هل حملات الدفاع عن الرسول لوجه الله أم لأغراض سياسية؟

السبت، 31 أكتوبر 2020 11:00 م
هل حملات الدفاع عن الرسول لوجه الله أم لأغراض سياسية؟
الا رسول الله
أيمن عبد التواب - محمد الشرقاوي

أسئلة الساعة بعد تكرار مسلسلات الإساءة للإسلام والرسول "ص"

كيف تعامل النبي مع مَنْ آذاه؟ 

ما أفضل رد لنصرة الدين ورد اعتبار سيد الخلق؟ 

الأسباب الحقيقية وراء تطاول الغرب على نبي الرحمة؟
 
في مسألة الإساءة إلى النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- بدت جميع الأطراف المعنية، والمتداخلة في القضية أشبه بـ«المقص»، كل طرف يحاول جذب، وشد الطرف الآخر إليه دونما تفكير.. «المغالي» بتشدده وتطرفه، و«المتساهل»، الذي يرى الإساءة لرسول كريم «عادية»، وأنها «حرية تعبير» من أشخاص يجهلون قيمته العظيمة في نفوس المسلمين، وأن غضبة الغاضبين أخذت أكبر من حجمها، بدعوى أن بحر النبي الطاهر، لن تكدره دِلاءُ إساءة المسيئين له، ولا سفالة المتطاولين عليه.
 
وما بين السجال العقيم، والجدال البيزنطي، الذي دار بين هذين الطرفين، ووصل إلى حد إهدار الدماء والأرواح لم ينتبه أحد-  إلا نادرًا- إلى «المسمار» الصغير في منتصف المقص الذي يربط الطرفين ببعضهما، والذي لولاه ما كان لطرفيه قيمة، ولا أديا مهمتهما.. هذا «المسمار» أراه بمثابة صوت الحكمة، وتمام العقل.
 
صوت العقل الذي يحلل الأمور من جميع جوانبها؛ ليبني رأيه على صورة مكتملة الأركان.. صوت العقل الذي يبحث عن الحقيقة قبل أن يتخذ موقفًا، قد يندم عليه مستقبلًا.. صوت العقل الحكيم الذي يستطيع أن يفرق بين ما هو سياسي يخدم فصيل بعينه، أو دولة بعينها، وبين ما هو ديني، يسيئ إلى الدين، ويُحط من العقيدة، وينال من الأنبياء، عليهم السلام.
 
صوت العقل المستقل، وليس العقل «الإمعي» الذي يجعل صاحبه يخوض مع الخائضين، ولو كذَّبوا بيوم الدين.. صوت العقل المتمثل في الموقف «الوسط» ما بين التفريط في الدفاع عن النبي، والتطرف في الدفاع عنه، فنحن- كما مدحنا القرآن الكريم-  أمة وسطًا: «وكذلك جعلناكم أمة وسطًا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدًا».

آليات الدفاع الـ«عشوائية» وغير منضبطة تضر ولا تفيد
ابتداءً، لا ننكر على أحد دفاعه وزوده عن نبيه، ورده على المسيئين والمتطاولين عليه، والمتجاوزين في حقه.. فقط ننكر على بعض الأشخاص لجوئهم إلى وسائل وآليات للدفاع، أراها غير مشروعة، خاصة إذا كانت «عشوائية»، وغير منضبطة، ولم تكن مدروسة بشكلٍ كافٍ، ونابعة من أفراد غير مسؤولين، لأن الأمور ربما تخرج عن السيطرة، ويستغلها بعض المنتفعين لتحقيق مكاسب شخصية، وفي هذه الحالة يكون ضرر حملة الدفاع عن النبي، أو عن الدين، أكبر من نفعه، وقد يجلب علينا المزيد من المشاكل والاتهامات التي نحاول نفيها عنا. 
 
ولأن النبي محمد بن عبد الله- صلى الله عليه وسلم- هو إمام المسلمين وقدوتهم، فسوف نحاول في هذه المساحة- قدر جهدنا- توضيح بعض الأمور المتعلقة بالإساءة إلى الرحمة المهداة للعالمين، وكيف تعامل النبي نفسه مع المستهزئين منه والمسيئين إليه.. هل كان يصبر ويحتسب، أم يأمر بمقاطعتهم- كما يدعو ويفعل بعضنا حاليًا؟ هل كان يرد أو يأمر برد الإساءة بالإساءة؟ هل أمر بالانتقام من الذين تطاولوا عليه، وإهدار دمهم، والتحريض على قتلهم- كما يفعل- الآن- بعض المتطرفين المحسوبين على الإسلام والمسلمين؟.
 
في الآية القرآنية: «وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً»، أمر الله الرسول الكريم بالصبر «عندما آذاه بعض المشركين».. والقرآن الكريم، والأحاديث النبوية الشريفة، وكذلك كتب السيرة والتراث الإسلامي مليئة وعامرة وحافلة بالمواقف التي تعامل فيها الرسول مع مَنْ آذاه وأساء إليه.. وكيف كان إعراضه عنهم، وتجاوزه عن سفاهتهم.. وكيف كان حلمه وصبره عليهم، يسبق غضبه؛ حتى وَصَفَهُ مَنْ عايشه وتعامل معه بأنه- صلى الله عليه وسلم: «يسبق حلمُه جهلَه، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلمًا»!
 
من هذه المواقف النبيلة، ما رُوي عن أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- أن بعض اليهود دخلوا على رسول الله، فقالوا: «السام عليك»- ظنًا منهم أن النبي لن ينتبه إلى استبدالهم السام (الموت) بالسلام- فرد عليهم النبي: «عليكم». فقالت عائشة: «السام عليكم يا إخوان القردة والخنازير، ولعنة الله وغضبه عليكم، ولعنة اللاعنين». قالوا: ما كان أبوك فحاشًا! فلما خرجوا، قال لها النبي: «مهلاً يا عائشة، عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش، فإن الله لا يحب الفحش والتفحش. إن الله يحب الرفق في الأمر كله.. ما حملك على ما صنعت؟» قالت: أما سمعتَ ما قالوا؟ قال: فما رأيتيني قلت: عليكم؟ إنه يصيبهم ما أقول لهم، ولا يصيبني ما قالوا لي».
 
وقبل إسلام اليهودي «زيد بن سَعْنَةَ»، أراد أن يختبر الرسول الكريم في عدة صفات، فقال: ما مِن علامات النبوة شيءٌ إلا وقد عرفتها في وجه محمد حين نظرت إليه، إلا اثنتين لم أَخْبُرهما منه: «يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ، وَلا يَزِيدُهُ شِدَّةُ الْجَهْلِ عَلَيْهِ إِلا حِلْمًا، فَكُنْتُ أَلْطُفُ لَهُ لأنْ أُخَالِطَهُ فَأَعْرِفُ حِلْمَهُ مِنْ جَهْلِه».
 
فاتفق زيد مع النبي على صفقة مادية على أن يأخذ زيد حقه في أجل معلوم، فقال زيد: فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة أتيته فأخذت بمجامع قميصه وردائه، ونظرت إليه بوجه غليظ، فقلت له، ألا تقضيني يا محمد حقي، فوالله ما علمتكم يا بني عبد المطلب لَمَطْلٌ، ولقد كان لي بمخالطتكم علم، ونظرت إلى عمر بن الخطاب وإذا عيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير، ثم رماني ببصره وقال: يا عدو الله! تقول لرسول الله ما أسمع، وتصنع به ما أرى، فوالذي بعثه بالحق، لولا ما أحاذر فوته لضربت بسيفي رأسك. والرسولُ ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة وتبسم، ثم قال: «يا عمر، أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا، أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن التَّبَاعَة، اذهب به يا عمر فأعطه حقه وزده عشرين صاعًا من تمر، مكان ما رعته».
 
هنا كشف زيد عن حقيقة شخصيته، وأنه أحد أحبار اليهود، وما فعله مع النبي ليتأكد بنفسه من صدق نبوته.. الآن أخبرك يا عمر أني قد رضيت بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًا.

آيات كثيرة حثت النبي على ضبط النفس والإعراض عن السفهاء
هناك آيات قرآنية كثيرة تحدثت عن أذى السفهاء لرسول الله، أذىً قوليًا وفعليًا، وأثبتت هذه الآيات ما تعرض له النبي من ضرر نفسي وجسدي، من سب وشتم، وإهانات وسخرية واستهزاء، ومحاولات للقتل.. كقوله تعالى: «وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ».. «ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ».. «بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ».. «فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ».. «وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ».
 
ومن هذه الآيات أيضًا: «وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ».. «وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ».. «يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ».. «وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ».
 
وفي المقابل هناك آيات كثيرة حثت النبي على ضبط النفس والإعراض عن السفهاء، منها: «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ».. «فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ».. «وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً».. «وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ».. «وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ».. «فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ».. «فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ»
 
هذه الآيات وغيرها الكثير، فيها من الأوامر الإلهية للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالإعراض عن إساءة المسيئين، والصبر على أذى السفهاء، وأمره بالترفع عن أسلوبهم في الإساءة والباطل، فخير وسيلة لفضيحة المسيئين هو الانشغال بنشر الحق، وإظهار الحق، وبيان الباطل بالحجة والبرهان .. والمنصور هو صاحب الحق والحجة، والمنهزم هو المنحط في مستوى تفكيره وقصده ومعامتله.

هل غضب النبي- صلى الله عليه وسلم- لهجائه، والإساءة إليه؟
هل معنى ما سبق أن النبي- صلى الله عليه وسلم- لم يغضب لهجائه، والإساءة إليه، والتطاول عليه، ولم يحاول الرد على السفهاء الذين حاولوا النيل منه؟ 
التاريخ يشير إلى وجود روايات عدة تؤكد على أن عددًا من شعراء المشركين، رجالًا ونساءً، هجوا النبي، فأمر بقتلهم، وأهدر دمهم، منهم المسن الأعمى «أبو عفك»، الذي لم يكن يتوقف عن التعريض بالنبي في شعره، فقال الرسول لأصحابه: مَن لي بهذا الرجل؟ فتطوع أحدهم وتسلل ليلًا إلى فناء دار «أبي عفك» وقتله.
 
وفي كتاب «الصارم المسلول على شاتم الرسول» ذكر ابن تيمية رواية هجاء «كعب بن الأشرف» للرسول، فقال النبي لأصحابه: مَن لكعب، فقد آذى الله ورسوله؟ فقتلوه.. وروى ابن القيم الجوزي، في كتابه «المنتظم في التاريخ»، أن الشاعرة «عصماء بنت مروان» قالت شعرًا هجت به النبي فأمر بقتلها، فقتلها عُمير بن عدي، فقال النبي: «لا ينتطح فيها عنزان». أي أن المسألة واضحة لا لبس فيها، كما أن النبي كان قد أهدر دم الشاعر «كعب بن زهير بن أبي سُلمى»، وأمر بقطع لسانه، قبل أن يُسلم ويعتذر للنبي، في قصيدة يقول فيها: أنبئت أن رسول الله أوعدني.. والعفو عند رسول الله مأمول.
 
وعندما كثر الهجاء على النبي، طلب من شاعره الخاص حسان بن ثابت أن يرد على الشعراء بمثل قولهم، فقد روي عن النبي أنه قال لحسان: «اهْجُهُمْ، أَوْ هَاجِهِمْ، وَجِبْرِيلُ مَعَكَ». وفي رواية أخرى «إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لَا يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ مَا نَافَحْتَ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ».
 
الأمر الذي يستحق التوقف عنده، أن القرآن أو السيرة النبوية ليس بهما ردة فعل سلبية على موقف هؤلاء السفهاء من الناس، بل كان الرد عليهم تارة بالحجة والبرهان، وتارة بالتبشير بالخسران في الدنيا والآخرة، وتارة بالدعوة إلى الصبر على أذاهم، وتارة بالدعوة إلى الإعراض والتولي عنهم، وتارة بالدعوة إلى وعظهم وتبيين الحق لهم، وتارات أخرى بالانشغال بما هو مهم ومفيد ونافع للأمة.
 
ويقيني أن الله- عز وجل- يريد منا أن نكون في مثل هذه المواقف: أمّة فاعلة، عاملة، منتجة، منضطبة، راقية، لا أمّة منفعلة سلبية، قاتلة مدمرة مخربة.

الرد الإلهي على والإساءات بالحجة والبرهان والمنطق وبالغضب المنضبط
لقد كان الرد الإلهي على الإهانات، والإساءات، والمؤامرات التي تعرض لها نبيه الكريم، بالحجة والبرهان والمنطق، وبالغضب المنضبط، والاستنكار السلمي بعقل ووعي وعلم، وتثبيت وتبشير، وهذا ما يجب على العالم الإسلامي فعله في المواقف التي يُساء فيها للإسلام وللنبي، فيجب الحذر من الوقوع في هذا الفخ بتصرفات مشينة، بل يجب أن يكون غضبنا منضبطًا، واعتراضنا منطقيًا، وإنكارنا سلميًا، دون حرق أو تخريب أو تدمير، تخريب ولا تدمير.. فهذه الأمور ضررها أكبر من نفعها.. والغضب لله ورسوله، يجب أن يكون موافقًا لما يحبه الله ورسوله.
 
إن الله توعد المسيئين إلى النبي، والمبغضين له بالحسرة والخسارة في الدنيا، والندامة والعذاب في الآخرة: «إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ».. «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا».. «وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ».. «وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً وَجَحِيمًا وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا».. «وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ».
 
في العام 2003، أصدرت فرنسا قانونًا يحظر ارتداء الإشارات الدينية ومن بينها الحجاب في مدارسها الحكومية، حينها رفع المتاجرون بالإسلام شعارات نصرة الدين، ومقاطعة فرنسا المعادية للإسلام رغم تأكيد باريس أن القانون معمم على الجميع؛ مسلمين، ومسيحيين، ويهود، وغيرهم.
 
وبينما كان بعض المتطرفين يحاولون زيادة نار الأزمة اشتعالًا، جاء وزير الداخلية الفرنسي- وقتذاك- نيكولا ساركوزي، في زيارة إلى مصر، والتقى شيخ الأزهر، الدكتور محمد سيد طنطاوي، رحمه الله، والذي كان يدرك جيدًا ما يرمي إليه هؤلاء المتطرفون، من وراء تصديرهم للرأي العام الإسلامي، القانون الفرنسي بحظر الشعارات الدينية، على أنه «حظر للحجاب»، ومحاربة كل ما هو إسلامي!.
 
وخلال المؤتمر الصحفي المباشر مع ساركوزي، قال الشيخ طنطاوي: «الحجاب بالنسبة للمرأة المسلمة فرض إلهي، وإذا قصرت في أدائه حاسبها الله على ذلك، ولا يستطيع مسلم سواء كان حاكمًا أو محكومًا أن يخالف ذلك، وهذا ينطبق على المرأة المسلمة إذا كانت تعيش في دولة مسلمة؛ أما إذا كانت المرأة المسلمة في غير دولة الإسلام كدولة فرنسا مثلًا وأراد المسؤولون فيها أن يقرروا قوانين تتعارض مع مسألة الحجاب للمرأة المسلمة فهذا حقهم.. هذا حقهم.. هذا حقهم.. وأكرر هذا حقهم الذي لا أستطيع أن اعارض فيه، وعندما تستجيب المرأة المسلمة لقوانين الدولة غير المسلمة تكون من الناحية الشرعية الإسلامية في حكم المضطر».
 
وحين قال أحد الصحفيين الشيخ طنطاوي: المسلمون متضررون من قانون منع ارتداء الحجاب الذي أقرته فرنسا؛ فكيف تقول إن هذا حقهم؟ فأجابه بقوله: «المسلم الذي يعيش في دولة غير مسلمة عليه أن يلتزم بقوانينها، واللي مش عايز يلتزم بالقانون فالمسألة سهلة: يرجع بلده»
 
والإساءة إلى الدين، وإلى الأنبياء، عليهم السلام، وبخاصة النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- ليس آخرها الرسوم المسيئة التي نشرتها مجلة «شارلي إيبدو» الفرنسية، وتسببت في وقوع قتلى وجرحى جراء هجوم بعض المسلمين على مقر الجريدة، بل سبقتها الرسوم الدنماركية المسيئة عام 2005، والفيلمان الهولنديان «الخضوع» عام 2004، و«فتنة» عام 2008، والفيلم الإسرائيلي «براءة المسلمين» عام 2012.
 
هذه التواريخ من الحوادث المؤسفة، ربما تدفع بعضنا للتساؤل عن أسباب إثارة عواطف المسلمين، بالإساءة إلى الرسول الكريم، من وقت إلى آخر.. وظني أن الإجابة لن تخرج عن الأسباب التالية:
 
أولًا: الجهل بحقيقة النبي، بجانب تزامن هذه الإساءات مع ضعف الدعاة، وضعف الترويج لصحيح الدين، فظهر الإسلام بصورة مشوهة استغلها بعض السفهاء، وصدروها للعالم تحت ستار «حرية التعبير».
 
ثانيًا: الحصول على الشهرة، ولو بإثارة الجدل، واستفزاز مشاعر 1.9 مليار مسلم حول العالم.
 
ثالثًا: صرف الأنظار عما يجري من مجازر للأقليات المسلمة في بعض الدول العالم، فبدلًا من توجه القلوب والمشاعر نحو هذه المجازر، كان التدبير الخبيث بصرف تعاطف مشاعر العالم نحو المظلومين المضطهدين، إلى إثارتها وحصرها في الرموز الدينية، ليحققوا ما أرادوا، ويزيدوا غرقنا في جهلنا.
 
رابعًا: إظهار المسلمين بصورة سيئة، من خلال تركيز الإعلام الغربي على «الغضب السلبي» للرافضين الإساءة لنبيهم، لكنهم تجاوزوا في ردة أفعالهم وتصرفاتهم، فمارسوا الحرق والقتل والتخريب!
 
لذا يجب على المسلمين أن يكون أكثر وعيًا بمخططات أعدائهم، وأن يعملوا على إظهار السيرة المشرفة للنبي، وأن يكون انفعالهم الصحيح بإظهار الحق، وفعل المعروف، وترك المنكر. وإظهار حقيقة هذا الدين.
 
خلاصة القول.. الغضب من أجل دين الله، والانتفاضة ضد الإساءة لرسول الله، فريضة دينية، وفطرة الإنسانية، لأن النبي الكريم كان- ولا يزال- رحمة للعالمين، ورجل سلام للناس أجمعين، وطيلة حياته لم يؤذ، إنسانًا ولا حيوانًا، لكن ما نؤكد عليه، أن الغضبة من أجل الرسول الكريم يجب أن تكون غضبة منضبطة بالأخلاق الفاضلة، والمبادئ الراقية، وأن يكون الاحتجاج على من آذى الرسول، وأساء إليه بالقول أو بالفعل، أو حتى بالإشارة، احتجاجًا وإنكارًا سلميًا، كما فعل النبي مع السيدة عائشة وعمر بن الخطاب، عندما غضبا نصرة للرسول الكريم، فعندما سَبَّتْ أم المؤمنين اليهود الذين دعوا على الرسول بالموت في وجهه، لم يرض النبي هذا الأسلوب، وقال لها: «مهلاً يا عائشة، عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش، فإن الله لا يحب الفحش والتفحش».
 
وكذلك فعل النبي مع عمر بن الخطاب، الذي تكرر منه هذا الغضب تجاه اليهودي زيد بن سعنة، نصرة للرسول الكريم، فما كان من النبي إلا أن أرشد الفاروق إلى الطريق الصواب، قائلًا له: «يا عمر، أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا، أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن التَّبَاعَة».
 
وهناك مواقف نبوية كثيرة تأمر بضبط النفس عند الغضب نصرة لله ورسوله، كي يكون الغضب مثمرًا وفعالًا، وفي الوقت نفسه، ومقيدًا برضا الله ورسوله. أما الغضب بعنف وتصرفات فيها تشويه للإسلام ونبي الإسلام، فهذا لا يرضاه الله ورسوله، وبخاصة إن تعدى إلى القتل والتخريب والتدمير، ما يعود على الإسلام والمسلمين بأذى وخطر شديد.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق