وقالت الصناديق للمواطن نعم

السبت، 31 أكتوبر 2020 05:53 م
وقالت الصناديق للمواطن نعم
هشام السروجى

 
انتهت الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية، والتي لم تحسم نتائجها الكاملة في المرحلة الأولى بالضربة القاضية إلا قليل، لكنها اعادت ترسيم المشهد السياسي في الشارع المصري، وحطمت نظريات الكثيرين من المحللين، وكعادة الشعب المصري أتت مشاركته واداءه أمام صناديق الاقتراع مخالف لكل التوقعات، فالأمر كان أشبه بمباريات الدوري الإنجليزي التي من الصعب توقع نتائجها.
 
المشهد الإنتخابي أكد على مكاسب سياسية لصالح المواطن لا يمكن انكارها، وكان التدفق الجماهيري على اللجان هم كل المرشحين الذين سعوا بكل أدواتهم في التحشيد وحث الناخبين على المشاركة، لأنهم أدركوا جيدًا أن خفة يد البطاقة الدوارة وتسويد الاستمارات والعبث بالصناديق، لن يحدث قولا واحدا، فالمعارك الغير محسومة في جميع الدوائر الانتخابية، وحالة الزخم السياسي الذي غابت سنوات عن الشارع، الشعور الشعبي بأن وجوده مؤثر في العملية الانتخابية، وأن زمن تصويت الأموات في الانتخابات قد ذهب بغير رجعة، جميعها مكاسب لم تتحقق من قبل منذ ثورة 25 يناير.
 
نعم حدثت تجاوزات لكنها لا تشين العملية الانتخابية، حتى المال السياسي نفسه كان صاحب دور محدود، فلا استطاع إنجاح من غابوا عن الشارع، بل كان أحد أسباب التصويت العقابي ضدهم في عدد ليس بقليل من الدوائر، ومن الممكن القول بأن روح المنافسة السياسية بدأت العودة للشارع، خصوصا في معركة المرشحين الفرديين.
 
كذلك كشف المشهد عن حالة شغف شديدة لدي المواطن وتعطش للتعددية الحزبية التي فشلت الأحزاب والنخب في توفيرها، وانشغلوا في الصراع على حجز مقاعدهم في القوائم والتعيين، بدلًا من الاشتباك مع الشارع واثراء الحياة السياسية، وعلى مستوى القائمة كان هذا الشغف للتعددية أكثر وضوحًا، حيث أدت قائمة "نداء مصر" في الصعيد أداء معتبر بالنسبة لمشاركتها الأولى، ويعود هذا الأداء لعدة أسباب، منها اعتقاد بعض سياسي الجنوب أنه تم اهمال الحسابات القبلية الفاعلة في الصعيد، حيث لم تأتي القائمة الوطنية من أجل مصر محققة لأمال البعض منهم، فكان الرد هو التصويت لنداء مصر كنوع من اظهار الرفض، وتوجيه المال السياسي لصالح القائمة المنافسة، مثلما حدث في دائرة الجيزة والدقي والعجوزة، وجميعها أمور من المؤكد تداركها في الاختيارات القادمة.
 
«الطباخ السياسي» هذه المرة أدار مطبخه بدرجة عالية من التوازن في معركة المنافسة على المقاعد الفردية، مقارنة بما سبق من انتخابات واستحقاقات دستورية بعد ثورتي 25 يناير و30 يونيو، ووقف على مسافة واحدة من الجميع.
 
ومن خلال متابعة نتائج مرشحي حزب مستقبل وطن الذي حاز على الأغلبية في البرلمان السابق، كانت بالنسبة لي دلالة قطعية على نزاهة العملية الانتخابية، حيث أثبتت الجولة الأولى خطأ الاعتقاد بأن الترشح تحت راية «مستقبل وطن»، ليس جواز مرور ساري للتواجد تحت القبة مثلما روج البعض، بل كانت الكلمة الأولى والأخيرة للشارع، فلا جهات تدخلت ولا صناديق مٌسّت ولا توجيهات بتدخلات عليا لصالح حزب أو مرشح، الكل كانوا سواء والاختيار حق للمواطن، هذا الأمر لا ينتقص من حزب مستقبل وطن لكنه يُعلي من شأن نزاهة العملية الانتخابية، وأعتقد أن جولة الإعادة ستحمل العديد من المفاجآت، وأن عدد المستقلين تحت القبة سيكون رقما معتبرا يؤكد على التعددية، وسيادة الصوت الانتخابي في تحديد من يمثله تحت القبة.
 
وبالتأكيد لن ينتهي المال السياسي من التدخل في رسم الخريطة السياسية على المستوى المحلي أو الدولي، لكن تأثيره تراجع هذه المرة، فسواء تدخل هذا المال على شكل تبرعات كما يحدث في الانتخابات الأمريكية، أو على شكل سلع تموينية مباشرة كما حدث أمام بعض اللجان الانتخابية من مرشحين مجلس النواب، لكن النضوج السياسي للمواطنين جعله سلاح ذو حدين، فهناك من سخر عشر الملايين في الدعاية المباشرة وتقديم مبالغ مالية، لكن في نهاية الأمر سقط بالضربة القاضية في المرحلة الأولى، ولم ينجيه ماله بل زاد أوجد حالة غضب شعبي ضده.
 
كذلك خلق المال السياسي حالة من التصويت العقابي، فلسان حال الناخبين كان "نعم سنحصل على المال لكن سنعطي صوتنا لمن يستحق"، وهذه الانتخابات شهدت تراجع تأثير المال السياسي أمام الوعي الجماهيري.. نعم تواجدت محاولات التأثير على الناخبين بتوزيع المال والسلع الغذائية، لكنه لم يؤثر على النتائج الفعلية النهائية في الجولة الأولى، في ظاهرة تستحق الوقوف أمامها كثيرًا، وتضع قوانين جديدة لأساليب التحشيد التقليدية التي كان يتحكم فيها المال وحده، أعتقد أن المال لن يصبح هو رقم واحد في المعادلة بل سوف يتراجع.
 
وكان لافتاً أن بذخ الدعاية الانتخابية وتسخير المال في الوصول إلى البرلمان، جعل المواطنين يسألون.. ماذا سيحقق المرشح من مكاسب مقابل هذا المال؟
الإجابات وأن كان بعضها من وحي الخيال الشعبي، إلا أنه يفقد المرشح أي مصداقية حين يتحدث عن العدالة وعن الرغبة في خدمة الوطن والمواطنين من خلال التمثيل البرلماني، نعم المال يلعب دورا مهما في المعادلة، لكن من الغباء أن يعتقد البعض أنه رقم 1 في المعادلة، والامثلة كثيرة في الجولة الأولى ولا نريد التطرق لشخوصها، لكن هناك من أنفق ما يزيد عن 50 مليون جنيها في الدعاية وشراء الأصوات في دائرته، لكنه في النهاية هُزم من الجولة الأولى.
الرهان على حالة العوز الجماهيري هو رهان خاسر لا محالة، ولا أنكر أن هناك من أنفق أرقام فلكية وحقق انتصار ساحق، لكن هناك معطيات كانت تسبق الملايين، ولولاها ما حقق نتيجة تذكر، فقاعدته الجماهيرية كانت في الأساس قوية، وتواجده في الدائرة واضح ومؤثر، فكان المال عنصر مساعد وليس أساسيا في تحقيق النجاح بالضربة القاضية في الجولة الأولى.
 
اتوقع ان تنتهي الانتخابات البرلمانية وتأتي نتائجها لتثبت أن عدد المستقلين الذين فازوا عبر المقاعد الفردية كاشفة لأن الشارع لا يتأثر بأية حسابات سياسية ضيقة، وأن الاستناد على العمل الجماهيري هو الفيصل في أي معركة انتخابية، ومن ثم على احزاب المقدمة تغيير استراتيجيتها في الشارع وفي اختيار نوابها، بطريقة يغلب عليها الرضا الجماهيري في المقام الأول ثم باقي العوامل الاخرى من بعده.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق