زيادة الأوضاع سوءًا؛ ويضطر بويكوت في نهاية المطاف إلى مغادرة أيرلندا، لتنطلق من قصته حملات المقاطعة حول العالم، وتتخذ من اسمه «Boycott» مصطلحًا لها.
 
فالمقاطعة هي إحدى الوسائل الاحتجاجية، وتدور فكرتها حول الامتناع الطوعي عن شراء أو استخدام شيء ما، أو عدم التعامل مع شخص أو منظمة أو دولة لأسباب مختلفة، حتى تعود الأمور إلى ما كانت عليه أو أفضل.

المقاطعة والتغيير للأفضل
في العام 1791، حاول بريطانيون الضغط على برلمان بلادهم لـ«إلغاء العبودية»، فقرروا مقاطعة جميع منتجات السكر الذي ينتجه العبيد العاملون في جزر الهند الغربية، ودشنوا حملات توعية واسعة لحشد المزيد من المؤيدين لهم بعد تعريفهم طرق وأسباب المقاطعة وأهميتها.. وكان من نتيجة تلك الحملة أن المبيعات انخفضت إلى أكثر من الثلث، مقابل ارتفاع مبيعات الشركات التي لا تستخدم الرقيق، ما دعا محلات بيع السكر إلى أن تضع ملصقات تؤكد أن منتجاتها صنعت بواسطة «رجال أحرار»، وانتهى الأمر بإقرار قانون تحريم العبودية.
 
وبطريقته الخاصة، قاوم الزعيم الهندي «غاندي» الاستعمار الإنجليزي، ففي العام 1920، قاد حملة لمقاطعة منتجات بريطانيا التي كانت تشتري القطن من الهنود بثمن بخس، وتصنعه وتبيعه لهم ملابس بأسعار فلكية.. وقال غاندي مقولته الشهيرة: «احمل مغزلك وأتبعني».. فبدأ بغزل ملابسه وتبعه شعبه. 
وعندما فرضت بريطانيا ضريبة على «الملح» عام 1930، قرر غاندي السير إلى البحر بنفسه لاستخراج الملح، فمشى معه الناس 24 يومًا وقطعوا 240 ميلاً حتى وصلوا إلى البحر واستخرجوا الملح بأنفسهم.. فتكبدت الشركات البريطانية داخل وخارج الهند خسائر فادحة، واضطر الاحتلال البريطاني للتفاوض مع الهنود والانسحاب من بلادهم عام 1947.

الاحتجاج على سياسة أردوغان
لا تقتصر حملات المقاطعة الناجحة على النماذج السابقة، فهناك العديد من الحملات الأخرى نجحت في تحقيق أهدافها، كحملة مقاطعة البيض في الأرجنتين، ومقاطعة منتجات شركة نستله في الدول النامية، في منتصف السبعينيات إلى منتصف الثمانينات، ومقاطعة البن في الأردن.. ولكننا سنتوقف أمام حملة مقاطعة المنتجات التركية، والتي انطلقت شرارتها الأولى من المملكة العربية السعودية، وامتدت إلى دول أخرى؛ احتجاجًا على السياسة القذرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ودعمه للإرهاب، واحتضانه لعناصر تنظيم الإخوان الإرهابي، الذين يبثون سمومهم من الفضائيات التي تبث من داخل الأراضي التركية.
 
حملة المقاطعة السعودية لكل ما هو تركي تصاعدت، وتحولت من مجرد «هاشتاج» على «تويتر» إلى «مقاطعة شعبية حقيقية»، تحمل شعارًا يوضع على واجهات المحلات والأسواق بأن «هذا المحل مقاطع ولا يبيع المنتجات التركية».. وامتدت حملات المقاطعة إلى دول أخرى منها الإمارات والبحرين والمغرب ومصر..

اللاءات الثلاثة والصفعة السعودية 
رئيس مجلس الغرف السعودية، عجلان العجلان، دعا إلى مقاطعة تركيا بشكل كامل على أصعدة الاستثمار والسياحة والتجارة، كرد على إساءة أنقرة للقيادة السعودية.. وكتب على حسابه الرسمي بموقع تويتر: «أقولها بكل تأكيد ووضوح: لا استثمار لا استيراد لا سياحة، نحن كمواطنين ورجال أعمال لن يكون لنا أي تعامل مع كل ما هو تركي.. حتى الشركات التركية العاملة بالمملكة، أدعو إلى عدم التعامل معها، وهذا أقل رد لنا ضد استمرار العداء والإساءة التركية إلى قيادتنا وبلدنا».
 
وليس كما قد يظن البعض، أن سبب الحملة هو المحاولات التركية الفاشلة لتشويه صورة القيادة السعودية، بل إن الأفعال الإرهابية لأردوغان، وتدخله في الشؤون الداخلية لبعض الدول العربية مثل سوريا وليبيا والعراق وغيرها، هي السبب الرئيسي لتلك الحملات، فالأموال التي تشتري المنتج التركي هي الأموال ذاتها التي يستخدمها الرئيس التركي لقتل العرب في كل مكان.
 
ووفقًا لبيانات رسمية صادرة عن وزارة الخارجية التركية، فقد انخفض حجم التبادل التجاري بين السعودية وتركيا في السنوات الماضية من 5.59 مليار دولار عام 2015، إلى 4.96 مليار دولار في 2018.. كما تراجع نصيب الفرد التركي من الدخل القومي عام٢٠٢٠ إلى ٧٧٢٠ دولار سنويًا بعد أن كان ١٠٨٩٠ دولار عام ٢٠١٦.

المغرب لتركيا: «كش ملك» 
بدورها فرضت الحكومة المغربية مزيدًا من القيود المنتجات التركية لمدة 5 سنوات، لترتفع الرسوم الجمركية على المنسوجات التي تحمل أختاما تركية بنسبة 90%.. وتناول قرار السلطات المغربية رفع أسعار الرسوم الجمركية على كل المنتجات المصنوعة في تركيا، وقال إن منتجات النسيج تعد أبرز المنتجات التركية التي تواجه قيودًا جديدة في المغرب؛ إذ تشجع الرباط مواطنيها على شراء المنتجات المحلية.
 
واشترطت وزارة التجارة المغربية أيضًا على سلسلة متاجر «بيم» التركية المنتشرة في المغرب بأن يكون نصف المعروض في متاجر «بيم» من إنتاج مغربي، وحذرت من أنه في حالة عدم الالتزام سيتم غلق 500 متجر تمتلكها العلامة التجارية التركية في المغرب.. كما فرضت الرباط قيودا صارمة على سلاسل المتاجر التركية في المغرب، وحذرت من إغلاقها حال عدم الالتزام بتلك بالقرارات التي تتخذها لتشجيع الصناعة المغربية.
 
قرار الرباط يأتي في وقت تعاني فيه أنقرة من القرار السعودي بحظر استيراد البضائع والمنتجات القادمة من الأناضول، وهو القرار الذي دعمته عدد من الحملات الشعبية الكبرى لمقاطعة المنتجات التركية، بعد أن كانت أنقرة تستغل اتفاقية التجارة الحرة مع فاس لإضعاف الإنتاج المحلي المغربي.. لكن لأول مرة تحقق المملكة المغربية مطالبها أمام تركيا؛ بعد تصديق البرلمان المغربي على تعديل تلك الاتفاقية.

سلاح لردع أردوغان
ويبدو أن السلاح السلمي، المتمثل في المقاطعة لكل ما هو تركي، سيكون سلاحًا فاعلًا لردع أردوغان، ومواجهة أطماعه التوسعية، خاصة بعد أن أصبحت دعوات المقاطعة «عابرة للدول».. ففي تونس، ظهرت دعوات جادة من ناشطين لمقاطعة البضائع والمنتجات التركية، التي أغرقت الأسواق وألحقت أضرارًا كبيرة بالصناع المحليين. وعزا النشطاء التوانسة دعواتهم للمقاطعة، من أجل «وقف نزيف إغراق البلاد بالبضائع التركية ووضع حد لسيطرة أنقرة على السوق التونسية».
 
وفي الإمارات والبحرين وليبيا والسودان، ظهرت دعوات شعبية لمقاطعة جميع المنتجات التركية، وقطع العلاقات مع أنقرة، بسبب السياسة التوسعية للرئيس أردوغان، وتدخله السافر في شؤون الدول العربية، ودعمه وتمويله للإرهاب في المنطقة، وإيوائه الإرهابيين، واتخاذهم من الأراضي التركية مركزًا لبث سمومهم وإرهابهم لدول العالم. 
 
وحذت شعوب اليونان وقبرص وأرمينيا حذو الشعوب العربية في الدعوة إلى مقاطعة المنتجات التركية؛ بسبب سياسة أردوغان العدائية تجاه تلك البلدان.. واستلهم الشباب اليوناني والقبرصي والأرمني تصميم شعار الحملة السعودية، وجعلوه شعارًا لحملتهم لمقاطعة تركيا، بعد كتابة الشعار بلغاتهم الأم.. وتداول مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي صورًا، ومقاطع فيديو، ولافتات ولوحات إعلانية من اليونان، مساندة للحملة بلغات الدول المشاركة في المقاطعة، ومنها اللغة العربية.
 
بينما أظهرت صور أخرى من أرمينيا خلو أرفف الأسواق التجارية الكبرى من المنتجات التركية، مع لافتات تفيد بحظر بيع بضائع الأناضول.. وفي الوقت نفسه، كشفت الحكومة الأرمينية أنها تدرس فرض حظر على استيراد السلع تركية الصنع لمدة ستة أشهر، مشيرة إلى أن الإجراء يأتي على خلفية دعم أنقرة العلني لأذربيجان.

المقاطعة تؤتي ثمارها
وفقًا للأرقام التي نقلتها وكالة بلومبرج عن هيئة الإحصاء السعودية، فقد هوت قيمة واردات الرياض من المنتجات التركية إلى 9.47 مليار دولار في 2019، مقارنة بنحو 12.74 مليار دولار في 2015.. كما تراجعت واردات المملكة خلال أول 8 أشهر من 2020، بشكل كبير إلى 1.91 مليار دولار، ما يؤكد بوار المنتج التركي في الأسواق السعودية.
 
ويتوقع محللون أن يتزايد تراجع الورادات التركية بشكل كبير خلال الشهور المتبقية من العام الجاري مع تصاعد حملات المقاطعة في الآونة الأخيرة.. بينما يأمل المشاركون في حملات المقاطعة أن تستمر حتى تحقق أهدافها بالكامل، في ظل التأكيد على فعالية المقاطعة كوسيلة ناجحة في مواجهة مؤامرات أردوغان ضد دول المنطقة، ورفض اعتداءاته على سوريا والعراق وليبيا.

خسائر ضخمة للاقتصاد التركي
توقع محللون وخبراء اقتصاد أن تتجاوز خسائر الاقتصاد التركي من حملات المقاطعة للمنتجات التركية، حاجز الـ20 مليار دولار.. وقدَّر الأمين العام لجمعية «إعلاميون في السعودية»، ناصر الغربي، حجم خسائر تركيا من مقاطعة السعوديين وحدهم بنحو 4 مليارات دولار.
 
وانخفضت مبيعات المنتجات التركية، وعلى رأسها التبغ والسجاد والمنسوجات والأجهزة الكهربائية، والكيماويات والحبوب والأثاث والصلب في السوق السعودية، خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2020 إلى نحو 1.91 مليار دولار، وهو ما يمثل انخفاضا حادا بنسبة 17% بالمقارنة مع الفترة نفسها في 2019، التي بلغت فيها الصادرات التركية إلى السعودية 2.3 مليار دولار، وفقا لبيانات رسمية.. ومع انخفاض أرقام التبادل التجاري إلى أقل من 2 مليار دولار في 8 أشهر من 2020 ما يعني أن سياسات أردوغان تكبد 200 شركة تركية عاملة في السعودية، خسائر ضخمة تتزايد يوما بعد الآخر.
 
وبحسب وزارة الثقافة والسياحة التركية، انخفضت أعداد السياح السعوديين إلى تركيا بنسبة 40% في 2019 مقارنة بعام 2018، وتراجع ترتيب السياحة السعودية إلى تركيا إلى المرتبة 11 بعد أن كانت الرابعة في 2018.. وللمستثمر الخليجي دور كبير في إنعاش الاقتصاد التركي؛ فقد بلغ عدد الشركات الخليجية المستثمرة في تركيا 1973 شركة، منها 1040 شركة لمستثمرين سعوديين، في مجالات مختلفة.

الشركات التركية تستغيث
منذ عام 2015 وحملات الشعب السعودي متواصلة لمقاطعة المنتجات التركية؛ ردا على تجاوزات أردوغان نحو الخليجيين والعرب.. وكان من نتيجة المقاطعة أن اعترفت شركات تركية بالضرر البالغ الذي وقع عليها إزاء الحملات الشعبية التي تستهدف وقف شراء منتجاتها في السعودية.. كما عبر رجال أعمال أتراك عن عدم رضاهم على سياسات أردوغان التي تسببت في هروب المستثمرين الأجانب، وأغلقت أمامهم أسواق تصدير كبرى في المنطقة.. وتوسلت الأطراف المتضررة للحكومة التركية من أجل الوصول إلى حل ينقذها من خسائرها المتزايدة، جراء المقاطعة.
 
وتأتي حملات المقاطعة العربية لمنتجات الأناضول، في وقت حساس للغاية بالنسبة للاقتصاد التركي الذي يواجه بالفعل انهيارا في سعر الليرة أمام الدولار، وحالة من الإفلاس الجماعي للشركات المعتمدة على التصدير.. ووفقا لرويترز، اعترفت 8 مجموعات أعمال تركية رائدة، بتداعيات سلبية لحملة المقاطعة الشعبية في السعودية على التجارة والاقتصاد.

هل يثور الأتراك على أردوغان؟
على وقع حملات المقاطعة التي لم توجه للشعب التركي بقدر توجيهها إلى الرئيس رجب طيب أردوغان، بدا أن تأثير الحملات الشعبية السعودية والعربية قد وصل إلى التجار الأتراك، الذين بدأوا يتلمسون أضرارها المباشرة على حجم تعاملاتهم، فصدر بيان من كبار رجال الأعمال في أنقرة، يمثلون رؤساء أكبر ثماني مجموعات أعمال في تركيا، ذكروا فيه أن حملة مقاطعة المنتجات التركية لن تؤثر في حجم تجارة الأتراك فقط بل في سلاسل التوريد العالمية أيضا، ما يعني الإصرار الشعبي السعودي، على بلوغ منطقة العمق التجاري الذي يؤثر في صناعة القرار التركي على طاولة أردوغان.
 
وتثبت الأرقام التركية أن حملات المقاطعة، خاصة السعودية، حققت نجاحات فاقت كل تصور، في ظل إيمان الشعب السعودي خاصة، والشعوب العربية إجمالا، بأن كل دولار يتم إنفاقه لشراء أي منتج تركي سيرتد على المنطقة بكل شرور النظام الأردوغاني. 
 
ومع اتساع حملات المقاطعة وزيادة تأثيرها على الاقتصاد التركي، الذي يئن من جائحة كورونا، مع توقف شبه تام للسياحة.. ومع تصاعد الضغوط على الليرة التركية وهبوطها إلى مستويات غير مسبوقة، وانهيارها أمام الدولار (8 ليرات/ دولار)، والعملات الأجنبية الأخرى.. ومع نزوح أموال المستثمرين الأجانب منذ مطلع العام الحالي.. ومع ارتفاع معدلات البطالة إلى نحو 14%، وزيادة معدلات التضخم إلى نحو 11%.. لم يستبعد مراقبون أن هذه الأسباب وغيرها قد تدفع إلى ثورة شعبية تركية تجبر أردوغان على التنحي.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق