اعترافات من داخل الإخوان.. كيف قامت جماعة الشر بتصفية النقراشي جسديا؟

الخميس، 29 أكتوبر 2020 09:42 ص
اعترافات من داخل الإخوان.. كيف قامت جماعة الشر بتصفية النقراشي جسديا؟

تحمل التنظيمات الإرهابية تاريخ حافل بوقائع الاغتيالات السياسية فى إطار منهج العنف والإرهاب الذى تتبناه تلك الجماعات وعلى رأسها جماعة الإخوان، تلك الجماعة التى ارتكبت العديد من الاغتيالات السياسية منذ بداية تكوينها على يد حسن البنا وحتى الآن.
 
وكشف حادث اغتيال محمود فهمى النقراشى، رئيس وزراء مصر، فى ديسمبر 1948، أن العنف هو وسيلة الجماعة الوحيدة لمواجهة خصومها، وهو ما أوضحه اعتراف أحمد عادل كمال فى كتابه الشهير "النقط فوق الحروف"، حيث كشف التفاصيل الدقيقة العملية، بداية فإن اغتيال النقراشى ارتبط ارتباطا مباشرا بقرار حل الجماعة عقب حادث السيارة الجيب التى تم العثور عليها صدفة وتم الكشف من خلالها عن وجود تنظيم سرى مسلح للإخوان فى مصر ومن ثم كان قرار حل الجماعة.
 
وُلد أحمد عادل كمال، أحد أعضاء التنظيم الخاص بجماعة الإخوان المسلمين، فى 1926 بحى السيدة زينب فى القاهرة، وربما يكون خروج ذلك القيادى البارز بالتنظيم الخاص فى جماعة الإخوان المسلمين، بسبب تأييده المفرط لاستخدام العنف.
 
ويقول أحمد عادل كمال: كان سقوط السيارة الجيب فى 15/11/1948، وتراءى للنقراشى بها أنه قد تمكن من الإخوان، كان النقراشى رئيسا للوزارة وحاكما عسكريا عام ورئيسا للحزب السعدى، أكثر الأحزاب المصرية هزالا وضعفا حينذاك، كما كان فى نفس الوقت وزيرا للداخلية ووزيرا للمالية فى وزارته.
 
وفى 8/12/1948 أصدر النقراشى أمره العسكرى بحل جماعة الإخوان المسلمين ولم تنقض ثلاثة أسابيع حتى سقط النقراشى قتيلا فى عرينه بوزارة الداخلية برصاص الإخوان، وكان لذلك الاغتيال أسباب ثلاثة، هى كما أفصح عنها عبدالمجيد أحمد حسن الذى اغتاله، تهاونه فى شأن قضية وحدة مصر والسودان، وخيانته لقضية فلسطين واعتدائه على الإسلام بحل الإخوان المسلمين كبرى الحركات الإسلامية فى عصرها.
 
ويتابع أحمد عادل كمال قائلًا: منذ وقع النقراشى قرار حل الجماعة وهو يدرك أنه ارتكب حماقة وتهورا يعرضه لما أصابه، فأعد لنفسه حراسة مشددة وبروجا مشيدة، وكان يذهب أياما إلى رئاسة مجلس الوزراء وأحيانا إلى وزارة الداخلية وأحيانا أخرى إلى وزارة المالية، وقد استدعى الأمر قيام الإخوان بعملية رصد متوال لمعرفة جدوله فى توزيع أيامه على وزاراته. كذلك كان يغير طريقه من منزله بمصر الجديدة إلى أى من تلك الوزارات بوسط المدينة ولذلك استبعدت فكرة اصطياده فى الطريق.
 
ويضيف أحمد عادل كمال: فى صباح يوم الثلاثاء 28/12/1948 ،  ذهبت قوة الحراسة المكونة من الصاغ عبدالحميد خيرت والضابط حباطى على حباطى والكونستابل أحمد عبدالله شكرى إلى منزل النقراشى لاصطحابه، وانتظروا الباشا حتى نزل إليهم قبل العاشرة صباحا بعشرين دقيقة، وركب الأول معه فى سيارته، بينما استقل الآخران سيارة أخرى تتبع السيارة الأولى، ووصل الركب وزارة الداخلية نحو الساعة العاشرة، ونزل الباشا من سيارته أمام الباب الداخلى لسراى الوزارة واتجه إلى المصعد مجتازا بهو السارى وإلى يساره الصاغ عبدالحميد خيرت وخلفه الحارسان الآخران، هذا بالإضافة إلى حراسة أخرى تنتظر بالبهو مكونة من كونستابل وصول وأونباشى بوليس.
 
ويتابع القيادى الإخوانى: وكان هناك أمام وزارة الداخلية مقهى الأعلام تم اختياره مسبقا ليجلس به عبدالمجيد أحمد حسن – 21 سنة - وقد تسمى باسم حسنى فى انتظار مكالمة تليفونية لتلقى إشارة بأن الموكب قد غادر بيت الرئيس فى طريقه إلى الوزارة، وتمت تلك التجربة مرات قبلها، وفى يوم الحادث تلقى «الضابط حسنى» إشارة تليفونية بأن الموكب قد تحرك، فغادر المقهى إلى البهو الداخلى لوزارة الداخلية، وهناك كانوا يخلون البهو من الغرباء فى انتظار وصول الرئيس ولكن عبدالمجيد وقد ارتدى زى ضابط بوليس لم يطلب إليه أحد الانصراف فهو من أهل البيت.
 
إذن الخطوات النهائية لتنفيذ اغتيال النقراشى جاءت كالتالى بحسب أحمد عادل كمال حين غادر عبد المجيد مقهى الأعلام كانت هناك عيون على مقهى آخر ترقبه، شفيق أنس فى زى كونستابل، ومحمود كامل السيد فى زى سائق سيارة بوليس، فتبعاه إلى داخل الوزارة.
 
ويضيف: اجتاز عبد المجيد الباب الخارجى ثم الداخلى وانتظر فى البهو، وجاء النقراشى بين حرسه متجها نحو المصعد حتى إذا صار على وشك ولوجه فاجأه عبدالمجيد بإطلاق ثلاث رصاصات من مسدس برتا إيطالى الصنع كان معه، وقد تم ذلك بسرعة خاطفة وأصابت الرصاصات الهدف فسقط النقراشى على الأرض جسدا له شخير وخوار، كانت الساعة العاشرة وخمس دقائق صباحا، وأخذ رجال الحرس بما حدث فلم يستطع أحد منهم عمل شىء قبل إطلاق المقذوفات الثلاثة.
 
يقص كمال فى كتابه "النقط فوق الحروف.. النظام الخاص والإخوان المسلمون" أنه كان منعزلًا يمارس هواياته فى المنزل، والتى تمثلت فى جمع طوابع البريد وقطع العملات الأجنبية والرسم، قبل أن ينضم إلى جماعة الإخوان فى 1942 أثناء دراسته بالمرحلة الثانوية، معتبرًا أن زعيم الجماعة حسن البنا كان له الفضل فى تحوله إلى شاب مندفع يندمج فى "المجتمع الصاخب بكل ما فيه من نشاط روحى وثقافى ورياضى وسياسى وحركى علنى وسرى".
 
ويضيف كمال فى كتابه أن بعض أعضاء شعبة الجماعة بمنطقة الظاهر تقربوا إليه، بعدما التقوه بالمصادفة لقرب الشعبة من منزله، دون أن ينجذب لدعوة الجماعة فى البداية أو يهتم بفكرة الدعوة إلى الإسلام وإعلاء مجده التى كانت الجماعة تروج لها فى ذلك الحين. ثم طلبت الشعبة مقابلته للاطمئنان عليه بعد غيابه عن أعضائها لفترة، فذهب إلى مقرها واستمع إلى محاضرة ألقاها نائب الشعبة، أو المسئول عنها بلغة الإخوان، القيادى الإخوانى محمد الخضري، وتأثر بها بشدة وأصبح دائم التردد على الشعبة، وكان أشد أصدقائه بداخلها هو العضو حسين عبد السميع الذى كان أول من التقاه من الجماعة وأصر على التعرف عليه.
 
والتحق كمال بكلية التجارة فى جامعة فؤاد الأول وتواصل مع الإخوان بها، والتحق بجوالة الجماعة وشارك فى طوابير الاستعراضات فى بعض المناسبات. حتى عمل بالتنظيم الخاص وقام بترجمة بعض كتب العسكرية الغربية التى خلفتها جيوش قوات المحور والحلفاء إبان الحرب العالمية الأولى والثانية، لتوفيرها لأعضاء التنظيم، كما أشرف على بعض عمليات النظام الخاص ومنها جمع المعلومات عن اليهود المصريين، والمشاركة فى الإعداد لعملية اغتيال القاضى المصرى أحمد بك الخازندار؛ التى أدانها بعد ذلك واعتبرها خطأ، وفقًا لموسوعة الإخوان المسلمين.
 
ثم تخرج من الجامعة فى 1946 وعمل بالبنك الأهلى المصري، وتعرض للسجن ثلاث مرات كان أولها فى 1948 فى قضية "السيارة الجيب" الشهيرة، حيث قام بنقل أوراق خاصة بالتنظيم الخاص تحتوى أسراره ووسائله وأهدافه وبعض الأسلحة المخصصة للحرب فى فلسطين إلى منزل أحد الأعضاء بالعباسية، باستخدام سيارة جيب كان يقودها مصطفى كمال عبد المجيد وكان معهما طاهر عماد الدين. وكان من سكان منزل العباسية مخبر لاحظ أن السيارة لا تحمل أرقامًا فعثر على ما بداخلها من أسلحة ومتفجرات وأوراق، ولاحق من فيها فلا فتم ضبط كمال وعماد الدين فيما هرب عبد المجيد.
 
كما سُجن فى 1954 و1965 رغم فصله من الجماعة فى 1954 مع ثلاثة آخرين من قيادات التنظيم الخاص هم عبد الرحمن السندى ومحمود الصباغ وأحمد زكي، على خلفية النزاع بين التنظيم وقيادة الجماعة بسبب تنفيذ التنظيم عمليات اغتيال دون الرجوع للقيادة، وذكر فى كتابه أن القيادة رفضت إعطائه سببًا للفصل بينما ذكرت موسوعة الإخوان المسلمين أن ذلك جاء بعد اقتحام مجموعة من شباب التنظيم لمنزل المرشد مأمون الهضيبى لإرغامه على الاستقالة.
 
ومن أهم كتبه فى ذلك المجال "الطريق إلى المدائن" و"القادسية" و"سقوط المدائن ونهاية الدولة الساسانية" و"الطريق إلى دمشق" و"الفتح الإسلامى لمصر"، كما ألف سلسلة من الكتب التى تناولت القادة العسكريين من الصحابة، مثل النعمان بن مقرن المزنى وطليحة بن خويلد الأسدى ومحمد بن مسلمة الأنصارى وعدى بن حاتم الطائي. إضافة إلى كونه من أوائل من وضعوا الخرائط للفتوحات الإسلامية مثل "أطلس الفتوحات الإسلامية" وبعض الكتب الأخرى التاريخية مثل "أطلس تاريخ القاهرة" و"تاريخ دولة الكويت".
 
ولكن لم يشتهر من أعمال كمال سوى كتابه الوحيد عن الجماعة وهو "النقط فوق الحروف"، الذى ألفه فى 1987 وتناول فيه طبيعة التنظيم الخاص للجماعة ونشاطه بالتفصيل، ولا يزال كمال على قيد الحياة ولكنه مبتعد تمامًا عن الظهور الإعلامي، ولا يعلق على أى من الأحداث المتعلقة بالإخوان.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق