إذا لم تستح فاصنع ما شئت.. أدوات قطر لتنفيذ استراتيجيتها في القرن الإفريقي

الخميس، 12 نوفمبر 2020 08:00 م
إذا لم تستح فاصنع ما شئت.. أدوات قطر لتنفيذ استراتيجيتها في القرن الإفريقي

لا تستح إمارة قطر من ارتكاب أبشع الجرائم الإرهابية والسياسية لخدمة مصالحها وتحقيق تطلعاتها وأحلامها في المنطقة، ولعل ما تقوم به إمارة الإرهاب في دولة الصومال الشقيق الذي طالما عانى ولا زال يعاني من ويلات الإرهاب، نتيجة توجهات استراتيجية قطرية بداية من تبادل التمثيل الدبلوماسي، مروراً بإيصال الموالين لها لمراكز السلطة، ودعم التنظيمات ذات التوجهات المتشددة، واستخدام المساعدات الإنسانية للولوج للداخل الصومالي.
 
وفى هذا السياق أصدرت وحدة الشئون الأفريقية والتنمية المستدامة بمؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، ورقة تحليلية عن "التدخل القطري في الصومال ومدى تأثيره على تحقيق الهدف السادس عشر من أهداف التنمية المستدامة"، وأوضحت المؤسسة أن دولة الصومال تعانى من تراجع واضح في الحق في الأمن، لا سيما مع النشاط الملحوظ لحركة الشباب الإرهابية في البلاد، مؤكدة أنه لا يمكن تحقيق التنمية المستدامة في الصومال فى الوقت الذى تعانى فيه البلاد من نزيف الانقسامات على نحو متزايد، حيث تتزايد صعوبة الصراع والحرب ضد حركة الشباب المتوغلة في البلاد.
 
وأشارت مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان إلى أن التدخل القطرى لدعم الإرهاب في البلاد سببًا رئيسًا في تراجع هذا الهدف، لا سيما في الغاية الأولى من الهدف المتعلقة بالحد من العنف، والغاية الرابعة المتعلقة بالحد بقدر كبير من التدفقات غير المشروعة للأموال والأسلحة.
 
وأضافت أن قطر تعتمد في تنفيذ استراتيجيتها في الصومال على أدوات عديدة، بداية من تبادل التمثيل الدبلوماسي، مروراً بتجنيد العملاء، وإيصالهم لمراكز السلطة، في الحكومة والبرلمان والقوات المسلحة، ودعم التنظيمات ذات التوجهات المتشددة، خاصة جماعة الشباب المجاهدين.
 
ولفتت المؤسسة إلى أن قطر قد تنبهت إلى أهمية موقع الصومال بإقليم القرن الأفريقي، وهو أمر مشروع في المجتمع الدولي طالما لم يخرج عن نطاق الاعتماد المتبادل والاستفادة الشرعية، لكن المشكلة في توجهاتها لاتخاذ الصومال كقاعدة للانطلاق لتنفيذ مخططاتها في الإقليم، مستغلة هشاشة الدولة، وضعف قياداتها، وحاجة الصوماليين للمساعدات الخارجية، حيث تتحرك قطر انطلاقاً من دوافع عدة أهمها، التخلص من عقدة الدولة الصغيرة، والانتقام من خصومها السياسيين، ودعم مخططات حلفائها الدوليين والإقليميين.
 
ووفقا للتقرير الحقوقى كانت البداية بعد نشر الوثائق المسربة على موقع ويكيليكس، أشارت فيها السفيرة الأميركية السابقة في الأمم المتحدة "سوزان رايس" أنها كانت قد طلبت في 2009 من تركيا الضغط على قطر لوقف تمويل حركة الشباب، وقالت "رايس" حسب الوثيقة إن التمويل كان يتم عبر تحويل الأموال إلى الصومال عن طريق إريتريا، ونفس الاتهام كرره رئيس الحكومة الانتقالية آنذاك شريف شيخ أحمد، الذي قال خلال اجتماع مع دبلوماسيين أميركيين في ليبيا إن حكومة قطر تقدم الدعم المالي إلى حركة الشباب، وهو ما يبين تنبه المجتمع الدولي للدور القطري في دعم الحركات الإرهابية.
 
وأوضح التقرير أن الأمر تأكد في مايو 2019، بعدما انفجرت سيارة مفخخة صغيرة خارج محكمة في مدينة بوصاصو الساحلية المزدحمة في شمال الصومال، والتي أشارت تقارير إخبارية محلية إلى أن الأمر يتعلق بالمتشددين الإسلاميين الذين ينتقمون من الضربات الجوية الأمريكية، وأصيب فيها 8 أشخاص على الأقل، وأعلن فرع محلي لتنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته، لكن في تسجيل صوتي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" في يوليو 2019 لمكالمة هاتفية مع السفير القطري في الصومال، قال رجل أعمال مقرب من أمير قطر "خليفة كايد المهندي" إن المسلحين نفّذوا التفجير في بوصاصو لتعزيز مصالح قطر بطرد منافستها الإمارات العربية المتحدة، وكانت المكالمة في 18 مايو 2019، بعد حوالي أسبوع من التفجير، قال فيها نصًا: "التفجيرات والقتل، نعرف من يقف وراءها"، وقال إن العنف كان "يهدف إلى جعل سكان دبي يهربون من هناك، دعوهم يطردوا الإماراتيين فلا يجددوا العقود معهم وسأحضر العقد هنا إلى الدوحة"، وهو الأمر الذي يؤكد حقيقة الدور القطري المزدوج في هذه الدولة المنكوبة بالصراع منذ العام 1991.
 
وبالحديث عن الرد القطري الواهي على هذا الأمر، فقد أكدت الإدارة القطرية "أن الحديث الوراد في التسريب الصوتي لم يكن حديثاً رسمياً"، لكنها قد تناست أن السفير القطري بالصومال الذي كان يوجه له الحديث هو الممثل الرسمي للدوحة، وأنه لم يعرب عن استنكاره لتلك التفجيرات، وقد سبق اتهام رجل الأعمال القطري الوارد اسمه بالتسريب الصوتي، والذي اصطحبه أمير قطر خلال جولته بإندونيسيا في يونيو 2019، بدعم العناصر الإرهابية بليبيا، عبر تحويل الأموال إليهم، من خلال أحد البنوك التي تعمل في تونس.
 
وقد سعت قطر من خلال تلك التفجيرات إلى تحقيق أهداف منها الإيقاع بين دولة الإمارات العربية المتحدة وحكومة مقديشيو، رغم أن الإمارات تأتى في المرتبة الأولى عربياً، قياساً بدورها في دعم جهود لإعادة الإعمار بالصومال، وتدعيم قواتها المسلحة، مالياً وتدريبياً، وتقديم المساعدات الإنسانية، وهو ما يعيد للأذهان الدور القطري في تدبير حادث احتجاز الطائرة الإماراتية بالصومال، ومصادرة الأموال التي كانت على متنها، رغم أنها كانت موجهة لدعم القوات المسلحة الصومالية بمقديشو، وكذا تحريض الدوحة لحكومة جيبوتي ضد شركة موانئ دبي، خلال أزمة ميناء "دوارليه" للحاويات.
 
وأوضحت مؤسسة ماعت في تقريرها أن الهدف الثاني من التفجير يأتى في تهديد الملاحة بخليج عدن ومضيق باب المندب من جانبه الأفريقي، وقد سبق لقطر بالفعل أن دعمت أحد الفصائل الإرهابية المنشقة عن حركة الشباب المجاهدين، وهو فصيل عبد القادر مؤمن، الذي يتمركز في "جبال جال جالا" في بونت لاند على خليج عدن، وذلك بعد مبايعته تنظيم داعش، في أكتوبر عام 2015 للإعلان عن إنشاء فرع جديد للتنظيم باسم "ولاية القرن الأفريقي".
 
فضلا عن استغال المساعدات الإنسانية في تقديم الدعم المالي للإرهاب، حيث يتهم الصوماليون قطر بتوظيف المساعدات الإنسانية كسلاح لدعم الجماعات المؤيدة لسياستها، فقد رحبت الدوحة بقرارِ صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، بتخفيفِ الديون عن الصومال، وقدَّمتِ الدوحةُ أموالًا طائلة، عبر صندوق قطر للتنمية، إلى الحكومة الصومالية الرسمية؛ بقيادة الرئيس محمد عبد الله فرماجو، ظاهريًا، لمشروعاتٍ تنموية، ورغم أنه من المفترض مشاركةُ صندوق قطر في مكافحة نشاط التطرف العنيف – وقد أشادت الولايات المتحدة بذلك – فإن هناك مؤشراتٍ قوية على أن هذا الصندوق استغل لتوجيه الموارد إلى المتطرفين الإسلاميين؛ في دولٍ مثل ليبيا وسوريا.
 
وكشف التقرير عن وجود هيمنة قطرية على نظام فرماجو الرئيس الصومالي الحالي، ووضعه في موضع الاتهام أمام شعبه، والوقيعة بين الحكومة الصومالية المركزية وحكومات الأقاليم، وذلك بالضغط على الرئيس الصومالي لعزل حكام الأقاليم الرافضين للتدخلات القطرية، وهنا تجدر الإشارة للدور القطري في تمويل العمليات الإرهابية وأحداث العنف بولاية جنوب غرب الصومال، بغية إقصاء حاكمها، وسعيها لعزل أحمد دعالي، حاكم ولاية غلدمج، وأحمد مدوبي حاكم جوبا لاند، عبر التدخل المباشر في العمليات الانتخابية، وهو ما كان سببًا في الأزمة بين الحكومة الفيدرالية والأقاليم لم تخرج منها الصومال حتى اليوم.
 
بالإضافة إلى اقتراح قطر، تعيين فهد ياسين، لرئاسة وكالة الاستخبارات والأمن الوطني الصومالية (نيسا) على الرغم من أن ياسين، ليس لديه خلفية أمنية أو استخباراتية، ولم يكن سوى صحفي استقصائي في الجزيرة القطرية، وقام ياسين بتفكيك الركائز الأساسية للوكالة، واستبدل بالعملاء المحترفين وذوي الخبرة هواة متملقين، وخدم على نحو فعال كمركز لتبادل المعلومات لعمليات الاستخبارات القطرية في القرن الأفريقي، ولم تعد عمليات "نيسا" تركز على المعركة ضد حركة "الشباب"، وعوضا عن ذلك فهي تهدف لإسكات المعارضة السياسية والأصوات المنتقدة في المجتمع المدني، وهو الأمر الذي حذر منه رئيس جهاز الأمن والمخابرات الصومالي السابق عبد الله محمد علي، من أن سياسات الرئيس محمد عبد الله فرماجو تجاه أطياف المجتمع، وسيطرة قطر على مفاصل البلاد، يهدد بانهيار الصومال.
 
كذلك تتوالى الاتهامات من حكام الأقاليم في البلاد، فقد وُجِّهت اتهامات من أحمد مدوبي رئيس ولاية جوبالاند لقطر بأنها تدعم زعزعة الاستقرار في بلاده، وتصر على المضي قدما في تغذية التوترات في بلد يعاني من ويلات الصراعات منذ عقود، وتتمسك بأن تكون النزاعات والتوترات مدخلا لتكريس التسلل في مفاصل دولة مفككة أصلا، وقال مدوبي إن "استمرار قطر وتركيا في إرسال الأموال إلى الحكومة الفيدرالية يستهدف زعزعة الاستقرار، لأن القيادة الصومالية لا تختلف عن حركة الشباب الإرهابية التي تقتل كل من يختلف معها، بينما رؤساء المؤسسات يعلنون الحرب على جميع معارضيهم".
 
ولفت النظر إلى أن الحكومة الفيدرالية أوقفت الحرب على حركة الشباب والتنظيمات الإرهابية المتناغمة معها، وتفرغت لتدمير الولايات الإقليمية مستخدمة في ذلك المال والسلاح، مؤكدا أنه على الدوحة أن تتوقف عن الدعم المالي والعسكري المستخدم في التدمير، وأنه ليس من المستبعد أن يكون وراء تأجيج التوتر في جوبالاند تخطيط قطري لتبرير تقديم المزيد من الدعم المالي والعسكري لفرماجو للسيطرة على الإقليم قبل موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية المقرر لها مطلع العام المقبل، لما تشكله هذه الولاية من أهمية في تحديد مستقبل الحكم في مقديشيو.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق